(الدب الروسي) يلتهم (المشروع البريطاني)!!
تاريخ النشر: 20th, November 2024 GMT
استخدم الفيتو لصالح السودان في جلسة لمجلس الأمن حبست الأنفاس..
(الدب الروسي) يلتهم (المشروع البريطاني)!!
تقرير_ محمد جمال قندول- الكرامة
مشروع القرار البريطاني يفشل في استقطاب الدعم اللازم لتمريره في اجتماع لمجلس الأمن بخصوص أزمة السودان. عنوانٌ كان حافلًا أمس (الاثنين)، ومثار اهتمام واحتفال شعبي كبير من السودانيين.
واستخدمت روسيا أمس، حق النقض (الفيتو)، ضد قرار وقف إطلاق النار في السودان، وهو مشروع القرار البريطاني.
وانقسم الاهتمام عصر أمس، ما بين بورتسودان التي استقبلت المبعوث الأمريكي توم بيرييلو لأول مرةٍ بالبلاد، ونيويورك التي احتضنت اجتماعًا مهمًا لمجلس الأمن الدولي حبس الأنفاس.
علاقاتٍ تاريخية
ولأول مرةٍ منذ زمنٍ بعيد، يستخدم الدب الروسي (الفيتو) لإحباط قرار، وذلك بعد أن تدخلت وأحبطت مشروع القرار البريطاني، الذي كان ينص على وقف إطلاق النار بين الجيش والميليشيا، ونشر قوات أممية لحماية المدنيين بالسودان.
وفور إحباط القرار، دخل السودانيين في أفراحٍ دبلوماسيةٍ ورياضية، حيث إنّ المنتخب الوطني تأهل لنهائيات أمم إفريقيا المقامة في المغرب 2025، بعد ساعاتٍ قليلةٍ من جلسة مجلس الأمن بتعادلها مع أنغولا.
ووصف سفير السودان لدى موسكو محمد الغزالي لـ(الكرامة) ما جرى بمجلس الأمن، بأنّه موقفٌ قويٌ جدًا من روسيا الاتحادية التي تربطنا بها علاقات صداقة قوية تاريخية، والتي تجسدت بدعمٍ قويٍ باستخدامها لحق النقض (الفيتو)، ضد مشروع القرار البريطاني حول السودان.
وأكد الغزالي لـ(الكرامة)، بأنّ الموقف الروسي يعد صمام أمانٍ لسيادة البلاد ووحدتها.
ويرى أنّ موقف موسكو، انطلق من المبادئ الأساسية للسياسة الخارجية الروسية، التي ترفض الهيمنة والتدخل في الشؤون الداخلية، مشيرًا إلى أنّ روسيا تحترم المؤسسات الوطنية للسودان في ظل الأزمة التي تعيشها البلاد جراء تمرد ميليشيا الدعم السريع.
وأشار السفير محمد الغزالي إلى أنّ موقف روسيا الأخير دلالةٌ على العلاقات القوية والمتطورة بين البلدين، كما أنّه يُعد خطوةً يبنى عليها تعزيز العلاقات وتدعيمها في كافة المجالات، لتحقيق شراكةٍ شاملة.
الخارجية ترحب
بالمقابل، رحبت وزارة الخارجية باستخدام روسيا لحق النقض (الفيتو) بمجلس الأمن، في مواجهة مشروع القرار البريطاني بشأن السودان أمس.
وأثنى بيان الحكومة بالموقف الروسي الذي جاء تعبيرًا عن الالتزام بمبادئ العدالة، واحترام سيادة الدول والقانون الدولي، ودعم استقلال ووحدة السودان ومؤسساته الوطنية.
وكان ممثل روسيا في مجلس الأمن، قد كشف عن أسباب استخدامهم حق النقض (الفيتو) في مشروع القرار الذي تقدمت به بريطانيا وسيراليون، من أجل وقف الحرب في السودان، حيث قال: رفضنا القرار لأنّه تضمن آلياتٍ للمحاسبة من جهات خارجية مثل (المحكمة الدولية)، وأضاف: فالمحاسبة يجب أن تكون حصريةً من حق المحاكم الوطنية داخل الدولة-على حد قوله. إنضم لقناة النيلين على واتساب
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: مشروع القرار البریطانی
إقرأ أيضاً:
الدب الأمريكي الذي قد يقتل صاحبه!
