تركيا.. نقاش حول العلمانية في ظل صراع الهوية المتواصل
تاريخ النشر: 20th, November 2024 GMT
تقدم عدد من قادة حزب الشعب الجمهوري ونوابه إلى الادعاء العام في العاصمة التركية أنقرة، يوم الاثنين، بشكوى ضد وزير التعليم التركي يوسف تكين، بدعوى أنه "خالف اليمين الدستورية التي أداها أمام أعضاء البرلمان، وأساء استخدام وظيفته ليحرض الشعب على الكراهية والعداوة بتصريحاته التي لا تمت للحقيقة بصلة". كما شن مشاهير الإعلام والفن الموالون لحزب الشعب الجمهوري حملة واسعة في مواقع التواصل الاجتماعي لدعوة تكين إلى الاستقالة.
التصريحات التي أثارت حزب الشعب الجمهوري هي ما أدلى بها الوزير في مدينة بطمان، جنوب شرقي تركيا، حول مفهوم العلمانية، وأشار فيها إلى أن حزب الشعب الجمهوري قام في أربعينيات القرن الماضي بإغلاق المساجد وتحويلها إلى الحظائر، وحظر تعلم تلاوة القرآن الكريم باسم تطبيق مبدأ العلمانية. وذكر تكين أن العلمانية، كما يفهمها، هي أن تضمن الدولة حرية المعتقد والعبادة لجميع مواطنيها، بغض النظر عن أديانهم ومذاهبهم، إلا أنها في نظر حزب الشعب الجمهوري هي تقييد حرية العبادة للمسلمين وحظر الحجاب في الجامعات.
ما ذكره وزير التعليم التركي من ممارسات حزب الشعب الجمهوري السابقة كدليل على تبني الحزب للعلمانية المتطرفة أحداث مسجلة بالصوت والصورة، كما أن ضحاياها وشهود عيانها ما زالوا على قيد الحياة، وبالتالي لا يمكن إنكارها بأي حال. وتشير ردة فعل قادة حزب الشعب الجمهوري ونوابه وأنصاره إلى أنهم لا يرون تلك الممارسات خاطئة، وأنهم يَحِنّون إلى الحقبة التي تم فيها تطبيق ذاك النوع من مفهوم العلمانية في تركيا.
النقاش الدائر اليوم بين المؤيدين لتصريحات تكين حول العلمانية والمعارضين لها، ليس مجرد اختلاف في تفسير العلمانية، بل يعكس في الحقيقة صراع الهوية الذي لم يُحسم بعد في البلاد، ولم تطو صفحاته على الرغم من الإصلاحات الكثيرة التي قام بها حزب العدالة والتنمية خلال حوالي 22 عاما. وهو صراع بين المتمسكين بهوية الشعب التركي المسلم والراغبين في تبديل تلك الهوية بأخرى مشوهة تقلِّد الهويات الغربية، ولو عن طريق فرض الهوية الجديدة على المواطنين بقوة القانون والسلاح.
محاولات إبعاد الشعب التركي عن هويته الإسلامية لم تتوقف منذ تأسيس الجمهورية الحديثة، بل اشتدت الحرب على تلك الهوية المتجذرة في بعض الأحيان لتبلغ ذروتها، كما كانت في أربعينيات القرن الماضي التي شهدت أيضا حظر الأذان باللغة العربية. وقاد حزب الشعب الجمهوري تلك المحاولات تحت ذريعة العلمانية، وبالتالي ليس من المستغرب أن يأتي قادة حزب الشعب الجمهوري ونوابه في طليعة المنزعجين من سياسة تحصين الشعب التركي المسلم عن طريق التعليم لتحافظ الأجيال الناشئة على هويتها الإسلامية الأصيلة.
