الاتحاد الأوروبي وسوريا.. ما الخطوة التالية؟
تاريخ النشر: 20th, November 2024 GMT
عززت التصريحات الأخيرة لزعيم حزب الحرية اليميني المتطرف في هولندا خيرت فيلدرز التي دعا فيها حكومة بلاده لتعزيز العلاقات مع النظام السوري من جدية المعلومات التي تتناقلها مصادر غربية عن تحركات دبلوماسية أوروبية لإحياء العلاقات مع سوريا، بعد أن قطع الاتحاد الأوروبي تعاونه الثنائي في مايو/أيار 2011.
ومع أن النظام السوري لم يمتثل للشروط التي حددها مجلس الاتحاد الأوروبي في وقت سابق لعودة العلاقات، فإن فيلدرز حث الحكومة الهولندية على تعزيز حراكها الدبلوماسي مع دمشق، بهدف تسهيل عودة اللاجئين السوريين إلى مناطق آمنة في بلادهم يجري تقييمها من جديد، طالما أن الرجل -يقصد الأسد- لن يختفي.
ولكن من جهة أخرى، تشكل عودة الارتباط -التي جرى الإعداد لها كما يبدو خلف الكواليس منذ سنوات- حراكا مزعجا، وفق الكاتب البريطاني تشارلز ليستر، كشف عن تذبذب الموقف الغربي وشقوق في الاتحاد الأوروبي من الدولة السورية والرئيس بشار الأسد.
فيلدرز: دعا الحكومة الهولندية لتعزيز العلاقات مع النظام السوري (غيتي) من الشراكة إلى المواجهةتميزت علاقة الاتحاد الأوروبي بسوريا بداية من فترة حكم الأسد الأب بمحطات كان من أبرزها:
في عام 1977، وقع الاتحاد الأوروبي وسوريا اتفاقية تعاون شكلت أساس الشراكة بين الطرفين. في عام 1995، انضمت سوريا إلى عملية برشلونة وسياسة الجوار الأوروبي وكان الاتحاد يهدف من ورائها نقل دمشق إلى موقع متقدم على مستوى السياسة والاقتصاد. بين عامي 2004 و2008، وقع الطرفان مزيدا من الاتفاقيات الثنائية، وانضمت سوريا من خلالها إلى "الاتحاد من أجل المتوسط". وفي عام 2009 وقع الطرفان مشروع اتفاقية الشراكة بشكل رسمي لتبدأ مرحلة جديدة منذ ذلك التاريخ.ظل استقرار سوريا يحمل أهمية إستراتيجية بالنسبة للاتحاد الأوروبي سنوات طويلة، وأرجع الباحث في مركز "كارينغي أوروبا" مارك بيريني هذا الاهتمام إلى عام 1995، وهو العام الذي أدرجت فيه دمشق بالشراكة "الأورومتوسطية" المعروفة باسم عملية برشلونة، نسبة إلى مكان إطلاقها.
واستندت الشراكة على سياسة غربية تخص الحافة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط، ترى فيها أن الاستقرار والازدهار في جنوب أوروبا هما ركنان أساسيان لرفاه الاتحاد، ولتحقيقهما لا بد لدول الجنوب -أغلب الدول العربية- من تعزيز الديمقراطية، واحترام حقوق الإنسان، وتسهيل التجارة، والبدء بتبني سياسات اقتصادية واجتماعية ليبرالية، وتشجيع المجتمع المدني والتبادل الثقافي بشكل مشترك.
لكن، عندما تولى بشار الأسد رئاسة سوريا في يونيو/حزيران 2000 بشر العديد من المعلقين المتفائلين ببداية "ربيع في دمشق"، واستمرت الآمال في التغيير قائمة حتى حلول مارس/آذار 2011 الذي اندلعت فيه احتجاجات مدنية في جنوب سوريا ضمن حراك الربيع العربي.
