الجزيرة:
2025-03-10@07:13:16 GMT

هذه هي المخططات الخفية التي تُدبّرها إسرائيل لتركيا

تاريخ النشر: 20th, November 2024 GMT

هذه هي المخططات الخفية التي تُدبّرها إسرائيل لتركيا

لم يعد اليمين الأكثر تطرفًا في إسرائيل، يبدي أي قدرٍ من الحياء أو التحسب والحذر، وهو يبوح بما يختزنه في عقله الأسود، من مخططات ومشاريع، تكاد تطال مختلف دول المنطقة ومجتمعاتها، وتمسّ بالعمق، أمنها واستقرارها وسيادتها وسلامة أراضيها ووحدة شعوبها.

آخر الصيحات التي خرجت من أفواه قادته، جاءت على لسان الوزير جدعون ساعر، ودعوته لتشكيل "حلف أقليات" في الإقليم، تستند إليه إسرائيل في استهداف أعدائها من شرقي المتوسط إلى ضفاف قزوين.

لم يكن الرجل قد قضى سوى أيام قلائل، في منصبه على رأس وزارة الخارجية، إثر انقلاب نتنياهو على وزير دفاعه، حتى بدأ يُلقي على مسامعنا، بعضًا من فصول "نظرته الإستراتيجية" للإقليم، الذي تشكل إسرائيل فيه، "أقلية وسط أغلبية معادية"، مُقترحًا البحث عن "مُشتركات" مع أقليات أخرى، بدءًا بدروز سوريا ولبنان، وليس انتهاء بأكراد سوريا، والعراق، وتركيا، وإيران، فاللعب على ورقة "المكونات"، كفيل بجعل إسرائيل، "أكبر الأقليات وأقواها"، في فسيفساء المشرق العربي وهلاله الخصيب ودول الجوار الإقليمي للأمة العربية.

الأمر الذي يدفع على الاعتقاد الجازم، بأن ساعر لم يعرض سوى رأس جبل الجليد من مشروعه لـ "تجزئة المجزَّأ"، في حين ظل الجزء الأكبر منه، غاطسًا تحت السطح، وهو بالقطع، يشمل مختلف "المكونات" الاجتماعية في دول المشرق وجوارها الإقليمي.

وبالنظر إلى السياق الذي طُرح فيه، "حلف الأقليات" وتوقيت هذا الطرح، يمكن الافتراض، بأن تركيا، قبل غيرها، وأكثر من غيرها من الدول المستهدفة، هي الحلقة الأولى في إستراتيجية التفكيك المنهجي المنظم، لبنية هذه المجتمعات ووحدة وسلامة أراضي هذه الدول.

فأنقرة، رفعت وتيرة انتقاداتها لحرب إسرائيل البربرية على غزة ولبنان، وهي تقدم حماس والجهاد وبقية الفصائل الفلسطينية، بوصفها حركات تحرر وطني مشروعة، في مواجهة "طوفان الشيطنة" و"حرب الإلغاء" اللذين تتعرض له من قبل آلة "البروباغندا" الإسرائيلية، المدعومة من قبل أوساط غربية وإقليمية وازنة.

ولعلّ هذا ما تنبهت إليه القيادة التركية، مبكرًا وقبل أن يُخرج ساعر ما في جوفه، عندما بدأت التحذير من مغبة تطاير شرارات الحرب إلى سوريا، وعلى مقربة من حدودها، بل وإبداء الاستعداد لمواجهة تركية – إسرائيلية إن تدحرجت كرة النار، وعجز المجتمع الدولي عن وقفها.

وفي كل مرة صدرت فيها عن أنقرة، تحذيرات من هذا النوع، كانت أنظار المسؤولين والناطقين باسمها، تتجه إلى لعبة "المكونات" التي تريد إسرائيل فرضها على الإقليم، بدعم وإسناد من دوائر غربية عديدة، وتحت حجج وذرائع ومزاعم شتى.

