كيف ستكون "قواعد المواجهة" بعد عودة ترامب وتقليم أذرع إيران؟
تاريخ النشر: 20th, November 2024 GMT
تتجه أنظار العالم حالياً صوب العاصمة الأمريكية واشنطن، مع اقتراب بدء الولاية الثانية للرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب في يناير (كانون الثاني) من العام المقبل، وسط تكهنات بأن يعاود ترامب ممارسة "سياسة الضغط الأقصى على النظام الإيراني" التي ميّزت ولايته الأولى، لا سيما وأنه أفصح عن شخصيات من "الصقور" المعروفة بمواقفها الصارمة، وبعدها عن سياسة المهادنة، لتكون على رأس هرم إدارته القادمة، مثل ريتشارد غرينيل وماركو روبيو ومايك والتز، وغيرهم.
وعلى الجانب الآخر من المشهد، لا يعيش النظام الإيراني في الوقت الراهن أفضل أيامه بعد أن تعرضت أذرعه وميليشياته في المنطقة لضربات إسرائيلية أمريكية قصمت ظهرها، وشلَّت حركتها جرّاء تصفية قادة صفوفها الأمامية بشكل شبه كامل، فضلاً عن تدمير جزء كبير من ترساناتها العسكرية، لا سيما "حزب الله" اللبناني وحركة "حماس" الفلسطينية، فيما يتوقع مراقبون أن تكون الميليشيات الأخرى المدعومة إيرانياً في كلٍّ من سوريا والعراق، هدفاً عسكرياً أمريكياً إسرائيلياً في المرحلة القادمة، الأمر الذي يضع "حروب الوكالة" التي تديرها إيران في المنطقة أمام مخاض عسير.
يرى الدكتور سربست نبي، أستاذ الفلسفة السياسية بجامعة "كويه" في إقليم كردستان العراق، أن "ترامب في ولايته الرئاسية الثانية يختلف عمَّا كان عليه في ولايته الأولى، حين كان قادماً من أسواق المال والأعمال ويحمل منطق تلك الأسواق ويفتقر للخبرة السياسية اللازمة حينها، كما كان ذرائعياً بصورة فجَّة، أما اليوم، فيعود متكئاً على خبرة في إدارة الحكم وإدارة الصراعات، سواء في منطقة الشرق الأوسط أو على مستوى العالم، وبالتالي لن تكون أساليب ومناهج تعامل إدارته الجديدة شبيهة بالسابقة".
وأضاف: "ستكون الفترة الرئاسية الثانية لترامب أكثر نضجاً ودراية بتناقضات المرحلة، ومنها بصورة أساسية ما يبدو نزاعاً حول الدور الإيراني في المنطقة. بالطبع الإيرانيون كانوا سبَّاقين بالمقابل أكثر من غيرهم وتوقعوا عودة ترامب، ولهذا هيأوا أنفسهم لاستقبال هذا الوضع، وراحوا يتعاملون بمرونة مع المتغيرات، ومن هذا القبيل جاء انتخاب الرئيس الإيراني مسعود بزيشكيان، الذي راح يتودد إلى الجانب الأمريكي".
ويمضي أستاذ الفلسفة السياسية بجامعة "كويه"، بالقول: "نتوقع مساومات كبرى في هذه المرحلة، وصفقات كبيرة بين الطرفين على جميع الملفات، لا سيما الفلسطيني واللبناني والسوري والعراقي، وهذه ستكون سمة بارزة في هذه المرحلة، ولكن هذا لا يتنافى مع القول إن ترامب كعادته لن يلجأ إلى حروب شاملة، وإنما سيتبع نهج العمليات الخاصة، إذا اقتضت الحاجة، كما فعل في عملية اغتيال قاسم سليماني القائد السابق لقوة القدس التابعة للحرس الثوري الإيراني، في غارة على موكبه قرب مطار بغداد مطلع 2020، كما أنه لن يكون ودوداً أو مرناً إزاء طيش أو تمرد ميليشيات موالية لإيران في أي مكان، بل سيكون حاسماً معها".
