أكد مديرو دور نشر عربية في المهجر الدور الريادي والمهم الذي تلعبه هذه الدور والمؤسسات في نشر الثقافة واللغة العربية ودعم حضور الكتاب العربي في أوروبا.

ورأوا أن التأثير الثقافي لدور النشر العربية في المهجر يبرز خاصة من خلال الإصدارات المتنوعة سواء كانت أدبية أو أكاديمية بمختلف اللغات، وكذلك معارض الكتاب العربي في أوروبا التي تعد فرصة مهمة لنشر الثقافة العربية إذ تجتذب طيفا واسعا من الجمهور الأوروبي وتفتح نقاشات ثرية معه عن الكتاب العربي ودوره وأهميته.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2متى بدأ الاحتفال باليوم العالمي للرجل؟list 2 of 2المؤرخ التركي إلبَر أورطايلي: روح الاستعمار الغربي لا تزال تحكم المنطقةend of list

وشددوا -في حديث لوكالة الأنباء القطرية- على الدور المهم للترجمة في نقل الأدب والثقافة العربية إلى الآخر، وفي تحفيز التبادل الثقافي والحوار بين الحضارات ونشر ثقافة السلام من خلال الشعر والأدب والفن.

العبور بالإبداع

وفي هذا الصدد، قالت مدير دار الأمير للنشر والتوزيع والترجمة بمرسيليا في فرنسا حياة قاصدي إن الدار أُسّست في يناير/كانون الثاني 2021، لتكون جسرا ثقافيا بين ضفتي المتوسط من خلال الترجمة من العربية إلى الفرنسية وبالعكس.

وأشارت إلى أن الكتاب العربي يجسد ارتباط الأمة بلغتها وموروثها الثقافي، ومن خلاله يفتح المثقف العربي أبواب لغته وثقافته ويحمي كيانه من الضعف والانهيار.

ولفتت إلى أن التأثير الثقافي لدور النشر العربية في المهجر يظهر من خلال العبور بالإبداع من بيئة جغرافية محددة نحو فضاء أوسع وأرحب، وهذا ما تحرص عليه دار الأمير من خلال مشاركاتها في معارض الكتاب في بلجيكا وفرنسا وهولندا، ومن خلال الملتقى الثقافي للكتاب العربي الذي نظمت دورته الأولى في يناير/كانون الثاني 2024، وهو مشروع دار الأمير الفعلي الذي تسعى لتنظيمه كل سنة من خلال دورة منتظمة ترتبط بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية.

حياة قاصدي: الترجمة هي الجسر الذي تلتقي فيه الإنسانية في رحلة الاكتشاف (مواقع التواصل)

وشددت حياة قاصدي على أن دور الناشر العربي في مجال نشر اللغة والأدب والثقافة العربية ليس سهلا خاصة في المهجر، لأنها عملية معقدة تحتاج إلى آليات وبرامج تقوم على الوعي وروح المسؤولية، فضلا عن كون الثقافة ملكا إنسانيا لأمة ما وهي المعيار الذي يميزها ويوضح معالم وجهها الحقيقي.

وأكدت أن الترجمة هي الجسر الذي تلتقي فيه الإنسانية في رحلة الاكتشاف، لذلك يجب منحها الأولوية بهدف دعم حركة الانتقال الفكري والحضاري بين الشعوب، وهي أيضا القوة التي تذيب الجمود بين الأمم بفعل تعدد اللغات، وبفضل الترجمة يمكن أن تنتقل الثقافات من منطقة إلى أخرى، ويسمح للإنسانية أن تتعرف على بعضها من خلال اكتشاف الأذواق الأدبية والفنية والمعارف والمهارات وتسهل "ميكانيزما" التوجه نحو الآخر.

ودعت مديرة دار الأمير للنشر والتوزيع والترجمة الناشرين العرب في المهجر إلى استقطاب الأقلام المتعددة المشارب واللغات، وبذل الجهد والوقت في إطار منظم وخطة لقطف ثمار الفكر في اللغات الأخرى وترجمة مضمونها إلى اللغة العربية بهدف الإثراء الثقافي وإتاحة مساحة في خططهم لنقل الثقافة العربية إلى الأجيال التي قدمت إلى أوروبا منذ عقود.

ملتقى الكتاب في فرنسا

ومن جانبه، نوّه علي المرعبي المدير العام لدار "كل العرب للطباعة والنشر" في فرنسا بالدور الذي تؤديه دور النشر في المهجر من خلال تقديم الأدب والشعر والكتب ذات الطابع العلمي والأكاديمي المنهجي والثقافة العربية بشكل عام، موضحا أن الدار تركز على النوعية للكتب أكثر من الكمية، وتختار أفضل الكتب العلمية والأكاديمية والروايات ودواوين الشعر المميزة وتعكس للمتلقي والمهاجر العربي خاصة في أوروبا والغرب المستوى الأدبي للكتاب والشعراء والمفكرين العرب.

علي المرعبي: دور النشر العربية في المهجر تلعب دورا مهما في تعزيز حضور اللغة والثقافة العربية في أوروبا (مواقع التواصل)

وأشار إلى أن الدار نظمت في مطلع سبتمبر/أيلول الماضي "الملتقى الدولي للكتاب العربي في فرنسا" في دورته الأولى، والذي أقيم في المدينة الجامعية بباريس في بيت مصر، ويعدّ حدثا ثقافيا مهما يقام أول مرة في فرنسا وشهد حضور عشرات الأدباء والكتاب والشعراء والمفكرين من مختلف أنحاء أوروبا، قدموا طوال أسبوع الملتقى أجمل الأمسيات الشعرية والندوات الفكرية واللقاءات الأدبية ووقعوا كتبهم الصادرة حديثا.