ومنذ ذلك التاريخ، انطوت -بحسب بيريني- وعود الإصلاح ودخلت كلها طي النسيان، حين جاء رد فعل الأسد على المتظاهرين عنيفا جدا، وكان واضحا أن النظام -بحكم طبيعته- لن يفكر بأي إصلاح اقتصادي أو اجتماعي أو سياسي ذي شأن، على حد قوله.
وإثر ذلك جمد الاتحاد الأوربي اتفاقية الشراكة التي كان يطمح من خلالها إلى تحسين الحياة السياسية والاقتصادية في سوريا وعلق تعاونه الثنائي مع الحكومة السورية.
كما فرض الاتحاد عقوبات محددة تطال كيانات لها صلة مباشرة بأعمال القمع أو بتمويلها، علاوة على قطاعات في الاقتصاد تقع في صلب الشبكات الممولة للأسد، من قبيل التسليح والسلع والتكنولوجيات المستخدمة في أعمال القمع، واستيراد النفط الخام.
وفي فبراير/ شباط 2020 اعتمد عقوبات جديدة ثم مددها مجددا في مايو/أيار من العام الحالي. وربط -في بيان له- سبب تمديدها، بمواصلة نظام دمشق سياسته القمعية تجاه شعبه، وانتهاكه حقوق الإنسان والأعراف الدولية.
الاتحاد أمام تدفق اللاجئينخلال تلك الأعوام، استقبل الاتحاد الأوروبي -على غرار دول الجوار السوري- موجات لجوء تدفقت مع تعثر ربيع سوريا على وقع الرصاص الحي والقصف الجوي والبري الذي استخدمه النظام لسنوات من أجل الحفاظ على سلطته.
وتقدر منظمات أممية وإغاثية عدد السوريين الفارين إلى خارج البلاد بنحو 6 ملايين لاجئ سوري، استضافت أوروبا أكثر من مليون منهم، وبلغت حصة ألمانيا 35%، في حين استقبلت النمسا أكبر نسبة مقارنة بعدد سكانها. ولا تزال قوارب اللجوء تبحر إلى شواطئ أوروبا الجنوبية المطلة على البحر المتوسط حتى الآن.
وتسبب تدفق اللاجئين خلال العقد الأخير-برأي الخبير في قضايا الهجرة واللجوء غالب مارديني- بمشكلات طارئة منها ما هو اقتصادي ومنها ما هو سياسي، كما تحول بالنسبة إلى اليمين المتطرف الصاعد في انتخابات البرلمان الأوروبي والانتخابات التشريعية المحلية لمصدر قلق بسبب احتمال استمرار الصراع وحالة الاضطراب التي تشهدها سوريا لموعد غير معروف، لا سيما أنه ينظر لقضية اللجوء والهجرة بشكل عام نظرة استهجان وعداء.
ولفت مارديني -في حديثه للجزيرة نت- إلى وجود عوامل أفسحت المجال أمام اليمين -الذي سجلت أحزابه حضورا مؤثرا في البرلمان الأوروبي- ليتحدث عن أوضاع متغيرة في سوريا وما حولها، ويشدد على ضرورة إجراء مراجعة لإستراتيجية الاتحاد تجاه الوضع في سوريا، وتبني سياسة مرنة نحوها، ومن بين هذه العوامل:
تعثر الحل السوري وفشل نهج خطوة مقابل خطوة الذي تم تبنيه عربيا وأمميا. عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، وعودة العلاقات العربية السورية. نجاح تجربة الاتحاد في خفض أعداد المهاجرين لدول الجنوب مقابل دعم مالي واقتصادي تتلقاه دول المنشأ والعبور أو الوسيطة لوقف اللجوء غير الشرعي، مثل نموذج لبنان وتونس وليبيا ومصر.وتتزعم إيطاليا -الدولة الأوروبية السابعة التي أصبحت لها علاقات دبلوماسية مع النظام السوري إلى جانب رومانيا وبلغاريا واليونان وقبرص والتشيك والمجر- هذا الاتجاه، مما يعكس -بحسب مارديني- وجود تحول واضح وصريح ينشط وفق تقييم "ما دام النظام باقيا، فمن الأفضل المضي قدما في العلاقة معه، بطريقة منسقة، بدلا من تركه لسيطرة روسيا وإيران".
