عبدالله ديدان

استخدمت روسيا “الفيتو” أو حق النقض لتعطيل مشروع القرار البريطاني، بشأن الحرب السودانية، بعد أن تمّ التصويت بالموافقة عليه من جانب ١٤ دولة، بما في ذلك الصين، وهي من الدول الخمس دائمة العضوية بمجلس الأمن، من أصل ١٥ دولة يتكوّن منها مجلس الأمن.

علماً بأنّ حق النقض أو الفيتو، هو أحد أقوى الأسلحة في السياسة الدولية، بيد الدول الخمس دائمة العضوية بمجلس الأمن، ولا يتم استخدامه من جانبها، إلّا لأهداف وأغراض إستراتيجية تتعلّق بأمنها القومي ومصالحها الدولية الكبيرة.

بهذا يعتبر استخدام روسيا للفيتو ضد تمرير مشروع القرار البريطاني بشأن السودان، محل تساؤل كبير، وذلك لأن القرار يتضمن نقاطاً أساسية للوصول لوقف إطلاق النار في السودان: حماية المدنيين، توصيل المساعدات الإنسانية، إيقاف القتال في بعض الأقاليم التي تشهد انتهاكات صارخة، وتمّ تحديدها بالاسم، الفاشر وكل ولاية شمال دارفور، الجزيرة والخرطوم، وهي الولايات التي تشهد مواجهات عسكرية ضارية، يدفع ثمنها المدنيون، إضافة إلى المساءلة والمحاسبة بحق أطراف الحرب جرّاء الجرائم والانتهاكات التي ارتُكبت ضد المدنيين في الحرب.

إذن، مشروع القرار هو في صالح الشعب السوداني تماماً، ويهدف إلى حمايته وإغاثته وإيقاف الحرب وتوصيل المساعدات الإنسانية له، فهل يريد الشعب السوداني غير ذلك!

فلماذا استعملت روسيا حق النقض؟ ولماذا أعلنت وزارة الخارجية في بورتسودان ترحيبها به والإشادة بالموقف الروسي؟ هل تريد حكومة بورتسودان استمرار الحرب وعدم حماية المدنيين ومنع المساعدات الإنسانية عن السودانيين المهدّد نصفهم بالموت جوعاً وإفلات أطراف الحرب من العقاب؟ علما بأن مشروع القرار البريطاني، قد مضى في الاتجاه الذي تتبنّاه حكومة بورتسودان، ألا وهو الامتثال لما تمّ التفاهم عليه في جدة بين طرفي الحرب، فلماذا ترفضه بورتسودان إذن؟

أعتقد أنّ الأمر أشدّ تعقيداً مما يظهر للعيان. واضح أنّ استخدام روسيا لحق النقض والوقوف في وجه كل أعضاء مجلس الأمن، لم يتمّ من فراغ، وإنما نتاج اتفاقات إستراتيجية مع حكومة البرهان والحركة الإسلامية المسيطرة عليها من أجل أهداف محددة، وهي في اعتقادي كالآتي

حصول روسيا على قاعدة عسكرية في الساحل السوداني للبحر الأحمر، وهذا يشكّل أحد الأهداف الإستراتيجية لروسيا، لفرض سيطرتها في المنطقة بصناعة طرطوس أخرى، وربط تمدّدها بدول الساحل الإفريقي ونفوذها بين البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط، بما يحقق لها السيطرة على هذا الحزام الغني بالموارد المعدنية، على رأسها الذهب واليورانيوم ومعادن أخرى، إضافة إلى الضغط على أوروبا بهذا التمدد في مناطق نفوذها. كما أن روسيا تتحسّب لاندلاع حرب إقليمية في محيط البحر الأحمر، حيث إيران، حليفتها الرئيسية في الإقليم والمستهدفة بهذه الحرب، مما يمكّنها من التواجد في المنطقة لحماية مصالحها عن طريق السيطرة على السواحل السودانية، وفرض ضغوط عسكرية على حلفاء أمريكا الخليجيين، مقابل أمن إيران..

 

الحركة الإسلامية السودانية وعبر سيطرتها على قيادة الجيش ومركز صناعة القرار في بورتسودان، تسعى إلى استمرار الحرب مع الدعم السريع، ولا تريد إيقافها، وتعمل على صب المزيد من الزيت لاستمرارها، وذلك لأنها تسعى إلى الوصول إلى النموذج الليبي، أي تقسيم السودان إلى دولتين، دولة للدعم السريع في دارفور وكردفان ودولة الحركة الإسلامية، المخطط لها منذ التسعينيات تحت مسمّى “مثلث حمدي”. فروسيا هي أنسب شريك لتحقيق هذه الغاية، خصوصا أن روسيا هي من مهندسي تقسيم ليبيا عبر دعمها الكبير للجنرال حفتر ومعها آخرون، مشروع التقسيم الذي تسعى إليه الحركة الإسلامية، يخدم تماماً الإستراتيجية الروسية من السيطرة على الساحل السوداني في البحر الأحمر، لأنها ستكون هي من صنع دولة الكيزان في هذا الجزء من السودان؛ ومن ثم تكون قد وضعت غرماءها الأوربيين والأمريكيين أمام واقع جديد وأكثر تعقيداً.