وأوضح المرعبي أن دور النشر العربية في المهجر تلعب دورا مهما في تعزيز حضور اللغة والثقافة العربية في أوروبا، رغم الصعوبات الكثيرة التي تواجهها والتي تتمثل في تراجع توزيع الكتب الورقية المطبوعة والإقبال عليها، فضلا عن ارتفاع تكاليف الشحن والتوزيع داخل الدول الأوروبية، وكذلك غلاء أسعار الطباعة والورق واليد العاملة.

ونوه المدير العام لدار كل العرب للطباعة والنشر في فرنسا بالدور الريادي الذي تقوم به دور النشر العربية في أوروبا بترجمة الكتب العربية إلى لغات كثيرة كالفرنسية والإنجليزية والإيطالية والألمانية والإسبانية، بالإضافة إلى اختيارها النوعية المميزة من الإصدارات الأوروبية والقيام بترجمتها إلى اللغة العربية لإطلاع القارئ العربي على آخر الإصدارات الأوروبية.

كما أشاد بجهود دار كل العرب المميزة في مجال الترجمة من الأدب العربي إلى اللغات الأوروبية أو من اللغات الأوروبية إلى اللغة العربية، وبتوظيف علاقاتها الواسعة مع الأدباء والكتاب والشعراء والباحثين الفرنسيين والأوروبيين، من أجل تقديم الوجه الحضاري للثقافة العربية الإسلامية واللغة والأدب والفكر العربي.

نقل الأدب والثقافة العربية للآخر

ومن جانبه، أكد حسين نهاية مدير دار أبجد للترجمة والنشر والتوزيع بمدريد في إسبانيا أن الدار تبذل جهودا كبيرة وتضع إستراتيجية واضحة من أجل نقل الأدب والثقافة العربية إلى إسبانيا وأوروبا من خلال المشاركة المنتظمة في معارض الكتاب والندوات الأدبية والثقافية، وغيرها من الفعاليات التي تنفتح على البيئة العربية وتشجع على الحوار الثقافي بين بلدان الشمال والجنوب.

وأوضح أن هناك صعوبات كثيرة تواجه الناشر العربي في المهجر، فالأنظمة والمعايير تختلف من قارة إلى أخرى ومن بلد أوروبي إلى آخر، خاصة في ما يتعلق بالطباعة والتوزيع والانفتاح على بقية اللغات والثقافات العالمية.

وشدد مدير دار أبجد للترجمة والنشر والتوزيع بمدريد على الدور المهم جدا للترجمة في نقل الأدب والثقافة العربية إلى الآخر، وكذلك في تحفيز التبادل الثقافي والحوار بين الحضارات ونشر ثقافة السلام من خلال الشعر والأدب والفن.

ولفت في السياق نفسه إلى أن تجربته في مجال الترجمة في دار أبجد كشفت له قلة الدعم المقدم للمترجمين ودور النشر التي تحاول ترجمة الأدب العربي إلى اللغات العالمية كالإسبانية، حيث تبقى كل الجهود فردية قليلة ولا ترقى إلى المنافسة الكبيرة التي تميز سوق الترجمة والنشر العالميين، وما تمتلكه هذه السوق من إمكانات غربية ضخمة، مقارنة بالإمكانات البسيطة التي تتوفر لدور النشر العربية الناشطة في المهجر.

مؤسسات ومنصات ثقافية

وبدوره، قال مدير دار "ميزوبوتاميا" للنشر والتوزيع والترجمة بهولندا محمد الأمين الكرخي إن دور النشر العربية في المهجر هي مؤسسات ثقافية متنوعة لها قسم خاص بالمنشورات والإصدارات المتنوعة من أدب وشعر وترجمة.

وأشار إلى أن أغلب اهتمام ونشاط دور النشر العربية في المهجر يتعلق بمعارض الكتب في الدول العربية، حيث تستطيع هذه المؤسسات أن تتواصل مع قرّائها الأساسيين، ومع المؤسسات والجهات العربية التي تقدم لها الدعم المادي والمعنوي وتوقع الاتفاقيات والشراكات، وتتواصل مع الجمهور العريض، أما في أوروبا فلا تستطيع هذه الدور والمؤسسات الثقافية أن تحقق مبيعات كبيرة.

وشدد الكرخي على أن نشر الثقافة العربية في أوروبا يحتاج إلى مجهود جبار وعمل واسع جدا يكون الكتاب العربي في جوهره وصميمه، لكن بآليات مستحدثة للتعريف به من خلال الصحافة والإعلام، ومن خلال الأنشطة الثقافية والفنية التي تكون جزءا من برمجة معارض الكتاب، وكذلك من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.

محمد الأمين الكرخي: كان حضور الكتاب العربي مهما ومتنوعا في المكتبات العامة بهولندا لكنه تراجع بقوة في السنوات الأخيرة (مواقع التواصل)

واقترح في هذا السياق ضرورة استحداث منصة عربية للكتاب العربي، تكون منفتحة بشكل كبير على جمهور القراء الأوروبيين، ولا يطغى عليها الجانب التجاري، وإنما يجب أن تكون مدعومة وغايتها الوحيدة نشر الثقافة العربية في أوروبا، ويكون دورها تقديم فكرة أساسية بلغات عالمية كثيرة عن آخر الإصدارات العربية، وتعمل على تسويقها بشكل متميز ومحترف، وهذا ما سيمنح في النهاية الكتاب العربي أفقا جديدا في أوروبا وخارجها.

