وليد السبيعي

شهدت السينما الكورية رحلة رائعة من بداياتها المتواضعة في صناعة الأفلام إلى أن أصبحت قوة ثقافية وسينمائية عالمية بفضل قصصها الفريدة، ورؤاها العميقة في المجتمع، وجمالياتها الجريئة، تركت الأفلام الكورية أثراً كبيراً على الجماهير والنقاد في مختلف أنحاء العالم.

بدأت السينما الكورية رحلتها في أوائل القرن العشرين خلال فترة الاحتلال الياباني (1910-1945).

يعتبر فيلم Uirijeok Gutu عام 1919، الذي جمع بين المسرح والفيلم، علامة بارزة في التعبير الثقافي الكوري. ومع ذلك، كانت القيود السياسية والرقابة خلال الحكم الياباني تحد من إبداع المخرجين الكوريين.

بوستر تخيلي لفيلم Uirijeok Gutu من العام (1919) حين كانت كوريا تحت الاحتلال الياباني

بعد الحرب الكورية (1950-1953)، دخلت السينما الكورية فترة “العصر الذهبي” في الخمسينيات والستينيات، حيث شهدت زيادة في إنتاج الأفلام. كان من بين المخرجين البارزين في هذه الفترة كيم كي-يونغ، الذي قدم فيلمه الكلاسيكي الخادمة عام 1960، وهو فيلم محلي ودولي حاز على شهرة واسعة بسبب تصويره المظلم لانهيار أسرة وما يتضمنه من تعليق معقد على الهياكل الاجتماعية.

المخرج كيم كي يونغ Kim Ki-young الذي اشتهر بأفلام الرعب والتلاعب بالأعصاب بوستر لفيلم The Housemaid الذي أنتج عام (1960) للمخرج كيم كي يونغ

واجهت السينما الكورية فترة من التحديات والتراجع في السبعينيات والثمانينيات بسبب الأنظمة العسكرية التي فرضت قوانين صارمة للرقابة، ما أدى إلى كبت الإبداع الفني. خلال هذه الفترة، كانت الصناعة تعاني من المنافسة مع الأفلام الهوليوودية. ومع ذلك، شهدت التسعينيات انتعاشًا تدريجيًا بعد الإصلاحات الديمقراطية التي سمحت بمزيد من الحرية الإبداعية.

مع الحرية الجديدة، بدأ المخرجون في استكشاف أنواع مختلفة من الأفلام وطرح قصص جريئة. برز مخرجون موهوبون مثل إيم كوان-تيك، الذي حاز على الإشادة من خلال فيلم سوبونجي (1993) الذي استكشف موسيقى تقليدية كورية بعمق شعري، مما أظهر الجانب الفني والعاطفي للسينما الكورية.

المخرج إيم كوون تايك Im Kwon-taek الحائز على العديد من الجوائز العالمية والذي ساهم بجذب الانتباه العالمي للسينما الكورية فيلم Sopyonje الذي أنتج عام (1993)


شهدت السينما الكورية مع بداية الألفية الجديدة قفزة وذروة سينمائية بدأت تجذب انتباه العالم، خلال هذه الفترة، برز مخرجون مؤثرون مثل كيم جي-وون، وبارك تشان-ووك، الذين استخدموا أساليب سرد قصصي مبتكرة، مما جعل الأفلام الكورية دعامة أساسية في المهرجانات السينمائية العالمية.

المخرج كيم جي وون Kim Jee-woon فيلم I saw the devil (2010) للمخرج
Kim Jee-woon فيلم A bittersweet life (2005) للمخرج
Kim Jee-woon فيلم A tale of two sisters (2003) للمخرج
Kim Jee-woon

برز المخرج بارك تشان-ووك بشكل خاص كرمز للسينما الكورية. عُرف بأفلامه ذات الطابع البصري المميز والمواضيع المكثفة، وساهم بشكل كبير في دفع حدود السينما. يُعتبر فيلمه Oldboy عام 2003، وهو الثاني في “ثلاثية الانتقام”، مثالًا رائعًا على أسلوبه الفريد الذي يجمع بين الجماليات البصرية والقصص المثيرة للانتقام والنقد الاجتماعي، فاز الفيلم بجائزة الجراند بري في مهرجان كان السينمائي، مما رسخ مكانة بارك كمخرج عالمي.

