القاهرة- بعد مناقشة برلمانية امتلأت بمبررات الدفاع عن بنوده، وافق مجلس النواب المصري -بشكل مبدئي- على مشروع قانون ينظم وجود اللاجئين بمصر، بينما يتوقع مراقبون أن تتم الموافقة التامة على التشريع الجديد بمجرد طرحه مرة أخرى للإقرار النهائي من قبل أعضاء البرلمان، خلال الفترة المقبلة.

ومن اللافت أن التشريع الجديد الذي سبق وقدمته الحكومة المصرية للبرلمان، والذي يتضمن بنودا عديدة تخص تنظيم حياة اللاجئين بمصر وكيفية توفيق أوضاعهم، واجه اعترضا ليس فقط من قِبَل الرافضين لتحويل بلدهم إلى وجهة لجوء، بل لقي تحفظا أيضا من أولئك المرحبين باللاجئين.

وعلى مدار الأعوام الأخيرة، لا تتوقف التصريحات الرسمية بشأن استضافة مصر لعدد كبير من اللاجئين، ويقدر المسؤولون أعدادهم بنحو 9 ملايين لاجئ، وبذلك فهم يمثلون حوالي 9% من إجمالي سكان البلاد.

وفي أبريل/نيسان الماضي، قال رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، إن تكلفة وجود ملايين اللاجئين في بلاده تقدر بنحو 10 مليارات دولار سنويا.

بينما تقول المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إن نحو 792 ألف لاجئ مقيّدون في سجلاتها بمصر حتى سبتمبر/أيلول الماضي، ويمثل السودانيون 64% منهم، وتوضح الجهة الأممية -في تقرير حديث- أن مصر تستضيف الآن أكبر عدد من اللاجئين وطالبي اللجوء في تاريخها.

مصر وقّعت اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بوضع اللاجئين عام 1951 (مواقع التواصل) بنود التشريع

يتكون القانون الجديد من 39 مادة، تشمل تعريف اللاجئ، وضوابط تقديم طلبات اللجوء، وكيفية تسيير حياة اللاجئين خلال إقامتهم بالبلاد، ومن تلك البنود أيضا:

إنشاء لجنة دائمة لشؤون اللاجئين، تكون لها الشخصية الاعتبارية، وتتبع لرئيس الوزراء، وتكون مختصة بتقديم كافة أوجه الدعم المتعلقة بشؤون اللاجئين بما في ذلك الفصل في طلب اللجوء. يتم الفصل في طلب اللجوء خلال 6 أشهر من تاريخ تقديمه إذا دخل بطرق نظامية، وترتفع مدة الفصل إلى عام في حال دخوله بطريق غير قانونية. للاجئ حق التقاضي والإعفاء من الرسوم القضائية، وكذلك الحق في التعليم الأساسي، والحصول على رعاية صحية مناسبة. يحق للاجئ العمل لحسابه وتأسيس شركات، أو الانضمام لشركات قائمة، وعدم تحميله أي ضرائب أو رسوم أو أعباء مالية أخرى. يمنح اللاجئ حق التقدم للحصول على الجنسية المصرية. يحظر على اللاجئ القيام بأي نشاط من شأنه المساس بالأمن القومي أو النظام العام، ومباشرة أي عمل سياسي أو حزبي أو أي عمل داخل النقابات. أحقية اللجنة المعنية بشؤون اللاجئين في إعادة توطين اللاجئ في دولة أخرى بخلاف التي خرج منها بالتنسيق مع الجهات الدولية المختصة. انتهاء اللجوء في حالة رغبة اللاجئ في العودة طواعية أو تجنسه بجنسية أخرى، أو مغادرته مصر لمدة 6 أشهر متصلة دون عذر مقبول من اللجنة المختصة. معاقبة أي شخص يثبت أنه استخدم أو آوى طالب لجوء دون إخطار قسم الشرطة المختص، بالحبس لمدة لا تقل عن 6 أشهر، وغرامة تتراوح بين 50 ألف جنيه و100 ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين. مخاوف

بدورها، قالت نائبة رئيس الكتلة البرلمانية للحزب المصري الديمقراطي مها عبد الناصر، إن القانون الجديد يستهدف بشكل رئيسي حصر أعداد اللاجئين بمصر، في ظل تزايدهم بشكل كبير خلال السنوات الماضية.

