علاقات مصر وتركيا.. ملف واحد يهدد بالعودة إلى المربع صفر
تاريخ النشر: 20th, November 2024 GMT
تطورٌ كبيرٌ شهدته العلاقات بين مصر وتركيا مؤخرًا بعد سنوات تراكمت خلالها الخلافات بين البلدين، حتى كادت تصل بهما إلى حافة الحرب.
اليوم نعيش النقيض تمامًا بعدما تحسّنت العلاقات بين البلدين بدرجة كبيرة وصلت أخيرًا إلى عقد مشاورات مكثفة حول أفريقيا انتهت بالإعلان عن "مساحات تفاهم وتعاون مشترك" بين البلدين.
فكيف حدث هذا التطور؟ وهل سيستمر طويلاً أم أن الخلافات التي لم تُحسم بعد بين البلدين قد تنسف جهود المصالحة وتعود بهما إلى المربع صفر؟
ثورة يناير والحلم التركي الكبير
بعد ثورة 25 يناير 2011 في مصر، أظهرت تركيا رغبة كبيرة في توثيق علاقتها بمصر، وعقب تنحي الرئيس حسني مبارك كان عبدالله غول أول رئيس دولة أجنبية يزور القاهرة، بعدها بعدة أشهر أعلن وزير خارجيتها أحمد داود أوغلو أن بلاده تعتزم بناء تحالف مع "مصر الجديدة" لتأسيس "محور ديمقراطي" بالشرق الأوسط وتوقع زيادة الاستثمارات التركية في مصر من 1.5 مليار دولار إلى 5 مليارات خلال عامين فقط.
وبحسب ما أوردته الباحثة نيبال عزالدين في أطروحتها "أثر التحولات الثورية على السياسة الخارجية التركية تجاه مصر (2011- 2015)"، فإن أنقرة بعدما خسرت حليفتها السابقة سوريا على وقع الخلاف على كيفية تعامل نظام الرئيس بشار الأسد مع تظاهرات المعارضين ضده، سعت لأن تكون مصر هي "الحليف البديل" معتقدةً أنها ستكون بوابة لتركيا في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وأوضح مايكل أنجلو جويدا أستاذ العلوم السياسية في جامعة "إسطنبول 29 مايو" لـ"الحرة"، أن تركيا حاولت أن تكون نموذجًا مُلهِمًا للدول التي مرّت بثورات الربيع العربي، على أمل أن تكون زعيمة إقليمية لها.
وفي أول انتخابات رئاسية بمصر بعد الثورة نجح الرئيس الراحل محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين، الحليف التقليدي للزعيم التركي رجب طيب إردوغان، الذي أظهر ترحيبًا كبيرًا بتعميق العلاقات، وتبادل زعماء البلدين الزيارات ووقّعا عدة اتفاقات لزيادة التعاون الثاني.
وفي نوفمبر 2012 زار إردوغان مصر وألقى خطابًا حاشدًا في جامعة القاهرة أعلن خلاله بناء مرحلة جديدة من التعاون الاستراتيجي بين مصر وتركيا.
وخلال هذه الفترة زار تركيا وزير الدفاع -آنذاك- عبدالفتاح السيسي في مايو 2013 على رأس وفد عسكري التقى كبار المسؤولين الأتراك لبحث تعزيز العلاقات العسكرية بين البلدين.
ما بعد 30 يونيولم يطل بقاء مرسي في السُلطة كثيرًا إذ تمت الإطاحة به في 30 يونيو 2013 على وقع التظاهرات الحاشدة التي خرجت في هذا اليوم للاعتراض على سياساته.