مبادرتان استباقيتان

في هذا السياق، يمكن النظر إلى المبادرات الاستباقية الأخيرة التي صدرت عن أنقرة، وأهمها اثنتان: الأولى؛ داخلية، وصدرت عن دولت بهتشلي، حليف أردوغان وزعيم الحركة القومية و"ذئابها الرمادية"، الرامية لإغلاق ملف المصالحة بين أتراك تركيا وكردها، وهي مبادرة كانت مفاجئة لجهة توقيتها والجهة التي صدرت عنها، وسط قناعة عامة بأنها لم تأتِ منبتّة عن السياق الإقليمي، وانفلات "التوحش" الإسرائيلي من كل عقال، وأنها لم تأتِ من دون تنسيق مسبق بين الحليفين: بهتشلي وأردوغان.

صحيح أن المبادرة، فجّرت قلق خصومها الداخليين، بالذات على "ضفتي التطرف القومي" الكردي – التركي، وأنها أثارت انقسامًا بين "تيار قنديل" داخل أكراد المنطقة، وتيار المصالحة والاعتدال، الذي يُعتقد أن عبدالله أوجلان، يقف على رأسه، من مَحبَسه على جزيرة "إمرالي".

وصحيح أن خصوم المصالحة عملوا على تفجير مركبها قبل إبحاره وسط تلاطم أمواج المواقف والمصالح المتناقضة، بدلالة الهجوم على شركة "توساش" في قلب العاصمة التركية في الثالث والعشرين من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وما أعقبه من تصعيد في العمليات طال مناطق داخل تركيا وخارجها (سوريا والعراق).. لكن الصحيح كذلك، أن قطار المبادرة ما زال على سكته، رغم العرقلة، وأنه قد يواصل مسيره، ما دام أن وجهته النهائية، تحصين الداخل التركي في مواجهة مؤامرات التفكيك.

أما المبادرة الثانية؛ فسابقة على تطورات الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان، وإن كانت اكتسبت زخمًا إضافيًا في الأسابيع الأخيرة، والمقصود بها، الرغبة التركية الجارفة بالمصالحة مع دمشق، وعروض الرئيس التركي المتكررة، للقاء الأسد، وإغلاق صفحات الخلاف (الصراع) بين البلدين.. وهي المبادرة، المدفوعة بجملة من الحسابات والاعتبارات التركية، من بينها قضية اللاجئين السوريين، وأهمها "المسألة الكردية".

والحقيقة أن أنقرة، لم تكن بحاجة لأن تنتظر جدعون ساعر ليخرج ما في "صندوقه الأسود" من مشاريع طافحة بالعدائية لتركيا، حتى تبدأ بالتحرك المضاد، وتشرع في العمل على إحباط مراميها وأهدافها، والمؤكد أنها كانت تدرك، أن "النجاحات" التي سجلتها إسرائيل على الجبهة الشمالية مع لبنان، وفي مواجهة حزب الله، وتكثيفها العمليات ضد حزب الله وإيران في سوريا، فيما يشبه الاستباحة الكاملة للأجواء والسيادة السوريتين، من شأنها إحياء النزعات الانفصالية لدى بعض تيارات الحركة الكردية في المنطقة، ما دام أن هذه النزعات كانت قد تغذّت تاريخيًا وتضخمت، على جذع "الغطرسة" و"الاستعلاء" الإسرائيلي.

كما أن التطاول الإسرائيلي المتكرر على إيران، سواء في عمقها أو مناطق نفوذها، وعدم نجاح الأخيرة في بناء معادلة ردع صارمة في مواجهة التهديدات باستهداف برنامجَيها النووي والصاروخي – من ضمن أهداف إستراتيجية أخرى – ساهم بدوره في زيادة المخاوف التركية، من تضخم الدور الإقليمي لإسرائيل، ولجوء تل أبيب لاستخدام أسلحة وأدوات من النوع الذي تحدث عنه ساعر: "حلف الأقليات".

العامل الأميركي

لم تكن علاقات تركيا بإدارة بايدن سلسة دائمًا، وغلب عليها التوتر في بعض الأحيان على حساب مقتضيات عضوية البلدين في "الناتو"، ومن بين جملة الأسباب الباعثة على فتور العلاقات وأحيانًا توترها، احتلت "المسألة الكردية" مكانة متميزة في صياغة شكل ومحددات العلاقة مع إدارة بايدن الديمقراطية.