المخرج بارك تشان ووك Park Chan-wook

من بين أعمال بارك البارزة سلسلة أفلام “ثلاثية الانتقام”

من بين أعمال بارك البارزة سلسلة أفلام “ثلاثية الانتقام” التي ابتدأت مع فيلم Sympathy for Mr. Vengeance (2002) مسلطا الضوء على قصة عامل تم فصله من عمله فيختطف ابنة مديره ويطلب تعويضا مقابل إعادتها لكي يتمكن من علاج أخيه المريض، فيتلاعب عبر هذه القصة بمفاهيم الخير والشر والقضايا الأخلاقية، وتلا هذا الفيلم الجزء الثاني من الثلاثية بعد عام واحد عبر فيلم Oldboy (2003) الذي يتحدث عن رجل مخطوف دون سبب واضح لسنوات طويلة يتم إطلاق سراحه فجأة ومكافأته بالأموال والجاه على أن يستمر صراعه مع خاطفه المجهول، فيثير المخرج عبر هذا الفيلم أسئلة الجزاء والعقاب وغيرها من القضايا الأخلاقية والفلسفية، أما خاتمة الثلاثية فكانت مع فيلم Lady Vengeance (2005) والذي أكمل عبره المخرج تناوله لمثل هذه الموضوعات والأسئلة الأخلاقية، وتميزت الثلاثية بتغطيتها مواضيع الانتقام والعدالة والغضب البشري بطريقة فنية عميقة ومظلمة، مع التركيز على الآثار النفسية والأخلاقية للانتقام على الضحايا والجناة على حد سواء، أما فيلم Thirst (2009) فيقدم رؤية إنسانية فريدة وغير معتادة لنوع أفلام مصاصي الدماء.

فيلم Sympathy for Mr. Vengeance (2002) للمخرج Park chan-Wook فيلم Oldboy (2003) للمخرج Park chan-Wook فيلم Lady Vengeance(2005) للمخرج Park chan-Wook فيلم Thirst (2009) للمخرج Park chan-Wook

تتبوأ السينما الكورية اليوم مكانة متقدمة في الثقافة السينمائية العالمية، وقد برهنت على نجاحها من خلال فوز المخرج “بونغ جون-هو” التاريخي بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم عام 2020 عن فيلم Parasite ، وهو أول فيلم غير ناطق بالإنجليزية يفوز بهذه الجائزة. أظهر هذا الإنجاز تقدير العالم المتزايد للأفلام الكورية وكرس مكانتها في السينما السائدة، ومن افلام المخرج “بونغ جون-هو” المميزة أيضاً فيلم Memories of Murder (2003) وفيلم Mother (2009)

المخرج بونغ جون هو Bong Joon-ho فيلم Parasite (2019) للمخرج Bong Joon-Ho فيلم Memories of Murder (2003) للمخرج Bong Joon-Ho فيلم Mother (2009) للمخرج Bong Joon-Ho

في السنوات الأخيرة، واصل المخرجون الكوريون تحدي الحدود السينمائية، واستكشاف موضوعات مثل الفجوة الاقتصادية، والهوية، والتكنولوجيا، وحافظ مخرجون مثل لي تشانغ-دونغ وهونغ سانغ-سو على وجود قوي في المهرجانات العالمية من خلال أفلامهم التي تتميز بالسرد القصصي العميق والأساليب الفنية البسيطة.

كما توسعت الصناعة الكورية على المستوى العالمي، حيث عرَّفت المنصات الرقمية الجمهور الأوسع بالأعمال الكورية. أفلام مثل Train to Busan (2016)، وهو فيلم إثارة زومبي أخرجه يون سانغ-هو، وفيلم Minari (2020)، الذي يروي قصة عائلة كورية أمريكية تكافح لتحقيق حلمها، أكدت على قوة الرواية الكورية.

