يمانيون:
2025-01-30@21:47:07 GMT

الخلفية التاريخية ومتلازمةُ الولاء الخاطئ

تاريخ النشر: 20th, November 2024 GMT

الخلفية التاريخية ومتلازمةُ الولاء الخاطئ

د. شعفل علي عمير

تُعَدُّ الخلفيةُ التاريخيةُ من أهم العوامل الرئيسية في هذه المتلازمة؛ فالحقب الزمنية المتتالية -بما تحمله من أفكار ومعتقدات- ترسم في ذهنية الإنسان خطوط ومسارات حياته بكل ما تضمنته حياته من جوانب نفسية واقتصادية واجتماعية، كما تؤثر تلك الخلفية التاريخية على الجانب الروحي والفكري وبشكل عميق، وبهذا قد يكون من الصعوبة بمكان تغيير بعض القناعات لدى البعض على الأقل في المَدَيات القصيرة، والمتأمل لمُجريات الزمن وأحداثها يجد أن تأثير الماضي هو من يصنع أحداث الحاضر، من أبرزها جانب الولاء والعداء، إنها متلازمة العُقد والغباء بما أفرزته من ولاء وعِداء يتناقض مع الدين والمنطق وَأَيْـضًا مع المصلحة إذَا كان المبرّر للولاء هو لمصلحة الأُمَّــة.

ولكن هناك أحداث ومواقف كبيرة قد تعصف بهذه المتلازمة فتخرج الإنسان من دائرتها المغلقة، لا سيما إذَا ما كانت تلك الأحداث بالحجم والتأثير الذي يطغى على كُـلّ تلك القناعات التي رسَّختها الخلفية التاريخية وجعلت منها ثابتًا من الثواب التي يؤمن بها الإنسان.

هول وحجم الأحداث قد تختصر الزمن وتوفر كَثيرًا من الوقت والجُهد لإيجاد وعي مجتمعي، كما أنها تكسر الحواجز الفكرية والنفسية لبوابة هذه المتلازمة المعقدة، ولعل غزة كانت هي الشفرة التي اخترقت هذه المتلازمة؛ فكان لها الفضل بعد الله “سبحانه وتعالى” في إيجاد ثورة من الوعي الجمعي ونهضة فكرية ومراجعة للقناعات لدى السواد الأعظم من أمتنا الإسلامية.

إن مشاهدة ما يحدث من جرائم الإبادة بحق إخوة لنا في الدين والعروبة كانت إحدى الموجّهات الفكرية وأهمَّ سببٍ لتغيير القناعات ومراجعة للولاءات والرجوع للتوجيهات الإلهية في كتابه الكريم القائل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أولياء، بَعْضُهُمْ أولياء بَعْضٍ، وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ، إِنَّ الله لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِين}.

تلك الجرائم بحِدّتها وبشاعتها أصبحت المحك الذي يجب على الإنسان أن يقيِّمَ نفسَه من خِلالها ليعرفَ أيَّهما أولى وأكبر أهميّةً: انتماؤه للدين أم انتماؤه للحزب؛ ليعرف موقعَه من الحق من خلال موقفهِ من الباطل في زمن أصبح الحق والباطل كالنور والظلام، لم يعد هناك شك أَو لبس في معرفة أهل الحق من أهل الباطل، كما لم يعد هناك وقت للترف الفكري وفلسفة الواقع وهندسة المبرّرات، كُـلّ شيء أضحى جليًّا، أصبح الإنسان أمام خيارين لا ثالث لهما: إما أن يكون مع الحق أَو يكون مع الباطل.

ليس هناك محايد بعد كُـلّ ما تجلى مِن الحقائق التي لا ينكرها أحد، حقائق أجمع عليها المؤمن والكافر، أجمع عليها القريب والبعيد، أجمعت عليها كُـلُّ الملل في هذه الأرض فاتقوا الله في أنفسكم؛ فمن لا زال يكابر ويضحّي بدينه مقابل انتمائه لحزبه، نقول له: تأمَّلْ قول الله “سُبحانَه وتعالى”: {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ الله أخذتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَاد} “فلا تأخذكم العزة بالإثم فتخسروا عزتكم في الدنيا وآخرتكم يوم القيامة.

المصدر: يمانيون

كلمات دلالية: هذه المتلازمة

إقرأ أيضاً:

أيها الإنسان.. أنت في ذمة الله.. لا في ذمة البشر

يصدق قول الشاعر حينما يقول: «يا راحلين، قد اشتقنا لرؤيتكم.. وما لنا حيلة في الوصل والنظر.. عزاؤنا أنكم من بعد غيبتكم في ذمة الله، لا في ذمة البشر».

في هذه الحياة نفقد الكثير من القوة بفعل النوازل والمحن التي نتعرض لها دائما، خسارة هنا، وفقد هناك، ومرض يأتي، وآخر يلوح في الأفق، نعزي أنفسنا فيمن نحب، ونعلم بأن الله قد استرد أمانته، كلها ابتلاءات من الله سبحانه وتعالى، والإنسان مبتلى في كل أموره ما دام على ظهر الدنيا حيا يرجو رحمة ربه، فقدان الأحبة أمر صعب، نحتاج إلى وقت ليس بقليل لنستطيع تقبله، فرحم الله أرواحا غالية على قلوبنا توسدت الثرى، ونسأل الله تعالى أن يسكنها فسيح جناته.