ولفت إلى أنه فيما مضى كان حضور الكتاب العربي مهما ومتنوعا في المكتبات العامة في هولندا مثلا، لكنه تراجع بقوة للأسف الشديد في السنوات الأخيرة، واقتصر على مجموعة قواميس في اللغة وكتب تتعلق باللغات، وانحسر في مكان ضئيل جدا، وبعد أن كانت المكتبات الهولندية تواكب الإصدارات العربية الجديدة وتعطيها حيزا كبيرا ضعف هذا الاهتمام منذ سنوات.

ورأى أن دور الجاليات العربية في الحياة الثقافية بالمجتمعات التي تعيش فيها تراجع في السنوات الأخيرة نتيجة جملة ظروف جعلت حضور الكتاب العربي سواء في هولندا أو كثير من الدول الأوروبية يتراجع ويتقلص ويغدو هامشيا.

ولاحظ أن الأوساط الثقافية الهولندية كانت تولي اهتماما خاصا بالثقافة العربية، وكان ذلك الاهتمام ينعكس في الصحف والمجلات والإصدارات الأدبية، لكنه تراجع فأثر ذلك سلبا على حضور الكتاب العربي في هولندا وأوروبا، خاصة مع صعود تيارات اليمين المتطرف وأحزابه في كثير من الدول الأوروبية.

وشدد الكرخي على أهمية دور النشر الأوروبية التي تُعنى بالأدب والكتاب والثقافة العربية، لارتباطها المباشر بالقارئ الأوروبي الذي يهتم بالكتاب العربي المترجم إلى لغته، لأنها تستثمر تجربتها الكبيرة وخبرتها للترويج لهذا الكتاب من خلال انفتاحها على وسائل الإعلام المهمة التي تعكس إصداراتها المترجمة.

دور النشر العربية في المهجر تعزز المضامين الإنسانية للحوار الثقافي وتثري التبادل المعرفي عبر الترجمة (الأناضول) معارض الكتاب العربية في أوروبا

وأشار الكرخي إلى ظاهرة إيجابية انتشرت في السنوات الخمس الأخيرة تتمثل في معارض الكتاب العربية بالدول الأوروبية، إذ توفر هذه المعارض فرصة مهمة لنشر الثقافة العربية من خلال البرامج والفعاليات الثقافية المتنوعة التي تقام على هامشها، على غرار الأمسيات الشعرية والندوات الفكرية والمعارض التشكيلية. وهذه البرمجة الثرية تجلب طيفا واسعا من الجمهور الأوروبي، كما تفتح نقاشات ثرية مع هذا الجمهور عن الكتاب العربي ودوره وأهميته في أوروبا، وتعيد له المكانة التي فقدها في حياة أبناء الجاليات العربية في المهجر. وتمنى أن تتواصل هذه المعارض، وأن لا تفقد بعدها الثقافي لمصلحة البعد التجاري، وأن يقع تطويرها من القيّمين عليها.

ولفت مدير دار "ميزوبوتاميا" للنشر والتوزيع والترجمة إلى أن تجربته في النشر والترجمة أظهرت له أن الترجمة من اللغات الأوروبية إلى اللغة العربية هي السائدة والمسيطرة، بعكس الترجمة من اللغة العربية إلى اللغات الأخرى، وذلك بسبب وجود مؤسسات ثقافية أوروبية تدعم ترجمة أدب لغتها كما في هولندا مثلا حيث توجد مؤسسة "لاترأون فوندس" التي تمنح الدعم للمترجمين ودور النشر التي تهتم بترجمة الأدب الهولندي، وفي المقابل لا نكاد نلاحظ تجربة مماثلة في البلدان العربية تدعم المترجمين الذين ينقلون الأدب العربي إلى لغات أخرى.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات اجتماعي الثقافة العربیة إلى إلى اللغة العربیة الکتاب العربی فی الدول الأوروبیة معارض الکتاب الترجمة من دار الأمیر فی السنوات فی هولندا مدیر دار فی فرنسا من خلال إلى أن

إقرأ أيضاً:

هل تعيد الدبلوماسية الثقافية البديلة تأسيس الهوية العربية؟ قراءة في كتاب

الكتاب: الدبلوماسية الثقافية البديلة على إعادة تأسيس الثقافة العربية
الكاتب: د. حاتم الجوهري.
الناشر: مؤسسة أروقة للدراسات والترجمة والنشر، 2024م 
عدد الصفحات: 321 صفحة.


تاريخياً ظهر مفهوم "الدبلوماسية الثقافية" الغربية وتوظيفها السائد؛ من خلال الثقافة والتقاليد والعادات والفنون، وتشكلت مع بداية الحضارة البشرية، التي انتقلت عبر التبادل التجاري بين البلدان المختلفة، ليتعرف كل بلد أو مجموعة بشرية على ثقافة الآخر من خلال التعامل التجاري أو المصاهرة والنسب، وأحيانا كانت الثقافة والعادات والتقاليد تنتقل عبر الفرض، وعمليات الاحتلال والغزو من جماعة بشرية وتمددها وسيطرتها على أرض وسكنى جماعة أخرى.

