القرار وعكسه.. سمة السياسة الاقتصادية المصرية
تاريخ النشر: 16th, August 2023 GMT
تميزت القرارات الاقتصادية المصرية في الفترة الأخيرة ببطء أثر على فعاليتها في معالجة المشكلات الاقتصادية. كما أظهرت تسرعا نحو المشروعات المسماة بـ"القومية" على حساب الأولويات المجتمعية كالصحة، التعليم، المواصلات، والغذاء. وفي الآونة الأخيرة، أضيف إلى ذلك ظاهرة التناقض في بعض القرارات مقارنة بما أُعلن سابقا حول المشكلات نفسها.
ومن أمثلة هذه التناقضات ما يلي:
أولا: في ضوء المادة السادسة من قانون البنك المركزي، التي تستهدف استقرار الأسعار، ركز البنك على سحب السيولة من السوق عبر مزادات أسبوعية. وقامت البنوك العامة بإصدار شهادات إيداع بفوائد مرتفعة لجذب الأموال إلى البنوك مما يؤدي لتقليل من الطلب على السلع وضمان استقرار الأسعار.وعندما تولى المحافظ الحالي للبنك المركزي المنصب، استمر في هذه السياسة ورفع نسبة الاحتياطي الإلزامي من ودائع البنوك في البنك المركزي إلى 18%، مما أدى إلى تقليل النقد المتداول.
لكن من فبراير/شباط إلى يونيو/حزيران من العام الحالي، أصدر المحافظ ذاته نقدا بقيمة 219 مليار جنيه (ما يطلق عليه عملية طبع النقود)، وهو إجراء يتناقض مع السياسات السابقة وكان له أثره على تباطؤ معالجة التضخم الذي بلغ مستويات قياسية في الأشهر الأخيرة.
ثانيا: استجابة لمطالب صندوق النقد الدولي وتوصيات المؤتمر الاقتصادي الذي عُقد في أكتوبر/تشرين الأول 2022، صدر القانون رقم 159 لسنة 2023 ليلغي الإعفاءات الضريبية للشركات الحكومية في الأنشطة الاستثمارية والاقتصادية.لكن على عكس التوجه السابق، تم في الشهر نفسه إصدار القانون رقم 162، الذي يعفي المقاولين والموردين المشاركين في مشروعات هيئة المحطات النووية من جميع الضرائب والرسوم.
مثال آخر، ففي نهاية العام الماضي، أصدرت الدولة وثيقة تهدف إلى تقليل الدور الاقتصادي الحكومي وفتح المجال أمام القطاع الخاص لقيادة الاقتصاد، وذلك استجابة لمطالب صندوق النقد والبنك الدوليين.
ورغم ذلك، فقد صدر قرار من رئيس مجلس الوزراء يسمح للهيئة (العامة) للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس بالمشاركة في تأسيس شركة المنطقة الاقتصادية للاستثمار، التي تعمل كمطور صناعي، تنافس الشركات الخاصة في نشاطها.
ثالثا: دعت التوصية الـ23 من المؤتمر الاقتصادي إلى مراجعة كافة الرسوم على المستثمرين، وذلك استكمالا لقرار مجلس الوزراء في يونيو/حزيران من العام الماضي بعدم فرض رسوم جديدة عليهم.ومع ذلك، تم تعديل قوانين ضريبية في يونيو/حزيران من هذا العام تفرض أعباء إضافية على الشركات والمواطنين. وظلت الجهات الحكومية تحتسب رسوما على الشركات، بل وزادت الرسوم في بعض الوزارات والمحافظات.
رابعا: طالب الصندوق الدولي في اتفاق القرض الجديد بمزيد من الشفافية في ميزانيات الشركات الحكومية والمشتركة والصندوق السيادي. ورغم مرور 8 أشهر على الاتفاق، فإن الشفافية لم تتحقق.على عكس ما طلب الصندوق، زادت رقابة الدولة على البيانات المنشورة، ولا سيما بيانات الاستثمار الداخلي التي كانت تنشرها وزارة المالية والبنك المركزي، فقد حذف منها ما يتعلق بالقطاع الخاص، فجعل من المستحيل فهم الدور الفعلي للقطاع الخاص في الاستثمارات الكلية.
