تباينت الآراء حول الفيتو الروسي ضد مشروع قرار بريطاني سيراليوني لحماية المدنيين في السودان. البعض اعتبره دعماً لمعسكر الحرب، بينما دافعت روسيا عن موقفها باعتبار المشروع تدخلاً في شؤون السودان. الحكومة السودانية رحبت بالفيتو كداعم لسيادتها، فيما استنكرت القوى المدنية القرار باعتباره غطاءً لاستمرار المذابح.

التغيير: بورتسودان: كمبالا

تباينت الأراء حول استخدام روسيا حق النقض “الفيتو” في جلسة مجلس الأمن التي عقدت الإثنين، للتصويت على مشروع قرار تقدمت به بريطانيا وسيراليون يهدف إلى إيقاف الاعتداءات المتكررة على المدنيين السودانيين من قبل طرفي الصراع في البلاد.

وركز المشروع على الترتيبات المتصلة بحماية المدنيين بشكل خاص، خلافًا للقرارات السابقة لمجلس الأمن حول السودان التي تناولت عدة موضوعات متنوعة.

ودعا مشروع القرار  الأطراف إلى “الوقف الفوري للأعمال العدائية والالتزام بحسن نية بالحوار من أجل خفض التصعيد والتوصل إلى اتفاق على وقف إطلاق النار على الصعيد الوطني بشكل عاجل”.

وسبق أن استخدمت روسيا والصين حق النقض “الفيتو” ضد مشروع قرار أميركي لفرض عقوبات على زيمبابوي بسبب عمليتها الانتخابية المثيرة للجدل والتي تخللتها أعمال عنف في عام 2008.

ضد رغبات الشعب

ويرى مراقبون أن روسيا استخدمت هذا “الفيتو” للوقوف ضد رغبات الشعب السوداني الذي يتطلع إلى وقف الحرب التي ناهزت العامين.

وأشاروا إلى أن “الفيتو الروسي” جاء لصالح معسكر الحرب ضد معسكر السلام، معتبرين أن القضية السودانية لا تجد الاهتمام الكافي من الدول الكبرى.

تبرير روسيا

بررت روسيا استخدامها لحق النقض “الفيتو” ضد مشروع القرار بالقول إن الذين يقفون خلفه يحاولون استغلال القرار لإعطاء أنفسهم الفرصة للتدخل في شؤون السودان وتسهيل مشاركتهم في مزيد من الهندسة السياسية والاجتماعية في البلاد.

وقال نائب السفير الروسي لدى الأمم المتحدة، ديمتري بوليانسكي: إن المشكلة الرئيسية في مشروع القرار البريطاني تكمن في الفهم الخاطئ لمن يتحمل المسؤولية عن حماية المدنيين في السودان وأمن الحدود والسيطرة عليها، ومن يجب أن يتخذ قرار دعوة قوات أجنبية إلى البلاد”.

وأضاف: “ليس لدينا شك في أن حكومة السودان هي التي يجب أن تقوم بهذا الدور، لكن واضعي مشروع القرار البريطاني يحاولون بوضوح سلب هذا الحق من السودان”.

حرب طاحنة

ومنذ منتصف أبريل 2023 تدور حرب طاحنة بين الجيش السوداني بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان و”قوات الدعم السريع” بقيادة الفريق محمد حمدان دقلو “حميدتي”، واتُّهم الطرفان بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، من خلال استهداف المدنيين ومنع وصول المساعدات الإنسانية واستخدام الغذاء كسلاح لتجويع ملايين المدنيين.

وفي مارس الماضي، دعا مجلس الأمن إلى وقف “فوري” لإطلاق النار في السودان خلال شهر رمضان، وهو قرار لم يتم الالتزام به.

وفي يوليو الماضي، طالب المجلس “قوات الدعم السريع” بإنهاء حصار مدينة الفاشر، ووضع حد للقتال حول المدينة الكبرى في إقليم دارفور التي يسكنها مئات آلاف المدنيين، وهو الأمر الذي لم يحدث.

ترحيب الحكومة السودانية

ورغم التحفظات التي أبداها عدد من المختصين والمراقبين حول دلالات الفيتو الروسي على تطورات الأزمة السودانية في البعدين الدولي والإقليمي، إلا أن حكومة الأمر الواقع سارعت بالترحيب بـ”الفيتو” الروسي على مشروع القرار البريطاني.

وقالت الخارجية السودانية في بيان إن “الموقف الروسي جاء تعبيرًا عن الالتزام بمبادئ العدالة واحترام سيادة الدول والقانون الدولي ودعم استقلال ووحدة السودان ومؤسساته الوطنية”.

وأعربت الحكومة عن أملها بأن “تضع هذه السابقة التاريخية حدًا لنهج استخدام منبر مجلس الأمن لفرض الوصاية على الشعوب، ولخدمة الأجندة الضيقة لبعض القوى”.