فالرئيس بايدن، عُرِفَ عنه، تاريخيًا، تعاطفه الشخصي مع "الانفصالية" الكردية، وهو كان سبّاقًا من موقعه في مجلس الشيوخ لعرض تقسيم العراق إلى دويلات ثلاث. ودعم بكل قوة، قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والأطر والأذرع السياسية والاجتماعية والمالية المنبثقة عنها والموازية لها.

ونافح بقوة أيضًا عن بقاء وحدات من الجيش الأميركي في مناطق شمال شرق سوريا؛ لحماية الحركة الكردية وتدعيمها، إن في مواجهة دمشق وطهران وحلفائهما، أو بالأخص في مواجهة تركيا. وهو أغدق على أكراد سوريا، الأكثر قربًا من "مدرسة أوجلان" والـ "بي كي كي"، السلاح والعتاد، الأمر الذي لطالما قرع نواقيس الخطر في مراكز صنع القرار في الدولة التركية.

وربما لهذا السبب بالذات، سقطت أنباء فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية واكتساح حزبه الجمهوري مقاعد الأغلبية في مجلسَي الشيوخ والنواب، بردًا وسلامًا على تركيا ورئيسها رجب طيب أردوغان، فالأول نجح في إقامة "علاقات عمل" مثمرة، ونسج بعض خيوط الصداقة مع الأخير، لأسباب لا مجال للخوض فيها في هذه المقالة، وهو متحرر من أية صلات أو "مشاعر" حيال كُرد المنطقة، والأهم، أنه بادر في ولايته الأولى إلى الإعلان عن نيته سحب قواته من شمال سوريا، وقد يستكمل في ولايته الثانية، ما كان بدأ به، قبل تدخل مؤسسات "الدولة العميقة" الأميركية لإحباط مساعيه آنذاك.

على أن مشاعر الارتياح للتحولات الأخيرة في الإدارة والكونغرس الأميركيين، لا تكفي لتبديد مخاوف أنقرة مما يمكن لتل أبيب، أن تقدم عليه. فالأتراك، بلا شك، يدركون أتم الإدراك، "مساحات المناورة وحرية الحركة" التي تتمتع بها إسرائيل في علاقاتها مع الولايات المتحدة.

ويعرفون تمام المعرفة، أن اليمين الفاشي في تل أبيب، قادر على مغازلة مشاعر اليمين الأميركي المتطرف، ومداعبة أولويات "الدولة العميقة" في الولايات المتحدة، وبالضد من إرادة الإدارة في بعض الأحيان، إن تطلب الأمر و"المصلحة العليا" ذلك. ومن هنا يمكن القول إن مشوار تركيا في تعاملها مع "المسألة الكردية"، لن يكون معبدًا وسلسًا.

أنقرة تعوّل أيضًا على قلّة اهتمام ترامب بالقضية السورية، وتلمّست خلال ولايته الأولى، استعداده للتسامح مع دور روسي متنامٍ في سوريا، وتحبيذه تنامي هذا الدور على حساب الدور الإيراني بالأخص، فيما الرجل ربما يكون مقبلًا على فتح صفحة من التعاون مع الكرملين في أوكرانيا، وملفات أخرى، على الساحة الدولية.

وأنقرة تعوّل أيضًا على ما يمكن لموسكو أن تفعله بوحي من مصلحتها في خروج القوات الأميركية من سوريا، إن لجهة حفز جهودها للمصالحة مع دمشق، أو لجهة التوسط بين القامشلي والأسد، فضلًا عن تخفيف احتقانات علاقاتها مع إسرائيل، في ضوء ما يشاع عن جهود روسية للدخول على ملفات الوساطة بين إسرائيل ولبنان، ونوايا لم تتضح بعد، تنمّ على دعم روسي لقيام سوريا، بدور في الحد من قدرة حزب الله على إعادة بناء قدراته العسكرية، حال وضعت الحرب على هذه الجبهة، أوزارها.

هي مرحلة جديدة، تدخلها العلاقات التركية الإسرائيلية، تحكمها ثوابت ومتغيرات لدى الطرفين، في بيئة محلية وإقليمية بالغة التعقيد، والأيام المقبلة، تبدو محمّلة بكل جديد.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات فی مواجهة

إقرأ أيضاً:

فيدان يحذر طهران.. معركة تركيا وإيران في سوريا

"تهدف علاقاتنا الثنائية مع إيران إلى أن تتطور على أساس مبادئ عدم التدخل في الشؤون الداخلية والاحترام المتبادل وحسن الجوار"، هكذا حددت وزارة الخارجية التركية – على موقعها الرسمي- الأهداف المصممة من قبل أنقرة لعلاقتها مع طهران.