حذفت وزارة التخطيط أيضا بيانات استثمارات المشروعات المركزية، التي كانت تشير إلى استثمارات الجهات السيادية، وذلك في الخطة القومية للاستثمارات للعام المالي الحالي، مما أسهم في غموض استثمارات هذه الجهات التي تنافس القطاع الخاص بشدة.
تميزت القرارات الاقتصادية المصرية مؤخرا ببطء أثر على فعاليتها في حل المشكلات، كما أظهرت تسرعا نحو المشروعات المسماة بـ"القومية" على حساب الأولويات المجتمعية، وأخيرا بالتناقض
خامسا: أثار قرار محكمة الأمور المستعجلة بتاريخ 25 من الشهر الماضي، الذي يتعلق برفع التحفظ عن الأموال المختلفة لحوالي 146 شخصا، تفاؤل القطاع الاقتصادي. واعتبر الكثيرون ذلك إشارة إيجابية للقطاع الخاص.ولكن لم يستمر التفاؤل طويلا، فقد نشرت صحيفة "الوقائع الرسمية" خلال الشهر الحالي قرارات تتعلق بإدراج 119 مستثمرا جديدا على قوائم الإرهابيين، مما أضر بفعالية القرار السابق وأعاد فقدان الثقة، ومع الإضافات الأخيرة للقائمة بلغ إجمالي من أدرجوا في قائمة الإرهاب خلال العام الحالي نحو 1009 أشخاص.
وبناء على القانون 8 لسنة 2015، يؤدي إدراج اسم شخص في قائمة الإرهابيين إلى عدة تدابير، منها منعه من السفر، وتجميد أمواله، وفقدان شرط السمعة والسيرة لتولي الوظائف العامة.
سادسا: رغم مطالبة صندوق النقد الدولي بأن يلغي البنك المركزي مبادرات التمويل بفوائد مخفضة التي يقدمها لبعض القطاعات، فإن مجلس الوزراء أصدر في الشهر الأول من العام مبادرة جديدة لتمويل الصناعة والزراعة بفائدة 11%. ومع ذلك، لم يتم تنفيذ هذه المبادرة حتى الآن.وما حدث على أرض الواقع هو أن زادت أعباء القطاعات الاقتصادية بسبب رفع الفائدة مرتين هذا العام، مما أوصل معدل الفائدة إلى 19.25%. تضاف إلى هذه النسبة التكاليف التي تضعها البنوك التجارية عند تحديد سعر الاقتراض. وذلك في حين لا تزيد نسبة الفائدة في العديد من الدول الأخرى عن 5%. وكل هذا يؤثر سلبا على تنافسية المنتجات المصرية في الداخل والخارج.
سابعا: أعلنت مصر في أكتوبر الماضي اتباع سياسة سعر صرف مرن. وأعادت التأكيد على هذه السياسة في ديسمبر/كانون الأول عند إعلان اتفاقها الجديد مع صندوق النقد الدولي.ورغم ذلك، فقد ثبّت البنك المركزي المصري سعر الصرف إداريا منذ منتصف مارس/آذار وحتى الآن. وأثر هذا على مصداقية البنك وأدى لظهور سوق موازية للصرف وأضر بتصنيف مصر وعدد من بنوكها دوليا، وهو ما أدى لارتفاع تكلفة الاقتراض الخارجي وزيادة صعوبته، فطال بذلك أمد أزمة نقص العملات الأجنبية.
وفيما يخص التوصيات الاقتصادية التي كانت تركز على الارتقاء بنوعية النمو الاقتصادي ليصبح مدفوعا بشكل أساسي بالاستثمار والصادرات عوضا عن الاستهلاك، فقد أظهرت بيانات البنك المركزي تراجع الاستثمار الأجنبي المباشر بنسبة 46% مقارنة بالربع الأول من العام الماضي، وتراجع قيمة الصادرات بنسبة 19% خلال النصف الأول من العام الحالي.
