باريس- أرسلت عشرات الشخصيات من كبار السياسيين والقادة العسكريين والخبراء الأوروبيين رسالة مفتوحة، أمس الثلاثاء، تدعو من خلالها أوروبا وكندا إلى توحيد الجهود للدفاع عن أوكرانيا ضد روسيا وعدم الانتظار حتى تنفيذ خطة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب.

وتأتي هذه الخطوة في وقت يترقب فيه الجميع ـوخاصة في أوروباـ مستقبل المساعدات الأميركية لأوكرانيا والقرارات التي ستعلن عنها إدارة ترامب ابتداء من يناير/كانون الثاني المقبل.

ويرى عدد من الموقعين على الرسالة أن الوقت قد حان للتحرك بشكل فعال لمواجهة التهديد الروسي وتأمين أوكرانيا من أجل صياغة نظام أمني أوروبي أطلسي مستقر من خلال تشكيل تحالف دولي تقوده بولندا ودول الشمال الأوروبي والمملكة المتحدة وفرنسا وكندا وهولندا.

أهداف واضحة

وفي تفاصيل الرسالة، اقترح الخبراء تسليح أوكرانيا ومنحها ما تحتاجه لتحقيق النصر من مخزوناتها الخاصة ونقل التكنولوجيا والاستثمار في صناعة الدفاع الأوكرانية مع التركيز على القدرات اللازمة لكسب الحرب، بما في ذلك الضربات الدقيقة بعيدة المدى والحرب الإلكترونية، والاستخبارات والذخائر المضادة للطائرات والسفن والدبابات.

كما دعا الموقعون إلى الاستيلاء على جميع الأصول الروسية المجمدة لتمويل كييف على اعتبار أنه أمر ممكن اقتصاديا وقانونيا بموجب المبدأ الدولي للتدابير المضادة.

وفي هذا الإطار، أوضح مدير مبادرة الإستراتيجية الديمقراطية في برلين، بينجامين تاليس، أن الهدف هو الالتزام بدعم كييف للفوز عن طريق الاستثمار في صناعة الدفاع وتوسيع الدفاع الجوي فوق غرب أوكرانيا واستخدامه لتغطية قوات التحالف على الأرض، وإظهار الدول قدرتها على تقديم ضمانات أمنية لأوكرانيا في الفترة التي تسبق انضمامها إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) بعد انتهاء الحرب.

وعن رمزية التوقيت، قال تاليس، في حديث للجزيرة نت، إن "هذا هو الوقت المناسب للتحرك، لأن أوروبا يمكنها أن تتدخل بالتعاون مع كندا لتشكيل تحالف دولي من شأنه تغيير مجريات الحرب لصالحنا بالفعل والدفاع عن أنفسنا وأمننا".

بدوره، أكد المسؤول السابق في الناتو إدوارد هانتر كريستي أن الخوف الكبير في جميع أنحاء أوروبا من تراجع المساعدة الأميركية لأوكرانيا أو إجبارها على نوع من الاستسلام أصبح واضحا، "واليوم، نحن بين اللحظة التي انتخِب فيها ومرحلة دخول قراراته حيز التنفيذ، وهي فترة قصيرة أمام الأوروبيين للتنظيم واتخاذ قرارات مهمة لزيادة الدعم لكييف".

وفي حديث للجزيرة نت، يرى كريستي، وهو باحث في المعهد الفنلندي للشؤون الدولية، أن الأمر لا يتعلق بثنائية القدرة على القيام بشيء ما أو عدمه، وإنما القيام بأكبر قدر ممكن والتحرك بأقصى سرعة، وهذا هو فحوى الرسالة، معتبرا أنه من الأفضل سياسيا أن يتم ذلك في غضون الشهرين المقبلين قبل تولي ترامب منصبه فعليا.

ترامب تحدث مرارا وتكرارا عن رغبته في إنهاء الحرب بأوكرانيا (رويترز) تحالف أوروبي كندي

ويذكر كريستي أن الأصول الروسية المجمدة البالغة 300 مليار دولار تعادل 4 أضعاف المساعدات العسكرية الأميركية لأوكرانيا منذ عام 2022، ونحو 75% من إجمالي المساعدات الغربية حتى الآن.

وبالتالي، سلطت الرسالة الضوء على وجود معظم هذه الأصول المجمدة في أوروبا، وأن كندا يتوفر لديها تشريعات جاهزة، مما يمنح الدول المتحالفة شرعية "الاستيلاء على تلك الموجودة في ولايتها القضائية دون تأخير لإنشاء سابقة يمكن لحلفاء الناتو الآخرين اتباعها"، يضيف المتحدث.

