على مستوى العالم يأمل الكثير أن خريطة قوى النظام الاقتصادي العالمي ستتغير بعد "قمة مجموعة بريكس" المقررة أغسطس الجاري، وسط إقبال كبير من الدول على الانضمام لها سعيا لإنشاء عالم متعدد الأقطاب وكسر هيمنة الدولار.

مجموعة البريكسالبريكس واستخدام العملات المحلية

وتنعقد قمة "بريكس" في جنوب إفريقيا من 22 لـ 24 أغسطس، حيث تم دعوة قادة 67 دولة، و20 ممثلا لمنظمات دولية، وحتى الآن أكدت 34 دولة مشاركتها.

وستنظر القمة في طلبات مقدمة من أكثر من 20 دولة للانضمام لعضوية التكتل الذي يأمل مؤسسوه الخمسة في أن يساهم هذا في إزاحة الولايات المتحدة عن عرش الاقتصاد العالمي.

سيناقش تحالف دول البريكس "استخدام العملات المحلية" في المعاملات عبر الحدود في القمة هذا الشهر، وستدرس الكتلة المكونة من خمس دول طرقا لتقوية اقتصاداتها المحلية من خلال استخدام عملاتها المحلية و تهدف مجموعة البريكس إلى القضاء على الدولار الأمريكي للتجارة العالمية وبدء تحويلات الواردات والصادرات باستخدام المناقصات المحلية.

فتعتبر "مجموعة البريكس" واحدة من أهم التجمعات الاقتصادية على مستوى العالم، وتتصارع الدول للانضمام لها لزيادة معدلات التبادل التجاري والاستثمارات المشتركة.

فمجموعة البريكس تأسست عام 2006 على يد البرازيل وروسيا والهند والصين، ثم انضمت جنوب إفريقيا في 2010.

خوف في الولايات المتحدة.. البريكس يقود التحول إلى نظام عالمي جديد |تفاصيل ستصبح رابطة تكامل عالمية.. بيان عاجل من إيران بشأن توسع دول البريكس

وكان هدفها واضح وهو إيجاد أقطاب اقتصادية بخلاف تلك التي تقودها واشنطن، وتعتمد في أهميتها على أن دولها الخمس تشكل 31% من حجم الاقتصاد العالمي، و18% من حجم التجارة، و26% من مساحة العالم و43% من سكان العالم، وتنتج أكثر من ثلث حبوب العالم.

 

وتسعى البريكس حاليا لتحويل التعامل التجاري لعملات بديلة عن الدولار، وفق ما صرح به السفير الروسي بالقاهرة، غيورغي بوريسينكو، في يونيو، خلال تعليقه على طلب مصر التقديم بطلب الانضمام للتكتل.

 

ومن جانبه، قال رئيس مجلس الدوما الروسي ألكسندر باباكوف، خلال حديثه على هامش منتدى الأعمال الهندي الروسي في نيودلهي مطلع أبريل 2023، إن "مجموعة دول بريكس تخطط لإصدار عملة موحدة للتداول فيما بينها لكسر هيمنة الدولار باعتباره الوسيط الرئيس للتجارة والتسويات الدولية".

الدولار الأمريكي زعزعة الدور الرئيسي للدولار

مرتقب أن يحضر قمة أغسطس قادة الصين والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا، وسيمثل روسيا وزير الخارجية سيرغي لافروف، بينما يشارك الرئيس فلاديمير بوتين عبر تقنية "الفيديو كونفرانس" نتيجة إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة باعتقاله بتهمة ترحيل أطفال أوكرانيين لروسيا.

وتم رفض حضور الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وفقا لوزيرة خارجية جنوب إفريقيا، التي تحدثت عن إبداء 22 دولة على الأقل رغبتها في الانضمام إلى "بريكس"، منها الأرجنتين ومصر وإيران والجزائر وتونس وتركيا والمملكة العربية السعودية.

وفي هذا الصدد، قال الدكتور فرج عبد لله، الخبير الاقتصادي، أن لجوء العدد الكثير من الدول الي مجموعة البريكس يشير أنه من الممكن في الاجل القصير الي اعتمادها الي منظمة او مجموعة تكتل دول رسمية لأنها حتى الان هي مجموعة دول تجتمع لأهداف معينة ولكن على الأرض ليس لها خطوة واضحة.

وأوضح عبد لله ـ في تصريحات خاصة لـ "صدى البلد": فمن الممكن على الاجل القصير ان تزيد حالة من الاستقطاب الشديد خاصة أن العالم الان يشهد حالة من التغير الواضح خاصة على المستوي نظام النقدي والمالي العالميين فمن المؤكد على الاجل البعيد أن تصبح دول البريكس اذا توافقت حول ملامح السياسات المالية والنقدية والتعاملات التجارية فيما بينهم ما بين العالم.