هذا الإطار جاء متسقًا مع مبادئ معاهدة الصداقة التي تم توقيعها بين البلدين، في أبريل/نيسان 1926، والتي شملت مبادئ أساسية تحكم العلاقات الثنائية، وهي؛ الصداقة والحياد، والابتعاد عن مسببات الحروب. كما نصت المعاهدة على إمكانية العمل المشترك للقضاء على أي تهديدات انفصالية داخل أراضي البلدين.

وما بين التنافس والتعاون، مضت علاقة الدولتين، عبر عقود من الزمان، كانت تستبطن من طرف خفي سنوات الصراع المرير بين العثمانيين والصفويين، والتي انتهت بتوقيع معاهدة "قصر شيرين" في مايو/ أيار 1639، التي أنهت زهاء قرن ونصفٍ من القتال بين الطرفين، كما رسمت حدود إيران الحالية مع كل من تركيا والعراق.

وقد شهد العقدان الماضيان، اشتداد حدة الصراع الجيو-إستراتيجي، والجيو-سياسي، بين الدولتين، إثر اتساع النفوذ الإيراني في العراق، عقب سقوط نظام صدام حسين والبعث العراقي 2003، ثم تمدد طهران الواسع في سوريا عقب ثورة 2011، إضافة إلى ازدياد الحضور الإيراني المكثف في لبنان، وفي اليمن.

إعلان

كل هذا كان يمثل خصمًا من الرصيد الجيو-إستراتيجي لتركيا، قبل أن تتبدل الأوضاع مجددًا، مع إسقاط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، في موازاة تراجع النفوذ السياسي والعسكري لحزب الله اللبناني.

هذه التطورات قلبت الموازين مجددًا، ومنحت تركيا مزايا إستراتيجية هائلة على حساب إيران، أفضت إلى شعور طهران بالهزيمة أمام أنقرة للمرة الثانية خلال سنوات قليلة، كما سنوضح لاحقًا.

من هنا فإن التوتر الحاصل بين الطرفين خلال الأيام الماضية على إثر تحذيرات أطلقها وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، لم يكن إلا كاشفًا عن الغضب المكتوم لدى الطرفين.

تحذيرات فيدان

في مقابلة مع قناة الجزيرة، انتقد وزير الخارجية التركي، سياسة إيران الخارجية المرتبطة بأذرعها المسلحة وقال: إنها تنطوي على "مخاطر كبيرة رغم بعض المكاسب التي حققتها"، مؤكدًا أن طهران "تكبدت تكلفة أكبر مقابل الحفاظ عليها".

وفي رده على سؤال بشأن احتمال دعم إيران قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، أو وحدات الحماية الكردية "YPG" ضد تركيا، حذّر فيدان إيران من ذلك، قائلًا: "يجب ألا ترمي الحجارة إذا كنت تعيش في بيت من زجاج"، وأردف: "إذا كنت تسعى إلى إثارة بلد ما من خلال دعم مجموعة معينة هناك، فقد تواجه موقفًا حيث يمكن للبلد المذكور أن يزعجك من خلال دعم مجموعة أخرى في بلدك".

في أعقاب هذه التحذيرات تبادلت وزارتا الخارجية في البلدين استدعاء السفير التركي في طهران، والقائم بالأعمال الإيراني في أنقرة، للتعبير عن الاستياء المتبادل.

الغضب المكتوم

لا يمكن فصل تحذيرات فيدان، عن الغضب المتراكم لدى تركيا خلال السنوات الماضية، وذلك بسبب عبث إيران بأمنها القومي، وعدم احترامها معاهدة الصداقة المبرمة بين البلدين.

هذا العبث الإيراني اتخذ عدة تمظهرات، أبرزها السعي لإحداث تغيير ديمغرافي ومذهبي واسع في سوريا، التي تمثل العمق الإستراتيجي لتركيا، وذلك عبر إفراغها من المكون العربي السني، وإحلال المكونين الشيعي والكردي مكانه.