ولا يعتقد بينجامين تاليس أن هذه المطالبات والمقترحات للتحرك جاءت متأخرة، لأنها بدأت منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا "لكن عددا من المراقبين استيقظوا فعليا على انتخاب ترامب، مما أدى إلى تضاعف قلقهم بشأن سياسته المقبلة والخطر الذي قد تواجهه أوكرانيا وأوروبا أيضا"، على حد تعبيره.

وبالنسبة للمتحدثيْن -اللذين ساهما في صياغة الرسالةـ تعد كل من بولندا ودول البلطيق والمملكة المتحدة وفرنسا وكندا وهولندا من الدول المحورية ضمن ما سموه بـ"تحالف الدول الراغبة بدعم أوكرانيا"، والذي يهدف إلى التخلي عن العمل على أساس مؤسسات حلف شمال الأطلسي أو الاتحاد الأوروبي.

ولتفسير هذا المفهوم بشكل أدق، أوضح كريستي أن معناه هو "عدم ضرورة التحرك وفق اجتماع الناتو أو اتفاق جميع أعضاء الاتحاد الأوروبي لأنه في العادة يتم اتخاذ تدابير أضعف وأقل شجاعة، بسبب وجود بعض حكومات الدول التي تمنع القرارات النهائية أو تعرقلها".

وأضاف المسؤول السابق في الحلف أن المخاطر التي سيواجهها الأوروبيون داخل الناتو بمجرد وصول ترامب إلى السلطة هي احتمال عدم حرصه على قيام الولايات المتحدة ببذل المزيد من الجهود، "وهو ما قد يؤدي إلى ضعف الحلف في مساعدة أوكرانيا في ظل وجود دول إشكالية مثل المجر وسلوفاكيا اللتين لا تقدمان الدعم بما فيه الكفاية على المستوى الأوروبي".

تكتيك للمستقبل

ويعتبر السياسيون والقادة العسكريون والخبراء المؤيدون لتفاصيل الرسالة أن أصول الدفاع الجوي المتمركزة في دول التحالف أو المرسلة إلى الدول المجاورة لأوكرانيا ستوفر درعا فوق غرب أوكرانيا، وتخفف بعض الضغط عن أصول الدفاع الجوي الأوكرانية.

وبالتالي، سيوفر هذا التكتيك العسكري لدول التحالف بعد ذلك استخدام هذا الدرع لوضع قواتها على الأرض، كما اقترح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في وقت سابق من هذا العام، للمساعدة في تدريب القوات الأوكرانية وتقديم الدعم اللوجيستي وإزالة الألغام وغيرها من المهام.

وقد أعلن ماكرون على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو، الاثنين الماضي، أن الرئيس الأميركي المنتهية ولايته جو بايدن اتخذ "قرارا جيدا" بالسماح لأوكرانيا باستخدام أسلحة تصنعها الولايات المتحدة لضرب داخل روسيا، مشيرا إلى أن هذا المسار الجديد يأتي ردا على التصعيد الروسي للصراع باستخدام جنود من كوريا الشمالية للخدمة إلى جانب قواتها.

واتفق تاليس وكريستي على أن تصريحات ماكرون جاءت متأخرة، وأن قرار بايدن في الاتجاه الصحيح، إلا أنه غير كاف وجاء متأخرا، في ظل استمرار القيود على استخدام الأسلحة الأميركية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات

إقرأ أيضاً:

هل ينجح نتنياهو في استغلال جثة بيباس لتفجير اتفاق غزة؟

يبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يسعى لاستغلال قضية جثة الأسيرة شيري بيباس لتعطيل اتفاق تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار في قطاع غزة، وفقا لمحللين إسرائيليين.

وكان نتنياهو قد أعلن في وقت مبكر فجر اليوم الجمعة أن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) لم تسلم جثة شيري بيباس ضمن الجثث التي أعيدت إلى إسرائيل أمس الخميس، زاعما أن الجثة التي سلمت إلى إسرائيل تعود لامرأة من غزة.

وفي تفسير لما حدث، أعلن القيادي في حركة حماس إسماعيل الثوابتة في وقت سابق أن جثة الأسيرة الإسرائيلية بيباس تحولت إلى أشلاء بعد قصف إسرائيلي على موقع وجودها واختلطت بأشلاء ضحايا آخرين على ما يبدو.

ويرى الخبير بالشأن الإسرائيلي شادي الشرفا أن هناك نوايا مبيتة لدى اليمين الإسرائيلي من أجل استغلال الحدث لتفجير مفاوضات المرحلة الثانية، لكنه استبعد نجاح ذلك لأن الإسرائيليين كانوا قد تفاجؤوا عندما أعلنت حماس أن لديها الاستعداد للإفراج عن الأسرى دفعة واحدة، وضبط الأمور ومعرفة أين يوجد الأسرى.