العلمانيون المتطرفون الذين يحترمون جميع الأديان والمعتقدات باستثناء الإسلام، لديهم أساليب مختلفة في محاربة التدين الإسلامي ودعوة الشعب التركي المسلم إلى الانسلاخ من هويته. ومن تلك الأساليب خلق رموز من الكتّاب والأدباء والأكاديميين والإعلاميين والفنانين، وتقديم هؤلاء إلى المجتمع كشخصيّات مثالية ونماذج للتنوير، ثم ترويج آراء العلمانية المتطرفة عن طريق هؤلاء. العلمانيون المتطرفون المؤيدون لحزب الشعب الجمهوري يريدون أن يستخدموا العلمانية كسلاح ضد المواطنين المتدينين لقمع حرياتهم الدينية وإبعادهم عن المؤسسات الحكومية، كما كانوا يفعلون قبل سنوات. ويلاحظ أنهم بدأوا يرفعون أصواتهم أكثر من ذي قبل، لأن نتائج الانتخابات المحلية الأخيرة التي حل فيها حزب الشعب الجمهوري في المرتبة الأولى لأول مرة منذ عقدين، شجعتهم على ذلكوكثير من الأحيان يكون ذاك "الرمز المزيف" شخصا لا يستحق الالتفات إليه، إلا أنه يكتسب الشهرة بقوة الدعم الإعلامي الذي يتلقاه من معسكره. وتوفيت إحدى هؤلاء قبل أيام عن عمر يناهز 110 عاما.
كانت "معزز علمية تشيغ" يتم تبجيلها على أنها باحثة وخبيرة في علم الآثار واللغات والحضارة السومرية، وكثيرا ما أطلق عليها لقب "البروفيسورة" على الرغم من أنها لم تكن تملك حتى شهادة الدكتوراة، ولم تنشر أي مقالة علمية. بل كانت مجرد موظفة في مكتبة، واكتسبت شهرتها من محاربتها للإسلام وآرائها التي لا تستند إلى أي دليل علمي، مثل ادعائها بأن السومريين أتراك، وأن هناك آيات قرآنية اقتبست من ألواح السومريين، وأن الحجاب كان رمز العاهرات في الحضارة السومرية. ومن الطبيعي أن تعجب هذه الهذيانات حزب الشعب الجمهوري والعلمانيين المتطرفين، إلا أن المؤسف للغاية أن يصف وزير الثقافة والسياحة التركي، مهمت نوري أرصوي، تلك المرأة في رسالة التعزية التي نشرها بعد إعلان وفاتها، بـ"خبيرة في الحضارة السومرية وعلم الآثار واللغات؛ قدمت مساهمات فريدة للثقافة التركية والتاريخ التركي".
العلمانيون المتطرفون المؤيدون لحزب الشعب الجمهوري يريدون أن يستخدموا العلمانية كسلاح ضد المواطنين المتدينين لقمع حرياتهم الدينية وإبعادهم عن المؤسسات الحكومية، كما كانوا يفعلون قبل سنوات. ويلاحظ أنهم بدأوا يرفعون أصواتهم أكثر من ذي قبل، لأن نتائج الانتخابات المحلية الأخيرة التي حل فيها حزب الشعب الجمهوري في المرتبة الأولى لأول مرة منذ عقدين، شجعتهم على ذلك، ومنحتهم مزيدا من الجرأة، ودفعتهم إلى الاعتقاد بأنهم يمكن أن يُعيدوا تركيا إلى تلك الحقبة السوداء.
x.com/ismail_yasa
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الشعب الجمهوري تركيا العلمانية الهوية تركيا العلمانية الهوية الشعب الجمهوري مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة حزب الشعب الجمهوری الشعب الترکی
إقرأ أيضاً:
«أردوغان»: تركيا ولبنان اتفقتا على العمل معا في سوريا
أكد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، على أن تركيا ولبنان اتفقتا على العمل معا في سوريا، وذلك حسبما جاء في نبأ عاجل لـ «القاهرة الإخبارية».
تصريحات أردوغانوفي وقت سابق، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إن سوريا بحاجة للدعم من الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية.
وأضاف أردوغان: «بحثنا سُبل إحلال الاستقرار في سوريا وتحقيق سيادتها ووحدة أراضيها».
وأوضح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أن بشار الأسد ونظامه رفضوا دعوات تركيا للحوار، مؤكدًا: نحن نقف إلى جانب الشعب السوري بكل أطيافه.
وتابع: «نظام الأسد فقد دعم الشعب، وتركيا تقف مع الشعب السوري وتدعم عودة اللاجئين، بدأت مرحلة جديدة في سوريا، ومستقبل سوريا يحدده السوريون أنفسهم، تركيا لا تطمع في أراضي أي دولة أخرى».