يتحدث التراث الإنساني عن «الدبة التي قتلت صاحبها»، و«الرواية التي قتلت صاحبها»، و«القصيدة التي قتلت صاحبها»، وكلها تعبيرات تؤكد أن الغباء يقود أحيانًا صاحبه المغرور إلى اتخاذ قرارات متهورة تؤدي إلى إلحاق الأذى به، وبمن يحبه ويدافع عنه، وقد يصل الأمر إلى حد القضاء عليه.
الآن يمكن أن نسحب هذه الأمثال والعبارات على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي وعد عند أداء اليمين الدستورية أمام الكونجرس بإعادة أمريكا -التي يحبها بالتأكيد- عظيمة مجددًا، ثم ما لبث أن أصدر سلسلة من الأوامر التنفيذية التي يؤكد مراقبون كثر أنها قد تؤدى في النهاية إلى تفكك الولايات المتحدة وغروب شمس الإمبراطورية الأمريكية.
من الوعود الكثيرة التي قطعها ترامب على نفسه، وتهمنا في هذا المقال، وعده بأن يجعل بلاده «عاصمة العالم» للذكاء الاصطناعي. ثم سرعان ما تحول إلى دب هائج ضرب هذه الصناعة في مقتل ومنح منافسيه من دول العالم الأخرى خاصة الصين فرصة للتفوق عليه، عندما رفع بشكل تعسفي، يبدو غير مدروس، التعريفات الجمركية على كل دول العالم تقريبا.
الأمر المؤكد بعد أن بدأ ترامب حربه التجارية مع العالم، أن هذه الحرب ستكون الولايات المتحدة أكثر المتضررين منها، خاصة على صعيد صناعة الذكاء الاصطناعي التي سيكون عليها من الآن فصاعدًا مواجهة منافسة شرسة مع مثيلتها في الصين ودول أخرى. والسؤال الذي يطرح نفسه حاليا على كل المهتمين بتطوير برامج الذكاء الاصطناعي هو: كيف ستؤثر التعريفات الجمركية «الترامبية» على هذه البرامج التي ما زالت في طور الحضانة التكنولوجية، إذا أخذنا في الاعتبار أنها بدأت في الظهور منذ 3 أعوام فقط وتحديدا في عام 2022 عندما أطلقت شركة «اوبن آي» برنامج «شات جي بي تي» الذي فتح الباب أمام منافسين كثر في جميع أنحاء العالم لتطوير برامج الذكاء الاصطناعي التوليدي التي حققت زيادة هائلة في الانتشار والاستخدام العالمي من جانب الشركات والمستخدمين الأفراد. وهنا تشير التقديرات إلى أن عدد مستخدمي أدوات الذكاء الاصطناعي حول العالم قد تجاوز 314 مليون مستخدم في عام 2024، ومن المتوقع أن يصل إلى حوالي 378 مليون مستخدم هذا العام. وحسب أحدث التقارير، تجاوز عدد مستخدمي تطبيقات شات جي بي تي النشطين أسبوعيًا 400 مليون مستخدم في فبراير الماضي.
ورغم تراجع ترامب المفاجئ كالعادة وإصداره أمرًا جديدًا الأسبوع الماضي بإلغاء الرسوم الجمركية التي كان قد فرضها على أجهزة الكمبيوتر المحمولة، والهواتف الذكية، وشاشات العرض المسطحة، ومحركات الأقراص، وأشباه الموصلات القوية المعروفة باسم وحدات معالجة الرسومات، والتي تعد من العناصر الضرورية لمشروعات الذكاء الاصطناعي، ورغم ترحيب شركات التكنولوجيا الأمريكية الكبرى، مثل آبل وديل، بهذا القرار؛ نظرًا لاعتمادها الكبير على المكونات المستوردة من الصين ودول أخرى، فإن قرارات ترامب التي عرفت بقرارات يوم الجمعة تم التراجع عنها بعد يوم واحد، بإعلان وزير التجارة «هوارد لوتنيك» أمس الأول «أن الرسوم الأمريكية على رقائق أشباه الموصلات والهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر المحمولة، والتي أعفاها البيت الأبيض في وقت متأخر من يوم الجمعة، ما زالت قيد التنفيذ، وسيتم تحديدها في غضون شهر أو شهرين».