فيلم Train to Busan (2016) للمخرج
Yeon Sang-ho فيلم Minari (2020) للمخرج Lee Isaac Chung

من بداياتها المتواضعة التي اتسمت بالرقابة والاضطرابات السياسية إلى صعودها المذهل على الساحة العالمية، تجسد السينما الكورية مثالًا على المرونة والعبقرية الفنية، وفي قلب هذه الرحلة يقف بارك تشان-ووك، الذي تواصل أعماله إلهام وتحدي الجماهير في جميع أنحاء العالم، ومع استمرار صناع الأفلام الكوريين في دفع حدود السرد القصصي، يبدو مستقبل الصناعة مشرقًا، واعدًا بمزيد من الإسهامات المتميزة للسينما العالمية.

الوسومأفلام ثقافة سينما كوريا

المصدر: كويت نيوز

كلمات دلالية: أفلام ثقافة سينما كوريا السینما الکوریة

إقرأ أيضاً:

مهرجان القاهرة السينمائي الدولي يستضيف ندوة حول "صورة أفريقيا في السينما".. غدًا

يقيم مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الـ45، في الثانية عشر ظهرا غدا الثلاثاء 19 نوفمبر بقاعة جراند 2 في فندق سوفيتيل، حلقة نقاش حول "صورة أفريقيا في السينما"، ضمن فعاليات أيام القاهرة لصناعة السينما.

مهرجان القاهرة السينمائي يعلن عن الفائزين بجوائز "جيل المستقبل".. غدًا ندوة عن صورة أفريقيا في السينما

ستتناول هذه الندوة التي يتحدث فيها كل من الناقدة بمهرجان دربان السينمائي بجنوب إفريقيا فايزة ويليامز والمخرج السوداني أمجد أبو العلا والمنتج السعودي فيصل بالطيور، موضوع تمثيل أفريقيا في السينما، وتستكشف كيف تشكل المواضيع السياسية المثيرة للجدل السرديات السينمائية عن أفريقيا في القارة.

يحكي ضيوف الندوة عن قدرة صناع الأفلام الفريدة على معالجة القضايا المعقدة مثل الاستعمار والفساد والعدالة الاجتماعية، والتي تعدّ بمثابة منصة للأصوات المهمشة ليصل صوتها للعلن.

وتتناول المناقشة كيف يمكن لهذه الأفلام تحدي الصور النمطية وتقديم صور دقيقة للمجتمعات الأفريقية.

 

فعاليات أيام القاهرة لصناعة السينما 

فعاليات أيام القاهرة لصناعة السينما (CID)، التي تقام في الفترة من 15 إلى 20 نوفمبر 2024، تمثل منصة حيوية تهدف إلى دعم وتعزيز مشروعات السينما، وتقديم فرص نادرة للتفاعل بين صناع الأفلام من جميع أنحاء العالم، وتشهد هذه الفعالية مشاركة متميزة من مخرجين، منتجين، وخبراء في مختلف جوانب الصناعة السينمائية، يجتمعون لاستكشاف أحدث الاتجاهات وتبادل الأفكار والتجارب.

تتضمن فعاليات أيام القاهرة لصناعة السينما ورش عمل وجلسات حوارية ونقاشات تتناول تحديات واحتياجات السوق، مما يعزز من فرصة المساهمة في نمو وتطوير مشاريع سينمائية جديدة ويُعيد تأكيد مكانة مصر كمركز إقليمي للإبداع السينمائي.

مقالات مشابهة

  • من بينها لممثل مصري .. أفضل أفلام تربعت على عرش القلوب على مر التاريخ
  • مهرجان القاهرة السينمائي الدولي يستضيف ندوة حول "صورة أفريقيا في السينما".. غدًا
  • غدا.. مهرجان القاهرة يستضيف ندوة حول "صورة أفريقيا في السينما"
  • ترميم 10 أفلام من كلاسيكيات السينما بمهرجان القاهرة لحماية التراث
  • أحمد وفيق: السينما أنقذت ممثلين محدودين في المسرح
  • في ذكرى ميلاده.. أحمد زكي إمبراطور السينما المصرية الذي لا ينسى
  • تكريم جاسبار نوي في مهرجان القاهرة السينمائي| إبداع وجرأة في عالم السينما
  • مهرجان القاهرة يقدم جائزة الإنجاز الإبداعي للمخرج الأرجنتيني جاسبر نوي
  • مهرجان القاهرة يمنح المخرج الأرجنتيني جاسبر نوي جائزة الإنجاز الإبداعي