وكالة سوا الإخبارية:
2025-03-16@07:15:30 GMT

من هو شاعر المنافي عبد الوهاب البياتي؟

تاريخ النشر: 16th, August 2023 GMT

يقف الإنسان حائرا عندما يأتي بمخيلته اسم عبد الوهاب البياتي أمام عدة خيارات : الشاعر ، والثائر ، والرحّال، والرائد ، والمجدِّد، والموسوعيّ.

يعد عبد الوهاب البياتي الشاعر والأديب العراقي (1926- 1999)، من الأربعة الذين أسهموا في تأسيس مدرسة الشعر العربي الجديد في العراق "رواد الشعر الحر" وهم : نازك الملائكة، وبدر شاكر السياب، وشاذل طاقة.

عمل في التعليم والصحافة، وتنقل بين بغداد مسقط رأسه، والكويت والبحرين، وسوريا، بيروت، القاهرة، إسبانيا، الأردن وأمريكا، ثم عاد للأردن ومنها إلى سوريا إلى أن توفي.

"أقوم بعد الموت" - عبد الوهاب البياتي

"أقوم بعدَ الموتِ في كلّ جيل"، وإنّ حقيقة هذه الجملة اليوم لا خلاف فيها، بل ثمة إجماع على صدقها وحميميتها، لشاعرٍ هائل وضخم" تتردّد هذه الجملةٌ من شِعر البياتي الذي ضمّ العالم في كلماته، وكان مُتّهماً بالنرجسية في شخصيته.

يبلغ عدد الدراسات والكتب ومشاريع التخرّج ورسائل الماجستير والدكتوراه المكتوبة عن الأديب عبد الوهاب البياتي وشعره أكثر مما كتبه هو في حياته، وليس من سبيلٍ إلى حصرها، ولا سيما أنّ الكتابة عنه بدأت في خمسينيات القرن الماضي، أي في آخر العشرينيات من عمره.

تعتبر دراسة إحسان عباس "البياتي والشعر العراقي الحديث" عام 1955، هي أول الدراسات عن الشاعر، المعروف بأنه واحد من 4 روّاد أسسوا لمدرسة الشعر العربي الجديد في العراق، تلاها عددٌ كبير من الدراسات أبرزها: "عبد الوهاب البياتي رائد الشعر الحديث"، لنهاد التكرلي وآخرين، عام 1958.

وتوالت الدراسات، بعضها تقرأ شعرالأديب عبد الوهاب البياتي بشكل عام، بكل ما فيه من رمز وأسلوبية ورؤيا وتصوف والتزام، وبعضها تختص في جزءٍ من شعره أو تقتصر على قراءة ديوان واحد له، وتتناول فيه صورة المرأة أو التراث أو الشخصيات التاريخية أو الذات والآخر.

هذا الامر يقتصرعلى أنّ عبد الوهاب البياتي يتنقل من ديوان لآخر، و"كأنه يتنقّل من مدينة لأخرى، ومن أنثى لأنثى، ومن دهر لدهر، ويستعيد أسرار الملوك الغابرين، والعشّاق المحترفين والمولودين بعشقهم، والعُبّاد والفقراء والصعاليك"، ما صعّب على الباحثين مهمتهم في أن ينظروا إلى كل كتب جديدة لها نظرة شاملة.

وكذلك لأنّ ما يحفل به شعره وما يحمله ويضمنه ويستبطنه ويضمره، وما يخلقه أو يستعيده من كائنات ورموز وأمكنة وأزمنة ومدن وهياكل ورقم طينية، أعصى من أن يُجمَع في دراسةٍ واحدة أو نظرة واحدة.

كما قال البياتي واصفا نفسه، كيف كان يكتب الشعر: "إذ كلما انتهيت من كتابة قصيدة أشعر أنني سحابةٌ أمطرت كلّ ما عندها، وظلّت تنتظر موسماً آخر لكي تستعيد عافيتها فتمطر من جديد".

إن معظم الدراسات التي كُتبت عنه شارك فيها أكثر عدد كبير من الباحثين والدارسين، إلى أن تخصصت بعض الدراسات لتتناول جزءاً من حياة البياتي نفسه، سواء في إسبانيا أو العراق أو الأردن أو سوريا، ولا سيما ما اصطُلح على تسميته بنتاج المرحلة الإسبانية، إذ صار البياتي وقتها محسوباً على الأدباء الإسبان.

