«الصحة»: إصدار 3.2 مليون قرار علاج على نفقة الدولة بـ19.3 مليار جنيه
تاريخ النشر: 20th, November 2024 GMT
أعلنت وزارة الصحة والسكان إصدار 3 ملايين و226 ألفا و470 قرار علاج على نفقة الدولة، بتكلفة إجمالية بلغت 19 مليارا و289 مليونا و905 آلاف جنيه، وذلك خلال الفترة من أول يناير الماضي حتى نهاية أكتوبر 2024، ويأتي ذلك تنفيذا لتوجيهات فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي برفع العبء عن المواطنين خاصة غير القادرين منهم.
وأوضح الدكتور حسام عبد الغفار المتحدث الرسمي لوزارة الصحة والسكان، أن أعداد المستفيدين من قرارات العلاج على نفقة الدولة الصادرة بلغ 2 مليونا و120 ألفا و470 مواطن، مشيرا إلى أن قرارات العلاج الصادرة شملت تخصصات (أمراض الدم، والأورام، والجراحة، والنسا، والباطنة، والأنف والأذن، والمسالك، والعظام، بالإضافة إلى الأمراض الجلدية والعصبية).
وقال «عبد الغفار»، في بيان، اليوم الأربعاء، إن عددًا من تم مناظرتهم عبر تقنية الفيديو كونفرانس 5672، وذلك تنفيذا لتوجيهات دكتور خالد عبد الغفار نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الصحة والسكان بتيسير إجراءات حصول المرضي على خدمات طبية وعلاجية على نفقة الدولة دون الحاجة إلى الحضور لمقر المجالس الطبية المتخصصة ودون تحمل المريض أي مشقة .
إجراءات إصدار قرارات العلاج على نفقة الدولةومن جانبه، أشار الدكتور بيتر وجيه مدير قطاع الطب العلاجي، إلى أن إجراءات إصدار قرارات العلاج على نفقة الدولة تبدأ بالتوجه إلى أقرب مستشفى وإجراء الفحوصات الطبية لتشخيص الحالة تمهيدا لتحرير «تقرير اللجنة الثلاثية»، وبعد ذلك تقوم المستشفى بتسجيل بيانات المريض على الشبكة الإلكترونية للمجالس الطبية المتخصصة، مع تضمين صورة البطاقة الشخصية وتقرير اللجنة الثلاثية والتقاريرو الفحوصات الطبية الحديثة، وذلك دون تحمل المريض أي مشقة، وتأتي الموافقة على طلب العلاج على نفقة الدولة إلكترونيا من المركز الرئيسىي للمجالس الطبية المتخصصة، ليتم إصدار القرار وإخطار المريض برسالة قصيرة على هاتفه المحمول، ويشترط للحصول على العلاج على نفقة الدولة ألا يكون المريض من المنتفعين بمنظومة التأمين الصحي.
بدوره، ذكر الدكتور محمد زيدان مدير الإدارة العامة للطب العلاجي ومدير إدارة المجالس الطبية المتخصصة، أنه في إطار حوكمة وتحسين منظومة كارت الخدمات المتكاملة تم مناظرة وإجراء الكشف الطبي ل 325 ألفا و521 مواطنا، وذلك خلال الفترة من أول يناير حتي نهاية أكتوبر الماضي 2024، ويهدف ذلك إلى سرعة تحديد حالات الأشخاص ذوي الإعاقة ضمن إجراءات الكشف الطبي لإستخراج بطاقة الخدمات المتكاملة.