تذبذب الموقف الغربيينظر محللون إلى المشهد السوري بعد مرور 13 عاما على بداية الصراع على أنه أشبه برقعة شطرنج مفككة تتحرك أحجارها وفق مسارات متغيرة تهيمن عليها سياسات عربية وإقليمية ودولية.
ففي الوقت الذي تعد فيه سوريا دولة هشة غير آمنة يُمارس العنف الرسمي فيها بأشكال تتنافى مع حقوق الإنسان -وفقا لتقارير البنك الدولي ومنظمات الأمم المتحدة- شهد عام 2023 استئناف العلاقات العربية-السورية، وعودة دمشق لشغل مقعدها في جامعة الدول العربية، على أمل أن يعزز الوضع الجديد مناخ الاستقرار في المنطقة.
وبالتزامن، انتقل الحديث عن وجود ارتباط أوروبي سوري جديد، تسعى فيه دول أوروبية عديدة، إلى خطوات عملية جرى الإعداد لها خلف الكواليس لتكشف عن تذبذب الموقف الغربي تجاه الدولة السورية والرئيس شخصيا، وفق ليستر الذي نقل عن مصادر متعددة رفيعة المستوى عزم حكومات اليونان وقبرص وإيطاليا والمجر والنمسا وبولندا منذ عامين استخدام ثقلها داخل الاتحاد للضغط عليه ومطالبته بتغيير سياسته تجاه دمشق.
ورغم تشدد الاتحاد الأوروبي إزاء عودة العلاقات الشاملة، ما لم يمتثل النظام لشروط مجلس الاتحاد وفي مقدمتها التوصل لحل سياسي وفق قرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة بهذا الخصوص، فإن ليستر أشار في مقال نشرته مجلة فورين بوليسي إلى وجود شقوق بدأت في الظهور بين الدول الأعضاء، أدت إلى خلافات خطيرة وجوهرية، وفقا لـ4 من كبار المسؤولين الغربيين الذين التقاهم.
فبخلاف الدول التي عززت حراكها الدبلوماسي مع دمشق بهدف تسهيل عودة اللاجئين السوريين الموجودين على أراضيها إلى مناطق آمنة في بلادهم، أعلن 18 وزير خارجية تحمل دولهم مسؤولية مكافحة إفلات مرتكبي جرائم الحرب في سوريا من العقاب والمطالبة بمحاكمتهم بصرف النظر عن هوياتهم.
واعتبروا في بيان مشترك، مكافحة الإفلات من العقاب شرطا من شروط إحلال السلام الدائم في سوريا، إذ "لن يتمكن الشعب السوري من التفاؤل بمستقبل أفضل ما لم تتوقف انتهاكات حقوق الإنسان على نحو تام ومؤكد، ولن تتمكن سورية من التصالح مع ماضيها ما لم يحاسب المجرمون على الجرائم التي ارتكبتها أيديهم".
سوريا: الاتحاد الأوروبي يكرر الأكاذيبمن جهة أخرى، وصف النظام السوري الموقف الغربي والعقوبات التي تم تمديدها بالإجراءات القسرية أحادية الجانب غير المشروعة، وقالت وزارة الخارجية في بيان لها "مرة جديدة يصر الاتحاد الأوروبي على تكرار الأكاذيب حول الأوضاع في سوريا، في انفصال تام عن الواقع، وتجاهل تام للتطورات الإيجابية التي شهدتها البلاد ولا تزال، وفي مقدمتها الإنجازات الكبيرة في مكافحة الإرهاب، وتوطيد الاستقرار، وتوسيع المصالحات الوطنية، وتسوية أوضاع الكثير من المواطنين من خلال مراسيم العفو".