تبقى هنالك الكثير من الأسئلة الكبيرة من شاكلة: كيف ستكون ردود أفعال الأوربيين والأمريكيين والخليجيين، تجاه هذه السيناريوهات التي تتولد من بين طيات الفيتو الروسي؟ وكيف ينظر الشعب السوداني لتداعيات هذا الفيتو المستخدم ضده تماماً، ويؤكد الرغبة الروسية الكيزانية في استخدامه كوقود بلا قيمة لتحقيق أهداف ليس من بينها مصلحته بكل الأوجه؟

تهليل حكومة بورتسودان والحركة الإسلامية للفيتو الروسي، يؤكد شيئاً واحداً فقط، هو أن بورتسودان تمارس كذباً وخداعاً وتدليساً كبيراً بحق الشعب السوداني، وتستخدمه كمطية موت وتشريد لتبرير مشروعها الرامي لتقسيم السودان باستمرار الحرب وعدم إيقافها بدعوى القضاء على الدعم السريع، وهي دعوى تبدو بعيدة المنال وغير ممكنة حسب مجريات الواقع.

هنالك جانب آخر، هو أنّ مشروع القرار البريطاني، وفي كل حيثياته، يصب في صالح حكومة بورتسودان، ويعتبر الدعم السريع الخاسر الأكبر منه، حال أن تمّت إجازته يوم أمس بدون فيتو روسي. إذن، لماذا تهلل بورتسودان؟ في حين أن من عليه أن يهلل لهذا الفيتو، حقيقة، هو الدعم السريع الكاسب الأكبر في إطار هذه الحرب من هذا الفيتو العجيب.

الوسومعبدالله ديدان

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: مشروع القرار البریطانی حکومة بورتسودان الشعب السودانی الدعم السریع

إقرأ أيضاً:

تنويه جديد من اتحاد المصارف السوداني بخصوص استبدال العملة

بدأت عمليات استبدال العملة في السودان كجزء من خطة حكومية لتحسين النظام المصرفي وتحقيق الشفافية المالية.

بورتسودان – تاق برس

أكد اتحاد المصارف السوداني أن عمليات استبدال العملة تسير بصورة منظمة وجيدة في جميع الولايات، وسط تزايد إقبال المواطنين على فتح الحسابات المصرفية وإيداع الأموال، ما يعكس وعي المجتمع بأهداف العملية وحرصه على الالتزام بالجدول الزمني المحدد لها.

ودعا الاتحاد، في بيان أصدره اليوم الخميس، المواطنين الذين لم يستكملوا إجراءات استبدال العملة إلى الإسراع في التوجه إلى فروع المصارف خلال الأيام المتبقية من المهلة، مشيراً إلى جاهزية المصارف لتقديم الخدمات المطلوبة في مختلف الولايات، بما في ذلك ولاية سنار، التي تواصل الاستبدال منذ 18 ديسمبر حتى 31 من الشهر الجاري.

وأكد الاتحاد أهمية فتح الحسابات واستخدام التطبيقات المصرفية لتحسين تجربة العملاء، وتوفير الأمان وسهولة إجراء المعاملات المالية.

وبدأت عمليات استبدال العملة في السودان كجزء من خطة حكومية لتحسين النظام المصرفي وتحقيق الشفافية المالية.

وتأتي هذه الخطوة بعد سنوات من التحديات الاقتصادية التي شهدتها البلاد، بما في ذلك التضخم وانخفاض الثقة في النظام المصرفي.

وتهدف المبادرة إلى تشجيع التعاملات البنكية وتعزيز الشمول المالي، مع ضمان التزام المواطنين بالتحول إلى النظام الجديد قبل انتهاء المهلة المحددة.

اتحاد المصارفاستبدال العملةبنك السودان المركزي

مقالات مشابهة

  • مبعوث أممي يزور بورتسودان غداً في إطار جهود دولية لوقف الحرب
  • وزير الخارجية الأمريكي: نحن نتحمل مسؤولية وقف المعاناة وإنهاء هذه الحرب ودعم الشعب السوداني
  • روسيا في سوريا... انتكاسة ومرونة استراتيجية أيضاً
  • في الذكرى السادسة لثورة ديسمبر.. “تقدم”: الحرب الحالية امتداد لمحاولات النظام البائد الانتقام من الشعب السوداني
  • تنويه جديد من اتحاد المصارف السوداني بخصوص استبدال العملة
  • امتحانات الشهادة السودانية.. الطريق إلى تقسيم السودان عبر “سلاح التعليم”
  • خطوة استراتيجية.. روسيا تنقل بطاريات S-300 وS-400 من سوريا إلى ليبيا
  • زاخاروفا: تصويت ألمانيا وإيطاليا واليابان ضد مشروع روسي يدين النازية خطير جدا
  • سموتريتش مُعقّبا على صفقة التبادل: "سيئة ولا تخدم مصالح إسرائيل"
  • وزير الخارجية: سنرد على نجل الرئيس اليوغندي