وتابع: "جميع الإدارات الأمريكية، الديمقراطية منها والجمهورية، حريصة على بقاء النظام الإيراني هشاً وهزيلاً، وليس مندحراً. هي لا ترغب في إسقاط النظام لأسباب جيوسياسية تتعلق بمكانة إيران وتناقضات الوضع الإيراني، الذي ما أن يخرج عن السيطرة حتى يرتد ذلك بصورة سلبية على النفوذ الأمريكي في المنطقة. الأمريكان يخشون من أن أي ضعف أو سقوط للنظام في إيران سيكون له عواقب تتمثل في تدخل كلٍّ من روسيا والصين وتمدد نفوذهما في المنطقة، وهذا سيكون حتماً على حساب النفوذ الأمريكي، ولهذا السبب الأمريكيون أحرص على بقاء النظام الإيراني، ولكن بصورة هزيلة ووفق ضوابط ومعايير أمريكية، وبالتالي يمكن القول إن النظام الإيراني مستمر في البقاء بسبب ضعفه، وليس بفضل قوته".
واستطرد قائلاً: "اختيار ترامب لشخصيات معروفة بمواقفها الصارمة تجاه إيران في إدارته القادمة ينم عن تصور معد سلفاً حول آليات التعاطي مع النظام الإيراني، وهذه الشخصيات لن تقدم أي تنازلات لطهران كما فعل الديمقراطيون، ولن يهادنوا، ولكنهم سيتعاملون بمرونة في الوقت نفسه، أي إنهم سيتبعون الصرامة في الموقف، والمرونة في الأسلوب، وهذا الشكل سيطغى على سياسة الإدارة الأمريكية القادمة بالنسبة لإيران، فالأمريكيون مستعدون لإظهار مرونة كبيرة وتجاوباً مع كل تنازل للنظام الإيراني، ولكن شريطة أن لا يفضي ذلك إلى تقويته، وأن لا تتحول إيران إلى قوة إقليمية نووية نافذة".
وزادَ قائلاً: "في الغالب ستتلقى الأذرع الإيرانية في العراق وسوريا ضربات موجعة، فملفات إيران في المنطقة مرتبطة ببعضها البعض، وعلينا ألا نتوقع أن يحدث تغيير في أي ملف منها دون حدوث تغيير في الملف الآخر، فإضعاف "حزب الله" يعني إضعاف الميليشيات المرتبطة به في سوريا، وأعتقد أن بؤرة الخلاف أو النزاع بين الولايات المتحدة والنظام الإيراني ستكون حول أذرع الأخير في العراق، وقد يتحول العراق إلى ساحة النزاع القادمة بين أذرع إيران من جهة، والولايات المتحدة من جهة أخرى". صقور الجمهوريين
من جانبه، قال رعد الهاشم، الباحث في الشؤون الأمنية والسياسية العراقية، إن الطرفين الأمريكي والإيراني في مرحلة جس النبض حالياً تمهيداً لاستلام ترامب مقاليد السلطة في البيت الأبيض، وكلا الطرفين يراقب سلوكيات الآخر، ومن المعلوم أن منهج الرئيس الأمريكي محكوم بسياقات المؤسسات الأمريكية، ولكن المؤكد هو أن الجمهوريون دائماً ما يوصفون بالصقور، وبالتالي يُتوقع أن تكون سياستهم تجاه إيران حاسمة في المرحلة المقبلة.
وأضاف: "قد تعود سياسة فرض العقوبات، وهذا الأمر شبه مؤكد، وإن كان مرهوناً بمدى استجابة طهران للمخاوف الدولية التي كانت في الماضي، وتحديداً في فترة ولاية ترامب الأولى، تقتصر على مسألة عناد إيران فيما يخص مفاوضات برنامج الملف النووي، ورأينا كيف نسف ترامب المفاوضات وعاقب إيران بحصار شديد وتضييق اقتصادي، خصوصاً فيما يخص بتصدير النفط، فكيف بنا الآن، وفي ظل استمرار المشكلة ذاتها، أي الملف النووي، ويضاف إليها التحشيد الميليشياوي والدعم الإيراني اللامتناهي للميليشيات وتوظيفها وتسخيرها لاستهداف المناطق الحيوية والمصالح الأمريكية، فضلاً عن الاستهدافات تجاه إسرائيل".