وتابع: فمن الممكن أن نشهد ولادة كيان جديد يؤدي الي زعزعة الدور الرئيسي للدولار وتلعبه للولايات المتحدة الأمريكية في صنع القرار الاقتصادي العالمي.  

وتابع: شاهدنا خطوات جادة لمجموعة البريكس ومنها بنك التنمية وعدد من التحركات لدول المجموعة مع جيرانها وعلى سبيل المثال الصين التي تلعب دور بالغ الأهمية، مؤكدا: أن الوقت الحالي يمكن المناسب جدا صياغة أطر أو اقطاب جديدة على النحو الاقتصادي.

الدكتور فرج عبد لله التخلص من الهيمنة الأمريكية

ومن جانبه، قال المحلل السياسي توفيق حميد، إن مجموعة بريكس هي تحول كبير يجري في بنية النظام العالمي، وهي مجموعة اقتصادية أو ومالية بالأساس لكن هذا لا يمنع أنها سوف يكون لها انعكاسات كبيرة، خاصة بعد الحرب الروسية الأوكرانية.

وأوضح حميد ـ في تصريحات له، أن رغبة بريكس هي التخلص من الهيمنة الأمريكية في كل شيء تقريبا، حتى في التفاوض والمجالات السياسية، في اعتقادي يسبب درجة من الهلع داخل الأنظمة الأمريكية.

وأضاف أنه لو استمر الوضع في اتجاه التخلص من الهيمنة الأمريكية، سيصبح تأثيره سلبي بدرجة مخيفة على قدرة الولايات المتحدة الاقتصادية والسياسية، ثم بعد ذلك أي أمور أخرى تأتي.

ولفت إلى أن مجموعة البريكس باختصار تسحب بساط القوة كلها من تحت أقدام أمريكا، فاليوم أمريكا كانت متحكمة كقوى عظمى أو قوى وحيدة في العالم، وفي أمور كثيرة دون منافس، اليوم مع وجود المنافس سيسمح لدول كثيرة أن يكون لديها عملية اختيار الذهاب في الجانب الأمريكي أو الجانب الآخر.

وذكر أن الولايات المتحدة معرضة لضغوط ضخمة، فهي مدينة بنحو 32 تريليون دولار، وهي مرعوبة من هذا الدين، لأن الدول إذا بدأت تتجه للتجارة بعملة أخرى غير الدولار لين يتمكن الأمريكيون من شراء السلع بنفس الأسعار الرخيصة التي يشترون بها الآن، ولذا نجد في كل تصريحاتهم تقريبا نوعا من الخوف ومحاولة لإنكار هذا التحول العالمي.

المحلل السياسيبريكس وضخامة قوتها الاقتصادية 

وتتميز البريكس بجانب ضخامة قوتها الاقتصادية، بتفوق في قوتها العسكرية والنووية:

حيث تضم 4 من أقوى جيوش العالم، هي روسيا والصين والهند والبرازيل.
وفق إحصاءات موقع "غلوبال فاير بور" لعام 2023، فإن الإنفاق الدفاعي لدول "بريكس" 400 مليار دولار.عدد جنود دول التكتل 11 مليون جندي.روسيا ثاني أضخم جيش عالميا بميزانية دفاعية 82.6 مليار دولار، وعدد جنود مليونا و330 ألف فرد، بينهم 830 ألفا قوات عاملة و250 ألفا قوات احتياطية و250 ألفا قوات شبه عسكرية.الصين، ثالث أضخم الجيوش، والأولى بالإنفاق العسكري في بريكس بقيمة 230 مليار دولار، وعدد جنود 3 ملايين و135 ألف فرد، بينهم مليونان قوات عاملة و510 آلاف قوات احتياطية و625 ألفا قوات شبه عسكرية.الهند، رابع أضخم جيش، والـ 3 في التكتل بالإنفاق العسكري بنحو 54.2 مليار دولار، وإجمالي عدد جنود 5 ملايين و132 ألف فرد، بينهم 1.4 مليون فرد قوات عاملة ونحو 1.1 مليون فرد قوات احتياطية، و2.5 مليون فرد قوات شبه عسكرية.البرازيل، جيشها الـ 12 عالميا، وتنفق 18.7 مليار دولار، وعدد جنودها 2.1 مليون فرد، بينهم 360 ألفا قوات عاملة و1.3 مليون فرد قوات احتياطية و400 ألف قوات شبه عسكرية.
جنوب إفريقيا، جيشها رقم 33 عالميا، والـ5 في "بريكس" بالإنفاق الدفاعي بقيمة 2.8 مليار دولار، ويقدر جنودها بـ 232 ألف جندي بينهم قوات عاملة واحتياطية وشبه عسكرية.جيوش "بريكس" تمتلك: 10 آلاف و449 طائرة حربية، و22 ألفا و791 دبابة، 502 ألف و879 مركبة مدرعة، و9 آلاف و655 مدفعا ذاتيا، و9 آلاف و709 مدافع مقطورة، و8 آلاف و711 راجمة صواريخ، و ألف و782 وحدة بحرية.تضم "بريكس" 3 قوى نووية، ويقدر حجم السلاح النووي لدى روسيا والصين والهند بـ 6 آلاف و463 قنبلة نووية، بحسب موقع "ستاتيستا" الأميركي.البريكس وقوتها الاقتصادية اعلان واضح بإيجاد بديل للدولار