كل من يبحث عن مخرج أو عصا يتكئ عليها ليمشي خطوات نحو بوابات الخروج من بوتقة الحزن والأسى عليه أن يعلم بأن لكل شيء أجلا ونهاية، وأن الإنسان يشعر بمشقة عالية عندما تداهمه الخطوب من كل صوب وحدب، وفي وقت الشدة وقمة المحنة العظيمة ليس لنا إلا أن نذكر الله ونقول لمن أصابته الخطوب: «عليك بذكر الله، ثم الصبر على البلاء فَأجره عظيم»، ولنحاول قدر استطاعتنا أن نعزي أنفسنا ومن هم بقربنا قائلين: «إنا لله وإنا إليه راجعون.. لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى»، ثم حاول أن تحتسب الأجر والثواب من الله عز وجل، فكل نفس ذائقة الموت.. أمر الله مطاع.

الأرواح العزيزة التي نفقدها كل يوم بسبب أو بغير سبب، تؤثر في نفوسنا، فالفراق أمره صعب لا يُطاق، نؤمن إيمانا راسخا بأن الموت والحياة بيد الله تعالى، ونحن عاجزون عن فعل أي شيء يمنع قدرته أو يرد أمره، لكن الله رحيم بعباده، فيمنحنا من عنده الفرج بعد الضيق، فهذه الأحداث المؤلمة هي التي تثبت لنا بأن إيماننا يجب أن يكون راسخا في قلوبنا لا كلمات تملأ أفواهنا.

يقول سبحانه وتعالى: «وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون»، إذن البشرى من عنده سبحانه والثواب يأتي من الصبر واحتساب الأجر، ولكن علينا ألا نتجاهل أو نستهين بأمر «الصبر»، فهو قطعة من العذاب ومذاقها مرّ وصعب للغاية، خاصة في أوقات الشدة، حينما تهاجم الإنسان كل الكوابيس المخيفة والأفكار السوداء القاتمة، ففي هذه اللحظة يشعر الإنسان بالضعف البشري، حيث تتسلل الهواجس إلى نفسه الضعيفة من خلال سراديب ضيقة وأنفاق مظلمة، تجعله أحيانا عاجزا عن مقاومة الألم وشدته، ويشعر بالضعف إلى أبعد مدى، ولكن ما إن يستفيق من هذه الكبوة حتى يعود إلى الله سبحانه، فالله قد أودع فينا أمانة الحياة ثم يسترجعها إليه: «لله ما أعطى ولله ما أخذ».

عند الفقد نصبح في انهيار تام، سواء في عدم القدرة على الكلام أو تجاوز نقطة التفكير الصائب فيما حدث من أحداث موجعة، ونبوح للغير بما نعانيه من شدة وحمل ثقيل وهزيمة نفسية تهز أركان الروح والجسد، ففي تلك اللحظة العصيبة، تصغر الدنيا وما فيها من متاع في عيوننا، وفي كل الأشياء التي من حولنا تتهاوى قوانا، ولا يبقى لنا من مخرج إلا الله، ندعوه أن يلهمنا الصبر والسلوان ويخفف عما في صدورنا من شدة وألم.

ومما ذكر في السيرة النبوية الشريفة قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون». كلمات قالها الرسول صلى الله عليه وسلم لحظة موت ابنه إبراهيم، وجعلت عيني الرسول صلى الله عليه وسلم تذرفان، فقال له عبدالرحمن بن عوف: «وأنت يا رسول الله؟!» فيه معنى التعجب، أي الناس لا يصبرون على المصيبة، وأنت تفعل كفعلهم، كأنه تعجب لذلك منه مع عهده منه صلى الله عليه وسلم أنه يحث على الصبر وينهى عن الجزع. فقال: «يا ابن عوف، إنها رحمة، ثم أتبعها بأخرى»، أي الحالة التي شاهدتها مني هي رقة القلب على الولد، لا ما توهمت من جزع وعدم رضا بقضاء الله.

الفراق يجلب الحزن والألم، ويحدث انفصالا تاما بين القوة والضعف، لكن الله تعالى يرحمنا برحمته فيخفف عنا ما نعانيه من شدة وحرقة فؤاد على من فقدناهم مع مرور الوقت، ولكن ليس لنا سوى الدعاء لمن فقدناهم بالثبات والمغفرة، فإنه الطريق الصحيح الذي يزيد من حسناتهم ويخفف من ذنوبهم عند ربهم.

مقالات مشابهة

  • أيها الإنسان.. أنت في ذمة الله.. لا في ذمة البشر
  • علي جمعة: هناك ملائكة لم تذكر فى القرآن كـ ملك الرحم أو نفخ الروح
  • حسين الموسوي: يغتالون الأبرياء القاصدين أرضهم لاستخراج شهدائهم الأبرار
  • بيان الأعضاء التي يجب السجود عليها في الصلاة
  • مشكلة الخلفية عند الأستاذ سعد.. يوميات معتقل (20)
  • محمود فوزي: مشروع القانون الجديد يمنح المحتجزين وذويهم الحق في إبلاغ شكواهم فوراً للنيابة
  • مُتَلازِمَةِ المُتَنَبِّي عند الأعرابي المتصهين!
  • شمال غزة وجنوب لبنان.. عودةٌ تُــــعيد الكرامةَ والأمل
  • ناصر ماهر يشارك في تدريبات الزمالك بعد تعافيه من إصابة الخلفية
  • وزير الخارجية: تعزيز الحق في حرية الدين لترسيخ قيم المواطنة والتعايش