بحسب كتاب "تركيا والربيع العربي: صعود العثمانية الجديدة وسقوطها" لمحمد نور الدين فإن تركيا قادت معارضة "هستيرية" ضد الإطاحة بمرسي؛ فلقد شنَّ إردوغان وكبار مسؤولي حكومته مثل وزير الخارجية ووزير الدفاع عصمت يلماز هجومًا حادًا على السيسي، بالإضافة إلى ذلك وصفته صحيفة (بني شفق) المُقرّبة من حزب الحرية والعدالة بأنه "بينوشيه مصر" في محاولة لتشبيهه بالجنرال التشيلي أوغستو بينوشيه الذي انقلب على الرئيس سلفادور الليندي وحكم البلاد بدلاً منه 17 عامًا بالحديد والنار.
إردوغان لم يكتفِ بالهجوم على السيسي فقط وإنما انتقد أيضًا شيخ الأزهر أحمد الطيب بسبب تأييده لعزل مرسي فوصفه بـ"الجاهل"، وسمح للآلاف من عناصر وقيادات جماعة الإخوان بالهروب إلى تركيا التي استضافت أيضًا عددًا من اجتماعات التنظيم العالمي لجماعة الإخوان المسلمين بهدف بحث كيفية إسقاط النظام المصري الجديد.
ووفق ما أورد عيسى الشلبي في دراسته "تأثير التغيرات السياسية المصرية في العلاقات بين مصر وتركيا"، فإن البلدين استدعيا سفيريهما لدى الدولة الأخرى في أغسطس 2013 إلا أن تركيا أعادته بعد 3 أسابيع بسبب رغبتها في "مراقبة ما يحدث عن قُرب".
وفي نوفمبر من العام نفسه أعلنت القاهرة طردها للسفير التركي وتخفيض مستوى العلاقات بين البلدين لدرجة القائم بالأعمال بسبب "موقف تركيا في تحريض المجتمع الدولي ضد المصالح المصرية".
هذه الخطوة رد عليها إردوغان بقوله إنه "لن يحترم أبدًا أولئك الذين استولوا على السُلطة بانقلاب"، وبعد عامٍ من الإطاحة بمرسي أجريت انتخابات رئاسية في 2014 فاز السيسي بأكثر من 96% من أصواتها مقابل منافسه حمدين صباحي، ووصفه نائب رئيس الوزراء التركي أمر الله إيشلر بأنه "انتخابات كوميدية".
ةاعتبر المحلل السياسي التركي محمد زاهد غول في حديثه لـ" الحرة" أن مثل هذه التصرفات كانت مخالفة للقواعد التي سارت عليها السياسة الخارجية التركية منذ إعلان الجمهورية كعدم التدخل في شؤون الآخرين والسعي لتعميق العلاقات مع مختلف دول العالم.
ويضيف غول "بسبب هذا الانحراف جرى الابتعاد عن ثوابت السياسة الخارجية الرسمية لصالح (مقاربات أيديولوجية) وهو أمر كان مثار امتعاض كثيرٍ من موظفي وزارة الخارجية التركية آنذاك".
هذا التوتر السياسي انعكس على العلاقات الاقتصادية بين البلدين عقب إعلان القاهرة في أكتوبر 2014 رفضها تمديد اتفاقية الخط الملاحي مع تركيا "الرورو" المعنية بتسهيل حركة التجارة بين الطرفين، وهو ما ألحق خسائر بأنقرة فاقت الـ500 مليون دولار، وألقى بظلالٍ سلبية على 10 آلاف تركي كانوا يعملون في إطار هذه الاتفاقية.
وقال غول إن علاقة أنقرة توترت بالكثير من الدول العربية والإسلامية والأوروبية أيضًا بسبب موقفها من مصر وهو ما حاولت الرئاسة التركية التقليل منه عبر وصفه بـ"العزلة المفيدة".
نُذُر الحرب في ليبيافي ضوء فزع حكومة الوفاق الوطني الليبية من هجومٍ شامل أطلقه الجنرال خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي ضد العاصمة طرابلس في أبريل 2019 بادرت الحكومة إلى طلب العون من أنقرة. وبدءًا من يناير 2020 بدأ الجيش التركي في بناء مركز عمليات وتدريب عسكري داخل ليبيا للإشراف على المساعدات العسكرية المُقدّمة إلى حكومة الوفاق.