وحمل البيان، الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة مسؤولية معاناة السوريين جراء إجراءاتهما القسرية أحادية الجانب.
ومن جانبها، نفت المبعوثة الفرنسية إلى سوريا بريجيت كورمي ما ذهبت إليه الخارجية السورية، من أن يكون السكان المدنيون هم أول ضحايا العقوبات الدولية، وقالت في مقابلة مع الكاتب الفرنسي المتخصص بشؤون الشرق الأوسط ألان غريش إن هذا ليس صحيحا، بل هو "خطاب النظام وداعميه المسؤولين عن الحالة الكارثية التي أوصلوا إليها سوريا وسكانها".
وأكدت المبعوثة أن العقوبات الأوروبية والأميركية لا تستهدف بأي حالة من الأحوال السلع والخدمات الضرورية لتلبية الحاجات اليومية للسكان ودعمهم، مشيرة إلى أن "قرار رفعها يكون بين يديه وأيدي إيران وروسيا اللتين أعربتا لنظام دمشق عن دعمهما الكامل عندما كان أكثر عرضة للخطر".
وأشارت كورمي إلى أن إيران حاضرة في سوريا منذ أكثر من 30 عاما، وقد اختارت معسكرها منذ بداية النزاع، دافعة النظام السوري إلى عدم التنازل، وإلى اختيار القوة العسكرية ضد الشعب الذي طالب بحقوق أساسية.
وأضافت أن "روسيا جعلت من سوريا حقل تجارب لها، يمكننا رصد تبعاته اليوم في أوكرانيا، وذلك من خلال مواكبتها القمع الذي يمارسه النظام، ومن خلال قصف الشعب السوري بلا هوادة ولا تمييز، وكذلك عبر إنقاذ الأسد من أجل الحصول على رافعة جغرافية وإستراتيجية في المتوسط".
كورمي: قرار رفع العقوبات الأوروبية والأميركية عن سوريا يكون بين يدي النظام السوري وإيران وروسيا (الأناضول) ما الخطوة التالية؟لطالما أكد الممثل الاعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية جوزيب بوريل عدم مشاركة الاتحاد الأوروبي في جهود التعافي المبكر -ترسيخ الاستقرار- إلا في حالة سريان انتقال سياسي شامل وحقيقي وموسع، تتفاوض عليه الأطراف السورية في الصراع، على أساس قرار مجلس الأمن رقم 2254 وبيان جنيف لعام 2012.
كما أكد عدم دعمه عودة اللاجئين -المقيمين في أوروبا- إلى سوريا، ما لم تكن هناك ضمانات ملموسة، بأنها تتم بشكل طوعي وآمن وكريم، تحت رقابة دولية.
غير أن مصادر إعلامية غربية، تشير إلى أن ما يطالب به بوريل، لا يجد اليوم صداه المرجو في دول ترى أن الظروف المتغيرة تتطلب زيادة في الاتصالات مع سوريا، وإجراء مفاوضات فنية على الأرض مع شخصيات غير مدرجة على قوائم العقوبات لتهيئة الظروف التي تسمح بعودة السوريين إلى بلادهم.
ويظهر التقدم الأكثر وضوحا عبر الجهود التي تبذلها في هذا الاتجاه إيطاليا والنمسا، إذ تنقل المصادر ذاتها إصرار رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني على إقناع قادة دول الاتحاد بتطبيع علاقتهم مع النظام السوري من أجل وقف الهجرة غير النظامية إلى أوروبا.
