آخر تحديث: 20 نونبر 2024 - 12:09 صبقلم: د. مصطفى الصبيحي تعد حياة الإنسان العراقي رحلة معقدة من التغيرات الانفعالية والاجتماعية التي يتداخل فيها تأثير التقاليد الراسخة مع التحولات الجذرية التي شهدها المجتمع العراقي على مر العقود، لاسيما في ظل الحروب والاضطرابات الأمنية التي مر بها البلد. تبدأ رحلة الفرد العراقي منذ الطفولة، حيث يُنشأ في بيئة تُعلي من شأن العائلة والتقاليد المجتمعية.

في هذه المرحلة، يتلقى الطفل العراقي تعاليمه الأولى حول الانتماء للأرض والعائلة والعقيدة، مع تربية تقليدية تركز على التضامن والتكافل. لكن الطفولة في العراق، رغم كونها مليئة بالحب والرعاية، لا تخلو من الاضطرابات التي قد تؤثر على تكوين شخصية الطفل في مجتمعه.مع بداية مرحلة المراهقة، يشهد الفرد العراقي بداية الصراع الداخلي بين ما تربى عليه من قيم اجتماعية وبين الرغبة في التحرر والتفرد. لكن هذا الصراع لا يمر في بيئة محايدة، بل في وسط من التوترات السياسية والاجتماعية التي تمزق البلاد. الحروب التي مر بها العراق، من حرب الخليج إلى الاحتلال الأمريكي ثم النزاع مع تنظيم داعش، كانت لها تأثيرات عميقة على نفسيات الأجيال المختلفة. في ظل هذه الأجواء، يزداد تعقيد المشاعر والتفاعلات النفسية للمراهق العراقي. فالفرد في هذه المرحلة لا يواجه فقط تحديات النمو الشخصي، بل يتعين عليه التكيف مع بيئة مليئة بالعنف والخوف والدمار. ثم يأتي الشباب العراقي، الذي يتحمل تبعات مرحلة العمر الحرجة في وسط من الحروب المستمرة. الشباب العراقي في هذا العصر لا يعرف الاستقرار العاطفي والاجتماعي؛ بل يشهد مرحلة من التحولات الكبيرة، إذ يعاني من شظف العيش جراء الحروب والأزمات الاقتصادية. هذا الجيل، الذي نشأ في ظل الحروب المستمرة، يجد نفسه في صراع دائم مع ماضيه الذي يعكس صورًا مأساوية من الدمار والتهجير والفقد. كانت حرب العراق مع داعش بمثابة نقطة فارقة في حياة كثير من العراقيين، حيث عايش الشباب مشاهد القتل والدمار التي طالت العديد من العائلات. كثير من الشباب فقدوا أحبائهم، سواء كانوا في قتال ضد التنظيم الإرهابي أو ضحايا لجرائمه. الفقد كان متكررًا، حيث لا يقتصر الأمر على الموت في المعركة، بل يشمل مشاهد مقتل الأب أو الأم أو الأخ على يد أفراد التنظيم، ما يعمق من الانكسار النفسي والتدمير العاطفي للشخصية العراقية. في هذا السياق، يصبح الشاب العراقي أكثر تبلدًا في مشاعره، أكثر شكًا في المستقبل، ولكن في نفس الوقت أكثر تمسكًا بتقاليد العائلة والقبيلة، تلك التي تمثل آخر حصون الأمان. الشخصية العراقية في مرحلة النضج تواجه ضغوطًا اجتماعية ونفسية غير مسبوقة. جيل الشباب الذي كان قد شاهد مقتل أحد أفراد أسرته على يد داعش أو غيرها من القوى الإرهابية، يعاني من اضطرابات نفسية طويلة الأمد نتيجة مشاهد العنف المتكررة. التحدي الأكبر هنا لا يكمن فقط في إعادة بناء الحياة بعد هذه الصدمات، بل في كيفية التوفيق بين الهوية الشخصية والعاطفية من جهة، وبين التوقعات المجتمعية من جهة أخرى. يظل الانتماء الاجتماعي والعائلي أحد الركائز التي تحاول الشخصية العراقية التمسك بها رغم كل الأزمات. على الرغم من الضغوطات النفسية والعاطفية الهائلة، تظل الأسرة العراقية بمثابة الملاذ الآمن للفرد، حيث لا يزال المجتمع يشد من أزره في مواجهة الصدمات. مع دخول مرحلة الشيخوخة، يظل الفرد العراقي محملاً بذكريات الحرب والنزوح، ومشاهد الفقد التي ستظل تلاحقه. تعكس الشخصية العراقية في هذه المرحلة مقاومة حية للظروف القاسية التي مرت بها، لكن هذا لا يعني أن التعايش مع الجراح النفسية والاجتماعية يكون سهلاً. لا تزال مشاهد الموت والحروب تلاحق الفرد العراقي حتى في سنواته المتقدمة، حيث لا يمكنه أن يتجاهل الألم الذي عايشه من جراء مقتل أحبائه. كما أن عمليات النزوح والتهجير التي شملت العديد من الأسر العراقية أثرت بشكل كبير في تكوين الهوية الاجتماعية للفرد، حيث أصبح المنفى أو العودة إلى الأراضي التي دُمرت من جراء الحرب جزءًا من معاناته اليومية.الواقع العراقي، بكل ما يحمله من تضحيات وآلام، قد ساهم في تشكيل شخصية عراقية شديدة الصلابة والتحدي، لكنها في الوقت نفسه، مليئة بالقلق والانكسار العاطفي. فالفرد العراقي، رغم كل ما مر به من تحولات اجتماعية وسياسية، يظل متمسكًا بتقاليده العائلية والدينية التي تمثل له جزءًا من مقاومته الداخلية. وبالرغم من التحولات الكبرى التي شهدها العراق، يبقى الأمل في إعادة بناء الذات والمجتمع حاضرًا، على الرغم من الألم الذي تسببه الحروب والأزمات السياسية التي طالما أثرت على كل جوانب الحياة في البلاد.

