بينها السودان .. ست دول عربية تأهلت لنهائيات كأس أمم أفريقيا 2025 بالمغرب
تاريخ النشر: 20th, November 2024 GMT
أسدل الثلاثاء الستار على التصفيات المؤهلة لنهائيات كأس الأمم الأفريقية 2025 التي سيحتضنها المغرب بين 21 ديسمبر/ كانون الأول 2025 و18 يناير/كانون الثاني 2026. وتأهل لهذه النسخة 24 منتخبا بينها فرق ست دول عربية. واحترمت هذه التصفيات عموما المنطق، فيما كانت أكبر مفاجأة فشل غانا في تجاوز عقبتها.
بتأهل بوتسوانا وتنزانيا وموزمبيق الثلاثاء، يكون عقد المنتخبات التي حجزت مقعدا لها في نهائيات كأس الأمم الأفريقية 2025 بالمغرب قد اكتمل.
وهذه النتيجة الإيجابية "للحمير الوحشية" حرمت "مرابطي" موريتانيا من المشاركة في المنافسة القارية على أرض الجار المغربي، إذ حققوا الثلاثاء المهمة بالفوز على الرأس الأخضر، إلا أن تعادل بوتسوانا أمام مصر في القاهرة خيب آمالهم، لتحل موريتانيا في المركز الثالث بسبع نقاط، خلف كل من الفراعنة 14 نقطة، و"الحمير الوحشية" بثماني نقاط.
واعتبر "المرابطون" إحدى مفاجآت النسخة الأخيرة من كأس الأمم الأفريقية التي دارت أطوارها في ساحل العاج، إذ حصلوا على بطاقة التأهل لأول مرة للدور ثمن النهائي على حساب المنتخب الجزائري، الذي يصنف ضمن أكبر المنتخبات الأفريقية. وهم حديثو العهد بالمنافسة الأفريقية، فقد كانت أول مشاركة لهم في النهائيات عام 2019 بمصر.
وإلى جانب موريتانيا، سيغيب بلد مغاربي آخر عن المنافسة، وهو ليبيا التي تبدد حلمها في التأهل إلى النهائيات لأول مرة منذ 2012 والرابعة في تاريخها، وذلك بتعادلها سلبا مع ضيفتها رواندا على ملعب طرابلس الدولي ضمن المجموعة الرابعة.
السودان: صقور الجديان في نهائيات كأس الأمم للمرة العاشرة
وعلى خلاف موريتانيا وليبيا، عاد منتخب السودان للتألق من جديد، وحجز "صقور الجديان" مقعدا في النسخة 35 من نهائيات كأس الأمم الأفريقية، بعدما حصد بطاقة التأهل الثانية عن المجموعة السادسة بتعادله مع أنغولا من دون أهداف الإثنين على ملعب شهداء بنينا في بنغازي بالجولة السادسة الأخيرة من التصفيات.
ورفع المنتخب السوداني رصيده إلى ثماني نقاط في المركز الثاني خلف أنغولا التي ضمنت تأهلها مبكرا والصدارة برصيد 14 نقطة، فيما تأتي النيجر في المركز الثالث بسبع نقاط بعد فوزها القاتل على مضيفتها غانا 2-1 الإثنين، ليتجمد رصيد الأخيرة عند ثلاث نقاط من ثلاثة تعادلات.
وسيشارك منتخب "صقور الجديان" للمرة العاشرة في البطولة القارية التي أحرز لقبها مرة واحدة عام 1970 على أرضه.
المغرب: آلة لصنع الأهداف خلال التصفيات
على الرغم من أنه ضمن تأهله بحكم أنه البلد المنظم، واصل المنتخب المغربي جولات انتصاراته، بتحقيق نتائج ساحقة، عندما اكتسح الإثنين ضيفه ليسوتو 7-0 في وجدة، عاصمة شرق المملكة، ضمن المجموعة الثانية.
وهو الفوز السادس لأسود الأطلس الذين حصدوا العلامة الكاملة مع فيض في الأهداف، بلغ مجموعها 26 في 6 مباريات، أي بمعدل 4,3 أهداف في المباراة الواحدة، واهتزت شباكهم مرتين.