واللافت، وفق صحيفة لوموند الفرنسية، أن يشيد رئيس وزراء المملكة المتحدة كير ستارمر بسياسة ميلوني المتشددة في حين يعتزم وزير الداخلية الفرنسي برونو ريتايو تشكيل جبهة موحدة مع إيطاليا وألمانيا لتبني قوانين أوروبية أكثر صرامة، مع أن فرنسا انتقدت سياسات ميلوني، وشهدت العلاقات بين البلدين أزمة دبلوماسية إثر منع روما سفينة أوشن فايكنغ التي أنقذت لاجئين من الغرق من دخول الموانئ الإيطالية في عام 2022 واضطرت فرنسا لاستقبالها.
وبهذا الصدد، يؤكد عضو حزب النهضة الفرنسي المحامي زيد العظم أن الموقف الرسمي لفرنسا بشأن التطبيع مع النظام السوري لا يزال ثابتا، إذ ترفض فرنسا أي خطوة على هذا الصعيد قبل أن تلتزم السلطات السورية بشكل كامل بقرار مجلس الأمن رقم 2254.
وأكد في حديثه للجزيرة نت، أن جدية الموقف الفرنسي ظهرت بوضوح عندما حاول النظام السوري استغلال كارثة الزلزال الذي ضرب مناطق في شمال سوريا وجنوب تركيا في فبراير/ شباط 2023 لإعادة تأهيل نفسه عبر دبلوماسية الزلازل، ووقفت فرنسا موقفا صارما تجاهه.
وأقر العظم بوجود إجماع أوروبي على أهمية التنسيق التقني مع جميع الدول المصدرة للاجئين، بما فيها سوريا، خاصة بعد أن تدهور الوضع الأمني في لبنان جراء الاعتداءات الإسرائيلية على أراضيه، ونزوح آلاف الأشخاص، لكنه يرى أن التعاون مع النظام السوري سيكون تقنيا بحتا ولن يرتقي إلى مستوى التطبيع السياسي.
والسؤال الذي يفرض نفسه إذا ما أخذنا تطورات المشهد الأوروبي الأخيرة بعين الاعتبار هو: ما خطوة الاتحاد المتوقعة تجاه سوريا ونظام الأسد في المرحلة القادمة؟
تشير مواقف الدول الأوروبية إلى وجود تباين واضح على هذا الصعيد، فبين تصريحات جوزيب بوريل، وخطط جورجيا ميلوني، ثمة مسافة تبدو بعيدة، لكن المبعوثة الفرنسية إلى سوريا بريجيت كورمي اختصرتها في مقابلة مع الجزيرة نت في فترة سابقة، بقولها "نواجه الآن خيارا مستحيلا، فإما المضي قدما نحو التطبيع دون القيام بأي تنازلات أولية أو القبول بالوضع الراهن، ولا يشكل أي من هذين الخيارين حلا مقبولا".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الاتحاد الأوروبی مع النظام السوری الموقف الغربی حقوق الإنسان فی سوریا من خلال من أجل فی عام
إقرأ أيضاً:
ورقة رابحة بين محورين.. هل تخشى إيران من الأسد أم عليه؟
تحمل الزيارتان الأخيرتان لمسؤولين إيرانيين اثنين إلى العاصمة السورية دمشق والثالثة التي يجريها وزير خارجية النظام السوري، بسام صباغ إلى طهران في طياتها عملية "تسليم واستلام رسائل"، استنادا لما كشفت عنه وسائل إعلام، وبناء على التوقيت أيضا.
وفي وقت تغيب التفاصيل الدقيقة لفحوى تلك "الرسائل" يرى خبراء ومراقبون تحدثوا لموقع "الحرة" أن التحركات الإيرانية الأخيرة فيما يتعلق بسوريا لافتة، ومن الواضح أنها ترتبط بـ"خشية ما باتجاهين"، لاسيما أن النظام السوري ورئيسه بشار الأسد "بات تحت الضوء كورقة رابحة بين محورين".