وأضاف «زيدان» أنه تم مناظرة وإجراء الكشف الطبي على 135 ألفا و607 مواطنين من طالبي الحصول على السيارات المجهزة لذوي الاحتياجات الخاصة والمعفاة من الضرائب والرسوم الجمركية، بالإضافة إلى مناظرة وتوقيع الكشف الطبي على 239 ألفا و893 مواطنا من طالبي الحصول على الدعم النقدي تكافل وكرامة.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: وزارة الصحة قرارات العلاج على نفقة الدولة إجراءات إصدار قرارات العلاج على نفقة الدولة العلاج على نفقة الدولة الطبیة المتخصصة قرارات العلاج الکشف الطبی
إقرأ أيضاً:
ماردين عادل تكتب: الصحة النفسية فى القرآن الكريم ومنهجه فى علاج الحزن وتزكية النفس
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
يتميز القرآن الكريم بنظرة شمولية للإنسان تجمع بين الجوانب المادية والروحية والنفسية، وقد أولى عناية خاصة بالصحة النفسية للإنسان وتأثيرها على حياته وسلوكه. فقد تناول القرآن الكريم العديد من الحالات النفسية التى قد تؤدى بالإنسان إلى الهلاك بأسلوب يهدف إلى تهذيب النفوس وإرشادها إلى الخير.
الحزن وأثره على الإنسانومن الجوانب النفسية المؤدية للهلاك والتى التفت إليها القرآن الكريم: الحزن، وهو ألم صامت يسكن القلب، يحوّل النور إلى ظلام، والضحكات إلى دموع، ويجعل الروح تتوق للسلام، وقد تناوله القرآن الكريم باعتباره حالة نفسية خطيرة يمكن أن تؤدى إلى هلاك النفس من عدة جوانب، وتجلى هذا فى نماذج قرآنية عديدة.
من هذه النماذج، سيدنا يعقوب عليه السلام: حيث يصور القرآن أثر الحزن الشديد عليه بقوله تعالى: "وَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَىٰ عَلَىٰ يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ" (سورة يوسف: ٨٤). فقد كان الحزن سببًا كافيًا أوجب له كثرة البكاء فعمى بصره؛ فالحزن، وإن كان مشاعر تسكن القلب، إلا أن آثاره تنعكس على الجسد كله، فيضعف المناعة، ويرهق القلب، ويثقل الجسد بأكمله.
منمنمة إيرانية بعنوان "قميص يوسف" للفنان محمود فرشجيانوفى قوله تعالى: "حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا" (يوسف: ٨٥) حرضًا أى تصل إلى الهلاك أو شدة المرض، كأنَّ الحزن هو الذاهب به إلى الهلاك. وأما فى قوله تعالى : "إِنَّمَا النَّجْوَىٰ مِنَ الشَّيْطَٰنِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْـئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ" (المجادلة: ١٠) يأتى الحزن هدفًا من أهداف الشيطان ليعكر صفو الإنسان، فعندما يسيطر الحزن على الإنسان، يصيبه بالجمود والتوقف عن ممارسة حياته الطبيعية.
يؤثر الحزن العميق والمستمر بشكل مباشر على الصحة النفسية، حيث يخل بالتوازن الكيميائى فى الدماغ، مما يؤدى إلى انخفاض مستويات الناقلات العصبية المسئولة عن الشعور بالسعادة والرضا. هذا الخلل يؤدى إلى تغيرات فى نمط النوم والشهية، ويضعف القدرة على التركيز واتخاذ القرارات. مع مرور الوقت، يمكن أن يتطور الحزن المستمر إلى اكتئاب سريري، خاصة إذا ترافق مع العزلة الاجتماعية وفقدان الاهتمام بالأنشطة اليومية. كما يمكن أن يؤدى إلى اضطرابات القلق وصعوبة فى التعبير عن المشاعر، مما يخلق حلقة سلبية تزيد من تفاقم الحالة النفسية. لذلك حذر الله عز وجل فى كتابه العزيز من الحزن ونهى عنه.
اليأس والقنوطاليأس هو فقدان الأمل والشعور بالعجز عن تحقيق ما يُراد، أما القنوط فهو الإحباط الشديد الذى يصل بصاحبه إلى الاستسلام وعدم توقع الفرج أو التغيير. وقد حذر الله من اليأس باعتباره من الأمراض النفسية الخطيرة، قال تعالى: "وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ" (يوسف: ٨٧). اليأس والقنوط قد يدفعان الإنسان إلى إيذاء نفسه، بل إن معظم حالات الانتحار تنبع من الشعور بهما. لذلك، حذّرنا الله عز وجل من الاستسلام لليأس ونهانا عنه ودعانا إلى التمسك بالأمل.