تجربة عبد الوهاب البياتي الشعرية

كتب البياتي عن تجربته الشعرية كتاباً يحمل اسم "تجربتي الشعرية" عام 1968، ثم كتب سيرته الذاتية والشعرية مجدداً في كتاب "ينابيع الشمس" في السنة التي مات فيها، طاوياً الصفحة الأخيرة من حياته.

سيرة الشعر فيها قسيمة مع سيرة الذات، سببها أنّ البياتي عانى من هاجس أنّ ما لم يُذكر (من قبل) يبقى هو الأهم. "وإنّ المرء ليظل مأخوذاً بالجديد المسكوت عنه أو الهامشي المحال خارج الاستدعاء بسبب الانهماك بالأساسي المألوف الذي كثيراً ما يستحب الوقوف عنده".

كتب الشاعر والاديب عبد الوهاب البياتي عن تجربته الشعرية كتاباً يحمل اسم "تجربتي الشعرية" عام 1968، ثم كتب سيرته الذاتية والشعرية مجدداً في كتاب "ينابيع الشمس" في السنة التي مات فيها، طاوياً الصفحة الأخيرة من حياته.

"ينابيع الشمس" هو القول الفصل للبياتي عن البياتي، منذ اللحظة التي وُلد فيها حتى اللحظة التي انتهى عن الكتابة فيها، أي بعد 73 سنة، اكتشف فيها أنّ الكتابة في العالم الثالث "عذاب وليست ترفاً"، لأنّ الكاتب عندما يتصوّر أن الكتابة مجرد كلمات وطموح نحو إبداع محض تتحوّل في مثل هذه الحالة إلى خدوش باهتة في سطح الواقع الفاسد.

"وعندما يتجاوز العالم الثالث محنته الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والكونية، فإنّ قاموس الكلمات يظلّ إحدى هيروغليفيات أو مسماريات هذا العصر الذي غرقنا في طوفانه الأسود ولا بدّ من تصحيح الأمر، فما يظن أنه قاموس شتائم هو ليس كذلك، بل إنه قاموس أوصاف للعور والخصيان والطواويس"، يقول البياتي.

أما كلمات قاموس عبد الوهاب البياتي، كما يصفها، فهي "أسلحة في وجه الليل والشر والذل الكوني وضد الطغاة الصغار الذين يعيقون مسيرة البشرية وطموح الإنسان نحو تحقيق العدالة والحرية والديمقراطية لكنّ هذا القاموس لم يستغرقني شاعراً وإنساناً، بل إنه يمثّل جزءاً صغيراً جداً من عالمي الشعري".

إنّ المنافي البعيدة التي تنقّل عبد الوهاب البياتي فيها، من بغداد إلى القاهرة مروراً بمدريد وموسكو إلى بيروت ومحطته الأخيرة دمشق، أو ما يسميه "المنفى الكامل"، جعلته غريباً عن كلّ شيء إلا عن الشعر كما أنّ ترجمة أعماله إلى لغاتٍ كثيرة، غير أنها دليل على كونيتها وإنسانيتها، جعلت الشاعر الفرنسي لويس أراغون يكتب في مجلة أدبية يرأس تحريرها: "عبد الوهاب أعظم شاعر عراقي عربي معاصر".

 

المصدر : وكالة سوا - وكالات

المصدر: وكالة سوا الإخبارية

إقرأ أيضاً:

لهم فضْلُ القديمِ وسابقاته.. عن لغة الشعر النبطي

تزوج شاعر البادية الأردنية محمد علي عذيمان من فتاة أحبها وكانت تنتقل معه في البادية حيث حل وارتحل، وبعد أن أنجبت له مولودته الأولى أصابتها حمى النفاس ومرضت وماتت في أثناء ولادتها.

وكانت الثلوج حينها تهطل بغزارة ولم يكن له في منزله ذاك جيران قريبون، فلم يتمكن من دفنها فجلس حاملا ابنته التي رفضت النوم في أحضانه، فما كان منه إلا أن ذهب بها إلى فراش أمها المسجّاة، ووضعها في حضنها فسكتت البنت عن البكاء ونامت، وفي منتصف الليل سكن الجو وتوقف الثلج عن الهطول وتوقفت الرياح وإذا عواء الذئب يجلجل بين تلك التلال، وفي ذلك الموقف الحزين قال الشاعر عذيمان:

يا ذيب ياللي توحش القلب بعواك

أظن حالك صاير(ن) مثل حالي

انت عويلك يوم فاتك معشاك

وانا عويلي من تيتَّمْ عيالي

وان كان صيدك فاقد(ن) من خوياك

انا فقدت من الخويا الغوالي

حذراك من سود الليالي تغشاك

ويعتم عليك الضو عقب الدلالي

وتعال أيها القارئ نستمع معًا إلى الشاعر الشيخ نمر بن عدوان وهو يبكي زوجته وضحاء، ويذكر حالها في القبر وحاله بفقدها، ويشنّع على لائميه داعيًا عليهم، وجرّب أن تقرأ الأبيات الآتية بتسكين أواخرها، واستحضِر في نفسك واجلب إلى مسامعك أسلوب إلقاء الشعر النبطي:

سار القلم بداجي الليل مهتاج

سار بهوى قليبي وحير دليلي

بكيت غرام بالحشا يوهج اوهاج

من وجد وجدي الويل فرقا خليلي

عيني تهل الدمع لاجن بلجلاج

ودموع عيني سيل دوما يسيلي

واجب علي أهله بكل ملعاج

ودموع عيني مثل نهر تسيلي

سمعت انا بظلمة القبر مهتاج

عفت الحياه وعند قبره نزيلي

ياقبر انا ما أظن من جاك يحتاج

تعريف هي وضحا أُو قلبي عليلي

ياقبرها يامنوة الروح وسراج

والله انا عندك طنيب ودخيلي

مجنون ليلى كان داير بلجلاج

ما أضن يشبهني ولا هو مثيلي

هات الكفن يا عقاب وتابوت من صاج

أو علي من رمل السبايب هيلي

واحفر على قبري بازميل وهاج

اللي جرى ياعقاب وانت الوكيلي

انقش سقيم عايف الطب واعلاج

أضحى طريح الحب وامسى قتيلي

من لامني يبلاه بالهم وهاج

عليه حسبي الله ونعم الوكيلي

الشعر النبطي أسلوب الإلقاء والقدرة على جعله غنائيا، إذ يلتقط كُتاب الأغاني الشعبية القصائد النبطية ويستثمرونها ويحولونها إلى أغانٍ (مولدة بالذكاء الاصطناعي-الجزيرة)

يُكتب الشعر النبطي كما ينطق، وقد استحدثت كل قبيلة مفردات وألفاظا جديدة، واستعملتها وأدخلتها على الشعر النبطي بقصد أو بدون قصد، فضم بذلك الشعر النبطي كثيرا من اللهجات المختلفة، وصار له قاموسه الخاص. وفي توصيف لغة الشعر النبطي وبُعدها عن الإعراب والحركات قال ابن خلدون "أساليب الشّعر وفنونه موجودة في أشعارهم هذه ما عدا حركات الإعراب في أواخر الكلم، فإنّ غالب كلماتهم موقوفة الآخر، ويتميز عندهم الفاعل من المفعول والمبتدأ من الخبر بقرائن الكلام لا بحركات الإعراب".

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2جماعة تحت السور التونسية.. أدباء ساخرون من المجتمع والاستعمار وكل شيءlist 2 of 2غيث حمور: أدب المنفى السوري وجد طريقه أخيرا للوطنend of list إعلان

يعتمد الشعر النبطي على اللهجة العامية الدارجة والمتداولة بين الناس والأسلوب البسيط الواضح قريب المأخذ في سرد الوقائع والقصص، وله قدرة عالية على نشر الحكمة وتوثيق الأحداث بأسلوب يسير ومشوق يربط بين الماضي والحاضر بسلاسة وعذوبة؛ وذلك لاستعماله لغة الناس المحكية.

قد يتعذّر عليك فهم بعض الكلمات وربما كثير منها لبعد اللهجات المحلية اليوم عن بعضها، غير أن ذلك لا يحجب عنك تذوق سحر اللغة و جمال الشعور والاستمتاع بعذوبة التراكيب؛ فالشعر النبطي يمتاز بقدرة عالية على سكب المشاعر الإنسانية في ألفاظ شعرية بسيطة وواضحة ومباشرة، وفي قوالب شعرية قريبة من قلوب عامة الناس، فهو في المحصلة شعر، والشعر يتكئ على الخيال والتصوير والفني، ويعتمد على ألوان البلاغة وأساليبها المتنوعة كالتشبيه والاستعارة، ويميل إلى تزيين النصوص الشعرية بألوان البديع التي تضفي على النصوص جمالًا وعمقًا.

