في تحقيق استقصائي نشرته صحيفة يديعوت أحرنوت العبرية، سلط الصحفي الإسرائيلي، رونين بيرغمان، الضوء على هيمنة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على قضية الأسرى الإسرائيليين في قطاع غزة، وتفرده في اتخاذ القرارات الخاصة بالمفاوضات المتعلقة بهذا الملف.

وقال بيرغمان المختص في الشؤون العسكرية والأمنية، الذي يكتب أيضا في نيويورك تايمز الأميركية، إن سلوك نتنياهو يثير تساؤلات قانونية وسياسية بشأن غياب إشراف الحكومة والمؤسسات الأمنية الأخرى على تلك المفاوضات التي تتعلق بحياة المواطنين الإسرائيليين.

سلطة شبه مطلقة

أشارت الوثائق التي قدمتها الحكومة الإسرائيلية إلى محكمة العدل العليا إلى أن نتنياهو يملك سلطة شبه مطلقة على المفاوضات الخاصة بالأسرى الإسرائيليين في قطاع غزة.

وفي ردها على الالتماس المقدم من عائلات الأسرى إلى المحكمة، أكدت الحكومة الإسرائيلية أن نتنياهو هو الذي يدير ملف الأسرى والمفاوضات المتعلقة بإطلاق سراحهم بشكل فردي. ووفقًا للإفادة الخطية التي قدمها سكرتير مجلس الوزراء، يوسي فوكس، فإن نتنياهو يناقش الأمر مع الفريق المكلف بهذه المهمة، ويعطي التعليمات ويقرر التحديثات التي يجب أن يتم عرضها على المجلس الوزاري الأمني والسياسي.

وكان من بين النقاط التي تم التأكيد عليها في الوثائق أن المجلس الوزاري الأمني والسياسي لم يكن مطلعًا بشكل دائم على تفاصيل المفاوضات، وفي بعض الحالات، تم ابلاغه بالمستجدات وقت وقوعها، وفي حالات أخرى، كان الإبلاغ بالتطورات يتم "بأثر رجعي" بعد اتخاذ بعض القرارات المهمة. وهذا يعني أن الكثير من القرارات كانت تُتخذ دون إشراف أو مشاركة فاعلة من باقي الأعضاء في الحكومة.

وأوضح التحقيق أيضًا أن نتنياهو يدير المفاوضات بشكل منفرد دون أن يُشرك مؤسسات أمنية حيوية مثل الجيش الإسرائيلي في عملية التفاوض. فعلى سبيل المثال، تم استبعاد الجنرال نيتسان ألون، الذي كان يشغل منصب قائد وحدة تنسيق الأنشطة الحكومية في الأراضي المحتلة من المفاوضات. وبدلاً من ذلك، كان يتم الاستناد إلى رؤساء جهاز الشاباك، رونين بار، والموساد، دافيد برنياع، للانخراط في المفاوضات مع حركة حماس. وهذا يشير إلى تهميش دور الجيش، الذي يُعتبر جزءًا أساسيًا في أي مفاوضات تتعلق بالأمن القومي، وفق الصحيفة.

احتجاجات سابقة لعائلات الأسرى الإسرائيليين بغزة للمطالبة بإبرام صفقة تبادل (مواقع التواصل الإجتماعي)

وتؤكد الوثائق على أنه بعد حل حكومة الوحدة الوطنية وتشكيل حكومة إدارة الحرب التي قادها نتنياهو بعد هجوم طوفان الأقصى الذي شنته المقاومة الفلسطينية، تم تأسيس ما أُطلق عليه "منتدى تقييم الوضع"، واقتصر دور هذا المنتدى على تقييم الوضع العسكري والأمني، و لم يكن يمتلك السلطة القانونية لاتخاذ قرارات حاسمة بشأن المفاوضات.