أحدث التدخل التركي تحولا في سير المعارك وبعدما كانت طرابلس مهددة استعادت حكومة الوفاق سيطرتها على مدن الغرب الليبي كاملةً حتى وصلت إلى مشارف مدينة سرت الاستراتيجية.
هذا التوسّع المدعوم من تركيا مثّل تحديًا كبيرًا للنظام المصري ليصل بالخلافات مع أنقرة إلى ذروتها بعدما لم تكتفِ القاهرة برفض التواجد العسكري التركي قُرب أراضيها وإنما أعلنت نيتها التصدي لهذه التموضع ولو بالقوة العسكرية، وهو ما دفع السيسي لإطلاق تصريح شهير اعتبر فيه أن تجاوز قوات حكومة الوفاق الخط الواصل بين مدينتيْ الجفرة وسرت "خط أحمر بالنسبة لمصر" وهدّد بإرسال الجيش المصري إلى داخل ليبيا.
أما تركيا فقد ردّت على هذه الخطوات عبر إعلان المتحدث بِاسم وزارة خارجيتها حامي أقصوى بأن "الإدارة المصرية هي العقبة الحقيقية أمام السلام في ليبيا"، أما مستشار إردوغان، ياسين أقطاي، فصرّح مهددًا "تدخل مصر المباشر في ليبيا سيجعل على القاهرة أن تضع في اعتبارها مواجهة تركيا".
لاحقًا جرى احتواء هذه الأزمة بمبادرة تركية بعدما تواصل الملحق العسكري لتركيا بالجزائر مع نظيره المصري لبحث كيفية إنهاء الأزمة، بعدها بدأت اتصالات بين البلدين عبر أجهزة استخبارات لتتفقا بالنهاية على أساسيات التهدئة في ليبيا، وكانت هذه الأزمة بداية لتحسن العلاقات بين القاهرة وأنقرة.
وبحسب غول فإن أنقرة أخذت زمام المبادرة وقررت العمل على تصحيح المسار لتحسين العلاقات بين البلدين.
ويعتبر الباحث في الشأن التركي والتر بوش خلال حديثه لـ"الحرة" أن إردوغان أدرك في هذه اللحظة أن الحقائق على الأرض أهم بكثير من الأحلام، وأن الاعتماد على "النوستاليجا العثمانية" لن يحقق له أي نجاح في التوسع بالمنطقة العربية، بدلاً من ذلك يجب عليه التفكير بشكلٍ نفعي فقرّر التخلي عن دعم جماعة الإخوان المسلمين ومصالحة مصر حتى تكون بوابته للعودة إلى الشرق الأوسط.
وهو ذات ما تعرّض له الباحث المتخصص في الشأن التركي مصطفى صلاح حين أوضح أن هناك العديد من المتغيرات التي دفعت تركيا للتراجع عن موقفها تجاه مصر، أبرزها أن الخلافات المستمرة مع عددٍ ليس بالقليل مع دول المنطقة كان له انعكاسات سلبية على الاقتصاد التركي وهو ما أدّى إلى انخفاض حجم التصويت لإردوغان وحزبه بالانتخابات البلدية وخسارته لأكثر من بلدية كبرى مثل إسطنبول وأنقرة بعدما كانتا تنتميان تقليديًا لحزب العدالة والتنمية.
فيما أضاف الباحث المتخصص في السياسة التركية حقي تاش لـ"الحرة" أن التقارب مع مصر كان جزءًا من حملة تطبيع واسعة النطاق مع الدول العربية بعدما أدركت أن التنافسات الإقليمية الطويلة استهلكت الكثير من الطاقات السياسية والاقتصادية دون فائدة تُذكر، لذا قررت انتهاج "الدبلوماسية البراجماتية" وخفض الصراعات وإعادة الانخراط في حوارات الأمن والطاقة الإقليميين.
