تعددت النهضات والهدف واحد
تاريخ النشر: 20th, November 2024 GMT
خالد بن سعد الشنفري
نهضة عمان الأولى "نهضة البناء"، بناء الإنسان والعمران معا بتناغم غير مسبوق، استمرت على مدى نصف قرن من الزمان، ولعمرك إنها فترة زمنية لا تكاد تقاس بمقياس الدول والشعوب، ولكنها بحق كانت نقلة نوعية بعمان، أرض وإنسان، نقلة من الثرى إلى الثريا بزمن قياسي سواء فيما أحدثته في الإنسان "وهو الأهم" بالطبع، أو البنيان والعمران الذي لا يقل أهمية عن سابقه.
كنا قبلها نحاول الخروج عنق الزجاجة التي وجدنا أنفسنا فيها، حيث لم تكن هناك مقومات الحياة التي تحقق متطلباتنا، حتى حققت النهضة الأولى أهدافها بقيادة بانيها ومهندسها السلطان قابوس بن سعيد -طيب أثره وثراه.
واليوم، نعيش كعمانيين في منتصف العقد الأول من نهضتنا الثانية "نهضة التجديد والتطوير" بقيادة الملهم السلطان هيثم بن طارق بن تيمور آل سعيد المعظم- حفظه الله ورعاه- وهي نهضة تجديد وتطوير وبناء على ما ترسخ وبلغ نموه وآتى أكله ليزداد ويزدهر، سواء في جانب كوادرنا الوطنية وهي ثروتنا الحقيقية في شتى المجالات والتي أصبحت قادرة على التعامل مع أدق التقنيات العصرية بكفاءة واقتدار، أو جانب بناء المؤسسات الشامخة في كل جوانب حياتنا.
وهنا نشير لجانبان فقط للاستدلال، هما الجانب التعليمي من أحدث المدارس وملحقاتها ومرافقها وعلى رأسها جامعة السلطان قابوس والعديد من الجامعات التي تغطي كافة ربوع الوطن وتستوعب كل مخرجات الدبلوم العام، وجانب الصحة بمؤسساته التي ينطبق عليها ما انطبق على مؤسسات التعليم.
كل هذه النعم تحتاج الشكر بعد أن أصبحت عمان متطورة على مستوى البنية الأساسية وتقدم جميع المؤسسات في شتى المجالات، في محاولة للوصول إلى مجتمع الرخاء والرفاه للمحافظة على هدف نهضتينا الأساسي وهو الإنسان العماني.
ولذلك، أتوجه هنا في مقالي هذا كشخص عاش ما قبل النهضتين لأبنائي وأحفادي ومن شاءت أقدار الله ورحمته بهم أن لا يعيشوا ويعانوا ماعشناه وعانيناه نحن الآباء ووجب عليه بذلك شكر الله الرازق على نعمائه وأن تكون انطلاقته بعد ذلك في الحياة من هذا المنطلق لتصبح مفعمة بالحياة وبالأمل، وأقول لكم لو عشتم ما عشنا وعانيتم ما عانينا لن نسمع منكم كلمات التذمر من أوضاع قد تصل إلى الأنين والنواح والبكاء أحيانا للاسف الشديد، وكلها ليست من شيمنا ودخيلة على مجتمعنا وقيمه وتحمل في طياتها كثيرا من التقليد الأعمى الذي لا ينطبق على وضعنا وخصوصيتنا.