وأضافت للجزيرة نت "لدينا أعداد كبيرة جدا ولا نعرف عنهم أي معلومات"، موضحة أن الظروف الإقليمية والدولية فرضت هذا الواقع، "لكن التشريع الجديد سيقنن الأوضاع، ومن يرفض الانضمام للمظلة القانونية سيعتبر مهاجرا غير شرعي ويعرض نفسه للترحيل خارج البلاد"، حسب قولها.

كما أبدت النائبة البرلمانية تفهمها التام لمخاوف الرأي العام من كثرة عدد اللاجئين وتأثير ذلك على الأوضاع الاقتصادية، خاصة ما يتعلق بارتفاع أسعار الإيجارات، مبينة أن نسبة كبيرة منهم لا تستفيد من الخدمات الحكومية وتفضل المؤسسات الخاصة سواء التعليمية أو الصحية.

وفيما يخص تكلفة استقبال اللاجئين، قالت إن "الموازنة العامة للدولة تعاني العجز، وبالتأكيد الأموال المنفقة عليهم ليست ضمن بنود الموازنة"، مشيرة إلى دور الدول المانحة في هذا الخصوص، ففي مارس/آذار الماضي، تم توقيع الشراكة الإستراتيجية بين الاتحاد الأوروبي ومصر بإجمالي 7.4 مليارات يورو، يقدمها الاتحاد الأوروبي على شكل منح وقروض حتى نهاية عام 2027.

واعتبرت عضوة الحزب المصري الديمقراطي الموافقة النهائية على القانون الجديد أمرا "محسوما تماما" حين عرضه أمام الجلسة العامة خلال الفترة المقبلة.

رفض حقوقي

قبل يومين فقط من الموافقة البرلمانية المبدئية على قانون اللجوء، أصدرت 22 منظمة حقوقية بيانا أعربت فيه عن رفضها للبنود التي يتضمنها التشريع الجديد، باعتباره لا يقدم حلولا حقيقية للتحديات الأساسية التي يواجهها اللاجئون، حيث يتركز الرفض الحقوقي بإقصاء الشركاء الدوليين ومنظمات المجتمع المدني التي تعمل في مجال حماية اللاجئين من المشاركة في إعداد القانون.

كما تعتبر المنظمات الحقوقية اللجنة المشكلة من قبل رئيس الوزراء وعدد من الوزارات "عديمة الاستقلالية"، بسبب منحها صلاحيات كاملة وبضمانات محدودة في إدارة عملية اللجوء، وسط غياب معايير واضحة لاختيار وتدريب موظفيها، ما يثير مخاوف تتعلق بتقليص مستوى الحماية المطبقة على اللاجئين.

ويركز الرفض على وجود توسع غير مبرر للصلاحيات الممنوحة للجنة في إسقاط صفة "اللاجئ"، لأسباب تتعلق بمصطلحات فضفاضة كـ"الأمن القومي". إضافة لمخاوف من تجاهل حماية بيانات اللاجئين، ما يُعرض معلوماتهم الشخصية لخطر الكشف وسوء الاستخدام، وتجاهل الحقوق السياسية التي يكفلها القانون الدولي للاجئين.

وتخشى المنظمات من فرض عقوبات قاسية على أفعال غير واضحة، مثل مخالفة الأمن العام والنظام العام، أو ممارسة أي نشاط سياسي أو نقابي.

أطفال فروا من غزة وهم حاليا ضمن مبادرة تعليمية بمصر حيث يمنح القانون الجديد اللاجئين الحق في التعليم (الجزيرة) ترحيب وقلق

من جهته، استقبل مدير مبادرة تنمية اللاجئين بمصر عبد الجليل نورين، قانون اللجوء الجديد بالترحيب والقلق، فهو يرى أنه يتضمن مزايا كثيرة للاجئ، لكنه في نفس الوقت يبدي قلقه من بعض الأصوات الشعبية داخل مصر الرافضة لتلك المزايا.