وفي رد الحكومة على الالتماس المقدم من عائلات الأسرى إلى المحكمة أيضا، تمت الإشارة إلى أن هذا المنتدى لا يملك صلاحية اتخاذ قرارات جوهرية، وإنما يعكف فقط على تقديم تقييمات ومراجعات للوضع العسكري، وأن المجلس الوزاري الأمني والسياسي هو الجهة الوحيدة المخولة باتخاذ القرارات الحاسمة بشأن العمليات العسكرية والمفاوضات مع حماس، ولكن حتى هذا المجلس كان يُطلع على المفاوضات بشكل محدود.

وكشف التحقيق أيضًا عن صراع داخلي بين رئيس الوزراء ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، بشأن كيفية إدارة ملف الأسرى والمفاوضات الخاصة به. وحسب مصادر قانونية وسياسية، فإن مكتب رئيس الوزراء كان يسعى إلى تأكيد أن جميع القرارات المتعلقة بالأسرى كانت في يد نتنياهو، بينما كان غالانت يرفض هذا التوجه. وكان غالانت قد أشار إلى أن المفاوضات كانت تُدار بشكل منفرد من قبل نتنياهو، مع استبعاد وزارة الحرب من العملية.

ومن المثير أن غالانت كان يشير إلى أن نتنياهو كان يتشاور مع أشخاص محددين فقط من الفريق الأمني، مثل رئيس الشاباك ورئيس الموساد، دون إشراك الجيش الإسرائيلي أو وزارات أخرى في هذه المفاوضات. وهذا يعكس عدم التنسيق بين السلطات المختلفة، وهو ما أثار اعتراضات من بعض المسؤولين.

تداعيات قانونية وسياسية

أحد الموضوعات المثيرة التي تم التطرق إليها في التحقيق هو تعيين غال هيرش، العميد الاحتياطي السابق في الجيش الإسرائيلي، منسقًا لأسرى الحرب والمفقودين في مكتب رئيس الوزراء. هذا التعيين كان مثار جدل، خاصة وأن هيرش كان قد تعرض لانتقادات شديدة في الماضي بسبب دوره في حرب لبنان الثانية. ومع ذلك، في ظل الأزمة الحادة التي خلفها هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، قرر نتنياهو تعيينه في هذا المنصب من أجل إدارة المفاوضات المتعلقة بالأسرى.

لكن هذا التعيين لم يكن محط إجماع، حيث أثارت وزارة العدل اعتراضات بشأنه بسبب التحقيقات الجنائية المعلقة ضد هيرش. وبرغم ذلك، استمر مكتب رئيس الوزراء في تعريفه بأنه "منسق أسرى الحرب ووزارة الداخلية" في مكتب رئيس الوزراء، حتى وإن لم يكن يشغل منصبًا حكوميًا رسميًا أو جزءًا من فريق التفاوض بشكل مباشر.

كما سلط بيرغمان في تحقيقه الضوء على تداعيات غياب الإشراف الحكومي على عملية التفاوض بشأن الأسرى. ويُعتبر هذا الغياب إشكاليًا من الناحية القانونية، حيث يُفترض أن تكون الحكومة، ممثلة في المجلس الوزاري الأمني والسياسي، هي المسؤولة عن اتخاذ القرارات الحاسمة بشأن الأمن القومي، بما في ذلك المفاوضات مع حركة حماس.

وقد اعتبر المحامي موران سافوراي، الذي مثّل عائلات الأسرى في المحكمة، أن تصرفات نتنياهو تمثل تجاوزًا للسلطة التنفيذية، حيث أن عملية اتخاذ القرار يجب أن تكون تحت إشراف الحكومة ومؤسساتها، بما في ذلك الجيش والأجهزة الأمنية.