ثامنا: أعلنت الحكومة عن سياسة ترشيد الاقتراض الخارجي. وحذرت توصيات المؤتمر الاقتصادي من الاستدانة الخارجية لتأسيس المشروعات الإستراتيجية.ولكن ما حدث في حقيقة الأمر هو تزايد الاقتراض من الخارج بعد المؤتمر، وبدء مشروعات جديدة -وخاصة في مجال النقل- باستخدام القروض الخارجية.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معناوظائف شاغرةترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: البنک المرکزی صندوق النقد من العام
إقرأ أيضاً:
البنك المركزي العراقي 77 عاما في مسيرة التحديات والاصلاحات
في 2024/11/16 يكون البنك المركزي العراقي قد مضى على تاسيسه ومباشرته بمهامه 77 عاما .مر خلالها بمراحل من التحديات الاقتصادية والمالية التي واجهت تطبيقات السياسة النقدية .
وكان خلال تلك السنوات في مواجهة مباشرة لتجاوز تللك التحديات والتأثيرات السياسية والتغيرات في الانظمة الاقتصادية التي كانت سائدة انذاك. ومع ذلك اثبت البنك المركزي انه مؤسسة اقتصادية مالية سيادية رصينة تاسست في عام 1947 من القرن الماضي وهو المختص برسم مسارات وسياسات تطبيقات السياسة النقدية والاشراف والرقابة على القطاع المصرفي ويعتبر المستشار المالي للحكومة. وكان دوره اساسيا في ادارة العملية الاقتصادية في العراق وتولى على قيادة ادارته 24 محافظا اتسموا بخبرات ومواصفات فنية وادارية متميزة .
وبعد التغيير في عام 2003 ووفقا لقانونه الجديد 56 لسنة 2004 ومن خلال ادارتة للسياسة النقدية وتحقيق اهدافها حيث مرّ العراق خلال 21 سنة الماضية بمرحلة مهمة من مراحل نظامه الاقتصادي حيث شمل التغيير بداية تطبيقات جديدة للبناء الاقتصادي تعتمد بناء مقدمات الانتقال من فلسفة واستراتيجيات النظام الاقتصادي المركزي في إدارة الاقتصاد إلى فلسفة واستراتيجيات وآليات اقتصاد السوق. لذلك فان البنك المركزي العراقي خطى خطوات تطور كبيرة باتجاه الانتقال من النشاط الصيرفي الى النشــــاط الحقيقي والتنموي خصوصا خلال السنوات الثمانية الاخيرة فمنذ صدور القوانين التي تنظم العمل المصرفي في عام 2004 تحققت إنجازات كبيرة في مجال الحد من التضخم الجامح الذي كان يعاني منة العراق والوصول به إلى معدلات جيدة ومتقدمة على مستوى الدول المجاورة والاقليمية.
كما تشير البيانات والمؤشرات المالية وأن البنك المركزي العراقي استطاع المحافظة لعدة سنوات على سعر صرف الدينار العراقي مقابل الدولار الأميركي بشكل متوازن بالرغم من التذبذب والتباين صعوداً ونزولاً تبعاً للظروف الاقتصادية الصعبة والازمــــات المالية والاقتصادية بسبب الانخفاض في اسعار النفط والحرب على الارهاب والمضاربات التي تحدث في الأسواق. كما حافظ على المستوى العام للاسعار حيث يلاحظ أن التدخل اليومي للبنك المركزي العراقي في إدارة ادوات السياسة النقدية في ضوء معطيات السياسة النقدية واصداره التعليمات والضوابط والمذكرات واللوائح التنظيمية والارشادية التي تنسجم مع المعايير الدولية ومتطلبات انظمة ومعايير الامتثال ومكافحة غسل الاموال وتمويل الارهاب واصدار قانون ينظم ذلك برقم 39 لسنة 2015 وتصفية الملاحظات المشخصة من قبل مجموعة العمل للمالي (FATF) والتي نقلت العراق من المنطقة الرمادية الى المتابعة الاعتيادية وحاول السيطرة على الخروقات التي تحدث بالمراجعة والتقييم وتصنيف المصارف لاغراض الثقييم الشامل وفق نظام (camels) واستخدام المنصة الالكترونية لاغراض نافذة بيع العملة الاجنبية والتحويلات الخارجية وتحفيز وتشجيع المصارف على ايجاد علاقات مصرفية جديدة مع البنوك الاجنبية المراسلة بهدف السيطرة على حركة العملة الأجنبية والحد من التصرف بها بخلاف الاهداف الاقتصادية المحددة لتطبيقات السياسة النقدية وتحقيق وصول 95%من الحوالات الخارجية بشفافية عالية في 2024الى المستفيد الاخير .