ومن أهم ما يتميز به الشعر النبطي أسلوب الإلقاء والقدرة على جعله غنائيا، إذ يلتقط كُتاب الأغاني الشعبية القصائد النبطية ويستثمرونها ويحولونها إلى أغان تحقق شهرته وانتشاره وشعبيته بين الناس.

ما الذي يجعل بعض أبناء العربية ينظرون إلى الشعر النبطي نظرة سلبية؟

وُجّهت انتقادات كثيرة لناظمي هذا النوع من الشعر، لأنه يبدو تأصيلا للعامية على حساب الفصحى وتنحيتها، وقد أُلّف كتاب بهذا الهدف بعنوان (كَفُّ المُخْطِي عن الدَّعوةِ إلى الشِّعرِ النَّبَطِي)؛ رأى فيه المؤلف ذياب الغامدي أن الشعراء الذين ينظمون الشعر النبطي: "دُعاة العامِّيَّة، وما أدراك ما العامِّيَّة؟! سواء كانت دَعوتهم سافرة جِهارًا نهارًا، كما تبنَّتْه الصُّحف وغيرها، أو دعوة مُستَتِرة تحت ثوب فَضفاض نسجَتْه أيدي الأعداء فألبسَته أمَّة الإسلام، والعرب العَرْباء، وشباب الصَّحوة؛ وذلك فيما يُسمى بالشّعر النَّبَطيِّ".

وُجّهت انتقادات كثيرة لناظمي الشعر النبطي، وقد أُلّف كتاب بهذا الهدف بعنوان (كَفُّ المُخْطِي عن الدَّعوة إلى الشِّعر النَّبَطِي) (الجزيرة)

ويقول الغامدي في موضع آخر من هذا الكتاب "ولو استسلم العُلماء أمام هذه السَّفسَطة والجَهالة التي يتّكئ عليها عشاق النَّبَطيّ في القرن الثّاني عشر الهجريّ وما تلاه من قرون، لكانت اللّغة الفصحى اليوم خبرًا بعد عِيان، كما يراد لها… وما زلنا نظنّ أن جَذوة دُعاة النّبطي ستنطفئ، وتنهار قواهم، حتَّى اتّسع الخَرق، وتجاوز شِعرُهم حُدوده، وعَلَت أصواتُهم، حتى استباحوا الصُّحف والمجلَّات والإذاعات، وأقاموا النَّدَوات والأُمسِيات؛ تمجيدًا وتعزيزًا، وتقريرًا وتقنينًا لنشر النَّبَطيّ".

إعلان

يرى بعض الباحثين أن التغيير اللغوي أمر طبيعي في سياق مرور الزمن وتطور الحياة، ولا يمكن أن ننظر إلى الشعر النبطي لأنه يعتمد العامية على أنه فساد لغوي، لا سيّما في ظل إمكانية رد الألفاظ العامية إلى الفصيح منها استنادا إلى القواعد الصرفية والصوتية تحديدا، ناهيك عن أن عامل الزمن يفرض تغيُّرات وتطوّرات حتمية يقررها تقدُّم الحياة وتطوّرها، وتمر بها أي لغة حية في سيرورة الأيام.

إن أكبر سبب -في حقيقة الأمر- للنظرة السلبية التي يحملها بعض أبناء العربية تجاه الشعر النبطي تتعلق باعتماده على اللهجات المحكية الدارجة، وذلك ليس إلا تخوفا من شيوعها وانتشارها واستسهالها على حساب العناية باللغة العربية الفصيحة التي تعد حاملا للدين ومصادره وأداة لمعرفة التاريخ العربي الممتد عبر العصور، وجسرا لعبور المعارف والوقائع والأحداث من جيل إلى آخر.

تبدو هذه المخاوف مشروعة لكن ينبغي ألا نبالغ فيها، فالشعر النبطي لون من ألوان الفنون الكلامية، وشكل من أشكال الإبداع الشعري، لا يهدف إلى إزاحة الشعر العربي التقليدي عن عرشه ولا قدرة له على ذلك، وإن كنا نستمع إليه ونتذوق جمالياته لقرب عهده أو قرب لغته، فإن ذلك لا يعني أنه راجح على ما سواه من أشكال الشعر العربي في الذائقة العربية.