يتجاهل ترامب وإدارته الجمهورية حقيقة قد تعصف بصناعة الذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة، وهي أن الرسوم الجمركية الجديدة ستؤدي دون شك إلى زيادة كلفة إنشاء مراكز البيانات والمعلومات التي تشكل حجر الزاوية في تطوير ونشر برامج الذكاء الاصطناعي، وذلك بسبب أن المواد المطلوبة لتأسيس هذه المراكز مثل مواد البناء ومولدات الطاقة الاحتياطية ومعدات تبريد الخوادم الضخمة ما زالت تخضع للرسوم التي فرضها ترامب على الواردات الصينية.
من التناقضات الملفتة للنظر في سياسة ترامب نحو الذكاء الاصطناعي أنها تريد أن تحافظ على مكانة الولايات المتحدة «كعاصمة للذكاء الاصطناعي في العالم». ووفقًا لأقوال ترامب، فإن «على الولايات المتحدة أن تبقى في الصدارة للحفاظ على اقتصادها وأمنها القومي»، في الوقت نفسه سارع ترامب فور توليه منصبه إلى تقليص قواعد الذكاء الاصطناعي التي كان قد أصدرها الرئيس السابق جو بايدن، بأمر تنفيذي في أكتوبر 2023 لتنظيم مجال الذكاء الاصطناعي، وتحقيق التوازن بين الابتكار وحماية الأمن القومي ومصالح المستهلكين، وضمان استخدام مسؤول للتكنولوجيا مع حماية الحقوق المدنية ومنع إساءة الاستخدام، مثل الاستخدامات التي قد تنتهك الحقوق الدستورية أو تسهم في نشر الأسلحة النووية. وقد ألزم هذا الأمر الشركات العاملة في تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي المتقدمة بالتعاون مع الحكومة الفيدرالية، خاصةً عند تطوير تقنيات قد تشكل تهديدًا للأمن القومي أو الصحة العامة أو الاقتصاد. وتضمن هذا الأمر تقديم نتائج اختبارات الأمان وتفاصيل حول آليات تطبيقها، بالإضافة إلى توجيه الوكالات الفيدرالية لوضع معايير تنظيمية للمخاطر المرتبطة بهذه التقنيات.
جاء ترامب وألغى في فبراير الماضي بجرة قلم كل ذلك بزعم أن الخطوات التنظيمية التي وضعتها إدارة بايدن تعيق تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي وتضع عوائق أمام الشركات الأمريكية، وتجعلها في موقع تنافسي ضعيف مقارنةً بالدول الأخرى، ليعود بنفسه إلى سياسة وضع عوائق أشد.
من الواضح أن الرسوم الجمركية الصارمة التي فرضها ترامب على الصين، التي بلغت حتى الآن 145%، قد تصب في صالح الصين، وتضعف صناعة الذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة، وتساعد التنين الصيني في نهاية المطاف على منافسة الولايات المتحدة في مجال الذكاء الاصطناعي، خاصة وأن الصين تعد موردًا رئيسيًا لمكونات مراكز البيانات، التي لم يلغ ترامب الرسوم المفروضة عليها.
لقد استبق ترامب الأحداث وتدخل بعنف في مسيرة صناعة وليدة ما زالت في بداياتها، ولم تُحقق بعد أرباحًا كبيرة. صحيح أن شركات التقنية العملاقة ضخت استثمارات مليارية في برامج طويلة المدى لتطوير وتشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي وبناء مراكز البيانات في جميع أنحاء الولايات المتحدة، ولكنها تبقى استثمارات بدون عوائد سريعة. ويكفي أن نشير هنا إلى أن «جوجل» أعلنت عن خطط لاستثمار 75 مليار دولار، وأعلنت شركة «مايكروسوفت» عزمها إنفاق 80 مليار دولار هذا العام، بالإضافة الى إعلان شركة «اوبن آي» و«شركة أوراكل»، استثمار ما يصل إلى 500 مليار دولار، في بناء مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي خلال فترة ولاية ترامب. هذه الأموال الطائلة والاستثمارات الهائلة تحتاج إلى تبني سياسة الانفتاح على العالم وليس سياسة ترامب التي تغلق الباب أمام الشركات الأمريكية للحصول على ما تريده من العالم، ويتحول ترامب الى دب يقتل صناعة الذكاء الاصطناعي. إذا أردت أن تصبح بلادك عظيمة مرة أخرى يجب أن تحترم العالم المحيط بك أولا، وألا تشن حروبا من المؤكد أنك سوف تخسرها في مواجهة الجميع، وإذا أردت أن تطاع، يا عزيزي ترامب، فإن عليك كما يقول العرب «أن تأمر بالمستطاع».