الإثارة وأسباب أخرى.. سر الهوس بتصوير سقوط الصواريخ في لبنان
تاريخ النشر: 20th, November 2024 GMT
تشهد الضاحية الجنوبية لبيروت ظاهرة مثيرة للجدل تتجلى في توثيق بعض الشبان لسقوط الصواريخ الإسرائيلية على الأبنية، وذلك عبر الهواتف المحمولة. وفي تلك المشاهد التي تنتشر سريعاً على منصات التواصل الاجتماعي، يظهر شبان على مقربة من المباني التي يتم تحذير سكانها بإخلائها، منتظرين لحظة القصف دون اكتراث بمخاطر ذلك على حياتهم.
ورغم التحذيرات المتكررة التي يصدرها الجيش الإسرائيلي للسكان بإخلاء المباني قبل استهدافها، يختار هؤلاء الشبان البقاء في المناطق الخطرة، ليس فقط لمشاهدة الحدث عن قرب، بل لتوثيقه ومشاركته مع الجمهور.
وفي المقابل "يحظر على الإعلاميين المهنيين والمصورين المختصين من القيام بذلك من قبل قوى الأمر الواقع، بذريعة أن هذه الأفلام وهذا التوثيق للموقع المستهدف يخدم العدو ويعطيه معلومات ممكن أن تؤذي الجهات المستهدفة"، كما تقول الأخصائية في علم الاجتماع الدكتورة، هيفاء سلام، لموقع "الحرة".
هذا السلوك "ليس توثيقاً ولا هواية، بل هو تصرف متهور"، بحسب ما يؤكد نقيب المصورين في لبنان، علي علوش، لموقع "الحرة"، الذي يعتبر أن "تعريض الحياة للخطر من أجل التقاط صورة أمر مرفوض تماماً، وغير مبرر بأي شكل من الأشكال، إذ ليس من المقبول أن يضحي الإنسان بسلامته من أجل صورة، مهما كانت قيمتها".
دوافع متعددة
هذه الممارسات لها مبررات عدة، بينها، كما تقول سلام "الفضول لدى الناس، ورغبتهم بمعرفة ما يجري في هذه الحرب بشكل مباشر. وبما أن وسائل الإعلام التقليدية لا تقدّم للمشاهد صورة واضحة وواقعية عن مجريات الأمور على الأرض، ربما يعتبر هؤلاء الشباب أنفسهم مؤثرين وفاعلين. فهم يخاطرون بحياتهم لتقديم خدمة للمشاهد، من خلال تزويده بصور وفيديوهات تتيح له رؤية الحقائق على الأرض وتصديق الأخبار التي تصله، إذ إن الصور والفيديوهات تحمل وقعاً مختلفاً وأثراً أعمق في النفوس، فهي تنقل الواقع كما هو، دون زيادة أو نقصان".
كما أن تناقل هذه الصور والفيديوهات على الشاشات ووسائل التواصل الاجتماعي، بالرغم من المخاطر الجمة على سلامة ملتقطيها وحياتهم يمكن أن يفسر وفق سلام "على أنه نوع من المقاومة أيضاً، بل يمكن اعتباره رسالة تحدٍ للعدو، مفادها أنّ ملتقطيها لا يهابون الموت، ومستعدون للتضحية بحياتهم في سبيل قضيتهم".
إضافة إلى ذلك، تشير سلام، إلى أن "هذه الممارسات قد تمنح الشباب شعوراً بالرضا، إذ يعتقدون أنهم يقدّمون خدمة لمجتمعهم وبيئتهم التي نزحت وتعيش حالة من القلق والخوف على ممتلكاتها ومنازلها. فهم يزوّدونها بصور توثّق ما بقي من الأحياء والمنازل بعد الغارات وذلك للاطمئنان على ما بقي سليما منها".
وبالنسبة لبعض الشبان، يعدّ تصوير هذه المواقع، كما تقول أخصائية علم الاجتماع "توثيقاً للانتهاكات التي ترتكبها إسرائيل بحق المدنيين، وهو لا يخدم فقط التوثيق التاريخي، بل يمكن أن يستخدم لاحقاً لإدانة إسرائيل أمام المحاكم الدولية، أو كشف ممارساتها أمام الرأي العام العالمي".