وعدّد في حديثه للجزيرة نت مزايا التشريع الجديد، ومنها التعريف الدقيق لمصطلح "لاجئ"، ومنحه كثيرا من الحقوق على رأسها حقه في العمل بالسوق المصري، موضحا أنه "قبل ذلك لم يكن مسموحا للاجئ بالعمل، وكان يضطر إلى العمل كمتطوع أو كمخالف أو انتظار المساعدات".

وعن مستقبل اللاجئين بمصر عقب تمرير القانون بشكل نهائي، يتوقع نورين أن يكون التشريع مظلة أمان لكل لاجئ، ما سيدفع عددا كبيرا جدا من المخالفين لتقنين أوضاعهم عبر تسجيل بياناتهم لدى الجهات المختصة، فضلا عن تحسين أوضاعهم المعيشية بالنزول لسوق العمل، وهو ما يشكل في الوقت نفسه إضافة للاقتصاد المصري، وفق قوله.

المساومة باللاجئين

من ناحية أخرى، اعتبر المدير التنفيذي للمركز الدولي للدراسات التنموية مصطفى يوسف، أن قانون اللجوء الجديد "مجرد مظلة قانونية لسياسة المساومة التي ينتهجها النظام المصري مع دول الاتحاد الأوربي وهيئة الأمم المتحدة".

ووصف يوسف تصريحات المسؤولين الحكوميين بخصوص أعداد اللاجئين بغير الدقيقة، قائلا "لا يتعدى أعداد اللاجئين بمصر مئات الآلاف، بينما الباقون هم أجانب حضروا إلى مصر بأموالهم، ويشكلون إضافة للاقتصاد الوطني". ولا يجد الخبير التنموي أي تداعيات سلبية لتزايد أعداد اللاجئين أو الأجانب بالبلاد، بل اعتبرهم سببا في تحريك السوق.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات التشریع الجدید القانون الجدید أعداد اللاجئین اللاجئین بمصر

إقرأ أيضاً:

السلم والسلام المجتمعي في سنام وظائف القانون الجديد

 

 

د. هبة أبوبكر عوض **

في ظل التحديات المتسارعة، والتطورات التي لازمت كافة مناحي الحياة، تبرز أهمية القانون كأداة لضبط المتغيرات الاجتماعية، وتحقيق السلم المجتمعي بمفهومه الشامل، الذي لا يقتصر على حسم النزاعات، بل يمتد ليشمل العدالة، والمساواة، والتكافل.

وقد ناقش مؤتمر "الأمن الفكري بين الشريعة والقانون"، الذي نظمته كلية الحقوق بجامعة البريمي، ورقة بحثية بعنوان: "السلم والسلام المجتمعي في سنام وظائف القانون الجديدة" من إعداد وتقديم البروفيسور أسامة محمد عثمان خليل وكاتبة هذا المقال؛ حيث تناولنا- سويًا- في الورقة كيفية استثمار وظائف القانون الجديدة في حفظ الأمن الفكري، والحد من الأفكار المتطرفة، وتعزيز الاستقرار المجتمعي. وقد انطلقنا في هذه الورقة المشتركة من فرضية جوهرية مفادها أنّ القانون يجب أن يُفهم ويُفعّل بوظائفه الحديثة، بأن يصبح وسيلة وقاية لا علاج فقط؛ إذ لم يعد دور القانون محصورًا في حسم المنازعات أو توقيع العقوبات، بل تعداه إلى أن يكون أداة لبناء الروابط، ورتق الفجوات، وتكريس قيم العدالة الاجتماعية.

ومن خلال أربعة محاور رئيسية، استعرضنا في الورقة أهمية القانون العادل في إقامة مجتمع منظم وآمن، ودور الوظائف القانونية الجديدة في تحقيق السلم المجتمعي، وضرورة تحقيق عدالة الفرص في التمويل كوسيلة للوقاية من التطرف الفكري، وأخيرًا، الضوابط الشرعية والقانونية كأساس للسلم المجتمعي.