وترتبط طهران بدمشق منذ سنوات بـ"علاقة استراتيجية"، أكد عليها وزير خارجية النظام السوري، بسام صباغ، من العاصمة طهران، يوم الثلاثاء، قائلا في مؤتمر صحفي إنه "أجرى مباحثات إيجابية وتبادلا مثمرا للآراء، بسبب تعزيز التعاون في كافة المجالات".
ثاني لقاء مع مسؤول رفيع من طهران خلال أيام.. الأسد يستقبل وزير الدفاع الإيراني اجتمع رئيس النظام السوري، بشار الأسد، الأحد، بوزير الدفاع الإيراني، العميد عزيز نصير زاده، وذلك عقب أيام قليلة من لقائه علي لاريجاني، مستشار المرشد الإيراني الأعلى، علي خامنئي.وجاءت زيارة صباغ إلى طهران بعد يومين فقط من وصول وزير الدفاع الإيراني، العميد عزيز نصير زاده، إلى دمشق، وفي أعقاب "رسالة" أوصلها مستشار المرشد الإيراني، علي لاريجاني، إلى النظام السوري قبل يوم واحد، وفقا لحديث له نقلته وسائل إعلام إيرانية.
وتعتبر الزيارات بين الجانبين اعتيادية، لكن لم يسبق وأن حصلت بالشكل الذي كانت عليه الأسبوع الماضي وفي غضون 48 ساعة، حيث وصل لاريجاني أولا والتقى الأسد وبعدما عاد إلى طهران حط وزير الدفاع الإيراني مجددا في العاصمة السورية، والتقى بمسؤولين سوريين.
ولا تزال الرواية الرسمية في إيران تؤكد على أن سوريا "حلقة من سلسلة المقاومة"، في إشارة إلى المحور الذي تتزعمه ويخوض صراعا مع إسرائيل على أكثر من جبهة.
وفي حين أن دمشق تؤكد حتى الآن على "علاقتها الاستراتيجية" مع طهران، لم تتخذ بعد الحرب التي بدأتها إسرائيل بعد هجوم السابع من أكتوبر خطوات فعلية، كما الحال بالنسبة لحزب الله في لبنان وبقية أطراف المحور الإيراني.
ومنذ تاريخ الحرب الإسرائيلية المتركزة على نحو كبير الآن في لبنان، التزم النظام في دمشق بسياسة عدم التعليق وكأنه بعيدا عن الجغرافيا المشتعلة، وبينما حاول البقاء في المنطقة الرمادية على مدى أكثر من عام لم يكن هذا الأمر كفيلا بإبعاده عن دائرة الضربات الإسرائيلية.
وعندما كان لاريجاني في دمشق قصفت إسرائيل مبنيين في العاصمة السورية، وقتلت فيهما قادة في حركة "الجهاد الإسلامي" المصنفة إرهابية. وجاء ذلك بالتزامن مع تهديدات عدة أطلقها الجيش الإسرائيلي، وركز بها على النظام، من منطلق طرق إمداد الأسلحة المارة من مناطق نفوذه باتجاه حزب الله في لبنان.
"رسائل على خط طهران-دمشق"ولا يعرف حتى الآن حدود الحملة الإسرائيلية القائمة في لبنان وما إذا كانت ستتخذ منحى أكثر شراسة في سوريا، على صعيد الضربات التي باتت تستهدف أبرز المناطق الحيوية وسط دمشق، كحي المزة.
وكذلك الأمر بالنسبة للموقف الذي سيتخذه النظام السوري بناء على التهديدات التي تستهدفه، وما إذا كان سيظل متمسكا بعلاقته "الاستراتيجية" مع طهران، خاصة على الشق الأمني والعسكري أو قد يتخذ مسارات أخرى.
وطالما سلطت تقارير غربية وعربية الضوء على هذه المسارات محللة ومشيرة إلى احتمالات إمكانية ابتعاد الأسد المحور الإيراني.