إعلان

كما تعمدت إيران انتهاك اتفاقية خفض التصعيد الموقعة عام 2017، وذلك بقصف المناطق المشمولة بالحماية عبر التنظيمات المسلحة المرتبطة بها، وبالتناوب مع روسيا وقوات نظام بشار الأسد.

أيضًا اتهمت تركيا إيران بدعم ومساندة حزب العمال الكردستاني "PKK"، ففي مايو/ أيار 2023، كشف وزير الداخلية السابق، سليمان صويلو عن نقل الحزب، معسكره الرئيسي من جبال قنديل في شمال العراق إلى منطقة ماكو في إيران بالقرب من الحدود التركية، وقال: "إنّه بالرغم من نفي إيران وجود المعسكر لكن تركيا تعرف وجوده وما يدور فيه".

وفي مايو/ أيار من العام 2024، جدد وزير الدفاع، يشار غولر، التبرم قائلًا: إنَّ «نهج الإيرانيين ليس لطيفًا، نتحدَّث إليهم ونقدم معلومات (عن حزب العمال)، فيردون علينا: لا شيء، لا يوجد أحد». وأضاف: «من دون شك، نحن منزعجون».

ومع سقوط نظام بشار الأسد، بدا واضحًا أن تركيا لن تسمح بعدم استقرار الأوضاع في سوريا مرة أخرى، بعد أن باتت على بُعد خطوات من إغلاق ملف تهديد حزب العمال إلى الأبد.

كما أن العبث بالأمن القومي السوري، يتردد صداه على الفور في أنقرة، كما أبانت سنوات الفوضى التي ضربت سوريا لحوالي 13 عامًا.

سوريا.. هل كان ثمة انقلاب؟

لم يمر على تصريحات فيدان سوى أيام قليلة، حتى اندلعت مواجهات عنيفة في منطقة الساحل، إثر هجوم واسع شنته مجموعات مسلحة مرتبطة بالنظام السابق، وتتلقى دعمًا من قوى خارجية، كما صرّح بذلك مصدر مسؤول بالحكومة السورية.

الهجوم استهدف قوى الأمن العام، وخلف عشرات القتلى، كما أدى إلى سيطرة هذه المجموعات على أجزاء واسعة من محافظتي طرطوس واللاذقية.

الهبة الشعبية الواسعة، والتحرك الفعال لقوات الأمن العام ووزارة الدفاع، ساهما في التصدي للهجوم المباغت الذي وصف بأنه كان محاولة انقلاب تم ترتيبها بمساعدة جهات خارجية، حيث أشارت أصابع الاتهام إلى إيران.

إعلان

اللافت للنظر هو التحرك التركي السريع لدعم ومساندة القوات السورية في مواجهة تمرد الساحل.

إذ نفذت الطائرات الحربية التركية غارات على مواقع قوات سوريا الديمقراطية "قسد" لمنعها من القيام بأي عمليات متزامنة في ريف حلب الشرقي، وربما في المدينة نفسها.

كما شنت المسيرات التركية غارات على مواقع وحدات الحماية الكردية، في حيي الشيخ مقصود والأشرفية بحلب. فيما دفع الجيش التركي بتعزيزات كبيرة لتغطية تقدم مقاتلي الجيش السوري باتجاه منطقة الساحل.

التحركات التركية المنسقة والسريعة، أعادت إلى الواجهة تحذيرات فيدان، ونبهت على طبيعة تحركات الدولتين في سوريا.

الصراع التركي الإيراني في سوريا

لا تزال إيران تتجرع تداعيات الهزيمة الجيو-إستراتيجية التي منيت بها في القوقاز، إذ استطاعت القوات الأذرية – بدعم ومساندة تركيا – عام 2020 إلحاق الهزيمة بالقوات الأرمينية، واستعادة السيطرة على إقليم ناغورني قره باغ، ثم بسطت سيطرتها تمامًا عليه عام 2023.

هذا الانتصار منح تركيا ميزات إستراتيجية واسعة في منطقة القوقاز، ومهد لربطها بريًا من جديد بتلك المناطق، إضافة إلى مناطق آسيا الوسطى، خاصة مع استكمال إنشاء ممر زنغزور الإستراتيجي، الذي سيعيد ترتيب الأوضاع جنوب القوقاز، على حساب النفوذ التقليدي الذي كان متوفرًا لإيران، والذي سيتراجع بشدة.