واختتم المغرب التصفيات بـ18 نقطة على رأس المجموعة الثانية أمام الغابون التي كسبت بدورها ورقة التأهل.
الجزائر: وجه قوي في التصفيات
وعلى غرار المغرب، ظهرت الجزائر بوجه قوي في هذه التصفيات، واختتمتها "ثعالب الصحراء" من دون هزيمة، وبفوز كبير الأحد على ضيفها الليبيري 5-1 في تيزي وزو ضمن منافسات المجموعة الخامسة.
وخاض المنتخب الجزائري اللقاء الختامي بنفسية المنتصر، بحكم أنه ضمن تأهله منذ الجولة الرابعة حين حقق فوزه الرابع تواليا بتغلبه على مضيفه التوغولي 1-0، فيما اكتفى بالتعادل السلبي مع غينيا الاستوائية في الجولة الخامسة قبل الأخيرة.
ودخل المنتخب الجزائري مرحلة جديدة من تاريخه مع المدرب السويسري فلاديمير بيتكوفيتش عقب الكثير من النجاحات التي حققها بقيادة مدربه السابق جمال بلماضي، الذي أقيل من مهامه بعد تعثر الخضر في النسخة الأخيرة من نهائيات كأس الأمم الأفريقية بساحل العاج.
جزر القمر: تؤكد حضورها الأفريقي
وبدوره، انتزع منتخب جزر القمر ورقة التأهل، ويعد فريق الأرخبيل الصغير من المنتخبات الحديثة في المنافسة القارية، إذ كانت أول مشاركة له في 2021 بالكاميرون، وحقق فيها أبرز إنجاز له، بوصوله إلى دور الـ16.
وخاضت جزر القمر تصفيات ناجحة باحتلالها صدارة المجموعة الأولى بـ12 نقطة، متقدمة على تونس التي جاءت في المركز الثاني بعشر نقاط.
وبالنسبة للصحافي الرياضي محمد حجي، "يمكن اعتبار تصدر منتخب جزر القمر المغمور للمجموعة الأولى أمام المنتخب التونسي مفاجأة من نوع آخر، بعدما كان الكل يرشح نسور قرطاج ومنتخب غامبيا الذي أقصي بعد حلوله ثالثا في المجموعة".
تونس: تصفيات سيئة بالرغم من التأهل
أنهى المنتخب التونسي التصفيات على أسوأ نحو بالرغم من تأهله، وذلك بخسارته أمام ضيفه الغامبي 0-1 على ملعب حمادي العقربي في رادس، بفضل هدف سجله عبدولاي سيساي.
وأرجع مدرب "نسور قرطاج" قيس اليعقوبي أزمة النتائج إلى الوضع المتردي الذي تمر به كرة القدم في البلاد. وقال "دار لقمان على حالها منذ سنوات. الوضع نفسه مع المدرب فوزي البنزرتي وقبله جلال القادري ومنذر الكبير"، معتبرا أن الأجواء الحالية للكرة التونسية غير مرتبط بالمدرب وإنما يحتاج للبحث عن حلول جذرية.
لكن "المهم التأهل للنهائيات" في الوقت الحالي على الرغم من الخسارة. وتنتظر المدرب الجديد الذي تم تعيينه بدلا لفوزي البنزرتي إثر النتائج المتواضعة للنسور، مهمة صعبة في الشهور المقبلة لتحضير مجموعة قادرة على أن تنافس على اللقب الأفريقي في المغرب.
مصر: نهج تكتيكي محط بعض الانتقادات
انتزعت مصر تأشيرة التأهل إلى نهائيات كأس الأمم الأفريقية 2025. وجاء هذا التأهل في الجولة الرابعة بفضل الفوز 1-0 الذي حققه الفراعنة ضد موريتانيا على ملعب شيخا ولد بيديا بالعاصمة نواكشوط في الجولة الرابعة من المجموعة الثالثة من التصفيات.
ولم تتمكن مصر من تجاوز الكونغو الديمقراطية في الدورة الأخيرة من كأس الأمم الأفريقية بساحل العاج للمرور إلى ربع النهائي من النهائيات، ليستغني الاتحاد المصري عن خدمات المدرب البرتغالي روي فيتوريا، ويتسلم المشعل نجم الفراعنة السابق حسام حسن.