وأشارت الورقة إلى نماذج التشريعات والمبادرات العُمانية التي تعد شاهدًا حيًا على توجّه الدولة لتعزيز منظومة العدالة الاجتماعية، من خلال التوسعة في فرص التمويل، ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، والبرامج الموجهة للفئات ذات الدخل المحدود، بما يسهم في تحقيق التوازن الاجتماعي، من خلال العديد من البرامج التي تهدف إلى تطوير بيئة الأعمال في عُمان من خلال توفير تمويل للشركات الصغيرة والمتوسطة، وتسهيل الوصول إلى الفرص التجارية والاستثمارية، من خلال ما يتم تقديمه من قروض وشراكات مع المؤسسات المالية لدعم المشاريع الناشئة والمبتكرة؛ مما يساعد في توفير فرص العمل وتحقيق التنمية الاقتصادية الشاملة.

كما تحرص المؤسسات المعنية بتعزيز الابتكار في قطاع التكنولوجيا إلى توفير التمويل اللازم للشركات الناشئة التي تعتمد على الابتكار التكنولوجي، ومنها على سبيل المثال ما كان يُقدمه الصندوق العُماني للتكنولوجيا سابقًا (والذي اندمج حاليًا تحت مظلة مجموعة إذكاء) من تمويل للمشاريع التكنولوجية ويشجع على تبني التقنيات الحديثة في مختلف المجالات، مما يساهم في تحسين فرص العمل وتقليل الفجوات الاقتصادية بين مختلف الفئات الاجتماعية.

ومن النتائج المهمة التي توصلت إليها الورقة، أنّ توزيع أدوار القانون بين مؤسسات الدولة بعدالة ومرونة يُعدّ أداة وقائية استراتيجية، كما أن العدالة في الفرص، لا سيما في المعاملات المالية، تسهم في إغلاق منافذ التطرف والتهميش، وتفتح أبواب الانخراط الإيجابي في النسيج الوطني.

ولم تغفل الورقة عن أهمية دعم الجهاز القضائي والعدلي بآليات تشريعية وتنظيمية تُمكّنه من تحقيق هذه الأدوار الحديثة، إذ أوصت بضرورة تحديث التشريعات بما يتماشى مع المتغيرات، وتفعيل منهجية "التوزيع العقلي" لوظائف القانون، بحيث تتواءم مع التركيبة المجتمعية وتلبي احتياجاتها المتباينة.

وقد دعونا في الورقة المشتركة إلى التوسع في برامج التمويل الاجتماعي والاقتصادي، مع تبسيط الإجراءات وتعزيز الوصول للفئات المستهدفة، لما لهذا الدور من أثر مباشر في دعم الاستقرار وتقليص الفجوات، بما يصب في تعزيز السلم المجتمعي المستدام.

وختامًا، إن توجيه أدوات القانون نحو تعزيز السلم والسلام المجتمعي لم يعد ترفًا تنظيميًا؛ بل ضرورة وطنية، تفرضها طبيعة العصر، وتحدياته، والتطلعات نحو مجتمع عادل آمن، ومتوازن يلبي طموحات الوطن والمواطن في عُمان، ويحقق متطلبات التنمية المستدامة وفق رؤية "عُمان 2040".

** أستاذ مساعد بقسم القانون الخاص، كلية الحقوق- جامعة البريمي

مقالات مشابهة

  • الاتحاد الأوروبي يُعلن | 7 دول آمنة لعودة اللاجئين فورًا.. ومصر ضمن القائمة
  • حازم المنوفي: قانون العمل الجديد خطوة نحو التوازن والاستقرار في السوق
  • توماس فريدمان: لم أخف يوما على مستقبل بلادي مثلما أخاف عليه اليوم
  • وزير العمل: القانون الجديد يعزز حقوق العمال وأصحاب الأعمال في مصر
  • سيعمل على دعم التنمية الاقتصادية.. نقابات عمال مصر يكشف أهم مزايا قانون العمل الجديد
  • البرلمان يقر قانون العمل الجديد.. هل يوفر الحماية الكاملة للعمال؟
  • بلاغ ضد محمد رمضان يتهمه بإهانة العلم المصري
  • أحمد صبور: التمويل العقاري هو كلمة السر في مستقبل السوق المصري
  • مدته وموعد تحريره.. عقد العمل وفقا لإجراءات مشروع القانون الجديد
  • السلم والسلام المجتمعي في سنام وظائف القانون الجديد