واستمر الأمر هكذا في انتقال الثقافات والعادات ما بين الطوعية عبر التجارة أو الفرض عبر الاحتلال أو الحروب، إلى أن جاء العصر الحديث وظهور الدبلوماسية وقواعدها المنظمة والممثلين الرسميين للدول وسفاراتهم عند البلدان الأخرى دفاعا عن المصالح المختلفة لتلك الدول، ومن خلالها قامت الحضارة الأوروبية / الغربية بتطوير مجال الثقافة وانتقاله إلى الآخرين في المرحلة الاستعمارية، عبر ما سمي بـ"الدبلوماسية الثقافية" التي بدأت في النصف الأول من القرن العشرين، في كل من فرنسا وبريطانيا وألمانيا عبر المجالس والمعاهد الثقافية والمؤسسات الشبيهة، لتكون مصدر قوة ناعمة لأوروبا الاستعمارية تفرض من خلالها حضورها ونفوذها على الآخرين بشكل طوعي منهم، من خلال آليات ومؤسسات رسمية تحتفي بالثقافة الأوروبية وعاداتها وتقاليدها، وتعرضها على الآخرين عبر منح وتمويلات ومسارات جديدة تماما.

كانت ممارسات الدبلوماسية الثقافية القديمة ونسقها الثقافي الغربي احتكاريا ـ لحد بعيد ـ في القرن العشرين، بينما يطرح الكتاب تصورا ومقاربة بديلة للدبلوماسية الثقافية في القرن الحادي والعشرين، يخرجها من فكرة الهيمنة والاحتكار الغربي، لتكون أداة فعالة في يد الدول العربية والدول خارج المركز الغربي عموما، ليساهم هذا التصور البديل في إعادة تأسيس الثقافة العربية وتجاوز سياقات القرن العشرين ومشاريعه ومحاولاته الثقافية التي تكسرت، ولتنهض الثقافة العربية حية وتُبعث من رمادها مثل طائر الفينق الأسطوري.

يساعد الطرح البديل للدبلوماسية الثقافية الدبلوماسية العامة، في تبني مقاربة تقوم على أولوية الجغرافيا الثقافية الرافعة في الحاضنة العربية، مع توسعة نطاقها الجغرافي عبر مستودع هويتها الناعم لتشمل البعد الإسلامي والأفريقي، لتحتوي التناقضات مع تركيا العثمانية الجديدة وإيران المذهبية الشيعية، وتحرر "البان أفريقانيزم" أو حركة "عموم أفريقيا" التاريخية العظيمة من الأفروسنتريزم أو "المركزية العنصرية السوداء"، لتكون مصر قلبا نابضا لحاضنة ووحدة جغرافية جديدة وفاعلة في القرن الحادي والعشرين.ازدهرت الدبلوماسية الثقافية الغربية ومركزيتها عموما في شكل منح خارجية تَشَدُّ الرحال من الشرق والجنوب نحو الغرب، يمينه ويساره، إذ يعتبر البعض أن نفوذ الغرب الأيديولوجي أيضا وشبكة علاقاته الدولية وتفاعلاتها شكلا نوعا من الدبلوماسية الثقافية (وهذه نقطة التقاء مهمة بين الدبلوماسية الثقافية البديلة ومسألة إعادة تأسيس الثقافة العربية، فعند مستوى عميق من ترسبات الثقافة العربية الأيديولوجية كان هناك قبول لتلك المركزية، يجعل هناك ربطا جوهريا بين صعود الدبلوماسية الثقافية البديلة والتأسيس لتصورات ثقافية عربية جديدة في مختلف المناحي).

قام تعريف الدبلوماسية الثقافية البديلة في القرن الحادي والعشرين على أساس أن الدبلوماسية الثقافية البديلة: هي فكرة مركزية جديدة تكسر السياق الاحتكاري الغربي لمفهوم الدبلوماسية الثقافية؛ وتعتمد على تبادل المزيج الثقافي المتنوع الخاص بكل دول العالم ـ والدول العربية تحديدا ـ ومنحه المكانة نفسها دون قياسه إلى نموذج معياري أوروبي/ غربي، والترويج للآليات والمسارات والمشاريع الثقافية في هذا السياق، ودون أن تصطدم مباشرة أيضا ـ بالضرورة ـ هذه الدبلوماسية الثقافية البديلة بالنظريات الثقافية التي ورثت وهم المركزية الثقافية الأوروبية، تحديدا نظريات الصدام الحضاري/ الثقافي النشطة والفاعلة حاليا، لتسعى الدبلوماسية الثقافية البديلة لأن تطور علاقات وتراكمات خاصة بها، وأن تسعى لتوفير التمويل لتلك النشاطات حتى ولو استفادت من التصورات الفرعية في المؤسسات الثقافية الدولية التي يسيطر عليها الغرب.

يضيف الكاتب هنا: "لأسباب تاريخية وموضوعية على الذات العربية أن تكون محطة رئيسية من محطات الدعوة لتلك الدبلوماسية الثقافية البديلة وبزوغها، والتأسيس لها وبعثها للحياة كطائر فينق ينهض من رماده، ويكون لها دور فاعل في حراكها، تحديدا في دورها الذي يرفد الدبلوماسية العامة ويرفد سياسات الدول العربية الخارجية، ويربط ذلك بمحاولة إعادة تأسيس الثقافة العربية في واقع إقليمي وعالمي متدافع وساخن، تكاد الذات العربية أن تكون في مركز تلك التدافعات وصراعها الثقافي وصدامها الحضاري، والأهم أن الدبلوماسية الثقافية البديلة ستساعد في تغيير الصورة النمطية السلبية عن العرب التي روج لها الاستشراق الغربي، ومن ثم ستكون سندا وقوة ناعمة للحق العربي ووجهة النظر العربية على المستوى السياسي والاقتصادي والجيوثقافي.