وفي المحطة التالية، تعرضت إيران لخسارة إستراتيجية كبيرة، بسقوط نظام بشار الأسد، لحساب منافستها التقليدية تركيا، التي أعادت تموضعها الإستراتيجي بانتصار الثورة السورية.

فالتعاون بين إيران، منذ انتصار ثورتها عام 1979، وبين نظام البعث السوري، منحها تفوقًا إستراتيجيًا في مواجهة تركيا، إذ حرم الأخيرة من مجالها الحيوي في الشام، والذي تحول لاحقًا إلى مصدر خطر أمني منذ تأسيس حزب العمال الكردستاني برعاية حافظ الأسد.

كما وفّر لإيران ممرًا إلى البحر المتوسط، وأتاح لها تأسيس قواعد متقدمة للدفاع عنها في لبنان بواسطة حزب الله.

إعلان

لذا لم يكن من المنتظر أن تستسلم إيران لخسارة سوريا، وخروجها منها خالية الوفاض، وهذا ما تدركه تركيا جيدًا وتتحسب له.

وفي هذا السياق المضطرب، يمكن فهم تحذيرات فيدان، وكذلك التحرك السريع والمنظم لقوات الجيش التركي، لدعم نظيره السوري في مواجهة التمرد "الانقلاب" في منطقة الساحل.

فهذا التبدل الحادث في موازين القوة الإقليمية، جاء موازيًا لتعزيز الحضور التركي دوليًا، إذ تتعاظم الحاجة الأوروبية إليها في بناء بنيتها الأمنية الجديدة، وتدور المفاوضات الآن حول كيفية هذه المساهمة وما يمكن أن تمنحه القارة العجوز لأنقرة في المقابل.

إضافة إلى دورها المرتقب في مفاوضات السلام بين روسيا وأوكرانيا.

هذه الأوراق التي تتجمع في يد أنقرة، ستعمل على توظيفها لتعزيز حضورها الإقليمي خاصة في الملف السوري.

على العكس من إيران التي تعيش أيامًا صعبة مع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الذي ألمح مؤخرًا إلى إمكانية اللجوء إلى الخيار العسكري في التعامل معها، إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق بشأن القضايا العالقة.

هذا التهديد يأتي في ظل أوضاع اقتصادية صعبة تعيشها إيران؛ بسبب العقوبات الأميركية الضاغطة، والمرشحة للتصاعد خلال الفترة المقبلة.

لهذا من الصعوبة بمكان صمود إيران طويلًا في لعبة "عضّ الأصابع" مع تركيا، خاصة في ظل الحاجة إليها لمواجهة تقلبات المرحلة المقبلة.

الأمر الذي قد يدفع طهران إلى القبول بسياسة الأمر الواقع، والاعتراف بالمسار الجديد في سوريا، ومن ثم الكفّ عن أي تدخلات ستضعها مباشرة في مواجهة مع تركيا.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • تركيا تمنع مشاركة إسرائيل في تدريبات للناتو
  • الوزير الشيباني: نرحب بدعم دول الجوار لسوريا في مواجهة التحديات التي تتعرض لها
  • اتهم الإسلاميين والموالين لتركيا..قائد "قسد" يطالب الشرع بمحاسبة مرتكبي المجازر في سوريا
  • فيدان يحذر طهران.. معركة تركيا وإيران في سوريا
  • مندوب تركيا بالأمم المتحدة يطالب مجلس الامن بإجراءات حاسمة ضد تصرفات إسرائيل التوسعية في سوريا
  • تركيا في النظام الإقليمي بين أمريكا و”إسرائيل”
  • على غرار إسرائيل.. العراق قلق من سوريا: ما دور الجدار في مواجهة خطر الجار؟
  • سوريا بين التحدي والصمود.. مواجهة الحرب الخفية وشق الطريق نحو المستقبل
  • الخارجية التركية: نقف ضد جميع الأعمال التي تستهدف حق السوريين في العيش بسلام وازدهار
  • ما الذي يجري في سوريا؟