وعرض أسلوب لعب المنتخب المصري أمام بوتسوانا حسام حسن لبعض الانتقادات، التي وجهت لنهجه التكتيكي. وسيكون المدرب المصري أمام مسؤولية كبيرة في المغرب لتعزيز ترسانة الفراعنة من الألقاب الأفريقية، إذ تأتي مصر على رأس المنتخبات الأكثر تتويجا بسبعة منها، تليها الكاميرون (5)، غانا (4) ونيجيريا (3) وجمهورية الكونغو الديمقراطية وساحل العاج والجزائر (2 لكل منتخب)، فيما لدى كل من المغرب وتونس والسودان وزامبيا وجنوب أفريقيا وإثيوبيا والسنغال لقب واحد.
تصفيات احترمت المنطق
يبدو أن التصفيات احترمت المنطق، كما يقول الصحافي الرياضي محمد حجي، "بوصول جل الأسماء التقليدية للمسابقة للنهائيات، كمصر والكاميرون وحامل اللقب ساحل العاج، والجزائر ومالي والكونغو الديمقراطية ونيجيريا، بالإضافة إلى المنتخبات التي دأبت على لعب الأدوار المتقدمة خلال الدورات السابقة، كجنوب أفريقيا والسنغال وبوركينافاسو".
لكن هذه التصفيات لم تخل من مفاجآت، بالنسبة لمحدثنا، "كان أكبرها إقصاء المنتخب الغاني بحمولته التاريخية الكبيرة في أفريقيا من التأهل للنهائيات بعد هزيمته أمام منتخب النيجر في المباراة الأخيرة، وحلوله ثالثا في المجموعة بعد أنغولا والسودان المتأهلين".
المنتخبات المتأهلة لنهائيات كأس الأمم الأفريقية
فيما يلي القائمة الكاملة للمنتخبات المتأهلة لنهائيات كأس الأمم الأفريقية التي ستجرى في المغرب بين 21 ديسمبر/كانون الأول 2025 و18 يناير/كانون الثاني 2026:
المغرب، الجزائر، مصر، تونس، السودان، جزر القمر، الغابون، بوتسوانا، نيجيريا، بنين، غينيا الاستوائية، أنغولا، زامبيا، ساحل العاج، جمهورية الكونغو الديمقراطية، تنزانيا، مالي، موزمبيق، الكاميرون، زمبابوي، جنوب أفريقيا، أوغندا، السنغال، بوركينا فاسو. موعدنا جميعا في المغرب، لمتابعة هذا العرس الكروي الأفريقي، الذي سيكون، بدون شك، مليء بالمفاجآت كما عودتنا الساحرة في القارة السمراء.
بي بي سي
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
شرق أفريقيا: تشابك خرائط الصراع
د. أماني الطويل
في دورة جديدة من تصاعد المهددات الأمنية في دول القوس الشرقي للقارة الأفريقية، والمناطق المتاخمة لها جنوباً، تتشابك ديناميات الصراع المحلي والإقليمي بما يجعل دول هذه المنطقة الأكثر التهاباً على الصعيد العسكري والأكثر ملائمة لنهب الموارد على المستوى الاقتصادي.
في هذا السياق، تتداخل الأدوار الإقليمية سلباً وإيجاباً حسب كل حالة، كما يبدو الاتحاد الأفريقي ومجلسه للأمن والسلم، وكذلك المنظمات الفرعية الأفريقية عاجزة عن تحجيم مثل هذه الصراعات، بينما تتقاطع الأدوار الدولية تحت مظلة تنافس دولي حاد بشأن الأوزان المستقبلية للفاعلين الدوليين بعد تراجع الهيمنة المستقرة للولايات المتحدة الأمريكية.
نتناول هنا حالات تشابك الصراعات في عدد من الدول والمناطق الأفريقية، والعوامل الدافعة لها وطبيعة الفواعل فيها على الصعيدين المحلي والإقليمي وكذلك السيناريوهات المحتملة لتطور هذه الصراعات.