يمكن فهم الدبلوماسية الثقافية البديلة بوصفها أداة فعالة ممكنة لمساعدة الذات العربية في عبور مراوحتها للمكان ونهضتها من عثرتها، وتساعد في تجسير المسافات وتجاوز الاستقطابات القديمة وإرثها المكبل، إذ يرى بعضهم أن التمثلات السياسية إرث القرن العشرين قد تركت أثرا سلبيا ما (مع تكسر مشروع القومية العربية وتفكك سردية الخلافة العثمانية)، ليصير ممكنا أن تمثل الدبلوماسية الثقافية ومكوناتها العميقة والتاريخية والراسخة، جسرا محتملا يمر من عليه المستقبل العربي انتظارا لإنتاج خطابات وتصورات سياسية جديدة، تتجاوز ندوب الماضي وجراحه، حيث تصبح الثقافة أقوى المكونات الإنسانية التي تمارس دورها حينما تتعثر باقي التمثلات الأخرى (السياسية تحديدا)، وهذا وجه الأسطورة والرمزية في موضوع الثقافة ودورها القادر على إعادة بعث الأمم من كبوتها، أو من رمادها كما طائر الفينق في مقاربة لدور الدبلوماسية الثقافية الممكن وإعادة تأسيس الثقافة العربية واضطلاعها بدورها، عندما تعجز التمثلات السياسية والأيديولوجية.

يختلف دور المثقف الجديد عن المثقف القديم "المثقف القديم كان يشعر باليقين في كل شيء وكان دوره الثقافي يقتصر على اختيار جهة ما والترويج لها والدفاع عنها، سواء في الحداثة التقليدية والصراع بين الماركسية والليبرالية بتنوعاتهما، أو ما بعد الحداثة ودور الهوامش والسياسات الفرعية والنسوية والتفكيك وتجاور الأفكار.. أما الآن فالعالم في حاجة لمثقفين فاعلين مركزيين جدد يعيدون بناءه.. لمثقف يبدأ من الصفر ويتعامل مع الظاهرة البشرية بأفق منفتح يرصد الظواهر الحالية ويفترض الحلول ويختبر صلاحيتها، ويُعدِّل فيها بالخصم أو الإضافة أو الاستبدال، العالم في حاجة للمثقف الحقيقي الفاعل لا مثقف الاصطفاف واختيار جانب والترويج له... المثقفون أو العارفون والمفكرون الجدد يجتهدون بمفردهم في مجتمع عالمي وعربي يحتاج لتأسيس نظام قيمي وإنساني جديد."

ومن ثم بين الكاتب مفهوم "المحاصصة الهوياتية" وضرورة تجاوزها، حيث عرفت هذا المفهوم وتناولته ذاكرا أنه: "تم عمل محاصصة هوياتية لتناسب العقلية الأوربية ومتلازماتها الثقافية ومركزها عن العلمانية والدين والديمقراطية والاستقطاب حول نهاية التاريخ وذروته بين الليبرالية أو الشيوعية، لكن في حقيقة الأمر إذا أرادت الذات العربية أن تستعيد نفسها عليها أن تتجاوز التصنيفات الأوربية في مسألة الهوية... على المثقف العربي في اللحظة الراهنة أن يقدم خطابا يتجاوز الاستقطابات التاريخية ويعبر عن الواقع عند رجل الشارع العربي، الذي يتماس مع المحلي أو القطري، ومع القومي، ومع الديني، ولا يجد فيهم الصراع بل بجد فيهم الحياة والفطرة".

يقف المتن الأساسي للدراسة على موضوع الدبلوماسية الثقافية البديلة وإعادة التأسيس للثقافة العربية، وإلى جوار هذا المتن كانت بعض الحوارات تمر على قضايا أدبية أو موضوع الترجمة أو موضوع الإرهاب أو القضية الفلسطينية، أو الجدل بين الذات والآخر.. الخ، لكن معظم تلك القضايا كان تناولها يأتي من منظور كلي يسهم في إعادة تأسيس الثقافة العربية والبحث عن آفاق جديدة لها، وفي الوقت نفسه سبل توظيف القضايا الجزئية والفرعية كلما أمكن في نسق عام لدبلوماسية ثقافية جديدة فاعلة تخدم الذات العربية في القرن الحادي والعشرين.

 نحو ثقافة عالمية جديدة.. دبلوماسية تبادل المزيج الثقافي

أعتقد أن المفهوم الشائع لـ"الدبلوماسية الثقافية" يخلط كثيرا بينها وبين مفهوم "السياسة الثقافية" للدولة على المستوي الخارجي (الدولي)، أي فيما يخص تصور البلدان لكيفية تقديم مزيجها الحضاري والثقافي للآخرين، وتحديدا من حيث قدرتها على توظيف ذلك في بناء علاقات النفوذ والتدافع في المجتمع الدولي، وأعتقد أن هذا المفهوم الأوروبي يجب تجاوزه، والمبادرة منا برؤية حضارية جديدة لا تتبنى الهيمنة وتحترم المساحات الخاصة بكل الثقافات البشرية وتقبل تدافعها كسمة طبيعية، لكنها توجهه في إطار التفاعل والتعارف والبحث عن المشترك قدر الإمكان، لا فرض النمط وهيمنته، وهذا لب تصوري لمفهوم مصري [وعربي] جديد لـ"دبلوماسية ثقافية" تحتضنه البلاد وتروج له وتتبناه تحت مسمى: "دبلوماسية تبادل المزيج الثقافي".