أعلنت الحكومة الهندية في مارس الماضي أن بنك الاحتياطي الهندي (RBI)، قد سمح بفواتير ومدفوعات التجارة الدولية بالروبية الهندية عبر 18 دولة، بما في ذلك بوتسوانا وفيجي وإسرائيل وميانمار، وماليزيا وروسيا وسنغافورة.

وتحاول مصر إيجاد بديل للدولار وتقوم مصر بتسوية التجارة مع الصين وروسيا والهند، باستخدام العملات المحلية للدول المنخرطة في هذه التجارة.

بالإضافة إلى ذلك، أصبحت فرنسا أول دولة أوروبية تتخلى عن الدولار الأمريكي في تجارة الغاز الطبيعي المسال مع الصين.

وقامت فرنسا بتسوية الدفع عن طريق الدفع باليوان الصيني وليس الدولار كانت هذه الخطوة بمثابة تحول في المعاملات العالمية.

وقبل أسابيع، قامت باكستان أيضاً بتسوية التجارة لواردات النفط الروسية عن طريق الدفع باليوان الصيني.

لماذا يخبئ الأرجنتيون الدولار الأمريكي؟ تعرف على آخر تحركات الدولار والعملات العربية والأجنبية اليوم الأربعاء 16 أغسطس.. فيديو

وآخرها دعوة الرئيس الكيني وليام روتو الدول الإفريقية إلى وقف التداول بـ الدولار الأمريكي في المعاملات عبر الحدود فيما بينها، وقوبل خطابه أمام المشرعين بالتصفيق في وقت تتطلع فيه 30 دولة للانضمام إلى تحالف البريكس.

وتحاول الصين وروسيا إقناع العديد من الدول بتسوية التجارة مع اليوان الصيني وليس الدولار الأمريكي، وتواصلت روسيا مؤخراً مع المملكة العربية السعودية وحثت الدولة الغنية بالنفط على قبول عملة البريكس بعد إطلاقها.

فيمن القول أصبح نهجاً لا يمكن إيقافه في توجه العالم نحو استخدام العملات المحلية في التسويات المالية بين الدول بدلا من الدولار الأمريكي.

البريكس 

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الدولار بريكس البريكس مجموعة البريكس الدولار الأمريكى روسيا الصين إفريقيا مجموعة دول بريكس الولایات المتحدة الدولار الأمریکی العملات المحلیة مجموعة البریکس جنوب إفریقیا ملیار دولار ألفا قوات من الدول

إقرأ أيضاً:

ماذا بعد الصهيونية؟

مع نهاية الفترة المتبقية لرئيس الوزراء الكندي «جاستن ترودو»، أطلق تصريحا أكد فيه أنه لا يخجل أن يصف نفسه «صهيونيا»، وسبق «ترودو» رؤساءُ دولٍ أخرى مثل الرئيس الأمريكي السابق «بايدن» الذي صرّح علانية أنه «صهيوني» وداعم للصهيونية، ولعلّ هناك المزيد من أمثال هؤلاء الذين لم تسبق ألسنتهم خبايا صدورهم؛ فيكفي ما تكشفه أعمالهم المنافية للعدالة والأخلاق الإنسانية ذات الطابع الصهيوني. لا أسابق الأحداثَ حال طرحي تساؤلا مفاده: «ماذا بعد الصهيونية؟»؛ إذ تشير الأحداث وفوح روائحها غير المعهودة بأن العالم يعبر عنق زجاجة مزعج ومتعب، ولا يستبعد أن يستمر مخاضه لبضع سنوات قادمة؛ فجنون الكيان الصهيوني وحليفه الأمريكي في أقصى حالات التهور وعدم الاستقرار السياسي، وفاقت جرائم الإبادة والعبث الإجرامي حدود المعقول؛ مما جعل العالم يستيقظ على صدمة لم يكن ليتخيل أحداثها القاسية في القرن الواحد والعشرين حيث تلمع الحضارة الإنسانية ببريقها الرقمي وسموها الحضاري وفق سرديات العلماء والفلاسفة، ولكنها مقتضيات حتمية وبداية لنهاية -كما نستعيرها من أديبنا الكبير نجيب محفوظ-.