ديناميات الصراع
1- شرق الكونغو: يعود الصراع في شرق الكونغو إلى قرن مضى، حيث يعد الفاعل الدولي، أي البلجكيين، العامل الرئيسي في تفجر هذا الصراع، بسبب هندستهم للتفاعلات الداخلية بين أطراف المجتمعات المحلية في مناطق شرق الكونغو وروندا وبروندي قبل ترسيم الحدود في هذه المنطقة، حيث ساهموا في دعم قبيلة التوتسي عام 1925 كحكام لهذه المناطق، وهي القبيلة صاحبة الوجود الأحدث تاريخياً على حساب قبيلة الهوتو الأقدم منها، حيث نزح التوتسي من إثيوبيا بينما نزح الهوتو من تشاد.
وقد ساهمت طبيعة النشاط الاقتصادي للقبيلتين في تحديد مواقعهم الطبقية، وفقاً للعوائد والقيم الاقتصادية المضافة لنشاط كل منهما، حيث ارتقى التوتسي اقتصادياً واجتماعياً نتيجة اعتمادهم على التجارة في الماشية، بينما امتهن الهوتو الزراعة. فائض القيمة لكل نشاط ساهم في بلورة الخرائط الاجتماعية والطبقية في هذه المناطق، فبات التوتسي الطبقة الأعلى من الهوتو الذين مارسوا رفضاً عنيفاً لهذه الأوضاع ضد التوتسي في خمسينيات القرن الماضي.
مع حصول الأفارقة على استقلالهم الوطني في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، توزعت عوامل الصراع بين التوتسي والهوتو بين ثلاث دول هى روندا وبروندي وشرق الكونغو. ومع صعود قيمة الموارد الأفريقية واكتشاف احتياطاتها مع التقدم التكنولوجي خصوصاً ثلاثي الأبعاد في عمليات التنقيب عن المعادن، ارتفعت قيمة منطقة شرق الكونغو على الصعيد الاقتصادي للشركات العابرة للجنسية، حيث تنتج الماس والنحاس ومعدن الكولتان اللازم لبعض متطلبات ولوجستيات السيارات الكهربائية والشرائح الإلكترونية.
2- جنوب السودان: تنتشر حالياً قوات أوغندية في جنوب السودان للحفاظ على عدم تحول التوتر السياسي إلى صراع عسكري يكرر سيناريو الحرب الأهلية التي جرت بين عامي 2013 و2015، حيث تنفذ بعض الضربات الجوية ضد مناوئي الرئيس سلفا كير في منطقة الناصر طبقاً لروايات سكان هذه المنطقة.
وقد بدأ التصعيد العسكري مؤخراً بهجوم من جانب مليشيا الجيش الأبيض التابعة لنائب الرئيس رياك مشار على مرتكز عسكري تابع للجيش الشعبي في منطقة الناصر، وذلك في تطور يعني حدوث شروخ مؤثرة في اتفاق سلام 2018 المعروف باسم الاتفاق المنشط لحل النزاع في جمهورية جنوب السودان، والذي ساهم في تهدئة الصراع بين الرئيس سلفا كير ونائبه رياك مشار بتشكيل حكومة وحدة انتقالية 2019 والتي تأخر تشكيلها حتى فبراير 2020، حيث تولى كير منصب رئيس الحكومة الانتقالية ومشار منصب النائب الأول للرئيس.
وقد مدد الطرفان الفترة الانتقالية المقرر انتهائها في فبراير 2020، كما تم تأجيل الانتخابات الرئاسية أكثر من مرة نتيجة هيمنة الاحتقان السياسي على المشهد. في هذا السياق، أجرى الرئيس سلفا كير تغييراً في هذه الحكومة عبر عناصر موالية له بالمخالفة لاتفاقية السلام، حيث أقال وزيرة الدفاع زوجة مشار، كما أقال حاكم البنك المركزي، ومؤخراً أقال وزير النفط كانج شول على خلفية شبهات فساد، ونائب قائد الجيش جابرييل دوب لام، بينما وضع مسئولين عسكريين كبار متحالفين مع نائبه رياك مشار رهن الإقامة الجبرية، كما تما اعتقال الوزير المعني بجهود إحلال السلام في البلاد ستيفن بار كول، لفترة محدودة، وهو من السياسيين المشاركين في مفاوضات "اتفاق السلام" عام 2018.