نهى الله تعالى المؤمنين عن الحزن لأنه يضعف النفوس ويثبط الهمةالنهى عن الحزن والحث على الفرحخاطب الله نبيه صلى الله عليه وسلم فى أكثر من موضع مذكّرًا إياه بعدم الحزن على الذين كذبوا به والمشركين فقال: "وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُن فِى ضِيقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ" (النحل: ١٢٧) كان حزن الرسول صلى الله عليه وسلم على من يكذبونه نابعًا من رحمته العظيمة وحرصه على هدايتهم، فقد كان يتمنى الخير للجميع، وعندما كانوا يرفضون دعوته ويكذبونه، كان ذلك يؤلمه لأنه يدرك عاقبة إعراضهم عن الحق. وقد خاطبه الله فى القرآن الكريم ليواسيه، فقال:"فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَٰذَا ٱلْحَدِيثِ أَسَفًا" (الكهف: ٦)، أى أنك تكاد تهلك نفسك حزنًا على إعراضهم.
نهى الله تعالى المؤمنين عن الحزن لأنه يضعف النفس ويثبط الهمة، مما قد يعوقهم عن السعى والعمل والاعتماد على الله. فالحزن المفرط قد يؤدى إلى اليأس والقنوط، وهما من الأمور التى لا تليق بالمؤمن، لأنه يعلم أن الله معه، وأن الفرج قريب مهما اشتدت المحن. وقد قال الله تعالى: "وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ" (آل عمران: ١٣٩)، تأكيدًا على أن الإيمان يمنح القوة والثبات أمام الابتلاءات، ويعين المؤمن على تجاوز المحن بالصبر واليقين.
ويقول الله تعالى فى قصة أم سيدنا موسى: "فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ"(القصص: ١٣). الله عز وجل يعلم السر وأخفى، فهو مدرك لما تخفيه القلوب من أحزان وآلام. لقد علم مدى الحزن الذى كاد يفطر قلب أم سيدنا موسى عليه السلام، فردّه إليها رحمة بها، لتقر عينها وتسعد. وهنا ندرك معية الله الدائمة للإنسان، وحقيقة قربه منا، كما قال سبحانه: "وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ" (ق: ١٦).
ونلاحظ أن جميع الآيات التى تتحدث عن الجنة ونعيمها تنتهى بـ"وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ"؛ وهذا يعنى أن الحزن يجعل الإنسان يعيش فى كبد، وهذا الكبد والعناء سيزول فى جنة الخلد.
وفى قول النبى لأبى بكر الصديق فى الغار "لا تَحزَن إنَّ اللهَ مَعَنا" (التوبة: ٤٠)؛ يؤكد أن معية الله سبب لعدم الحزن، جاءت كرسالة طمأنينة وسط الخطر، لتبدد الخوف وتزرع الثقة واليقين، تحمل هذه العبارة معنى نفسيًا عميقًا، حيث تحول الانتباه من المخاوف إلى الإيمان، وتنقل القوة من القائد إلى التابع. فهى دعوة للاطمئنان بأن العناية الإلهية تحيط بالمؤمن فى أصعب اللحظات والتى من أجلها الحزن.
"فلا يحزنك قولهم إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون"ودعانا القرآن الكريم فى الآية: "قُل بِفَضلِ اللهِ وبِرَحمَتِهِ فَبِذلِكَ فَليَفرَحوا هُوَ خَيرٌ مِمّا يَجمَعون" (يونس: ٥٨) للفرح بفضل الله ورحمته، التى هى خير من الدنيا وما فيها. وأن الفرح الحقيقى ليس فى المال أو متاع الدنيا، بل فى فضل الله ورحمته، التى تشمل الإيمان والهداية، فهذه النعم هى الخير الدائم الذى يفوق كل ما يمكن للإنسان جمعه من الدنيا، مما يجعل الرضا والقرب من الله أعظم أسباب السعادة الحقيقية.