لم يكن تأسس الصهيونية محل صدفة وبلا أدوات تحضير ومطبخ إعداد، ولكنها ظاهرة أخذت في نموها التدريجي بداية مع فكرة نمت في عقول مجموعات نصرانية آمنت بمعتقدات تتجاوز حدود الخيال؛ فتداخلت في فترات زمنية لاحقة مع رغبات غربية تطمح إلى التخلص من اليهود ووجودهم في غربها المسيحي؛ فكانت بداية مع ولادة «الأرض الموعودة» وفكرتها المخترعة، وتفاعلت معها توجهات اقتصادية ومالية تزاوجت مع مشروعات الاستعمار والتعطّش لنهب ثروات الأمم؛ فتشكلت تكتلات اقتصادية عالمية خاضعة لمبادئ الصهيونية؛ لتخترق صفوف المؤسسات السياسية وتقيدها بشروطها الجديدة؛ فكانت الولادة غير الشرعية -كما يصفها المفكّر وضاح خنفر- للكيان الصهيوني عقب تشكّل العالم الجديد بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية، وكون أن هذا الكيان مدرك لفقدانه الشرعية الجغرافية والتاريخية؛ فإنه يعيش قلقا وجوديا يتمثّل في إدراكه بتزعزعه السياسي المستمر الذي سيقوده عاجلا أم آجلا إلى نهاية وجوده الجغرافي في المنطقة العربية التي لا يتصل بها بأي صلة؛ إذ يتكون المجتمع الإسرائيلي في أصله من مجموعات مهاجرة أغلبها من الدول الغربية وأوروبا الشرقية وأقليات من دول أفريقية وغيرها من الأعراق، ومنهم رئيس الكيان المجرم «نتنياهو» ذو الأصول البولندية.

يؤكد لنا التاريخ أن للحضارات والأمم دورتها الزمنية التي تقضي بقانون البداية والنهاية والاستبدال، ومع كل بداية، تتأسس الأفكار وتنشأ في ظل غفلة الخصم الضعيف المشتغل بتوافه الحياة وأمورها، وهكذا كان الحال مع هذه الأفكار الصهيونية التي وجدت طريقها إلى التنفيذ إبان اشتغال العالم الإسلامي بقيادة الدولة العثمانية في صراعاته الداخلية التي عاشت منذ بداية القرن العشرين أحلك ظلمات مراحلها الحضارية -وإن كان ذلك نتيجة تراكمات سياسية وثقافية واقتصادية راكدة-؛ فزادت فجوة الانفصال السياسي في العالم العربي وقطيعته مع تفاعلات السياسة العالمية ومجرياتها التي لم يكن فيها سوى متأثرٍ لا مؤثرٍ، وهذا ما يُعزى سببه إلى نقص خبرته السياسية وعدم امتلاكه الأدوات المعرفية اللازمة التي كانت في معظمها بقبضة العنصر العثماني؛ فأورث ذلك هزالا حضاريا غير مسبوق منذ الغزو المغولي بان مع تهاوي أركان الدولة العثمانية؛ لتكون كثيرٌ من الجغرافيا العربية وأمصارها عرضة للاستعمار الغربي ومنها أرض فلسطين التي وهبت -لاحقا- إلى غير أهلها.