أما أخصائية علم النفس، الدكتورة إيمان رزق، فتؤكد أن "بعض الأشخاص يندفعون نحو تصوير ونشر مشاهد العنف بدافع الشهرة والإثارة"، وهو ما وصفته بـ"الإثارة المرضية" التي تختلف عن الإثارة الطبيعية، موضحة أن هؤلاء "الأشخاص يعانون من اضطرابات نفسية تجعلهم يقبلون العنف ويتعاملون معه وكأنه أمر طبيعي".
وتشدد رزق في حديث لموقع "الحرة" على أن "هؤلاء الشباب يشكلون خطراً على أنفسهم وعلى المجتمع، حيث يعيشون في لحظات تصوير الأحداث في قلب الصدمة، ما يعزز لديهم تقبل العنف، بل وحتى تصويره دون وعي بالمخاطر والعواقب".
وعن احتمال أن يكون هذا السلوك نابعاً من ثقة الشباب بدقة الجيش الإسرائيلي في تنفيذ ضرباته، كما أشار البعض عبر مواقع التواصل الاجتماعي، يجيب علوش "لا يمكن لأي شخص عاقل أن يصدق أن من يدمر عشرات المباني يحرص على الدقة في استهدافاته أو يلتزم بما يعلن، كما أن الأخطاء شائعة في الحروب، والشظايا غالباً ما تتناثر لمسافات أبعد مما يتوقع، مما يشكل خطراً كبيراً".
آثار خطيرة
لا بد من التمييز بين التصوير الاحترافي والتصوير العشوائي، كما يقول علوش، ويشدد على أن الأخير لا يمكن أن يحل محل الأول، ويوضح "لا شك أن تطور التكنولوجيا وانتشار الهواتف الذكية سهّل عملية التصوير، ولكن هذا لا يعني أن أي شخص أصبح مصوراً محترفاً. الصورة الاحترافية تتطلب مهارات فنية وتقنية عالية، وهي ما تعتمده المؤسسات الإعلامية والوكالات العالمية التي ترفض أي صورة أو فيديو منخفض الجودة، لذلك ظاهرة التصوير العشوائي مجرد موجة وستختفي مع الوقت".
وفي سياق الحديث عن الإعلام اللبناني، يشير علوش إلى غياب القوانين والتنظيم المهني في القطاع، واصفاً الوضع الميداني بـ"الفوضوي"، ويقول "المؤسسات الإعلامية تعاني من غياب الاحترافية اللازمة، في حين أن السلطات اللبنانية مقصرة في توفير الضمانات اللازمة لحماية العاملين في القطاع الصحفي، بما في ذلك إصدار بطاقات تأمين للصحفيين".
من جهتها، تدعو رزق لتقنين نشر مشاهد العنف على وسائل الاعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، محذرة من آثارها النفسية على الأفراد والمجتمع، وتقول "هذه المشاهد تترك آثاراً سلبية على الأشخاص الذين يوثقون مشاهد الدمار، وأيضاً على من يشاهدونها"، مشيرة إلى أن "التعرض المستمر لمشاهد العنف يمكن أن يؤدي إلى صدمات نفسية قد تظهر تداعياتها بعد انتهاء الحرب، مثل اضطرابات ما بعد الصدمة، التي قد تتطلب علاجاً نفسياً متخصصاً".
وتؤكد على أهمية تسخير وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي لإبراز الجوانب الإيجابية في المجتمع، مشددة على أن "دور هذه الوسائل لا يقتصر على نقل الأخبار، بل يمتد ليكون تربوياً وتثقيفياً، فتقديم محتوى إيجابي يعزز القيم المجتمعية ويخلق بيئة نفسية أكثر استقراراً للأفراد، خاصة في ظل الأزمات والتحديات التي يواجهها الناس".