استنكار تقدم

من جهتها، استنكرت القوى الديمقراطية المدنية “تقدم” الموقف الروسي، الذي رأت أنه يشكل غطاءً لاستمرار المذابح في السودان ويعيق جهود التصدي لأكبر مأساة إنسانية في العالم، ويترك الشعب السوداني يرزح تحت شبح الجوع والمرض والفقر.

وأوضحت أن استخدام روسيا حق النقض لإسقاط قرار حظي بموافقة ممثلي القارة الأفريقية الثلاثة في مجلس الأمن يكذب ادعاءاتها بالانحياز لقضايا دول الجنوب وشعوبها”.

كرت للضغط

قال الناطق الرسمي باسم تنسيقية “تقدم”، بكرى الجاك، إن “استخدام روسيا لحق النقض (الفيتو) قد يكون مفهومًا في إطار التوازنات الدولية ومحاولة استخدام السودان كورقة ضغط للحصول على مكاسب في ملفات أخرى، لكن هذا الفيتو يتناقض مع الإرادة الدولية ويخالف الضمير الإنساني”.

وأضاف الجاك في تصريح خاص لـ(التغيير): “كان بالإمكان استخدام هذا القرار لخلق آلية فعّالة لحماية المدنيين، في وقت يعاني فيه السودانيون من أن يكونوا رهائن في صراع أطراف الحرب، حيث تُستخدم معاناتهم كأداة للكسب السياسي من قبل الأطراف المتنازعة”.

وتابع: “المؤسف أن أطراف الحرب قد يفسرون هذا الفيتو على أنه ضوء أخضر للاستمرار في القتال وتوسيع رقعته، دون مراعاة ما سيترتب على ذلك من تداعيات كارثية على المدنيين أو تهديد لوحدة البلاد. وفي كل الأحوال، ستستمر روسيا في بيع الأسلحة للطرفين وتستفيد من موارد مثل الذهب، بينما يظل الشعب السوداني يعاني، والعالم في حالة من الحيرة”.

شرعنة خارج المجلس

من جانبه، دافع الخبير الدبلوماسي السفير عبد المحمود عبد الحليم عن استخدام روسيا لحق الفيتو ضد مشروع القرار البريطاني السيراليوني، موضحًا أن المشروع كان يهدف إلى إنشاء ظروف وأوضاع على الأرض تمهد لنشر قوات عسكرية، من خلال تقرير تم تكليف الأمين العام بتقديمه. وأشار إلى أن هذا التصرف يبعث على الشعور بالمرونة، رغم ما يحتويه من “تفخيخ” في بعض بنوده.

مجلس الأمن الدولي

وأضاف عبد المحمود: “لم يكن من الصعب على الوفد الروسي وقف هذا المشروع، حيث أشار إلى ما وصفه بروح الاستعمار الجديد وطموحات السيطرة لدى بريطانيا، مؤكدًا على ضرورة تجنب فرض مؤسسات العدالة في السودان”.

ازدواجية المعايير

من جهته يرى المختص في شؤون مجلس الأمن، نزار عبد القادر، أن مداخلة نائب وزير الخارجية الروسي أمام مجلس الأمن الإثنين أوضحت الأسباب وراء الفيتو، من بينها عدم اعتراف مقدمي المشروع بالحكومة السودانية.

وقال عبد القادر إن عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول وازدواجية المعايير مقارنة بالوضع في غزة كان من أبرز الأسباب التي دفعت روسيا لاستخدام الفيتو.

أدى القتال في السودان إلى نزوح نحو 11.3 مليون شخص، بينهم حوالي 3 ملايين إلى خارج السودان، وفق مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون الإنسان، التي وصفت الوضع بأنه “كارثة إنسانية”.

ويواجه نحو 26 مليون شخص انعدامًا حادًا في الأمن الغذائي، وأُعلنت المجاعة في مخيم زمزم في دارفور.

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: مشروع القرار البریطانی استخدام روسیا الفیتو الروسی فی السودان مجلس الأمن ضد مشروع

إقرأ أيضاً:

الجيش السوداني يرفض العقوبات الأمريكية ضد البرهان

بعدما فرضت الولايات المتحدة الأمريكية، عقوبات تستهدف عبد الفتاح البرهان، قائد القوات المسلحة السودانية، استنكر الجيش السوداني القرار ووصفه بـ الجائر من قبل وزارة الخزانة الأميركية.

وأعلن المتحدث باسم الجيش السوداني العميد نبيل عبد الله، في بيان اليوم ، أن القوات المسلحة تستهجن الإشارة إلى أي إجراءات يمكن أن تمس أيا من قادة القوات المسلحة، مشيرا إلى أن هذه الإجراءات الظالمة، لن تثني الجيش عن الاضطلاع بواجبه القانوني والدستوري في الدفاع عن البلاد وشعبها وتأمين سلامة أراضيها من المرتزقة والعملاء وداعميهم بالداخل والخارج.