بجانب ما يمكن أن نقرأه ونستعرضه من سرديات كثيرة عن أسباب هذه الهزيمة وعن نشأة الصهيونية العالمية وامتلاكها زمام التحكّم العالمي وعناصره السياسية والعسكرية والاقتصادية؛ فإننا نعود إلى قانون الحضارة الذي ذكرناه آنفا في السطور السابقة؛ لنستيقن أن للباطل دورةً لابد لها من منتهى، وتوجهنا مؤشرات القلق الوجودي الصهيوني إلى قرب هذه النهاية التي تسبقها مظاهر التخبط السياسي والعسكري، ولا نستبعد أن المعادلة الحضارية لا تشمل الكيان الصهيوني وحسب، ولكنها تشمل كل الحاضنات التي تفرض نفسها زعيمة للحضارة الإنسانية في عالمنا الحالي؛ ففاق التخبط الأمريكي بقيادة الرئيس الأمريكي الحالي كل الخطوط الأخلاقية الحمراء؛ فتأتي في أشكال كثيرة منها الدعم العسكري اللامحدود للكيان المجرم، ومنحه صلاحية القتل والإبادة الجماعية، والتهديد الأمريكي المباشر والصريح بامتلاك «غزة» وتخيير أهلها بين التهجير أو الموت الجماعي. لا تعكس كل هذه الأحداث إلا اقتراب العالم وقطبيته الصهيونية من النهاية الوشيكة، ويبقى السؤال المهم: ماذا بعد الصهيونية؟ وتأتي الإجابة في ضوء القراءة العامة للأحداث التي تشير -بجانب التخبط الأمريكي ومعاركه التجارية مع الغرب والصين- بأن مركزية العالم الجديد القادم وثقله السياسي والعسكري والاقتصادي سيكون صينيا بامتياز، ويخوض هذا المشهد الجديد للعالم مخاضه الحضاري الحتمي الذي يسبق تشكّله؛ فنراه في صوره القاسية الحالية من حروب ومعارك اقتصادية وتجارية، ولعلّه يقترب من نهايته المحتومة التي ستنتج عنها ولادة جديدة بزعامة صينية بجانب أقطاب أخرى حليفة، ولا أعتقد وجودا فعّالا للصهيونية التي فقدت كل شرعيتها وتهاوت كثيرٌ من حواضنها ومقومات وجودها، وبات ضعفها الداخلي وتشققها جليّا. لا يمكن التكهّن بأسلوب العالم الجديد، ولكن بانفصاله -المحتمل- عن الصهيونية وتأثيرها العميق؛ فإنه ذو طابع تقني وصناعي واقتصادي، وأبعد أن يكون ذا أهداف استعمارية تستهدف ثقافة الشعوب وهوياتهم؛ فالنزعة في تأسيسها أقرب إلى الفلسفة الاقتصادية.

نحن أمام متغيرات عالمية جديدة، ومن المؤسف أن لا نرى للأمة العربية نصيبا في هذه المتغيرات؛ فما تزال الدول العربية غارقة في صراعاتها الداخلية التقليدية التي لم تعد ضرورة في عالم رقمي متسارع؛ فلم تسعَ أن تجد حلولا لمشكلاتها المعرفية والصناعية والاقتصادية والسياسية، ولم تتبنَّ رأيا عربيا موحدا تفك ارتباطها من القيود الأمريكية والغربية المرهقة، وتبدأ مشروعا عربيا وحدويًّا فاعلا يضمن لها وجودا مؤثرا في العالم الجديد الآخذ في التشكّل كما تفعل الصين والهند وروسيا؛ فلا سبيل إلى ثقل عربي يمكن أن يصطف مستقبلا مع دول مثل الصين والهند إلا بوحدة صناعية واقتصادية وسياسية وعسكرية عربية، ولا سبيل إلى ذلك إلا بتحديد بوصلة واضحة المعالم للبناء الحضاري وفلسفته بمكوناتها الرئيسة التي تعبّر عن الهوية (الدين واللغة) وتعبّر عن محركات الاقتصاد (الصناعة والتجارة) وتعبّر عن القوة (الصناعات العسكرية والدفاع المشترك).

د. معمر بن علي التوبي أكاديمي وباحث عُماني

مقالات مشابهة

  • الأول بعد الأسد .. ماذا ينتظر السوريون من مؤتمر بروكسل للمانحين؟
  • 60 عاما للتقاعد.. ماذا ينتظر موظفو القطاع الخاص في قانون العمل الجديد؟
  • بعد تحرك البرلمان لإحكام الرقابة على الأسواق.. ماذا ينتظر المخالفين؟
  • «ماذا ينتظر رقية العسكري؟».. مواعيد عرض مسلسل وتقابل حبيب الحلقة 16 والقنوات الناقلة
  • مجموعة عراقية تعلن عن تشكيل قوات “درع العباس”
  • ماذا بعد الصهيونية؟
  • بعد قرار النائب العام.. ماذا ينتظر مستخدمي الصواريخ والألعاب النارية؟
  • عقبات على الطريق.. ماذا بعد اتفاق قسد والشرع؟
  • بدأت رياح الحسوم ونوة الشمس.. ماذا ينتظر الطقس في مصر؟
  • ماذا ينتظر الأهلي حال اعتذاره عن مواجهة بيراميدز في الدوري؟.. الدرديري يجيب