وتابع: "أرى أن الوضع سيستمر على حاله من التشنج بين إيران وإدارة ترامب الذي تفاقمت الأزمات منذ انتهاء فترة رئاسته الأولى في ظل إدارة جو بايدن الهزيلة المتماهية مع الجانب الإيراني. صحيح أن ترامب لا يجامل، ولكن علينا ألا نبالغ في الآمال والتوقعات، إلا أنني أعتقد أن ترامب لن يغفر لإيران التهم التي وجهت إليها بتدبير أكثر من محاولة لاغتياله، وقد يكون ذلك سبباً لاختياره شخصيات في إدارته القادمة معروفة بمواقفها المتشددة تجاه حكم الملالي في إيران".
ومضى يقول: "أتوقع أن يتكرر ما حصل مع "حزب الله" اللبناني وحركة "حماس" مع ميليشيات إيران في سوريا والعراق، مثل "فاطميون" وحركة "النجباء" و"حزب الله العراقي" وغيرها، وأن تكون هدفاً قادماً لـ إسرائيل والولايات المتحدة". عودة قوية بدوره، يرى مثال الآلوسي، السياسي المستقل والبرلماني السابق ومؤسس حزب "الأمة العراقية"، أن "عودة ترامب إلى البيت الأبيض تعكس قوة الرئيس المنتخب وفريق عمله، والأفكار التي طرحوها، وحاجة أمريكا لهذه الأفكار داخلياً وخارجياً، وفي الوقت ذاته تمثل رفضاً أمريكياً سياسياً وشعبياً واضحاً لإدارة الرئيسين باراك أوباما وجو بايدن للملفات الداخلية والخارجية، ولكن رغم ذلك لا أعتقد أن يقدم ترامب على توجيه ضربة عسكرية لإيران في المرحلة الراهنة، لأنه، إلى جانب فريق عمله، براغماتيون في طريقة التعاطي مع مختلف الملفات العالقة".
وأوضح أنه "على الرغم من اختيار ترامب لصقور السياسة الأمريكية في إدارته القادمة، إلا أن الولايات المتحدة لا تتبع الذهنية الاستعمارية الكلاسيكية كما هو الحال في بعض دول أوروبا، وإنما تبحث عن مصادر ومواقع استراتيجية عميقة، وتحديداً في مواجهة خصومها الرئيسيين، الاتحاد السوفييتي سابقاً – روسيا حالياً، والصين، إلى جانب الهند التي تظهر في المشهد بهدوء، وبزخم اقتصادي كبير، بعبارة أخرى، الولايات المتحدة لا تريد من إيران أن تكون دولة خاضعة لها، وإنما تريد علاقات طبيعية معها، وهنا يكمن الفرق بين ترامب، وبين أوباما وبايدن، فالأخيرَين كانا يريدان إيران بأي ثمن على حساب شعوب العراق وسوريا ولبنان واليمن، وحتى في أجزاء من أفريقيا، فضلاً عن أفغانستان وباكستان وغيرها الكثير من المناطق التي تتدخل فيها إيران تدخلات سافرة، وبسبب إيران تفككت مجتمعات ودول وأنظمة، وهو ما نجم عنه ظهور إرهابيين ومتطرفين وقتلة أمثال "القاعدة" و"داعش" و"الحرس الثوري" وحزب الله" و"الحوثيون" والميليشيات العراقية وغيرها من التنظيمات الإرهابية". جنون الهيمنة وأشار الآلوسي إلى أن "إيران مطالبة بالالتفاف إلى شأنها الداخلي وشعبها الذي يقاسي معاناةً كبيرة بكافة شرائحه نتيجة جنون الهيمنة والسيطرة الذي تعاني منه السلطة، وهذا الجنون انعكس سلباً على المنطقة بأسرها من خلال استعانة إيران بحثالات مجتمعات العراق وسوريا ولبنان واليمن وغيرها، لأن الميليشيات لا تمثل النخبة الاجتماعية ولا الثقافية، ولا تمثل حتى الرجولة والفروسية بالمفهوم الشرقي للمواجهة أو المبارزة النبيلة والشريفة".
لافتاً إلى أن "إيران زرعت ميليشياتها في المنطقة، وعلى رأسها "حزب الله" في لبنان، وهذا الحزب منظمة إرهابية دموية ضالعة في صناعة وتجارة وتسويق المخدرات والأسلحة، وتنفيذ العمليات والشراكات الإرهابية في آسيا مروراً بأوروبا وصولاً إلى شمال أمريكا وجنوبها، وهذه المنظمة الإرهابية جاءت نتيجة ضعف لبنان وانتهازية أوروبا التي قبلت بإيران مقابل عقود استراتيجية كبيرة، ومن هنا يمكن اعتبار ترامب وصقوره عنصر حماية لما تبقى مما يمكن قبلوله في الشرق الأوسط، وكذلك عنصر أمل لشعوب المنطقة، ومن ضمنها الشعب الإيراني".