أسباب فشل نموذج " الدبلوماسية الثقافة" الغربية على المدى الطويل

المقاربة الغربية لـ "الدبلوماسية الثقافية" تعمل لحد بعيد على فرض أنماط ثقافية دخيلة على ثقافات دول العالم (خارج المركز الأوروبي)، وهذه المقاربة هي مقاربة مرحلية ومؤقتة للغاية قد يكسب من ورائها الغرب بعض المكاسب المرحلية من فرض الأنماط والهيمنة على المدى القصير، لكنها على المدى الطويل ستؤدي لرد فعل عكسي وقوي وعنيف ضدها، لأن بعض هذه الأنماط معادي للمزيج الثقافي لتلك الدول غير الأوروبية و"مستودع الهوية" التاريخي الخاص بها.

من ثم يؤكد الكاتب أن "مقاربة (الدبلوماسية الثقافية) العادلة القائمة على فهم الآخر، من الأساس لن تنزع للسيطرة وفرض النمط، إنما ستقوم على احترام ما عند الاخر والتواصل معه، وستعمل على تقوية أنماط مشتركة بعينها تكون متصالحة مع "المزيج الثقافي" و"مستودع الهوية" الخاص بكل دولة، حينها سيتحول كل بلد من أطراف "عملية التعاون" لحماية تلك الأنماط الثقافية المتبادلة بشدة، والدفاع عنها ضد محاولة اختراقها".

بين الأيديولوجي والأكاديمي

تراوح الحضور الأيديولوجي العربي -يمينا ويسارا- وثقافته العامة الآن بين: إما تعميمات تكفي النفس شر القتال والدخول في معترك الواقع لمحاولة استنطاقه، أو الحنين والبكائيات وتعزية النفس ببعض الذكريات القديمة والشعارات التاريخية.

على جانب آخر الثقافة الأكاديمية وممارساتها تقف في المعظم إما عند حدود التبعية للمقاربات المعرفية والثقافية الغربية، كرد فعل على الإحباط من مسارات الذات العربية وتعثر مشاريعها للنهضة في القرن العشرين، وكذلك تعثر مساعي الذات العربية لحلم التغيير والنهضة في القرن الجديد، ووقوع ثوراتها الشعبية الحالمة في فخ التناقضات أيضا.

مأزق الثقافة العربية

تمر الثقافة العربية بمنعطف هام في ظل الأزمات العالمية في السنوات الأخيرة، بما يعظم من دور النماذج الثقافية والمعرفية الجادة لمواجهة تلك التحديات أمام الهوية الثقافية العربية، فالعالم الآن والبلدان العربية في حاجة لدور المثقف والعارف بشكل ملح، لاسيما في ظل تفجر تناقضات المسألة الأوروبية والأحداث التي ألقت بظلالها علي المشهد العالمي وبالتالي المشهد العربي ، ومن هنا يبرز دور أجيال من المثقفين والمفكرين يتحركون في إطار خارج النمطية.

يقول "الجوهري: العالم الآن والبلدان العربية في حاجة لدور المثقف الواعي غير المستقطب لأي جهة، ودور المثقف الحقيقي سوف يظل، الذي انتهى هو دور مثقف القرن العشرين مثقف ما قبل الثورات العربية وكورونا وصعود الأوراسية الجديدة وتفجر تناقضات المسألة الأوربية، المثقف القديم كان يشعر باليقين في كل شيء وكان دوره الثقافي يقتصر على اختيار جهة ما والترويج لها والدفاع عنها، سواء في الحداثة التقليدية والصراع بين الماركسية والليبرالية بتنوعاتهما أو ما بعد الحداثة ودور الهوامش والسياسات الفرعية والنسوية والتفكيك وتجاور الأفكار.. كان الأمر واضحا لحد بعيد، أما الآن فالعالم في حاجة لمثقفين فاعلين مركزيين جدد يعيدون بناءه. لا لمثقف الاصطفاف واختيار جانب والترويج له كما كان فيما قبل الثورات العربية وجائحة كورونا وصعود الأوراسية الجديدة وغزو روسيا لأوكرانيا، لهذا نحن عربيا الآن في حالة انعدام توازن.. مثقفو القرن العشرين وورثتهم يتحسرون على نموذجهم القديم، والمثقفون أو العارفون والمفكرون الجدد يجتهدون بمفردهم في مجتمع عالمي وعربي يحتاج لتأسيس نظام قيمي وإنساني جديد.