ونحن وإن كنا لا نلومهم للأسباب التي أشرنا إليها أعلاه ولكننا نجد لزاما علينا كآباء ومربين أن نقول لهم احمدوا الله أولا وقبل كل شيء على كل ما أنتم فيه من خير ونعم يفتقد أقل القليل منها غيركم، وإن النقد والانتقاد لمجرد النقد لكل شيء لن يجدي نفعا ولا يعمر بل يدمر، وإن الصبر على متطلبات الحياة فرض رباني وشيمة أخلاقية تدفعك إلى السمو والترفع عن هذا المسلك والصبر والمصابرة ومواصلة البحث عن مخارج لما تفيدك وتنمي من قدراتك، خصوصا أن بلدنا تتمتع بكل المقومات وبها أعظم الفرص لكل عقل يفكر ولكل يد تعمل، ونذكره بأن الدول والحضارات أيضا تكبر وتشيخ وتمر أيضا بمراحل وهن بعد كل مرحلة، ونحن اليوم في مرحلة التجديد والتطوير وقد بدأت تؤتي أكلها إلا لمن بعينه لا يرى بوضوح، فثقوا في بلدكم وقيادتكم وكونوا معاول بناء لا هدم دون أن تشعروا بذلك.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
مفتي الجمهورية: يجب ألا يُحكم على الإنسان بالكفر إلا ببرهان ساطع
قال الدكتور نظير محمد عياد، مفتي الجمهورية، ورئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم في خطبته في "مسجد مصر الكبير" بالمركز الثقافي الإسلامي بالعاصمة الإدارية بعد ضمه دعويًّا وعلميًّا إلى وزارة الأوقاف، إن من أعظم ما امتن الله تعالى به على هذه الأمة أن خصَّها بهذا الدين القويم الذي اشتمل على الخير للبشرية عامة، وللإسلام والمسلمين على وجه الخصوص، مبينًا أنه قد اشتمل على مقاصد كلية وقواعد ضرورية تدفع إلى تحقيق المصلحة، وتمنع من المفسدة، جلبًا للخيرات للبلاد والعباد، وتحقيقًا لمبدأ الاستخلاف الذي خلق الله الناس له.
ثم انتقل مفتي الجمهورية، إلى بيان خطورة التكفير الذي يعدُّ من أبرز سمات الفكر المتطرف، موضحًا أنه من أهم العقبات التي ابتليت بها هذه الأمة، وأنه من أهم العوامل التي يمكن أن تقضي على آمالها وتفتح الطريق للآلام، وتساعد الأعداء عليها، ويمكن أن تؤدي إلى هلاك العباد والبلاد.
وأوضح أنه يجب ألا يُحكم على الإنسان بالكفر إلا بقرينة واضحة أو برهان ساطع، ويكون ذلك من خلال العلماء مع انتفاء الموانع كالجهل أو الخطأ أو الإكراه أو التأويل، وهذا منهج الأزهر الشريف.
وأشار إلى جملة من أهم الآثار الخطيرة التي تعود على المجتمعات من جرَّاء التسرع في إصدار الأحكام على الناس وتقسيمهم دون حجة أو بيِّنة، مبينًا أن في هذا انتهاكًا لحرمات الناس، ومؤكدًا أن هذه قضية خطيرة حذَّر منها الإسلام، ونبَّهَ عليها لما يلزم فيها من مفاسد، مستشهدًا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «يا أيها الناس، إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا...»، وقوله صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ».
وأكد أن هذا الفكر المتطرف يعمل على استباحه المال والعرض تحت مزاعم واهية، وأقوال فاسدة، لا يراد من ورائها إلا التطاولُ على النفس والمال والعرض، وهي مقاصد ضرورية في الإسلام، مستشهدًا في هذا السياق بقول الله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}، وأوضح فضيلته أن المتأمل في هذه الآية يقف على عقوبة تلو الأخرى من جراء استباحة المال والنفس والعرض، كما استشهد أيضًا بقوله صلى الله عليه وسلم: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَتْلُ مُؤْمِنٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ مِنْ زَوَالِ الدُّنْيَا»، وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث آخر: «مَنْ أَعَانَ عَلَى قَتْلِ مُسْلِمٍ وَلَوْ بِشَطْرِ كَلِمَةٍ، لَقِيَ اللَّهَ وَبَيْنَ عَيْنَيْهِ: آيِسٌ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ».