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: عودة ترامب عام على حرب غزة إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله الانتخابات الأمريكية غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية حزب الله حماس إيران ترامب لبنان سوريا العراق إسرائيل الولايات المتحدة الولايات المتحدة إيران حزب الله حماس إسرائيل سوريا العراق لبنان ترامب عودة ترامب إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله الولایات المتحدة النظام الإیرانی عودة ترامب فی المنطقة إیران فی حزب الله أن تکون إلى أن
إقرأ أيضاً:
عوائد السندات.. القلق الاقتصادي الذي أربك حسابات ترامب
منذ بداية شهر أبريل/نيسان الحالي دخلت أسواق المال في عاصفة من التقلبات الحادة نتيجة قرارات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بفرض تعريفات جمركية جديدة قد تُشعل فتيل أزمة اقتصادية تتجاوز حدود الولايات المتحدة.
تلك القرارات ليست مجرد تحركات تجارية عابرة، بل ستحدث خللا كبيرا في منظومة التجارة العالمية، وتقلِب التحالفات الاقتصادية والسياسية رأسًا على عقب.
وما نشهده اليوم هو بداية سباق محموم بين دول العالم لحماية نفسها من تبعات هذه القرارات وبداياتُ تكوين نظام عالمي جديد لما تتضح معالمه.
وفي هذا السياق، كان لسوق السندات الكلمة الأوضح والأقوى. فاستجابة الأسواق كانت عنيفة، وارتفاع العوائد لم يكن مجرد رد فعل تقني، بل كان بمثابة صرخة تحذير تهز أركان الاقتصاد العالمي، وهي التي أجبرت الرئيس الأميركي على تعليق التعريفات الجمركية بشكل مؤقت.
وبدلًا من أن تكون السندات أداة أمان في فترات الاضطراب، أصبحت اليوم واحدة من أكبر القضايا التي تُحتّم على الجميع إعادة النظر في إستراتيجياتهم المالية.
في هذا المقال، سنتناول بشكل مبسط الدور الحيوي الذي تلعبه أسواق السندات في الاقتصاد العالمي ولماذا باتت التحركات الأخيرة فيها تُنذر بعواقب اقتصادية قد تكون غير مسبوقة.
إعلانسنكشف أيضًا عن العلاقة الوطيدة بين تحركات السوق والضغوط الاقتصادية التي بدأت تلاحق الاقتصاد الأميركي، لتجعلنا نتساءل: هل نحن على أبواب أزمة أكبر مما نتوقع؟
تعد سوق السندات أكبر أسواق الأوراق المالية في العالم، حيث يُقدّر حجمها بنحو 130 تريليون دولار، ما يجعلها تتفوق على سوق الأسهم من حيث الحجم والأهمية في تمويل الحكومات والشركات على حد سواء.
تعد سوق السندات أكبر أسواق الأوراق المالية في العالم، حيث يُقدّر حجمها بنحو 130 تريليون دولار، ما يجعلها تتفوق على سوق الأسهم من حيث الحجم والأهمية في تمويل الحكومات والشركات على حد سواء.
ما السند؟السند هو أداة مالية تصدرها الدولة للاقتراض من الأفراد أو المؤسسات، مقابل دفع فائدة سنوية، مع التعهد برد المبلغ الأصلي بعد فترة محددة (مثل سنتين، 10 سنوات، 20 سنة…).
لماذا تصدر الدول السندات؟تلجأ الحكومات لإصدار السندات للحصول على تمويل فوري، خاصة إذا كانت تعاني من عجز في الميزانية، وتحتاج إلى تغطية نفقات أو تمويل مشروعات دون وجود موارد كافية.
ما العائد على السندات؟العائد على السندات هو الفائدة التي تدفعها الدولة للمستثمرين مقابل اقتراض أموالهم من خلال شراء هذه السندات ويُحتسب كنسبة مئوية من قيمة السند، ويُعد مؤشرًا مهمًا على الثقة في الوضع الاقتصادي للدولة.