وفي منتصف 2021 عُقدت في القاهرة أول جلسة مباحثات بين البلدين على مستوى نائبي وزيري الخارجية تلتها جولات أخرى لبحث كيفية تحسين العلاقات بين الطرفين.
وعلى هامش انطلاق كأس العالم بقطر في نوفمبر 2022 التقى السيسي وإردوغان وتصافحا بعد الاستجابة لوساطة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني. وفي مطلع هذا العام زار إردوغان القاهرة للمرة الأولى له منذ عزل مرسي لينهي 11 عامًا من القطيعة بين البلدين، معلنًا بداية صفحة جديدة من التعاون بينهما في مختلف قضايا المنطقة.
هل تفجر ليبيا كل شيء؟"خلال فترة الخلافات قطعت مصر وتركيا أشواطًا طويلة في اتجاهات معاكسة، وبالتالي فإن العودة إلى الوفاق في بعض المسائل لن يأتي بسهولة"، هكذا وصف غول طبيعة العلاقات بين البلدين.
وبحسب صلاح فإن أنقرة بادرت إلى إظهار حُسن نيتها عبر إنهاء أول الملفات الشائكة بين البلدين وهو التوقف عن دعم قيادات جماعة الإخوان المسلمين فمنعتهم من العمل على أرضها ضد النظام المصري وأغلقت قنواتهم الإعلامية، إلا أن هذه الخطوة لم تنل اهتمامًا كبيرًا من القاهرة باعتبارها تجاوزتها منذ زمن ولم تعد جماعة الإخوان تشكل خطرًا كبيرًا على استقرار الأوضاع بمصر.
بعد هذه الخطوات أتى الدور على ملفات "الاختبار الكبير"، بحسب وصف صلاح، وهي القرن الأفريقي والسودان والتنقيب عن الغاز في منطقة شرق البحر المتوسط والأزمة الليبية، التي يحتاج البلدان لحسمها قبل الحديث عن انتهاء الخلافات بينهما.
وخلال حديثه لـ"الحرة" فإن صلاح توقّع ألا تشهد أغلب هذه الملفات خلافات كبرى في ضوء ما أظهرته تركيا من تفهم لمتطلبات الأمن القومي المصري في الصومال، وكذلك تطابق موقفهما بالسودان من خلال دعم الجيش السوداني في حربه ضد ميليشيات الدعم السريع.
على الجانب الآخر فإن البلدين لم يظهرا تغيرًا في مواقفهما المتعارضة تجاه الأزمة الليبية، التي تُعتبر "أم الخلافات" بين الطرفين وقد يؤدي حلّها إلى حلِّ أزمة التنقيب عن الغاز في البحر المتوسط، وإقامة تعاون استراتيجي كامل بين البلدين.
وفي نهاية العام الماضي وافق البرلمان التركي على تمديد بقاء القوات التركية في ليبيا وهو قرار أعلنت مصر رفضها له فور صدوره. وحاليًا تتنازع على حُكم ليبيا حكومتان؛ الأولى بقيادة أسامة حماد مقرها بنغازي تدير شرق البلاد وتحظى بدعم مصر، والثانية يرأسها عبد الحميد الدبيبة ومقرها طرابلس وتدير غرب ليبيا بدعمٍ من تركيا.
بعكس ما جرى من 4 سنوات فإن كلا الحكومتين لم تصعّدا من خلافاتهما عسكريًا عدا بعض المناوشات البسيطة من قِبل الميليشيات، إلا أن هذا الهدوء قد لا يستمر طويلاً بحسب صلاح، بعدما حذّر من أن استمرار الخلاف المصري التركي بشأن "الملف الليبي" قد يُفجر كل جهود الصلح التي جرت طيلة السنوات الفائتة ويعيد العلاقات إلى أوضاعٍ أسوأ مما كانت في 2013.