3- الصراع الإثيوبي-الإرتيري: تاريخياً، شهدت العلاقات الإثيوبية-الإرتيرية تحالفات وتحولات درامية، حيث خاضا ضد بعضهما البعض حرباً إقليمية مطلع القرن بسبب خلافات حدودية بينما تحالفا في العقد الثاني في الحرب الأهلية الإثيوبية بإقليم تيجراي. أما في الوقت الراهن، فإن التفاعلات بين البلدين عدائية وتشهد منعطفاً حرجاً على خلفية أمرين هما الطموحات الإثيوبية في البحر الأحمر وكذلك تفاعلات إقليم تجراي الإثيوبي الممتد قومياً بين إرتيريا وإثيوبيا.
في هذا السياق، تصاعدت أزمة ثقة في إقليم تيجراي بين مكونات الجبهة الشعبية لإقليم تيجراي منذرة بحرب إقليمية بعد تبادل اتهامات العمالة للخارج (أي إرتيريا). فطبقاً لشهادة رئيس أركان الجيش الإثيوبي السابق الجنرال تسادكان، فإن الانقسامات الداخلية داخل إقليم تيجراي قد تعقد العلاقات الثنائية بين إثيوبيا وإرتيريا، حيث أشار إلى أن بعض قيادات جبهة تحرير تيجراي تسعى للتحالف مع الرئيس أسياسي أفورقي رغم إدراكها للمخاطر المترتبة على ذلك، في الوقت الذي يتم اتهام أديس أبابا بأنها قد اخترقت جبهة تحرير تيجراي في الإقليم، وساهمت في عدم تنفيذ اتفاقية بريتوريا التي تم توقيعها عام 2022 بعد حرب أهلية إثيوبية استمرت عامين 2020-2022.
وفيما يتعلق بتأثير طموحات إثيوبيا في البحر الأحمر وسعيها لامتلاك قاعدة بحرية، ترى أسمرا أن هذه الخطوة تشكل تهديداً وجودياً لها في ضوء الأطماع الإثيوبية التاريخية في الأراضي الإريترية وسابق ممارستها لعملية الضم لإرتيريا التي استقلت عنها عام 1993.
وفي هذا السياق، فإن انفجار صراع مسلح بين إرتيريا وإثيوبيا من شأنه أن يتحول إلى حرب ممتدة مؤثرة إقليمياً إلى حد تغيير حدود دول شرق أفريقيا[1].
تشابك الأدوار المحلية والإقليمية
يبرز الدور الأنجولي في صراع شرق الكونغو الذي يحتدم حالياً، وذلك على خلفية حرب أهلية أنجولية استمرت في أكثر من ربع قرن وخلّفت نصف مليون ضحية، كما تسببت في نزوح مليون نسمة، حيث انقسمت حركات التحرر من الاستعمار إلى عدة أقسام على أسس قبلية وعرقية في منتصف القرن العشرين. كما ساهمت الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي في استمرار هذه الانقسامات. فقد كانت الحركة الشعبية لتحرير أنجولا تشكل جزءاً رئيسياً من القاعدة الاجتماعية الأنجولية خصوصاً شعب شمال مبوندو والمثقفين متعددي الأعراق، حيث حصلت على دعم من الاتحاد السوفيتي وحلفائه مثل كوبا ودول الكتلة الشرقية[2].
أما الاتحاد الوطني للاستقلال الكامل الأنجولي (يونيتا)، فكان قوامه من شعب أوفمبوندو في وسط أنجولا الذي يشكل حوالي ثلث سكان البلاد. وقد تأسست يونيتا في 1966 كانشقاق من الجبهة الوطنية لتحرير أنجولا التي تتلقى دعماً من الولايات المتحدة الأمريكية وترث هذا الدور حالياً دولة جنوب أفريقيا.
ويبرز دور أوغندا في صراعي شرق الكونغو وجنوب السودان بمستويات متفاوتة، حيث يعد الدور الرئيسي حالياً في شرق الكونغو هو دور أنجولا، التي استضافت في 18 مارس 2025، مباحثات بين حركة إم 23 التي تدعمها روندا على قاعدة دعم التوتسي ضد الهوتو والتي استولت مؤخراً على أهم مدينتين في إقليم كيفو شرق الكونغو والحكومة الكنغولية كطرف ثانٍ.