الدول ذات الاقتصاد القوي والمستقر تدفع عوائد منخفضة، لأنها أقل عرضة للتخلف عن السداد، مما يجعل سنداتها أكثر أمانًا والعكس صحيح.
التصنيف الائتمانيكلما كان التصنيف الائتماني أعلى، انخفضت المخاطر وبالتالي قلّ العائد المطلوب لجذب المستثمرين.
الطلب على السنداتعندما يزداد الطلب على السندات، ينخفض العائد والعكس صحيح فالعائد يتحرك بعكس السعر.
العلاقة العكسية بين السندات وأسعار الفائدةعند ارتفاع أسعار الفائدة، تنخفض أسعار السندات القديمة لأن العوائد الجديدة تصبح أكثر جاذبية. والعكس صحيح، عندما تنخفض أسعار الفائدة، ترتفع أسعار السندات القديمة.
تأثير قرارات البنك المركزيقرارات البنك المركزي، مثل رفع أو خفض أسعار الفائدة، تؤثر بشكل مباشر على أسعار السندات.
التضخم تأثير التضخم على العوائد: مع ارتفاع التضخم المتوقع، يطالب المستثمرون بعوائد أعلى على السندات لتعويض فقدان القيمة المستقبلية للأموال. الآثار السلبية للتضخم: التضخم المرتفع يقلل من قيمة العوائد الفعلية على السندات، مما يجعلها أقل جاذبية. إعلان السياسات الحكومية التدخلات الحكومية: الحكومات قد تتدخل في أسواق السندات من خلال شراء السندات، مما يزيد من الطلب ويخفض العوائد. التعديلات في السياسات الضريبية: التغيرات في السياسات الضريبية تؤثر على جاذبية السندات للمستثمرين. العوامل الاقتصادية العامة النمو الاقتصادي: في فترات النمو الاقتصادي، يقل الطلب على السندات ذات العوائد المرتفعة، حيث يفضل المستثمرون الأسهم أو غيرها من أوجه الاستثمار. معدلات البطالة والنمو: في فترات الركود أو ارتفاع البطالة، يزداد الإقبال على السندات كاستثمار آمن. العوامل الجيوسياسية الأزمات السياسية والحروب: تزيد الأزمات السياسية من المخاطر، مما يوجه المستثمرين بعيدًا عن السندات إلى أصول أكثر أمانًا مثل الذهب. الاستقرار السياسي: الدول ذات الاستقرار السياسي تجذب استثمارات أكثر في السندات. العوامل النقديةزيادة عرض النقود: زيادة عرض النقود في الاقتصاد قد تؤدي إلى التضخم وبالتالي زيادة العوائد على السندات.
العوامل العالمية أسواق السندات الدولية: أسواق السندات العالمية مترابطة، ما يجعل الأزمات الاقتصادية في مناطق معينة تؤثر على الطلب على السندات في دول أخرى. تغيرات أسعار العملات: تؤثر التغيرات في أسعار العملات على عوائد السندات الأجنبية بالنسبة للمستثمرين الأجانب. العوامل النفسية وتوقعات السوق التوقعات المستقبلية: التوقعات بشأن السياسة النقدية والتضخم تؤثر في سلوك المستثمرين المشاعر العامة: تحركات السوق قد تكون مدفوعة بالعواطف مثل الخوف والطمع، مما يؤثر على قرارات المستثمرين. لماذا يُعدّ ارتفاع عوائد السندات جرس إنذار اقتصادي؟
ارتفاع عوائد السندات ليس مجرد رقم عابر على شاشات الأسواق المالية، بل هو إشارة عميقة تُنذر بتحوّلات أوسع في المشهد الاقتصادي العالمي.
في كل مرة تبدأ فيها هذه العوائد بالصعود، تتغير قواعد اللعبة في التمويل، والاستثمار، وحتى في السياسة النقدية.
فما الذي يحدث حين ترتفع العوائد؟ ولماذا تُقلق المستثمرين وصناع القرار على حدٍ سواء؟
إعلان1- كلفة الاقتراض ترتفع… والنمو يهدأ
حين ترتفع عوائد السندات، تصعد تكاليف الاقتراض بالنسبة للشركات والحكومات أيضا فالشركات تجد نفسها أمام تمويل أغلى، والمستهلكون يُراجعون قرارات الشراء، والنتيجة؟ إنفاق أقل، استثمار أبطأ، وضغط مباشر على محركات النمو الاقتصادي.