 زعيم الأمة السودانية

وأشار الجيش في بيانه: إلى أن الجيش يدفعه عزم أكيد وتصميم وإرادة وطنية لن تلين، ويعززها دعم السودانيين غير المحدود حتى القضاء على آخر متمرد ومرتزق وعميل، ووصف البيان البرهان بـ"زعيم الأمة السودانية" وقائد حرب الكرامة الوطنية التي يخوضها الجيش والشعب ضد مرتزقة ومليشيا آل دقلو الإرهابية.

كما أعربت وزارة الخارجية السودانية، عن رفض الحكومة للعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على البرهان، وقالت إن القرار الأميركي لا يعبر إلا عن التخبط وضعف حس العدالة، وأن القرار الأميركي يفتقد لأبسط أسس العدالة والموضوعية، ويستند إلى ذرائع واهية لا صلة لها بالواقع، وينطوي على استخفاف بالشعب السوداني، ويدعم من يرتكبون الإبادة الجماعية.

وكانت الخزانة الأميركية أعلنت أمس فرض عقوبات على البرهان، متهمة إياه بتفضيل الحرب على المفاوضات لإنهاء الصراع الذي أودى بحياة عشرات الألوف ودفع الملايين إلى النزوح من ديارهم.

وأعلنت في بيان : أن أساليب الحرب التي ينتهجها الجيش تحت قيادة البرهان تشمل القصف العشوائي للبنية التحتية المدنية، والهجمات على المدارس والأسواق والمستشفيات، والإعدام خارج نطاق القضاء.

القرار جاء بعد أسبوع واحد من فرض عقوبات على محمد حمدان دقلو (حميدتي) قائد قوات الدعم السريع التي تخوض حربا مع الجيش السوداني مستمرة منذ عامين، ويهدف القرار بموجب الأمر التنفيذي رقم 14098، إلى معاقبة الأفراد الذين يساهمون في زعزعة الاستقرار في البلاد.

وذلك عقب إدراج مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية، محمد حمدان دقلو المعروف بـ “حميدتي”، قائد قوات الدعم السريع، في قائمة العقوبات في 7 يناير 2025، يعكس هذا الإجراء التزام الولايات المتحدة بمراقبة الأنشطة التي تهدد الأمن والاستقرار في السودان، ويعكس أيضاً القلق المتزايد من تصاعد التوترات في المنطقة وتأثيرها على العملية السياسية.

 

كما فرض مكتب مراقبة الأصول الأجنبية عقوبات على شركة وفرد متورطين في عمليات شراء الأسلحة لصالح منظومة الصناعات الدفاعية، التي تعد الجهة المسؤولة عن مشتريات القوات المسلحة السودانية. وقد تم فرض عقوبات على هذه المنظومة في يونيو 2023، مما يعكس استمرار الضغط الدولي على الجهات التي تسهم في تعزيز النزاع المسلح في البلاد.

 

وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن

أكد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، أن الوضع في السودان يمثل تحدياً كبيراً، وأنه كان يأمل في أن تتمكن إدارة ترامب من تحقيق تقدم في هذا الملف، معربا عن خيبة أمله إزاء عدم القدرة على إنهاء النزاع المستمر في السودان.

وأشار وزير الخارجية الأمريكي، إلى أن الفشل في الوصول إلى حل سلمي للنزاع السوداني يمثل مصدر قلق كبير، والصراع قد أثر بشكل سلبي على حياة الملايين من المواطنين السودانيين، مشددا  على أهمية التعاون الدولي في معالجة الأزمات الإنسانية والسياسية في السودان، و تتضافر الجهود الدولية لتحقيق السلام والاستقرار في البلاد.

وأكد أن الولايات المتحدة ستواصل دعمها للجهود الرامية إلى إنهاء النزاع وتحقيق السلام الدائم في السودان، مشيرا إلى أن القوات المسلحة السودانية بقيادة البرهان ارتكبت جرائم حرب موثقة، واستهدفت مدنيين وبني تحتية .

مقالات مشابهة

  • المفوضية القومية لحقوق الإنسان تدين إستهداف المدنيين السودانيين بمدن جنوب السودان
  • حاكم ولاية جونقلي بدولة جنوب السودان محجوب بيل: مسؤوليتنا حماية المواطنين السودانيين في بلادنا
  • مثقفون وصحفيون وفنانون من السودان وجنوب السودان يدينون العنف ضد المدنيين ويدعون لتعزيز التعايش السلمي
  • غليزان.. الأمن يوقف 17 شخصا محل بحث خلال عمليات مداهمة
  • بعد هجمات ولاية الجزيرة.. تحذير أممي: حرب السودان تزداد خطورة على المدنيين
  • المغرب يقود جهودا دولية لتعزيز دور أمناء المظالم في حماية حقوق الإنسان
  • تحذير أممي: الصراع في السودان يأخذ منعطفا أكثر خطورة على المدنيين
  • الجيش السوداني يرفض العقوبات الأمريكية ضد البرهان
  • هجوم مسلح يستهدف القوة المحايدة لحماية المدنيين في شمال دارفور
  • الأمم المتحدة: الحرب في السودان تزداد خطورة على المدنيين بعد الهجمات في ولاية الجزيرة