وبيَّن أن التكفير والتطرف يتنافى مع طبيعة هذا الدين الذي ينظر إلى الإنسان بكل إجلال وإعظام وإكبار وإكرام، فأقر مبدأ الحرية الدينية، وأكَّدَ أن التنوعَ والاختلاف سنة كونيَّة، ودعا إلى مراعاة الكرامة الإنسانية، وأشار إلى الوحدة في أصل الخلقة، ثم جعل التفاوتَ بين الناس مردَّه إلى تقوى أو عمل صالح، فقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}، وقال صلى الله عليه وسلم: «لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ إِلَّا بالتَّقْوَى».
وزير الأوقاف: مسجد مصر الكبير سيكون مركزًا لإشعاع القيم الإنسانية والحضاريةمفتي الجمهورية من مسجد مصر الكبير| الفكر التكفيري يستبيح الأموال والأعراض .. الغش خيانة لله ورسوله والمؤمنين| فيديو
وقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد حذَّرَنا وهو يشير الى هذه العلامات، ويرشد إلى هذه الصفات التي يتصف بها أصحاب هذا الفكر المتطرف؛ ليحذر الإنسان منها في كل عصر، وفي كل مكان، وذلك بقوله صلى الله عليه وسلم في بيان أوصافهم: «يَحْقِرُ أَحَدُكُم صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتهم، وصِيَامه مع صيامهم، وقراءته مع قراءتهم، يقرؤون القرآنَ لا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهم، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّين كما يمرُقُ السهمُ من الرميَّةِ، أينَمَا لَقِيتُمُوهم فَاقتُلوهُم، فَمَنْ قَتَلَهم لَقِيَ اللهَ يَوْمَ القِيَامَةِ وهو عَنْهُ رَاضٍ».
ولفت إلى جملة من الآثار الخطيرة لهذا الفكر المتطرف، ومنها: الإساءة للإسلام بعرضه على غير حقيقته، والدعوة إليه بخلاف ما هو عليه، بما يشتمل عليه هذا الفكر من الغلو والتطرف والتشدد واللا مبالاة، وسد اليسر أمام الناس، وهو ما يتنافى مع طبيعة هذا الدين، ويختلف تمامًا عن مقاصده ومآربه، وهذا بخلاف ما فهمه الصحابة والتابعون الذين رأوا فيه الإيمان والعدل وسعة الدنيا والآخرة، ومن آثار هذا الفكر أيضًا: أنه يؤدي إلى الفرقة والاختلاف، ويدعو إلى الانقسام والتنازع، وهو ما يمكِّن أعداءَ هذه الأمه منها، وهو ما يتنافى مع قول الله تبارك وتعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}، وقوله تبارك وتعالى: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ}، وقوله: {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ}.
وحذَّر مما يتضمنه هذا الفكر الذي يصيب أصحابَه بالخلل في التفكير والسلوك، حيث إنه يُعَدُّ لونًا من ألوان الغش والخداع لله ولرسوله وللمؤمنين، ومن أبرز صور هذا الغش في الدين: الاعتمادُ فيه على المظهر لا على الجوهر، وهو ما يتناقض مع ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ».
وشدَّد في التحذير من جميع صور الغش، وأنه جناية على البلاد والعباد، وخيانة لله وللرسول وللمؤمنين، ومخالفة للتوجيهات الإلهية والهدي النبوي الذي يوجه إلى الأمانة والنصيحة الصادقة الخالصة لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم، موضحًا أن المتأمل يجد أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قرن بين مَنْ غَشَّ وبين مَنْ حَمَلَ السلاح على المؤمنين الآمنين، فقال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ حَمَلَ السِّلَاحَ عَلَيْنَا، فَلَيْسَ مِنَّا»، وقال: «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا».
واختتم الخطبة بهذه النصيحة الغالية بقوله: "فما أحوجَنا أيها الأحبة إلى أن نتلاقى على هذا التوجيه القرآني وتلك المأدبة المحمدية، ننطلق من خلالها لبناء الإنسان وبناء الأوطان، والمحافظة على هذه المقاصد التي تحقق الخير للبلاد والعباد".