2- الأسهم في مرمى التقلبات
السندات ذات العائد المرتفع تُغري المستثمرين الباحثين عن استقرار، مما يدفع البعض إلى الخروج من سوق الأسهم وهذا التحوّل في السيولة يُؤدي عادة إلى تراجع أسعار الأسهم وزيادة تقلباتها، خاصة في الأسواق الناشئة والقطاعات عالية المخاطرة.
3- زيادة تكلفة الدين العام
ارتفاع عوائد السندات الحكومية يعني زيادة في تكلفة خدمة الديون، حيث يزداد العبء على الموازنة العامة من خلال تخصيص المزيد من الأموال لدفع فوائد الديون.
وهذا يزيد من الضغط على الميزانية، مما يقلل من الأموال المتاحة للإنفاق على القطاعات الحيوية مثل التعليم، الصحة، والبنية التحتية.
وإذا كانت الحكومة مثقلة بالديون، فإن ارتفاع العوائد قد يجعل من الصعب عليها اقتراض المزيد من الأموال في المستقبل، مما يحد من قدرتها على تنفيذ سياسات اقتصادية مرنة أو الاستجابة السريعة للأزمات.
4- التضخم.. السبب والنتيجة
ارتفاع العوائد قد يعكس مخاوف متزايدة من التضخم، لكنه في الوقت نفسه يُسهم في تغذية هذه المخاوف. فكلما زادت التوقعات التضخّميَّة، طالب المستثمرون بعوائد أعلى وفي المقابل، تلجأ البنوك المركزية إلى تشديد السياسة النقدية عبر رفع أسعار الفائدة، ما يضيف ضغوطًا جديدة على الاقتصاد.
5- صعود العملة المحلية
زيادة العوائد تجذب رؤوس الأموال الأجنبية لشراء السندات، مما يعزز الطلب على العملة المحلية ويدفعها للارتفاع، ورغم أن هذا مفيد على صعيد السيطرة على التضخم، فإنه قد يُضعف القدرة التنافسية للصادرات ويؤثر على الميزان التجاري.
6- التأثير على الاستقرار المالي
الزيادة المفاجئة في عوائد السندات قد تؤدي إلى تقلبات كبيرة في الأسواق المالية مما يزعزع الثقة بين المستثمرين.
إعلانوتقلبات السوق قد تؤدي إلى زيادة حالة من عدم اليقين الاقتصادي ما يجعل المستثمرين أكثر ترددًا في اتخاذ قرارات الاستثمار.
إذا كانت الحكومة مثقلة بالديون، فإن ارتفاع العوائد قد يجعل من الصعب عليها اقتراض المزيد من الأموال في المستقبل
7- العبء على الميزانية العامة
ارتفاع العوائد يعزز العبء المالي على الحكومة، حيث يجب عليها تخصيص المزيد من الموارد لتغطية التزامات الديون، مما يعوق قدرتها على تخصيص الأموال لخدمات أساسية أو تنفيذ إستراتيجيات نمو اقتصادي.
ليس كل ارتفاع في عوائد السندات يمثل خطرًا اقتصاديًا مباشرًا، ولكن السرعة والشدة في هذا الارتفاع قد تكون ناقوس خطر يجب التنبه له.
فإذا ارتفعت العوائد بشكل مفاجئ وحادّ خلال فترة قصيرة، فقد يعكس ذلك تخوف المستثمرين من التضخم أو ضعف الاستقرار المالي، مما يخلق تأثيرات متسلسلة على الاقتصاد، منها:
ارتفاع تكاليف الاقتراض للحكومات والشركات وحتى الأفراد. تباطؤ النمو الاقتصادي نتيجة تراجع الاستثمارات والاستهلاك. زيادة تقلبات الأسواق المالية وتراجع ثقة المستثمرين، وإذا استمر هذا الارتفاع لفترة طويلة، فالأثر يكون أعمق. تآكل القدرة الشرائية بفعل ارتفاع الفوائد والتضخم. ضغط على الميزانية العامة بسبب ارتفاع كلفة خدمة الدين الحكومي. ضعف قدرة الحكومات على تمويل مشاريع حيوية أو تقديم حوافز اقتصادية أو حتى فشل في سداد الدولة لالتزاماتها المالية.وإذا جاء هذا الارتفاع في بيئة اقتصادية هشة مثل ارتفاع البطالة أو تباطؤ النمو فإن الخطر يتضاعف، وقد يؤدي إلى أزمة اقتصادية أوسع نطاقًا.