تتجلى حكمة النهى عن الحزن فى آثاره المتعددة التى تمس جوانب حياة الإنسان كافة. فعلى الصعيد النفسي، يمكن أن يقود الحزن صاحبه إلى دوامة من الاكتئاب والقلق المستمر. أما جسديًا، فإنه يترك بصمته السلبية على صحة الإنسان، إذ يضعف جهازه المناعى ويرفع ضغط دمه. ويمتد تأثير الحزن إلى الجانب الاجتماعي، حيث يدفع الشخص نحو الانعزال والانطواء بعيدًا عن محيطه. والأهم من ذلك كله، أثره الروحى العميق، فهو يوهن العلاقة مع الله سبحانه، ويحجب القلب عن الخشوع فى العبادة، وقد يتطور الأمر ليصل بالإنسان إلى حافة اليأس والقنوط من رحمة الله.
آفة التكبرالتكبر آفة خطيرة من آفات النفس البشرية، وهو من الصفات الذميمة التى تفسد القلوب وتؤدى إلى الهلاك، وحذر منها القرآن الكريم وبين خطورتها على الفرد والمجتمع، فهى خلق ذميم يتمثل فى رفض الحق واحتقار الناس والترفع عليهم بغير حق، وشعور بالغرور والتعالى على الآخرين، سواء كان ذلك بسبب المال أو العلم أو الجاه أو القوة كما ورد فى حديث النبي ﷺ:"الكِبْرُ بَطَرُ الحَقِّ، وغَمْطُ النَّاسِ" (رواه مسلم) وقد حذر القرآن الكريم من التكبر وعواقبه الوخيمة، إذ اعتبره من الصفات التى تبعد الإنسان عن رحمة الله وتوقعه فى الضلال فقال تعالى: "سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِى الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ" [الأعراف: ١٤٦].
رموز التكبر فى القرآن الكريميُعدّ التكبر أول معصية عُرفت فى الوجود، حين أبى إبليس السجود لآدم عليه السلام، مستكبراً بأصله وخلقته. وهو من أشد الذنوب فتكاً بالنفس البشرية، إذ يُهلك صاحبه فى الدنيا والآخرة. وقد حفل القرآن الكريم بنماذج عديدة للمتكبرين الذين حاق بهم سوء العاقبة - عبرةً وعظةً للمؤمنين. فكل من تكبر وتجبر فى الأرض كان مصيره الهلاك والخسران المبين، تحقيقاً لسنة الله فى خلقه. ومن هذه النماذج: إبليس، فهو أول من تكبر فى الخليقة، حيث رفض السجود لآدم عليه السلام. قال تعالى: "وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ" [البقرة: ٣٤]. وقال متعاليًا: "أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِى مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ" (الأعراف: ١٢).
وكان لعدم سجود إبليس لآدم عليه السلام عواقب وخيمة، حيث طُرد من رحمة الله وجنته، ولُعن إلى يوم الدين. يقول الله تعالى: "قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ. وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَىٰ يَوْمِ الدِّينِ" [الحجر: ٣٤-٣٥]. ولم يكتفِ الله بطرده، بل جعله مذمومًا مدحورًا؛ أى مطرودًا مبعدًا من كل خير. وأصبح من الكافرين بعد أن كان من المقربين، وخسر مكانته العظيمة بين الملائكة. كما حُرم من التوبة لإصراره على الكبر وعدم الاعتراف بخطئه.