في السياق نفسه، يدعو علوش الصحفيين والمواطنين إلى توخي الحذر أثناء تغطية الأحداث العسكرية، مشدداً على ضرورة تجنب التسرع والمخاطرة بالحياة، ويقول "الحرب تنتهي، لكن فقدان زميل أو مواطن هو خسارة فادحة لا تعوض. الإعاقة الدائمة تترك أثراً عميقاً، بينما الحروب زائلة. لا شيء يبرر التضحية بالحياة والصحة وأن يصبح موثّق الحدث هو الخبر".
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: التواصل الاجتماعی یمکن أن على أن
إقرأ أيضاً:
الأخطاء الطبية والإهمال.. هل يمكن تفادي الكارثة؟ ومن المسؤول عنها؟
ازداد الحديث في السنوات الماضية عن الأخطاء الطبية الحاصلة في مستشفيات لبنان، وتُعدُّ القضايا المرتبطة بوقوع "أخطاء طبيّة" من أكثر المواضيع حساسيّة. خطأ في التشخيص، جرعة زائدة، إهمال أو تقصير الطبيب وغيرها من الأسباب أدت بضحاياها الى عطب دائم، تشوه أو وفاة.حيزٌ ضئيل هو الذي يفصل بين الخطأ والإهمال الطبيّ. الأخطاء الطبيّة، ظاهرة شائعة لحدٍّ ما في الوسط الاستشفائي بتنوعاته ومستوياته حول العالم. في وقتٍ تُعالج هذه الظاهرة وفقًا لطبيعتها الجنائيّة في غالبية القوانين الدوليّة، كرّس لبنان ما يُشبه النمط المُكرّر في التنصل من هذه المسؤوليّة، بغياب الرقابة والمساءلة القضائيّة في المرتبة الأولى واستسهال تبرير الحوادث.
"الخطأ الطبّي"، مصطلحٌ يكفي ذكره لزرع الهلع والصدمة في نفوس السامعين. وما إن يحصل أيّ خطأ طبّي حتّى يتحوّل مادة دسمة لتناقل الأخبار. ناهيك عن المريض وأهله الذين يضيعون بين محاكمة الطبيب والبحث عن الحقيقة، اضافةً الى فقدانهم الثقة في النظام الطبّي.
وتقول امنة الأسعد دكتورة في العلاج الفيزيائي أن الخطأ الطبي هو كل مخالفة أو خروج من الطبيب في سلوكه على القواعد والأصول الطبية التي يقضي بها العلم، والمتعارف عليها نظريا وعمليا وقت تنفيذه العمل الطبي، أو إخلاله بواجبات الحيطة والحذر واليقظة التي يفرضها القانون والمهنة عليه.والخطأ الطبي، هو تأثير جانبي للعناية الطبية التي تشمل الطبيب والجسم الطبي وكلّ مَن يهتم بالمريض، ويُعتبر هذا الخطأ غير مقصود ولكن كان يمكن تفاديه.
وأكدت الأسعد أن الأخطاء الطبية واردة في كل دول العالم باعتبار أن الطب مهنة وسِمة إنسانية لا تجارة وسمسرّة، وقطعاً تلك الاخطاء الطبية لا علاقة لها بالاهمال الذي يُعتبر صاحبه مجرماً بلا سلاح، مع انهُ في بلادنا يفترض من لم يخيفه القانون، يعلم جيداً ان الله له بالمرصاد. وأن معدلات الخطأ الطبيّ في لبنان وخصوصًا في المستشفيات الخاصة لا تزال ضمن المعدلات الطبيعيّة.مؤكدة انه “لا يمكن تفاديّ الأخطاء الطبيّة، وهي تحصل كل يوم لأن الاطباء هم بشر قد يخطئون".
وميّزت بين الخطأ الطبيّ البسيط والخطأ الذي يؤدي إلى نتائج جسيمة. واعتبرت أن المرجع الوحيد للفصل في مثل هذه القضايا، هي القضاء اللّبنانيّ الذي يرتكز على تقارير اللجان الطبيّة في المستشفيات. وأكدّت أن دور اللجان الطبيّة هي مراقبة الأعمال الطبيّة ومساءلة المقصرين.