وارتفاع عوائد السندات ليس مجرد تحرك مالي تقني، بل هو في كثير من الأحيان انعكاس لتحولات أعمق في المزاج الاقتصادي العالمي. فعندما ترتفع العوائد، فهي لا تشير فقط إلى تغيّر في أسعار السوق، بل تعكس توقعات المستثمرين تجاه التضخم، والاستقرار المالي، والسياسات النقدية المستقبلية.
ولهذا، ينبغي مراقبة هذا المؤشر بعناية كأداة استباقيّة تقيس نبض الاقتصاد وتكشف عن ملامح التباطؤ أو التوتر قبل أن تظهر في المؤشرات الأخرى.
إعلانوفي المحصلة، تؤدي هذه التغيرات مجتمعة إلى تضييق الخناق على وتيرة التوسع الاقتصادي، مما يجعل النمو في مهب الريح.
استمر الدين العام الأميركي في الزيادة المستمرة ليصل إلى 36.2 تريليون دولار بنهاية فبراير/شباط 2025
تحديات أكبر في السوق الأميركيةوبينما تُمثل هذه العوامل أساسيات سوق السندات، فإن ارتفاع العوائد في السوق الأميركية يشير بشكل مباشر إلى تحديات أكبر، أبرزها الدين العام الأمير كي المتزايد، والذي يُجبر الحكومة على دفع المزيد في صورة فوائد على هذه السندات، مما يَزيد من الضغوط الاقتصادية.
تأثير الأحداث الاقتصادية الأخيرة على الأسواق الأميركيةبعد إعلان الرئيس الأميركي عن فرض التعريفات الجمركية وإعلانه "يوم التحرير"، شهدت الأسواق المالية تصحيحًا حادًا ترافق مع حالة من الخوف والهلع وعدم اليقين بين المستثمرين.
هذا التوتر العام دفع العديد من المستثمرين إلى التخلص من الأصول المالية، بما في ذلك السندات، التي تُعد عادة ملاذًا آمنًا في فترات الاضطرابات الاقتصادية.
ورغم أن السندات تُعتبر في العادة أداة آمنة للمستثمرين في أوقات الأزمات، فإن البيع الكثيف لها خلال هذه الفترة عكس فقدان الثقة في الاقتصاد الأميركي.
هذا التراجع في الثقة امتد ليشمل تدهور قيمة الدولار الأميركي. وبناء على ذلك، شهدت السندات ارتفاعًا حادًا في العوائد، وهو ما يُعتبر بمثابة مؤشر واضح على القلق وعدم اليقين الذي يسيطر على الأسواق.
والأمر الأكثر وضوحًا في هذا السياق هو العلاقة المباشرة بين ارتفاع عوائد السندات وزيادة الديون السيادية الأميركية، فكلما ارتفع حجم الدين العام الأميركي، زادت الحاجة إلى إصدار سندات جديدة بعوائد أعلى لجذب المستثمرين، وهذا الوضع يضع الاقتصاد الأميركي تحت ضغط متزايد، ويعكس بشكل ملموس التحديات الكبيرة التي تواجهها الحكومة في سعيها للحفاظ على استقرار المالية العامة.
الدين العام الأميركي وارتفاع عوائد السندات.. تحديات متزايدةيشكل الدين العام الأميركي أحد أكبر التحديات الاقتصادية التي تواجه الولايات المتحدة في الوقت الراهن. فمنذ بداية عام 2025، استمر الدين العام في الزيادة المستمرة ليصل إلى 36.2 تريليون دولار بنهاية فبراير/شباط من نفس العام، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 3% مقارنة بعام 2024، وبزيادة 31% عن عام 2019. وتعد هذه الزيادة غير مسبوقة في التاريخ الاقتصادي للولايات المتحدة.
إعلانوتجاوزت نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي 100% لأول مرة في الربع الرابع من عام 2012.
وظلت النسبة مستقرة نسبيًا حتى الربع الثاني من عام 2020، حيث انخفضت في حين زاد الإنفاق ووصلت النسبة إلى 133% من الناتج المحلي الإجمالي بنهاية الربع الثاني من عام 2020.