وتعد زيارة صباغ إلى طهران الأولى له منذ استلام منصب وزير الخارجية السوري، وتندرج باعتقاد الباحث السوري في مركز "عمران للدراسات الاستراتيجية"، أيمن الدسوقي، "في سياق تجاوب الأسد مع رسالة علي خامنئي". وكان حملها لاريجاني.
كما تذهب الزيارة باتجاه تأطير (طهران ودمشق) للرسائل "بصيغ رسمية على شكل اتفاقيات أو معاهدات تتيح لكليهما إدارة المخاوف والمصالح في لحظة حرجة إقليميا ودوليا".
ويقول خالد خليل، وهو باحث وأكاديمي سوري مختص بالشأن الإسرائيلي، إن الزيارات المتبادلة بين دمشق وطهران في غضون أسبوع واحد تصب في إطار "محاولة إيرانية لإعادة الأسد إلى المحور الذي حمى نظامه".
ويعتقد خليل، في حديثه لموقع "الحرة"، أيضا أن إيران تريد أن تستوفي الخدمات التي قدمتها للنظام السوري "بعدما شق عصا الطاعة باقترابه من المحور العربي، وفي ظل محاولات أميركية لخلق معادلات جديدة في المنطقة".
مؤشرات جديدة.. الأسد ينأى بنظامه عن إيران وأذرعها برزت خلال الفترة الأخيرة، مؤشرات متتالية على تقارب النظام السوري مع دول عربية وخليجية، مقابل تراجع علاقاته مع إيران وحلفائها في المنطقة، ولا سيما حزب الله وحماس.ويضاف إلى ما سبق، بحسب الأكاديمي السوري، أن "الرسائل" الإيرانية التي نشرت عنها وسائل إعلام "تحمل تحذيرات مبطنة بتهديدات".
ومع ذلك، يشرح أن التحذيرات "لا تصل إلى حد تهديد النظام بنفسه وإزالته، بل يشوبها نوع من المساومات تحاول فرضها إيران على الأسد، كونها تحكمه بالكثير من الديون".
"ورقة رابحة بين محورين"لا ترتبط العلاقة بين إيران والنظام السوري بالشق العسكري والسياسي فحسب، وعلى مدى السنوات الماضية وصلت حدودها إلى حد التوغل في قطاعات اقتصادية أيضا.
ومن الجانب العسكري على الخصوص ما تزال الكثير من ميليشيات "الحرس الثوري" تنتشر في عموم المناطق السورية.
في بداية الحرب الإسرائيلية على غزة كان الأسد محور اهتمام، وفرض ذلك من زاوية موقف "الحياد" الذي اتخذه.
وبينما لم يخرج عن تلك الحالة تكاد تختلف الآن بصورتها العامة، ليصل الاهتمام إلى حد التركيز على احتمالية ابتعاده عن إيران ومحورها، لقاء درء خطر التصعيد الأكبر، وبهدف الحصول على مكاسب قد تصل إلى حد فك العزلة الدولية.
ويوضح الأكاديمي السوري، خليل أن تركيز "الاهتمام" على الأسد في المنطقة الآن لا يرتبط بقدراته العسكرية كونه عاجز بالمطلق، بل يتعلق الأمر بـ"البعد الجيوسياسي".
وتتعلق الحالة أيضا بهجوم حماس، المصنفة إرهابية، على إسرائيل في أكتوبر 2023، والخط الفاصل الذي رسمته لمشهد لن يكون كما في السابق، على صعيد وجه المنطقة ككل.
ويقول خليل: "الأسد الآن في مرحلة التفاوض في ظل المساومات الإقليمية التي تحاول تشكيل المشهد الأمني في المنطقة".
ويضيف أن "موقعه الجيوسياسي أعاده كورقة رابحة لمحورين دخلا في مرحلة كسر ظهر لا كسر عظم. الأول يتلقى الضربات بينما يتشكل المحور الثاني حديثا، للقضاء على المعادلة الأمنية السابقة القائمة على التنافس الإيراني-الإسرائيلي في المنطقة".