وفي النهاية، يؤكد التحقيق أن قضية الأسرى، التي يجب أن تكون أولوية في صنع القرار الوطني الإسرائيلي وفق يديعوت أحرونوت، باتت في يد رئيس الوزراء، مما يثير التساؤلات حول دور المؤسسات الأخرى في ضمان أن تكون القرارات المتعلقة بالأمن والمفاوضات مبنية على التنسيق الكامل والمشاورات الوطنية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الأسرى الإسرائیلیین مکتب رئیس الوزراء أن نتنیاهو أن تکون إلى أن لم یکن

إقرأ أيضاً:

نتنياهو يعود لطاولة المفاوضات.. وحماس ترفض مناقشة سلاح المقاومة

عواصم "وكالات": أعلنت إسرائيل البدء رسميا في مفاوضات المرحلة الثانية من صفقة تبادل الأسرى بقطاع غزة بشرط نزع سلاح المقاومة، في حين رفضت حركة المقاومة الفلسطينية حماس أي مقترح بنزع السلاح أو إبعادها من القطاع.

وقالت هيئة البث الإسرائيلية أن مفاوضات المرحلة الثانية ستبدأ مع وصول المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف إلى إسرائيل.

من جانبها، قالت القناة 12 الإسرائيلية إن نتنياهو التزم بشأن المرحلة الثانية من صفقة التبادل، بنزع السلاح في غزة ورفض خطة نقل السيطرة من حماس إلى السلطة الفلسطينية.

وأوضحت القناة أن هناك استعدادات لاستئناف القتال، نظرا لصعوبة تقييم فرص نجاح المرحلة الثانية، بحسب تعبيرها، وأضافت أن نتنياهو طلب من وزراء حكومته عدم تسريب أي شيء، وقال لهم إنه لا يريد الإضرار بهدف استعادة الأسرى المحتجزين.

كما ذكرت القناة الإسرائيلية أن وزير الشؤون الإستراتيجية رون ديرمر سيتولى إدارة مفاوضات المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار بدلا من رئيس الموساد ديفيد برنيع.

في المقابل، قال المتحدث باسم حركة حماس حازم قاسم -في بيان- إن اشتراط الاحتلال إبعاد حماس عن القطاع "حرب نفسية سخيفة".

وأضاف أن خروج المقاومة (من غزة) أو نزع سلاحها أمر مرفوض. وشدد على أن أي ترتيبات لمستقبل قطاع غزة ستكون بتوافق وطني.

من جهته، أكد القيادي في حركة حماس طاهر النونو لوكالة فرانس برس اليوم أن الحركة مستعدة لإطلاق سراح كل الأسرى المتبقين دفعة واحدة في المرحلة الثانية من التهدئة، وذلك في مقابل إطلاق سراح كل الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين من سجون الاحتلال.

وأوضح أن هذه الخطوة "للتأكيد على جديتنا واستعدادنا التام للمضي قدما في إنهاء هذا الموضوع وكذلك المضي في خطوات تثبيت وقف اطلاق النار وصولا للوقف المستدام".

ولم يوضح النونو عدد المحتجزين الإسرائيليين الذين ما زالوا محتجزين لدى حماس أو فصائل مسلحة أخرى في قطاع غزة، ولا عدد الأحياء منهم بعد انتهاء المرحلة الأولى للتبادل.

لكن مصدرا أخر في حماس قال إن "حماس لم تفصح عن عدد الأسرى المتبقين، الأحياء أو الأموات منهم، والمعلومات بشأنهم خاضعة للتفاوض في اطار المرحلة الثانية".

حرب شاملة

من جهته، حذر الناطق الرسمي باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة، من "مواصلة سلطات الاحتلال حربها الشاملة على شعبنا وأرضنا في الضفة الغربية، خاصة في محافظة جنين ومخيمها، ومحافظة طولكرم ومخيميها، مرتكبة المزيد من جرائم القتل والتهجير وتدمير الممتلكات".

ونقلت وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية (وفا) اليوم عن أبو ردينة قوله إن "قوات الاحتلال تشن حملة تدمير ممنهج للمنازل، وتهجير للمواطنين، ما أدى إلى استشهاد عشرات المواطنين ومئات الجرحى، في ظل صمت دولي عن مخططات الاحتلال الرامية إلى تنفيذ مخطط الضم والتوسع العنصري، استكمالا لجرائم الإبادة الجماعية التي ارتكبتها في قطاع غزة والتي أدت إلى استشهاد وجرح وفقدان أكثر من 200 ألف مواطن".