ورجح أن تستغل إسرائيل موضوع الجثة لتمديد المرحلة الأولى من الاتفاق لكي لا تدفع استحقاق المرحلة الثانية، أي أنها تريد الاستمرار في عملية التبادل للإفراج عن أكبر عدد من الأسرى الإسرائيليين المحتجزين لدى المقاومة في غزة.

إعلان

وأشار المتحدث نفسه إلى وجود صعوبات كبيرة في مسألة انتشال جثث الأسرى في غزة، خاصة وأن الاحتلال الإسرائيلي يعيق إدخال المعدات الثقيلة إلى القطاع من أجل إزالة الركام، مشيرا إلى أن الاحتلال يتحمّل مسؤولية قتل أسراه.

وعطّل نتنياهو الدخول في مفاوضات المرحلة الثانية من اتفاق غزة، ولديه توجه يقضي بتمديد المرحلة الأولى من الاتفاق أو الذهاب إلى المرحلة الثانية والإفراج عن الأسرى، لكن دون الحديث عن وقف الحرب في قطاع غزة.

ووفق الشرفا، فإن الموقف الأميركي يتسم بتناقض، فمن جهة يتحدث المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط ستيفن ويتكوف عن أن المرحلة الثانية يفترض أن تؤدي إلى إنهاء الحرب على غزة، في المقابل يطرح وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو موقفا يتماهى مع الموقف الإسرائيلي بالقول إنه "يجب تدمير حماس".

ويعتقد الخبير في الشأن الإسرائيلي أن الكرة الآن في الملعب الفلسطيني، إذ إن فصائل المقاومة الفلسطينية عليها أن تدرس الموقف الإسرائيلي، مؤكدا أن المقاومة تدرك إمكانية العودة إلى الحرب، وهي تعد نفسها لجولة أخرى من الحرب.

وبدورها، تحدثت مراسلة الجزيرة نجوان سمري عن استغلال كبير داخل إسرائيل لموضوع جثة الأسيرة، حيث يُشن هجوم واسع على حركة حماس وتهديدها بدفع "ثمن باهظ على خرق الاتفاق"، وهناك دعوات من اليمين المتطرف، وعلى رأسهم وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، إلى استئناف الحرب.

ورغم التهديد والوعيد من قبل نتنياهو والجيش الإسرائيلي لحركة حماس، فإن مسؤولا إسرائيليا كشف لوسائل إعلام إسرائيلية صباح اليوم  الجمعة -وفق نجوان- أن إسرائيل ستلتزم بما هو مقرر غدا السبت، حيث سيتم الإفراج عن 6 أسرى أحياء مقابل إفراجها عن أسرى فلسطينيين.

يذكر أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يتعرض لانتقادات داخلية بسبب موقفه من صفقة تبادل الأسرى مع المقاومة الفلسطينية.

إعلان

ومن المفترض أن تبدأ الأيام المقبلة المفاوضات بشأن المرحلة الثانية من الاتفاق، التي من المتوقع أن تشمل إعادة نحو 60 أسيرا متبقيا يعتقد أن أقل من نصفهم على قيد الحياة، فضلا عن انسحاب كامل للقوات الإسرائيلية من قطاع غزة وانتهاء الحرب.

مقالات مشابهة

  • روبيو: بحثت مع وزير الخارجية البولندي أهمية زيادة الإنفاق الدفاعي لدول الناتو
  • ماهي أسباب عزل “العراق” عن اجتماع “الناتو العربي” في الرياض؟
  • أوروبا تخشى صفقة غير متوازنة في مفاوضات أوكرانيا.. هل يدفع ترامب القارة إلى حافة الهاوية؟
  • هل ينجح نتنياهو في استغلال جثة بيباس لتفجير اتفاق غزة؟
  • الناتو: الدعم الأمريكي شرط الضمانات الأمنية لأوكرانيا
  • الناتو: الضمانات الأمنية لأوكرانيا تحتاج إلى دعم أميركي
  • بريطانيا: روسيا مصدر تهديد أبعد من أوكرانيا وعلينا مواجهة هذا التحدي
  • الناتو: نريد رؤية نهاية لحرب أوكرانيا
  • قاليباف: العدو الصهيوني كما فشل حتى الآن لن ينجح في المستقبل أيضا
  • قمة مصغرة ثانية بالإليزيه هل توحّد الأوروبيين أمام ترامب وبوتين؟