ورسم المؤتمر الصحفي لوزيري خارجية إيران وسوريا، الثلاثاء، نقاط التوافق وملامح عمل المرحلة المقبلة.
ومن الواضح، وفقا لقول الدسوقي أن إيران تركز على الجانب الأمني وما يمكن إدراجه ضمن ذلك من شرعنة تواجدها وتنظيم انتشارها في الجغرافية السورية مجددا، وما يستلزمه من تعاون مع الهياكل الأمنية والعسكرية للنظام، وما يمكن استخدامه كغطاء لتمرير الدعم الإيراني لإعادة بناء قدرات حزب الله مجددا على الأراضي السورية.
في المقابل، يركز النظام على الجانب الاقتصادي نظرا للحاجة الماسة لديه، من حيث أولوية معالجة قضية الديون الإيرانية التي كانت عبئا عليه، ومنحه خطوط ائتمانية مجددا تمكنه من معالجة تحدياته الاقتصادية والخدمية.
هل تخشى منه أم عليه؟ويجادل باحثون أن قرار الحياد والنأي بالنفس الذي اتبعه النظام السوري ورئيسه إزاء ما جرى في المنطقة خلال العام الماضي، كان مدفوعا باعتبارات تتعلق به وبحلفائه.
ويشير آخرون إلى "عقبات" وخشية ارتبطت على نحو كبير بالعواقب التي قد تسفر عنها أي عملية انخراط، ولو على مستوى اتخاذ مواقف متشددة.
وكانت إيران نجحت في دمج مستشاريها الاستخباراتيين والعسكريين بشكل واسع في الأجهزة الأمنية السورية على مدى عقود، ومن المرجح أن يستمر هذا الحضور طالما ظل النظام الحالي يحكم في طهران، كما يوضح كبير الخبراء الأميركيين في "المجلس الأطلسي"، ريتش أوتزن.
ويقول أوتزن، لموقع "الحرة"، إن "الأسد يعتمد على الإيرانيين وحزب الله للبقاء في السلطة، بينما تحتاج إيران إلى سوريا كوكيل وقاعدة لإسقاط قوتها. كما يقول مثل أمريكي قديم: (إما أن يتكاتفوا معا أو سيُعلقون (يشنقون) منفصلين)".
ولا تملك دمشق خيارات جيدة حقا بينما تنفذ إسرائيل ضربات ضد الأهداف المرتبطة بإيران على أراضيها.
و"سيكون من الحكمة تجنب استخدام أي أصول عسكرية سورية لشن هجمات انتقامية ضد إسرائيل في جميع الأحوال"، بحسب كبير الخبراء الأميركيين في "المجلس الأطلسي".
وبناء على ما شهده العام الأخير لم يكن الأسد ونظامه في سوريا محور اهتمام لدى إسرائيل وإيران فحسب، بل انسحب ذلك أيضا إلى حليفتها الأساسية روسيا وإلى الجانب التركي.
لأكثر من مرة وجهت تركيا ورئيسها رجب طيب إردوغان دعوات للأسد من أجل اللقاء، ولم يتفاعل الأخير بإيجابية حتى الآن.
وفيما يتعلق بإيران، يشير الأكاديمي السوري، خالد خليل، إلى أنها كانت تتعامل معه في السابق "كتابع" ولم تكن بحاجة لإجراء زيارات رسمية رفيعة المستوى.
لكن الواقع تغيّر الآن، مما يدل على أن المنطقة أصبحت أمام معادلات ومشهد جديد يختلف كثيرا عن السابق، بحسب خليل، مشيرا إلى أن الزيارتين الأخيرتين كانتا من جانب تياري الحكم في طهران (الجناح الإصلاحي بقيادة الحكومة والحرس الثوري ونظام المرشد الذي أوفد لاريجاني للأسد)".