المصدر: شبكة اخبار العراق

كلمات دلالية: الفرد العراقی

إقرأ أيضاً:

ملتقى ألق الثقافي ينظم جلسة ثقافية حول أهمية القيم والأخلاق

#سواليف

نظم #ملتقى_ألق_الثقافي مساء أمس #جلسة_ثقافية حول أهمية القيم والأخلاق وأثرها على الصحة النفسية للفرد والمجتمع، وذلك في قاعة بلدية إربد الكبرى.
وعرضت الأخصائية النفسية الدكتورة مريم محروم لأهم القيم والأخلاق التي يتحلى بها الفرد في مجتمعنا منذ نعومة أظفاره، مرورا بمختلف المؤثرات الداخلية والخارجية على نفسية الشخص.
وقالت أن أسباب تراجع القيم الإنسانية تعود الى ضعف الوازع الديني وتطورات تكنولوجيا الاتصال الحديثة وسلبية استعمالاتها، إضافة الى غياب القدوة في المجتمع.
وأكدت أهمية تعاون الاسرة والمدرسة والمجتمع في ترسيخ القيم الإنسانية والاجتماعية عند الفرد، داعية جميع المؤسسات المسؤولة من تربوية واجتماعية وهيئات تطوعية للتكاتف وبذل المزيد من الجهد لإعادة الألق لمنظومة القيم التي بتنا نبتعد عنها رويدا رويدا وتؤثر على نفسية شبابنا.
وحذرت من مخاطر الأمراض النفسية وعدم مراجعة المتخصصين بشأنها من بداية ظهور علاماتها على الفرد مثل: العزلة والحزن والإهمال بالنفس، لافتة الى أن التأكد من تشخيص المرض، وتقديم العلاج له مبكرا وفي الوقت المناسب يساعد المريض على الشفاء بسرعة قبل أن يتأزم ويتفاقم المرض.
من جانبها، قالت رئيسة ملتقى ألق الثقافي حمدة الزعبي أن هذه الجلسة تأتي ضمن خطة أنشطة الملتقى التثقيفية والتوعوية بهدف النهوض بواقع الانسان والمجتمع نحو تحقيق التنمية المستدامة.
يشار الى ان ملتقى ألق الثقافي تأسس عام 2019، وله عديد الأنشطة الثقافية المتنوعة لتنمية مهارات وسلوكيات الانسان في العصر الحالي.

مقالات مشابهة

  • محمد بن راشد: 200 مليون شاب أملنا بالمستقبل الذي نطمح إليه
  • كتاباتي: متى تتغير حياة الإنسان؟
  • اليمن.. عام من الصمود والتحولات الكبرى في معركة طوفان الأقصى
  • التوفيق الإلهي بين النجاح والخسران في مسيرة الإنسان
  • هيومن رايتس:حكومة السوداني أنتهكت حقوق الإنسان العراقي بالقوانين القاسية والاساليب التعسفية
  • العفو الدولية:حكومة السوداني أنتهكت حقوق الإنسان العراقي بالقوانين القاسية والاساليب التعسفية
  • ملتقى ألق الثقافي ينظم جلسة ثقافية حول أهمية القيم والأخلاق
  • تعرف علي مراحل اكتشاف القمر مشرقا
  • الشباب والرياضة بالقليوبية تعلن حصاد 100 يوم من مبادرة "بداية جديدة لبناء الإنسان"
  • وحدة السكان تقدم درع التكريم لمحافظ الأقصر تقديرًا لدوره في تعزيز المسؤولية المجتمعية