الوعي الشعبي العربي والنخب والتدافع الإقليمي

اعتقد البعض أن صفقة القرن قد انتهت بسقوط ترامب الجمهوري في الانتخابات الأمريكية الماضية ونجاح بادين الديمقراطي، ولكن على العكس من ذلك قدم بايدن والديمقراطيون نسخة خاصة بهم من صفقة القرن، وروجت إدارة بايدن للاتفاقيات الإبراهيمية، ليتضح أن البنية الثقافية العميقة للشخصية الأمريكية المتطرفة واحدة والاختلاف قد يكون في القشرة الضحلة التي يرفعها هذا أو ذاك، لكنهما يحملان وهم المسألة الأوربية القديمة وخرافة الحضارة المطلقة التي يجب أن تسيطر على الآخر دائما. لقد ضغط بايدن من أجل انضمام السعودية إلى الاتفاقيات الإبراهيمية، وقبلها حاول تفجير التناقضات بين العرب السنة وإيران الشيعة مروجا لحلف ناتو عربي تقوده (إسرائيل) في "اجتماع النقب" العام الماضي، وفي عهده أصبح اقتحام المسجد الأقصى فعلا اعتياديا، واستمرت أمريكا في تفجير التناقضات العربية وإدارتها كسياسة خارجية ضاغطة تُضعف البلدان العربية وتضعها تحت دائرة الخضوع والعجز دوما.

"الصهيونية الإبراهيمية"

تيار التطبيع القديم الذي شمل مصر بعد حرب عام 1973 ثم الأردن بعد حرب الخليج الثانية في تسعينيات القرن الماضي، كان يقوم على علاقات دبلوماسية وتبادل السفارات، وفي مرحلة لاحقة تحت ضغط الضعف الاقتصادي ظهرت التعاون الاقتصادي المحدود في "اتفاقية الكويز" مع الأردن ثم انضمت لها مصر. لكنه ظل تيارا يقوم على فكرة التعاهد والصلح ورفضه المستوى الشعبي، ولم يحقق شيئا خاصة بعدما اغتيال إسحاق رابين وموت فكرة السلام مقابل الأرض، حين كشف (إسرائيل) عن قيمها الصهيونية العميقة التي ترفض فكرة الحدود والتنازل عن الأرض، لكننا الآن مع تيار الاستلاب للصهيونية والترويج لها الذي ظهر مع صفقة القرن أمام مسألة مختلفة، هم فصيل صهيوني فعلا بما يجعلنا نطلق عليه "الصهيونية الإبراهيمية" التي تستخدم خطاب المشترك الديني لتمرير هيمنة (إسرائيل) على المنطقة العربية ومن خلفها أمريكا.

النخبة العربية وموقفها الفكري من الأحداث

النخبة العربية حاليا في أزمة؛ معظم المشاريع الثقافية في القرن العشرين قد تفككت أو ثبت عجزها، وكانت معظمها رد فعل (مع اليمين الديني) أو مجرد انعكاس باهت (اليسار والليبرالية) للمسألة الأوربية، الثورات العربية كشفت اليمين الديني فلا يكفى أن تطور نظرية مطلقة مضادة للمسألة الأوربية تستند إلى السماء دون مهارات سياسية أو اجتهادات فكرية حقيقية، وكشفت اليسار والليبرالية فلم يستطيعا التعبير عن تطلع الناس للانعتاق من الشعارات الجوفاء القديمة إرث المسألة الأوربية و استقطاباتها. الكل الآن عاجز لا يملك القدرة على الاعتراف بذلك أو البحث عن نظرية وجودية جديدة فيما بعد المسألة الأوربية، يعيشون على ذكريات نفسية مريحة عن النضال القديم، لكن هذه النخبة الثقافية ليس لديها البنية النفسية لتقديم جديد لقد تم استهلاكها، والأمل في نخبة ثقافية جديدة تتحمل مسئولية المستقبل.

تمر الثقافة العربية بمنعطف هام في ظل الأزمات العالمية في السنوات الأخيرة، بما يعظم من دور النماذج الثقافية والمعرفية الجادة لمواجهة تلك التحديات أمام الهوية الثقافية العربية، فالعالم الآن والبلدان العربية في حاجة لدور المثقف والعارف بشكل ملح، لاسيما في ظل تفجر تناقضات المسألة الأوروبية والأحداث التي ألقت بظلالها علي المشهد العالمي وبالتالي المشهد العربي ، ومن هنا يبرز دور أجيال من المثقفين والمفكرين يتحركون في إطار خارج النمطية.تناول الكتاب في فصوله الخمسة موضوع "الدبلوماسية الثقافية البديلة" والممكنة في القرن الحادي والعشرين بالنسبة للذات العربية، من خلال تصور يربط الدبلوماسية الثقافية بإعادة تعريف دور الثقافة العربية من جهتين، الجهة الأولى في نفسها وأدوارها الداخلية، والثانية في علاقتها بالثقافات الإقليمية والعالمية، معتبرا أن تلك المقاربة الثقافية والدبلوماسية يمكن أن تعمل وكأنها طائر الفينق/ العنقاء، الذي يمكن أن يبعث الذات العربية من شتاتها ومن رمادها المحترق في العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين، وفي ظل مجموعة ضخمة من التناقضات والاستقطابات التي تفجرت على العديد من المستويات الداخلية والإقليمية والدولية.

يلخص الجوهري مضمون دراسته، بأنه" قدم مفهوما للدبلوماسية الثقافية البديلة يقوم على فكرة تبادل المزيج الثقافي المتنوع للدول خارج المركز الأوربي/ الغربي، وليس على فكرة تمثل التصورات والتقاليد والبروتوكولات الثقافية الأوربية التي شاعت في القرن الحادي والعشرين، وأن تتحول تلك التقاليد إلى نمط شائع في كافة دول العالم، تتبارى وتتنافس في السعي إلى تمثلها واتباعها والتنافس في تمثيل المركز الأوربي وتهميش "مستودع الهوية" ومكونات الثقافة الذاتية والخجل منه، والنظر له بدونية".