وطالب أبو ردينة بـ "تدخل الإدارة الأمريكية لوقف العدوان الإسرائيلي المتواصل على شعبنا وأرضنا، وعدم تشجيعه على التمادي في عدوانه الذي سيؤدي إلى تفجر الأوضاع بشكل لا يمكن السيطرة عليه، وسيدفع ثمنه الجميع".

وشدد على أن "الشعب الفلسطيني لن يقبل بأي مخططات سواء بالتهجير أو الوطن البديل، وتهديد شعبنا لن يكون مفيدا لأحد، بل سيؤدي إلى دمار واسع هنا أو في المنطقة".

غزة ملك للفلسطينيين

في الأثناء، أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز اليوم رفضهما التام لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة الذي يسعى إليه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

وقال السيسي إلى جانب سانشيز بعد اجتماع في مدريد إنهما أكدا على "أهمية دعم المجتمع الدولي وتبنيه خطة إعادة إعمار قطاع غزة دون تهجير الشعب الفلسطيني، وأكرر دون تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه التي يتمسك بها ووطنه الذي لا يقبل التفريط فيه".

بدوره أعرب سانشيز، وهو أحد المدافعين البارزين عن القضية الفلسطينية داخل الاتحاد الأوروبي، عن "رفض إسبانيا وحكومتها القاطع لمشروع نقل السكان الفلسطينيين من قطاع غزة".

وشدد على أنه "يدعم بالتأكيد" اقتراح إعادة إعمار قطاع غزة من دون تهجير سكانه والذي سيتم عرضه على القمة الاستثنائية للجامعة العربية التي تستضيفها القاهرة في الرابع من مارس المقبل.

تُعقد القمة العربية الاستثنائية في القاهرة للرد على اقتراح ترامب وضع قطاع غزة، تحت السيطرة الأمريكية ونقل سكانه إلى مصر والأردن. وأثارت مبادرة الرئيس الأمريكي موجة من الاستنكار في العالم العربي وعلى نطاق أوسع في المجتمع الدولي.

وقال بيدرو سانشيز إن "غزة ملك للفلسطينيين وهي جزء من الدولة الفلسطينية المستقبلية"، وأشاد عبد الفتاح السيسي "بقرار إسبانيا الشجاع والتاريخي الذي انحاز إلى الحق والعدل عبر الاعتراف بالدولة الفلسطينية".

مقالات مشابهة

  • بالفيديو .. مشهد الأسرى في التوابيت يثير غضب الإسرائيليين ضد نتنياهو وحكومته
  • مشهد الأسرى في التوابيت يثير غضب الإسرائيليين ضد نتنياهو وحكومته (شاهد)
  • ما نوع القنابل التي عرضتها المقاومة خلال تسليم جثث الأسرى الإسرائيليين؟
  • رسائل نارية من المقاومة.. جثث الأسرى الإسرائيليين تفضح فشل نتنياهو
  • هذا ما كتبته حماس على نعوش الأسرى الإسرائيليين: «قتلهم مجرم الحرب نتنياهو وجيشه النازي»
  • عائلات الأسرى الإسرائيليين تحذر نتنياهو من تداعيات عدم بدء ثاني مراحل اتفاق غزة
  • نتنياهو يعود لطاولة المفاوضات.. وحماس ترفض مناقشة سلاح المقاومة
  • صحيفة عبرية: نتنياهو يبعد رئيسي الشاباك والموساد عن المفاوضات
  • هيئة عائلات الأسرى تطالب نتنياهو بتوضيح بشأن عدم تقدم المفاوضات
  • طلب عاجل لعائلات الأسرى الإسرائيليين من نتنياهو عن مفاوضات المرحلة الثانية