حيث إن التعامل ببيع العملة الأجنبية يعتبر من أكبر عمليات السوق المفتوحة في السيطرة على مناسيب السيولة المحلية ووضع الفائض النقدي في مساراتة السليمة وهو مؤشر اقتصادي جيد بأن يتم استقرار سعر الصرف بالرغم من الظروف الاقتصادية الصعبة التي مر بها العراق مابعد 2014 و2020 و2022 كذلك استطاع البنك المركزي العراقي الاحتفاظ باحتياطي نقدي أجنبي جيد تجاوز حاليا 100 مليار دولار اضافة الى احتياطه من الذهب بحدود 153 طن. بالرغم من ظروف الركود والمتغيرات الاقتصادية العالمية ، ومع ذلك فقد شكلت الاحتياطيات غطاءا أميناً للدينار العراقي بنسبة 140% في التداول ولتغطية التجارة الخارجية كما ساهم بشكل واضح في تغطية العجز في الموازنات العامة وفقا لما هو مخطط من خلال اعادة خصم سندات الخزينة التي تصدرها وزارة المالية واصدارة لسندات الخزينة الدولية اضافة الى اشادة البنك الدولي ببرامج الاصلاح الاقتصادي والمالي التي اعتمدها البنك المركزي وفقا لاستراتيجيتة الاولى والثانية والثالثة وتوقعاته بنسب نمو جيدة خلال العام القادم 2025بحدود 5.3% للاقصاد العراقي مسجلا تقدما على مستوى الدول العربية والاقليمية .
وتشكيل لجنة مشتركة فيما بينه وبين المالية للتنسيق بين السياستين المالية والنقدية وقد تحققت بسبب ذلك اجراءات تنسيقية عديدة. ان الاجراءات الاقتصادية والمالية المحسوبة والجريئة التي قام بها البنك المركزي وتجربته الناجحة في تقديم الدعم المتواصل للاقتصاد العراقي اضافة الى مبادرته بتنشيط الدورة الاقتصادية وتحفيز الاقتصاد واطلاق ومتابعة تنفيذ مبادراته المتعدده لتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة والاسكانية واطلاقه الاستراتيجية الوطنية للاقراض المصرفي في العراق وتحقيق هدفين اقتصادي واجتماعي في آن واحد كذلك اتخاذ اجراءات اخرى مهمة بتأسيس الشركة العراقية لضمان الودائع والتي باشرت مهامها لغرض اعادة الثقة بالقطاع المصرفي وزيادة نسبة الادخار للكتلة النقدية في المصارف على حساب نسبة الاكتناز . والتهيئ لاطلاق استراتيجية الشمول المالي قريبا والتي بلغت نسنته بحدود 48% .
ان كل ذلك رافقه تطورات بنيوية وهيكلية وتطويرية في كافة دوائر البنك الاختصاصية والنوعية والتركيز على ادارة الجودة الشاملة والتطوير المؤسسي واعتماد المعايير الدولية والالتزام بقواعد وانظمة الامتثال وادارة المخاطر ومكافحة غسل الاموال وتمويل الارهاب والتوعية المصرفية والتطورات التقنية في انظمة المدفوعات والدفع الالكتروني وتكنلوجيا المعلومات والعمل بشكل متسارع بالتعاون مع الحكومة بالانتقال من الاقتصاد النقدي الى الاقتصاد الرقمي مما ساهم بالانتقال بسياسات واجراءات العمل بالبنك المركزي الى مرحلة متقدمة على خطى تحقيق الاستقرار الاقتصادي والمالي والمصرفي وبشكل خاص الاتفاق مع الشركات الاستشارية والتدقيقية العالمية لغرض هيكلة وتطوير القطاع المصرفي الحكومي والخاص .