كما احتوت الدراسة على مجموعة من المبادرات والاستراتيجيات المهمة لإعادة تأسيس الثقافة العربية، ولرفد موضع الدبلوماسية الثقافية البديلة، بحيث شكل مجمل الأفكار والتصورات التي طرحها الكاتب تصورا شبه متكامل يصلح للبناء عليه، وأن يكون مقاربة ثقافية عربية، وتضمنت مجموعة من التطبيقات التي عمل عليها الكاتب، أهمها على المستوى الإقليمي للذات العربية من خلال مشروع "المشترك الثقافي العربي" في دورات بين مصر وكل من السودان وتونس واليمن والعراق، ومن خلال مشروع "الحزام والطريق" الصيني، وعلى مستوى الدول الإسلامية من خلال مؤسسة "الإيسيسكو" ومشروع "الدبلوماسية الحضارية"، وكذلك الألكسو في ملف ودراسة نشرت عن إعادة تأسيس الثقافة العربية وتمفصلها في القرن الحادي والعشرين، وعبر المعهد العالمي للتجديد العربي ومشروع وضع استراتيجية جديدة للثقافة العربية، إضافة إلى العديد من المشاريع والتصورات الأخرى التي عمل عليها المؤلف بنفسه.

من المفاهيم الجديدة التي يمكن أن تساهم في إعادة تأسيس الثقافة العربية وبعثها من جديد كان المفهوم "الجيوثقافي" ودور الثقافة كمحرك استراتيجي للتوجهات الكبرى للدول عربيا وعالميا، وأن العالم تجاوز مفهوم "الجيوسياسي" ودور الأيديولوجيا التقليدي، واتجه للثقافة والحضارة في القرن الحادي والعشرين بوصفهما موضعا للحراك والتدافع والتمفصل في القرن الجديد، من ثم يجب أن يحضر مفهوم الجيوثقافي في بنية التصور الثقافي وحراك الدبلوماسية الثقافية العربية الجديدة.

يساعد الطرح البديل للدبلوماسية الثقافية الدبلوماسية العامة، في تبني مقاربة تقوم على أولوية الجغرافيا الثقافية الرافعة في الحاضنة العربية، مع توسعة نطاقها الجغرافي عبر مستودع هويتها الناعم لتشمل البعد الإسلامي والأفريقي، لتحتوي التناقضات مع تركيا العثمانية الجديدة وإيران المذهبية الشيعية، وتحرر "البان أفريقانيزم" أو حركة "عموم أفريقيا" التاريخية العظيمة من الأفروسنتريزم أو "المركزية العنصرية السوداء"، لتكون مصر قلبا نابضا لحاضنة ووحدة جغرافية جديدة وفاعلة في القرن الحادي والعشرين.

كما تسعى الدبلوماسية الثقافية البديلة للوصول لأرضيات ثقافية مشتركة بين الدول في قضايا بعينها، دون الاحتكاك بالتناقضات السياسية التي تفجرت في العديد من مستودعات الحاضنة الثقافية العربية تحديدا وتخومها المجاورة، خاصة التناقضات التي تفجرت بين الأبنية الفرعية المكونة للحاضنة الإسلامية: فيما بين الحاضنة العربية والحاضنة التركية (السنية/ السنية)، والحاضنة العربية والحاضنة الفارسية (السنية/ الشيعية)، والحاضنة العربية الأفريقية (الشمال/ الجنوب- الفاتح/ الغامق)، والحاضنة العربية وحاضنة دول آسيا الإسلامية (التغلب على فواصل الجغرافيا).

يقول الكاتب في خاتمة دراسته: "إن الدبلوماسية الثقافية ليست فعلا ترفيا ورفاهية لا حاجة لها، بل هي شريك أساسي في التأسيس لاستعادة الذات العربية ولحمتها في ظل استقطاب إقليمي جيوثقافي شديد، وجيوثقافي بمعنى أن هناك تدافع على الحضور في جغرافيا المنطقة وفق سرديات وروايات ثقافية تنافس رواية الذات العربية وسرديتها الثقافية.. بما يجعل من الهمية الدفاع عنها بشكل دبلوماسي ثقافي رصين ومتجذر وارسخ.

مقالات مشابهة

  • "اللغة العربية في الحضارة الإنسانية" محاضرة بثقافة الفيوم
  • أهم أنواع الخط العربي التي تزين أرجاء المسجد الحرام
  • بوتين عن موقف كييف من عقد ترانزيت الغاز الروسي إلى أوروبا: تعض اليد التي تطعمها
  • «الثقافة» تستعد لـ«معرض الكتاب».. واحتفاء خاص بالكاتبة فاطمة المعدول
  • الثقافة بدمياط تحتفي باليوم العالمي للغة العربية
  • هل تعيد الدبلوماسية الثقافية البديلة تأسيس الهوية العربية؟ قراءة في كتاب
  • “التـراث العربي في الأندلس” محور محاضرة ثقافية في المعهد الثقافي العربي بميلانو
  • وزير الثقافة الجزائري يشدد على تعزيز المحتوى العربي لدخول عالم الذكاء الاصطناعي
  • فرنسا تثمن لغة الضاد في اليوم العالمي للغة العربية
  • خلال احتفال الأزهر بيوم اللغة العربية.. "الضويني" يفتتح معرضا للفنون التشكيلية والخط العربي