فضلاً عن ذلك، نشرت قوات أوغندية مؤخراً في جنوب السودان لحماية الرئيس سلفا كير الذي يواجه تحديات داخلية تهدد باندلاع دورة ثانية من الحرب الأهلية في جنوب السودان والتي اندلعت عام 2013 ولكنها توقفت بموجب اتفاقية سلام على مرحلتين آخرها عام 2018 تضمنت تقاسماً للسلطة بين الرئيس ونائبه رياك مشار، لكن تنفيذ هذه الاتفاقية يواجه تحديات حقيقية بشأن مدى الالتزام بالبنود الواردة فيها على صعيد تقاسم السلطة والعوائد الاقتصادية المرتبطة بمورد الدولة الرئيسي وهو البترول.
ويتداخل مع الدور الأوغندي دور إثيوبي في جنوب السودان سواء بالمشاركة في قوات حفظ السلام أو عبر محاولة تحقيق تكامل اقتصادي بين البلدين، حيث تم توقيع اتفاقية بين جوبا وأديس أبابا في مايو 2023 لإنشاء طريق بري، هذا الطريق ربما يكون بداية لتصدير جنوب السودان للنفط عن طريق كينيا مروراً بإثيوبيا، وذلك عوضاً عن ميناء بورتسودان الذي توقف منه التصدير أكثر من مرة بسبب الثورة ثم الحرب في شمال السودان.
في الفترة الأخيرة، برزت بعض الأدوار العربية لكل من قطر والإمارات في كل من أزمتي الكونغو وجنوب السودان على الترتيب. إذ تستضيف قطر خلال هذه الفترة مباحثات بين رئيسي رواندا بول كاجامي والكونغو تشسكيدي، بشأن تخفيض التوتر في شرق الكونغو وتخلي رواندا عن دعم حركة إم ٢٣. أما على صعيد دولة الإمارات، فإن هناك أدواراً سياسية مرتبطة بحماية استثماراتها ومشروعاتها في جنوب السودان.
السيناريوهات المحتملة للصراعات
على صعيد الصراع بين إثيوبيا وإرتيريا، فإن اندلاع حرب بين إرتيريا وإثيوبيا قد يكون محتملاً مع حاجة إثيوبيا إليها على خلفية الاحتقانات المحلية مع قومية الأمهرة، وإن كانت قدراتها في هذه الحرب سوف تكون مشروطة بمدى نجاحها في هندسة تحالف بينها وبين قسم من إقليم تيجراي ضد الأمهرة، بينما سيكون القسم الثاني متحالفاً مع إرتيريا.
أما على صعيد الحالة في جنوب السودان، فإن وجود القوات الأوغندية قد يُحجِّم من احتمال اندلاع صراع مسلح على نطاق واسع بين كل من الرئيس سلفا كير ونائبه رياك مشار على غرار حرب 2013، وذلك في ضوء أمرين: الأول، على الصعيد الداخلي بسبب الوزن النسبي لقبيلة الدينكا، وانقسام نخب الولاية الاستوائية بشأن معادلات الحكم في جنوب السودان والمشاركة فيها. والثاني، على الصعيد الإقليمي والدولي، باعتبار أن انفجار الوضع في جنوب السودان غير مطلوب بما يعنيه ذلك من نشوب حرب أهلية ضروس ممتدة ومؤثرة على الأمن الإقليمي.
أما على مستوى أزمة شرق الكونغو، فإن التدخل القطري قد يخلق تهدئة لا تقود بالضرورة إلى اتفاق سلام ممتد الأثر، نظراً لطبيعة الصراع وتعقده، ووجود فاعلين من المستفيدين من موارد المنطقة قد يفضلون فيها سيولة أمنية تتيح الحصول على ثروات إقليم شرق الكونغو.
[1] Tsadkan warns Ethiopia-Eritrea war "seems inevitable," urges last-minute efforts to avert war, Addis Standard, 11-3-2025, available at: https://2u.pw/fhePFNJ6.
[2] Franz-Wilhelm Heimer, The Decolonization Conflict in Angola, 1974–76: An essay in political sociology, Geneva: Institut Universitaire de Hautes Études Internationales, 1979.
علي موقع مركز الاهرام للدراسات الاستراتيجية