وبحلول الربع الرابع من عام 2024 وصلت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 123%، مما يشير إلى استمرار الضغوط المالية على الحكومة الأميركية.
ارتفاع تكلفة خدمة الدين العامتشير التقديرات إلى أن مدفوعات الفائدة على الدين العام قد تتجاوز تريليون دولار سنويًا، وقد سجلت هذه المدفوعات زيادة بـ240 مليار دولار في السنة المالية الأخيرة وحدها، ما يمثل عبئًا هائلًا على الميزانية الفدرالية.
الاقتصاد الأميركي في مواجهة العاصفةفي الوقت الذي تراقب فيه الأسواق عن كثب تحركات السندات الأميركية، يبرز سؤال مقلق: هل ارتفاع عوائد هذه السندات ينذر بخطر اقتصادي حقيقي؟
الجواب، ببساطة، نعم، إذا استمرت العوائد في التصاعد، فإن الاقتصاد الأميركي قد يواجه ضغوطًا متزايدة على عدة جبهات.
فعندما ترتفع عوائد السندات، تصبح القروض أكثر تكلفة، ليس فقط على الحكومة، بل أيضًا على الشركات والمستهلكين.
وهذه الزيادة تؤثر مباشرة على قدرة الحكومة على تمويل ديونها، خاصة في ظل دين عام بلغ 36 تريليون دولار وكل ارتفاع بسيط في العوائد يعني مليارات إضافية تُدفع فوائد، مما يضيّق الخناق على الميزانية الفدرالية ويقلل من الإنفاق على قطاعات حيوية مثل الصحة والتعليم.
والأمر لا يتوقف عند هذا الحد، فالمستثمرون عادة ما يفضلون السندات ذات العوائد المرتفعة، مما يدفعهم للانسحاب من سوق الأسهم.
وهذا التحول يُضعف أداء الأسواق المالية ويزيد من التقلبات، خاصة في القطاعات الأكثر حساسية للمخاطر. والأسوأ من ذلك، أن هذه الارتفاعات تُفسَّر غالبًا على أنها مؤشر لتوقعات تضخمية مستقبلية، ما يدفع البنك المركزي للتفكير برفع أسعار الفائدة مجددًا، مما يُعمّق من الضغوط الاقتصادية.
إعلانومع ارتفاع تكلفة الاقتراض وتراجع الاستثمارات وتقلص الإنفاق الاستهلاكي، يبدأ النمو الاقتصادي بالتباطؤ، لتدخل الدولة في دوامة يصعب الخروج منها دون تدخلات حاسمة.
لهذا تتابع الحكومة الأميركية والمؤسسات المالية هذه العوائد عن كثب، فاستمرار ارتفاعها لا يعني فقط أرقامًا أكبر في تقارير العجز والفائدة، بل يحمل في طيّاته احتمالات التباطؤ، والركود، وحتى زعزعة الثقة في أكبر اقتصادات العالم.
وبينما تعكس ارتفاعات عوائد السندات في أميركا إشارات تحذيرية، يظل السؤال الأهم: هل هي مجرد حركة عابرة أم بداية لمشكلة اقتصادية أكثر تعقيدًا؟
تعتبر سوق السندات عادة بمثابة إنذار مبكر للأزمات الاقتصادية، حيث تعكس تحركاته توقعات السوق حول التضخم، أسعار الفائدة، واستقرار الحكومة.
وعندما تتحرك الأسواق بهذا الشكل، فإنها تشير غالبًا إلى تصحيح وشيك أو ربما إلى أزمة اقتصادية قد تلوح في الأفق.
لكن ما نراه اليوم ليس مجرد تحرك عرضي. فالتقلبات التي نشهدها في أسواق السندات الأميركية قد تكون بداية لتحولات كبيرة في النظام المالي العالمي.
وإذا استمرت هذه الاتجاهات في التصاعد، فإننا قد نكون على مشارف أزمة اقتصادية ذات تداعيات واسعة النطاق.
وبينما ترتفع العوائد كإنذار صامت، يظل السؤال الأكثر إلحاحًا: هل نحن أمام تصحيح اقتصادي حتمي، أم أن هذه بداية لأزمة اقتصادية أكبر وأوسع نطاقًا؟.