ومن رموز التكبر والعناد: فرعون، فهو من أشهر المتكبرين فى التاريخ، كان تكبره لعدة أسباب حيث زعم الألوهية واعتمد على قوة جيشه وكثرة جنوده، مما جعله يستضعف بنى إسرائيل ويستعبدهم. قال تعالى: "إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِى الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ" [القصص: ٤].وقال لقومه: " أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ" (النازعات: ٢٤)، تكبر بملكه وسلطانه، حيث قال متباهيًا: "أَلَيْسَ لِى مُلْكُ مِصْرَ وَهَٰذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِى مِن تَحْتِي" [الزخرف: ٥١]. فاغتر بما آتاه الله من ملك وسلطان، وظن أن ذلك من قوته وحوله.
الحزن العميق والمستمر يؤثر بشكل مباشر على الصحة النفسية ويخل بالتوازن الكيميائى فى الدماغتجلت عاقبة تكبر فرعون فى عقوبات متعددة، فقد أخذه الله أخذ عزيز مقتدر، وأغرقه الله وجنوده فى البحر بعد أن تجبر فى الأرض وادعى الألوهية، قال تعالى: "فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِى الْيَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ" (القصص: ٤٠) ولم تقتصر عقوبته على الغرق، بل جعل الله جسده عبرة لمن بعده، حيث قال تعالى: "فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً" [يونس: ٩٢]. فحفظ الله جسده ليكون آية وعبرة للأجيال اللاحقة.
كما أهلك الله ملكه وسلطانه وما كان يعرشون، قال تعالى: "وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ" (الأعراف: ١٣٧) وفوق ذلك كله، جعله الله مثالاً يُضرب للطغيان والتكبر على مر العصور، وتوعده بأشد العذاب فى الآخرة، قال تعالى: "النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ" (غافر:٤٦).
نموذج آخر للكبر هو قارون، وكان المال هو السبب الرئيسى لتكبر قارون، حيث آتاه الله من الكنوز ما أن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولى القوة. وقد تجلى تكبره فى عدة مظاهر من أهمها أنه نسب الفضل لنفسه ولذكائه قال تعالى على لسانه: "إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي" (القصص: ٧٨).
عاقب الله قارون عقوبة شديدة تتناسب مع تكبره فخسف الله به وبداره الأرض، قال تعالى: "فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ" (القصص: ٨١). لم تنفعه كنوزه وأمواله التى تكبر بها، قال تعالى: "فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ" (القصص: ٨١). وعلاوة على ذلك أصبح عبرة لمن كانوا يتمنون مكانه، قال تعالى: "وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ" (القصص: ٨٢). فكان مصيره عبرة لكل من يغتر بماله ويتكبر به على عباد الله، وتذكيراً بأن المال مال الله يؤتيه من يشاء من عباده.
قرآن كريمفضيلة التواضعالتواضع من أهم الصفات التى حثَّ عليها القرآن الكريم. قال تعالى: "وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ" (الحجر: ٨٨)، وفى الآية أمر صريح بالتواضع للمؤمنين، وفى قوله تعالى: "وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ" (الشعراء: ٢١٥).
فقد أمر الله المؤمنين بالتواضع، ومدح المتواضعين، قال تعالى فى وصف عباد الرحمن: "وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا" "الفرقان: ٦٣)، وقال فى وصف المؤمنين: "أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ" (المائدة: ٥٤) وفى الآيات توجيه بضرورة التواضع وفضيلته، فقد وعد الله المتواضعين بالجنة: "تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِى الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا" (القصص: ٨٣) والعلو هو التكبر والتعالي، وهو صفة مذمومة تؤدى بصاحبها إلى الضلال، وتجعله أهلا للعقاب الإلهي، بينما التواضع يرفع الإنسان فى الدنيا والآخرة. وقد قدم لنا القرآن الكريم أمثلة واضحة عن مصير المتكبرين، مما يجعلنا نتخذ العبرة ونسعى إلى التحلى بالتواضع والاعتراف بأن كل النعم من الله وحده.
*ماردين عادل
كاتبة ومعيدة بكلية الآداب جامعة سوهاج
الصحة النفسية في القرآن الكريم، العدد الإليكتروني