حافظت أرض الحجاز على كثير من أخبار الشعر النبطي الذي نشأ في شبه الجزيرة العربية، وأولته عناية خاصة لأنه يعكس كثيرا من القيم والعادات والتقاليد المهمة لدى المجتمعات الخليجية (مولدة بالذكاء الاصطناعي-الجزيرة) الشعر النبطي في مرايا العصر الحالي

تولي دول الخليج العربي أهمية كبيرة للشعر النبطي باعتباره امتدادا لأصالة عاشها الأجداد في غابر الزمن، واستمر عبقها أخاذا على مر العصور، يربط الماضي بالحاضر، ويوحد الذائقة الشعرية لدى الأجيال المتعاقبة، وكأنه الحبل الأصيل المتين الذي يربط إنسان العصر في بوادي العربية بالإنسان العربي القديم الذي عاش فيها وأثبت عراقته وبنى حضارة ما تزال مشعة بين صفحات التاريخ، لا سيما في بادية الحجاز وما والاها، لأنه سجل دقيق دوّنوا فيه أهم الأحداث التاريخية والاجتماعية، وهو وسيلة للحفاظ على اللهجات المحلية والتراث الثقافي، ناهيك عن أنه يعزز القيم البدوية كالكرم والشجاعة وغيرها.

إعلان

حافظت أرض الحجاز على كثير من أخبار الشعر النبطي الذي نشأ في شبه الجزيرة العربية، وأولته عناية خاصة لأنه يعكس كثيرا من القيم والعادات والتقاليد المهمة لدى المجتمعات الخليجية. غير أن مجال النظر في موضوع الشعر النبطي واسع جدا، ويحتاج إلى كثير من البحث والتدقيق والجهد للوصول إلى نتائج دقيقة وأجوبة شافية، لا سيما في مسألة اللغة المحكية التي يعتمدها.

الشعر النبطي جزء أساسي لا يتجزأ من الثقافة البدوية، وقد شهد بمرور الأيام والعصور تحولات كبيرة جعلته يتماشى مع متطلبات العصر الحديث، فصار الشعراء يميلون إلى استخدام وسائل الإعلام والتواصل الحديثة لنشر قصائدهم وإبداعاتهم، فازدادت شعبية الشعر النبطي، وعمد بعض الشعراء إلى المزج بين الشعر الفصيح والنبطي فأضافوا بذلك أبعادا جديدة فنية وجمالية لقصائدهم وأشعارهم.

ومن أمثال ذلك الحديث عن القهوة العربيّة ومجالسها التي تعد أهم معالم الهويّة البدويّة، وقد قيل في ذلك كثير من الأشعار؛ منها ما قاله الشاعر حوشان بن عبود بن سويلم الشلواني العازمي:

لادك في قلبي من الهم هوجاس

حطيت فوق النار زين المحاميس

وحمست ما يجلى من الهم وعماس

بنٍّ من النيبار يجلى الحواسيس

لا ذاقه اللي من عنا الوقت محتاس

من لذته تنجال عنه النواحيس

ولننظر معا إلى قول الشاعر راكان بن فلاح بن مانع بن حثلين العجمي متغزلًا بفنجان القهوة راسمًا تفاصيل الشعور المرافق لاحتسائه القهوة في مجلس برفقة الأصحاب والأحباب؛ في صورة شعرية بديعة:

ياما حلى الفنجال مع سجّة البال

في مجلس ما فيه نفس ثقيله

هذا ولد عم وهذا ولد خال

وهذا رفيق ما لقينا مثيله

قصائد الشعر النبطي نلحظ بها جمال المزج بين الماضي والحاضر حين يعمد الشاعر إلى مفاجأة المستمع بنقله من الماضي السحيق إلى الواقع المعاصر (مولدة بالذكاء الاصطناعي-الجزيرة) القيم البدوية المجتمعية والإخوانيات في الشعر النبطي

يركز الشعر النبطي على القيم والأخلاق والعادات والتقاليد ويقدسها، ولا عجب في ذلك لأن الشاعر ابن بيئته، والشعر محاكاة للبيئة التي يُنظم فيها، والشعر النبطي بدوي في أصالته، يؤكد أهمية الحفاظ على القيم المجتمعية وتوارثها بين الأجيال، فالقيم الأخلاقية تحدد هوية الشعوب وانتماء المجتمعات، لذا يبدو الشعر النبطي ممتلئًا بكل ما يحض على مكارم الأخلاق ويزكيها في النفوس، ومن ذلك قول الشاعر محمد بن ناصر بن صقر السياري:

ياللي تعرف الجوهرة من نحاسَـــــهْ

خذ لك على درب التـــجاريب مرواس

مبنى على الغرمول ينــهد ساســـــه

ويثــبت إليــا عزيت مبنى على ســاس

واجب على الرجال يلبـــــس مقاسه

ويـصــير بعـيون الرياجــيل نــبراس

يرفع مجـــــاله عن دروب الـدناسـه

ونفــســه يدربـــها عـلى قــوة الـــباس

ويحــسن أخلا قـه بلــيّا شراســـــــه

لــو هـو شجاع ويلبس الـدرع والطاس

وياخذ تجاريب الـــــليالي دراســـه

ويمــيـّز الياقــوت من لمــعة الــــماس

ومن يصحب الأنذال وأهل النجاسه

يُــقـْـلب عــليه الهـرج في كل مجلاس

الذيــب يرفع هــمته عن مداســـــه

يوم يجوع وســاعـةٍ يــــرفــع الــراس

وبعض العرب مـــا همه إلا لباســـه

ودايم على عورات الأجواد عـــســاس

وحين نطالع قصائد الشعر النبطي نلحظ مدى سعة ثقافة الشعراء واطلاعهم على التراث الثقافي، ونلحظ جمال المزج بين الماضي والحاضر حين يعمد الشاعر إلى مفاجأة المستمع بنقله من الماضي السحيق إلى الواقع المعاصر، بذكر حكاية مشهورة من حكايا التراث القديم، وإسقاط المعاني بعدها على واقعنا المعيش بذكر أسماء أو رموز تدل عليه، وها هو الشاعر حمد بن علي بن مايقة الحبابي يَذكر في الأبيات الآتية حشدًا من الشُّعراء الأماجد في الفصحى؛ فيقول:

صناديد لهم باب النَّشيد

تفتَّح واستحلُّوا مغلقاتِهْ

الاخْطَل والفرزْدق مع جريرٍ

والاعْشى والذي سوَّى سواتِهْ

وابن ثابت وأبي سلمى زهير

وعمرٍو والضليلِ ومبكياتِهْ

وعنتر مَن هوى عبلةْ وقيس

هوى ليلى مسوِّي بهْ شراتِهْ

وذي الرمة والأقرع مع جميل

ومن قولهْ تسبَّب في وفاتِهْ

وبشار بن بردٍ والمهلهلْ

ومَن سمي الفحل بمقدماته

وحاتم والنوابغ وابن حلزهْ

وطرفة واطراف المعاني طراته

وأنا قصدي هو الشِّعر الفصيح

لهم فضْلُ القديمِ وسابقاتِه

إنّ الشعر النبطي  لم ينشَأ لمحاربة الفُصحى ولم يعرف عنه مزاحمتها، بل إنَّ التجارب المتراكمة تؤكد أنّه حاول أن يسير جنبًا إلى جنب معها واستقى منها واعتمد عليها ونهل من معينها، فقد اتخذ من طُرق الشعر التقليدي الذي يعتمد اللغة الفصيحة وأساليبه مرجعًا له.

إعلان

مقالات مشابهة

  • د. نزار قبيلات يكتب: «فوات الأوان».. توسّل النصوص وتفلّت الإجابات
  • لهم فضْلُ القديمِ وسابقاته.. عن لغة الشعر النبطي
  • انهيار صناعة السفن الأمريكية وصعود العملاق البحري الصيني.. ماذا يعني هذا للعالم؟
  • شاهر السرحاني شاعر الحكمة يتخطى المليون على تيك توك
  • شاعر شهير يفجر مفاجأة: لهذا السبب لا يتعاون مع عمرو دياب!
  • أمير طعيمة: أضع ضوابط خاصة لاختيار الأعمال التي أشارك فيها .. فيديو
  • من المشلعيب إلى المنافي محنة المبدع السوداني بين القمع والهروب- حول كتاب مهارب المبدعين
  • التعليم العالي تعلن مفاضلة الدراسات العليا ودبلومات وماجستيرات التأهيل ‏والتخصص في الجامعات الحكومية
  • رئيس جامعة المنوفية يعقد اجتماع مجلس الدراسات العليا الشهري "أون لاين"
  • علماء يحددون “السن الحرجة” التي يبدأ فيها الدماغ بالتراجع