وأشارت الى أنه في لبنان هناك انتشارًا واسعًا للأطباء الذين تتنوع خبراتهم ومؤهلاتهم، حيث نجد أطباء قدامى وآخرين جدد. وفي شوارع العاصمة، تضيء آلاف القطع الضوئية الملونة التي تعلن عن أطباء حصلوا على شهاداتهم من دول مرموقة. ولكن، رغم هذه الشهادات الرفيعة، يفتقر الكثير من هؤلاء الأطباء إلى الخبرة الكافية، ما أدى إلى وقوع العديد من الأخطاء الطبية التي أثرت على حياة المرضى.
وتابعت الأسعد "عندما تحصل حادثة يطلب الناس إقفال المستشفى، ووضع الطبيب في السجن، واستباق قرار القضاء. ويُعد هذا الاجراء تصرفا شعبويا.فإنّ مسألة البحث عن المسؤولية والكشف عن الخطأ الطبي إن ارتُكب، موضوع دقيق جدّاً وليس مقبولاً إطلاق التهم جزافاً. كما أنّ الطبيب ليس جلاداً، لذلك يجب ادراك كيفية التعامل مع الموضوع، والابتعاد من التشهير في المهنة".
وقالت إن الدراسات أثبتت أن تركيز الجهود على معاقبة الشخص المعالج يبعث في نفوس العاملين في النظام الطبي الخوف والرهبة من الأخطاء والعقاب، مما يؤدي إلى إخفاء الأخطاء وعدم الاعتراف بها، بدلا من محاولة معالجتها ودراسة أسباب حدوثها.
وأضافت الأسعد أن "كل ملف طبيّ أو شكوى له خصوصيته وظروفه، وإذا ثبت تورط الطبيب تُتخذ بحقه عدة إجراءات قانونية بعد تحديد حجم مسؤوليته، بدءا بالتنبيه حتى التوقيف المؤقت عن العمل، والغرامة الماليّة وصولا الى قرار المنع من ممارسة المهنة نهائيا".
وأكدت أن المطلوب هو تفعيل العمل القضائي بطريقة يستطيع أي شخص مقتنع بالتقصير من قبل الطبيب المعالج ملاحقته أمام المحاكم والوصول إلى حقه بفاعلية وبسرعة وبصورة عادلة، وبالتالي يحصل على التعويض اللازم.
وختمت الأسعد بالخلاصات الواجب تطبيقها لتخفيف الأخطاء الطبية وهي "تدريب وتقييم أداء العاملين الصحيين، من بينهم الأطباء. إصدار وتطبيق سياسات تعزز عملية التبليغ عن الأخطاء الطبية على نحو سري. مراجعة وتحديث معايير أنظمة الاعتماد الحالية للمؤسّسات الصحية لضمان احتوائها على أهداف سلامة المرضى ومؤشرات الأداء. وتمكين المرضى ومساندتهم وتوعيتهم على الدور الذي يؤدونه في ما يختصّ بسلامتهم وإشراكهم في عملية اتّخاذ القرارات التي تتعلّق بصحتهم”.
أخطاء طبيّة كثيرة حصلت في لبنان، كان ضحيتها العديد من المرضى والكثير من اللوم من قبل الأهل المفجوعين. ويرى فاعلون في الرعاية الصحية أن غالب الأخطاء الطبية تعود إلى "الإهمال أو التقصير البشري" للطبيب أو مقدم الخدمة الطبية أو إلى "ممارسات الربح السريع"، أو جراء عطل في المعدات والتجهيزات الطبية، وغيرها من العوامل المتداخلة.
ومما تقدّم نجد ان جوهر المشكلة يكمن في السياسات الصحيّة والقانونية المتبعة، ونتيجة اخفاقات على مستوى المؤسسات والنظم الصحية العامة، والدعوة الى تغيير جذري يقوم على وضع اسس وخطط استراتيجية تساهم في خلق الوعيّ لدى الطبيب والمريض معا لئلا يكون أحدهما ضحيّة الآخر.
المصدر: خاص "لبنان 24"