هذا الموقف عارضه تاش بقوله إن البلدين تواجهان تحديات اقتصادية كبيرة وهو ما سيدفعهما دومًا لإعطاء الأولوية للتعاون على الصراع والتركيز على تحسين العلاقات الثنائية لتعزيز التجارة وفرص الاستثمار.
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: جماعة الإخوان المسلمین العلاقات بین البلدین حکومة الوفاق مصر وترکیا فی لیبیا ا کبیر ا وهو ما
إقرأ أيضاً:
سد النهضة.. إعلان سياسي إثيوبي يهدد بتأجيج التوتر مع مصر والسودان
أديس أبابا – الشرق/ يهدد إعلان إثيوبيا، قبل أيام قليلة، بشأن قرب افتتاح سد النهضة، مع اكتمال بناء 98% منه، بتأجيج التوتر مع دولتي مصب نهر النيل، مصر والسودان، في ظل الجمود الذي خيم على المفاوضات الثلاثية خلال الأشهر الأخيرة، الإعلان الإثيوبي لا يُعد مجرد تقدم إنشائي، بل هو إشارة سياسية واضحة إلى أن ساعة التشغيل الكامل للسد باتت وشيكة، وهو ما يثير حفيظة القاهرة والخرطوم، بشأن التداعيات المحتملة على أمنهما المائي، ويفتح المجال لتجديد الضغوط على أديس أبابا من أطراف إقليمية ودولية.
منذ وضعت إثيوبيا حجر الأساس لسد النهضة، في أبريل 2011، مرّ المشروع بمراحل إنشائية متسارعة وأخرى شابها التوتر السياسي، وتعثُّر متكرر في المفاوضات، لتؤكد أديس أبابا أن المشروع شارف على الاكتمال، ما يعكس إصرارها على استكمال ما تعتبره "مشروعاً سيادياً وتنموياً".
وفي مؤتمر صحافي للمتحدث باسم الخارجية الإثيوبية، نبيات جيتاتشو، الخميس، أكد أن بلاده على أعتاب الانتهاء من سد النهضة وقص شريط الافتتاح قريباً، منوهاً إلى تصريحات رئيس الوزراء، آبي أحمد، أمام برلمان بلاده، إذ أعلن افتتاح المشروع قريباً.
وأضاف جيتاتشو، أن السياسة الخارجية لبلاده، تقوم على بناء علاقات جوار بنّاءة ترتكز على المنافع المتبادلة وتصفير الصراعات.
وبشأن المفاوضات الثلاثية المتعثرة، مع مصر والسودان، حول سد النهضة، أوضح أنه لا يوجد جديد في هذا الشأن، مشدداً على أن أديس أبابا تعمل على مفاوضات "يكون فيها الكل رابحاً".
تعهدات إثيوبية ومطالب مصرية
وكان رئيس الوزراء الإثيوبي، أعلن في مارس الماضي أمام برلمان بلاده، أنه سيتم افتتاح سد النهضة خلال الأشهر الستة المقبلة، مع مطلع العام الإثيوبي، الذي يوافق شهر سبتمبر من كل عام.
وأشار آبي أحمد، إلى "انتهاء عملية إنشاء وملء بحيرة السد بشكل كامل، مع وصول السعة التخزينية للمياه إلى 74 مليار متر مكعب".
وقال إنه أبلغ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بأن "عملية ملء السد لن تتسبب في فقدان مصر لأي كمية من المياه"، فيما لم يصدر بيان من الجانب المصري في هذا الصدد.
ونوَّه آبي أحمد إلى أن "مخاوف القاهرة بشأن الجفاف والأمن المائي حاضرة في النقاشات"، مؤكداً أهمية التعاون بين البلدين.
وأردف بالقول: "لا نرى مبرراً للصراع، أو إهدار الموارد في النزاعات، بل ندعو للعمل المشترك من أجل التقدم".
ومع دخول المشروع مرحلته النهائية، أثيرت تساؤلات بشأن ما إذا كان سيؤدي ذلك إلى إعادة طرح الملف أمام مجلس الأمن الدولي أو الاتحاد الإفريقي، أو إمكانية تأثيره على الموقف الأميركي أو الأوروبي من الملف.
ويرى وزير الري المصري السابق محمد نصر الدين علام، ضرورة التوقيع على اتفاقية قانونية مسجلة ومعتمدة تحافظ على حقوق مصر والسودان التاريخية في مياه النيل.
وقال علام في تصريحات لـ"الشرق"، إن مثل هذه الاتفاقية يجب أن تحافظ على التدفق الطبيعي للنيل الأزرق بما لا يسبب أضراراً لدولتَي المصب مصر والسودان، وتحقق لإثيوبيا أهدافها من توليد الكهرباء للاستهلاك المحلي، أو بيعها للخارج.
واعتبر أن ذلك "يفتح باب التعاون بين مصر وإثيوبيا، ليس فقط في مجال الأمن المائي، ولكن في المجالات كافة بما يعود بالخير على القارة الإفريقية".
وأردف بالقول: "نرحب بأي تصريحات إيجابية صادرة عن الجانب الإثيوبي، لكن يبقى التنفيذ على أرض الواقع هو المعيار الحقيقي للتقييم".
تدويل الملف
في المقابل، يرى الكاتب والباحث الإثيوبي، عبد الشكور عبد الصمد، في تصريحات لـ"الشرق"، أن تعاطي القاهرة خلال الفترة المقبلة مع ملف سد النهضة سيتغير بحكم الواقع على الأرض، بعدما تجاوزت أديس ابابا مرحلة بناء السد وجعلته أمراً واقعاً. ورأى أن هناك قناعة بعدم جدوى التصعيد الخلاف وحصره في أضيق نطاق واستخدام دبلوماسية أكثر هدوءاً بدلاً من حالة الشد والجذب التي صاحبت الأعوام السابقة.
واستبعد عبد الصمد إعادة طرح ملف السد في المحافل الدولية، مشيراً إلى أن الفترة الماضية شهدت تصعيداً وتدويلاً للملف، لكن تمت، في النهاية، إعادته الى الاتحاد الأفريقي، بسبب قيود عملية المفاوضات، التي تعثرت بسبب مواقف، وصفها بأنها كانت "غير مرنة للجانب المصري "، مضيفاً أن "مجلس الأمن والأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية أصبحت على قناعة أن هذا الملف يجب أن يكون تحت رعاية الاتحاد الإفريقي"، على حد وصفه.
وفي هذا السياق، اعتبر الباحث السوداني في الشؤون الدولية ومنطقة القرن الإفريقي، فؤاد عثمان، أن غياب ردود الفعل التصعيدية من كل من القاهرة والخرطوم، أمر لافت، وقال، في تصريحات لـ"الشرق"، إن ذلك "ليس تراجعاً أو قبولاً بالأمر الواقع، وإنما مؤشر على تحوّل في المقاربة الاستراتيجية، خاصة من الجانب المصري".
ووفق عثمان، فإنه خلال العامين الماضيين، "كثّفت مصر من حضورها في الدوائر المحيطة بإثيوبيا في القرن الأفريقي، حوض النيل، والبحر الأحمر، عبر سلسلة من التحركات الدبلوماسية والعسكرية والاقتصادية، ما يوحي بمحاولة لإعادة هندسة توازنات القوى الإقليمية، وبناء شبكات نفوذ تمكّنها من إدارة تداعيات السد من موقع قوة، لا من موقع رد الفعل".
ويرى عثمان، أن "هذا التمدد لم يكن معزولاً عن حسابات سد النهضة، بل شكّل امتداداً لمعادلة الردع الناعمة في ظل إدراك القاهرة أن أدوات الضغط المباشر قد استُنفدت دون نتائج ملموسة".
وعن الموقف السوداني، يرى عثمان أن "السودان، وانشغاله بالحرب الداخلية وفقدانه لوحدة القرار السيادي والدبلوماسي، أضعف من قدرته على التأثير في الملف، رغم أنه الطرف الأكثر تضرراً من حيث غياب المعلومات وتضارب المصالح".
وفي مناسبات عديدة، تؤكد مصر تمسكها بضرورة التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم ينظم عملية ملء وتشغيل السد، ويضمن حقوق دول المصب، خاصة في فترات الجفاف. كما تشدد على أهمية التنسيق والتعاون بين الدول الثلاث المعنية، مصر، والسودان، وإثيوبيا، لتفادي أي توتر قد ينجم عن الإجراءات الأحادية.
كما تؤكد مصر، قدرتها على حماية حقوقها المائية في مياه النيل، في إطار القانون الدولي لحماية هذه الحقوق.
تفاهمات فنية "غير ملزمة"
في المقابل، يرجح الباحث في العلاقات الدولية، إبراهيم عبد الرحمن، أن مصر تسعى إلى الحفاظ على قنوات الاتصال مفتوحة مع إثيوبيا، خاصة في ظل غياب دعم دولي حاسم لأي تحرك تصعيدي، ويضيف في حديثه لـ"الشرق"، أنه يتوقع أن تتجه كل من مصر وإثيوبيا نحو "تفاهمات فنية غير ملزمة"، على غرار تبادل البيانات أو تنسيق جزئي في تشغيل السدد، دون توقيع اتفاق نهائي، مما يخلق حالة "هدوء حذر" تبقي الخلافات قائمة، ولكن تحت السيطرة.
وقال إبراهيم، إن مصر "قد تلجأ إلى خطوات تصعيدية غير تقليدية، مثل تدويل الملف مجدداً، أو استخدام أدوات ضغط اقتصادية أو دبلوماسية على إثيوبيا، سواء عبر دول الجوار أو الشركاء الدوليين، ورهن ذلك في حال استمرار الإصرار الإثيوبي على عدم تقديم تنازلات أو شفافية فنية"، معتبراً أن ذلك قد يعود بالعلاقات إلى حالة الجمود.
ومنذ الإعلان الإثيوبي عن مشروع سد النهضة في عام 2011، عبرت كل من مصر والسودان عن مواقف متباينة في التفاصيل، لكنها تلتقي في نقطة مركزية تشدد على ضرورة الوصول إلى اتفاق قانوني مُلزم ينظم عملية ملء وتشغيل السد ويضمن مصالح دول المصب.
وتعتبر القاهرة، أن السد يشكل تهديداً مباشراً لأمنها المائي، وتؤكد أهمية التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم قبل المضي في أي خطوات تشغيلية إضافية، محذّرة من أي إجراء أحادي قد يعرّض مصالحها المائية للخطر.
أما السودان، فيخشى من أن يؤدي عدم تبادل البيانات الفنية أو التنسيق المُسبق إلى مخاطر مباشرة على منشآته المائية، مثل سد الروصيرص القريب من الحدود الإثيوبية، ولذلك تُطالب الخرطوم أيضاً، باتفاق قانوني مُلزم، يضمن التشغيل الآمن والمنسق بين السدود، ويمنع حدوث أي مفاجآت فنية قد تهدد استقراره المائي.
وشهد سد النهضة، جولات تفاوضية متعددة برعاية الاتحاد الإفريقي والولايات المتحدة، دون أن تفضي إلى اتفاق نهائي، وفي أكثر من مناسبة، تحمل مصر والسودان، إثيوبيا، مسؤولية فشل المفاوضات بسبب ما يصفانه بـ"الإجراءات الأحادية"، في حين تؤكد أديس أبابا حقها السيادي في استخدام مواردها المائية من دون تأثير لدول المصب.