واضحٌ أن لبنان قد دخل في مرحلة ضبابيّة وقاتمة ليس واضحاً كيف سيخرج منها وبأي أثمان وخسائر، خصوصاً مع دخول الاعتداءات الإسرائيليّة عليه شهرها الثاني، وهي كما تبدو مرشحة للاستمرار أسابيع إضافيّة بانتظار اكتمال لحظة الانتقال الأميركي بعد انتخابات رئاسيّة غير مسبوقة لناحية الاستقطاب والنتائج والتوقعات السياسيّة.
المهم أن لبنان الآن أصبح في قلب المعركة، وبات خروجه منها ينطوي على أثمان باهظة بعضها دُفع سلفاً من خلال أعداد الشهداء الذين فاق عددهم حتى كتابة هذه السطور 3000 آلاف، ويتزايدون يومياً، والبعض الآخر قد يدفع لاحقاً خصوصاً على ضوء غياب الحسم العسكري بين الطرفين المتقاتلين: «حزب الله» يكبّد إسرائيل خسائر ملحوظة في المناطق الشماليّة مستهدفاً القواعد العسكريّة والمنشآت الحيويّة، ويمنع عودة السكان إلى مستوطناتهم، كما يعوق تقدّم القوات الإسرائيليّة في القرى الجنوبية المتاخمة للحدود.
في المقابل، تُنزل إسرائيل خسائر هائلة بلبنان ومدنه وقراه، والضاحية الجنوبيّة لعاصمته بيروت، ولا تتوانى عن استهداف المدنيين في سياق «عملياتها العسكريّة»، كما أنها اغتالت الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله وخليفته السيد هاشم صفي الدين، وعدداً كبيراً من قيادات الصف الأول والثاني والثالث، ناهيك عن تفجيرات أجهزة «البيجر» والاتصالات اللاسلكيّة.
ويختلف اللبنانيون فيما بينهم، كما دائماً على كل حال، في تصنيف وتوصيف «الفوز والهزيمة»، فيرى مناصرو الحزب أنهم يُلحقون الهزائم بإسرائيل، ويرى المناوئون له أن لبنان برمته يعيش هزيمة وانكساراً كبيراً، كما أن قسماً كبيراً من هؤلاء يراهنون على «سقوط» «حزب الله» تدريجيّاً، وبعضهم يلتف في مواقفه السياسيّة تحضيراً لمرحلة «ما بعد الحزب».
الحقيقة أن التعويل على السقوط الكامل والنهائي للحزب قد يعتريه شيء من التبسيط للأمور، لا سّيما أنه لا مفر من الاعتراف بأن للحزب امتداداته الشعبيّة والاجتماعيّة والتمثيليّة حتى لو تعرّض لضربات قاسية وكبيرة، ولو كانت قدراته التمويليّة قد تراجعت مرحلياً، ولو باتت مؤسساته بغالبيتها بحكم المتعثرة.
مهما يكن من أمر، فمن الواضح أن لبنان يتجه نحو مساراتٍ جديدة، ولن تكون الحقبة المقبلة يسيرة من ناحية إدارة العمليّة السياسيّة، ومن غير المتوقع أن يكون التعامل مع «حزب الله»، مهزوماً كان أم منتصراً، أمراً سهلاً لا سيّما على ضوء الانقسامات اللبنانيّة الداخليّة الحادة التي تفاقمت في خلال مرحلة «حرب الإسناد»، ومن ثم تصاعدت بشكل كبير، وغالباً ما تعكسها وسائل التواصل الاجتماعي التي تتحوّل إلى حلبات عراك يخلو في كثير من الأحيان من الحد الأدنى من أخلاقيّات، ويفجّر ما في الأعماق من أحقاد دفينة عند شرائح واسعة من اللبنانيين تجاه بعضهم البعض.
تبقى الأولوية الراهنة وقف إطلاق النار، ووقف هذه الاعتداءات اليوميّة التي تطول كثيراً من المناطق اللبنانية، وتؤدي إلى سقوط مدنيين أبرياء، كما لا يمكن إشاحة النظر عن ضرورة انتخاب رئيس جديد للجمهوريّة يقود البلاد وسط هذه المنعطفات الصعبة، ويعيد لبنان إلى حاضنته العربيّة.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: عودة ترامب عام على حرب غزة إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله الانتخابات الأمريكية غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله حزب الله أن لبنان
إقرأ أيضاً:
إسرائيل بَقِيَت في 5 نقاط.. كيف سيكون ردّ حزب الله؟
بعد انتهاء مهلة 18 شباط المُحدّدة لانسحاب قوّات العدوّ الإسرائيليّ من الأراضي الجنوبيّة، قرّرت إسرائيل البقاء في خمس نقاط استراتيجيّة في جنوب لبنان، بحجة تأمين سلامة أراضيها عبر مُراقبة كلّ حركة في البلدات اللبنانيّة لمنع "حزب الله" من شنّ هجمات جديدة على مستوطناتها.وكما هو واضحٌ، فإنّ الحكومة الإسرائيليّة تكون قد خرقت إتّفاق وقف إطلاق النار بإبقاء جنودها في تلال الحمامص والعزية وجبل بلاط والعويضة واللبونة، من دون أنّ تدفع اللجنة المكلفة مُراقبة إتّفاق وقف إطلاق النار تل أبيب إلى الإنسحاب الكامل من داخل الأراضي اللبنانيّة.
أمّا عن موقف "حزب الله"، فقد انكشف بعد اتّفاق وقف إطلاق النار، بحيث أسند إلى الحكومة اللبنانيّة ورئيس الجمهوريّة التعامل مع موضوعيّ إنسحاب العدوّ الإسرائيليّ وإعادة الإعمار، مُحمّلاً مسؤوليّة بقاء القوّات الإسرائيليّة إلى الدولة، التي شدّدت من خلال بيانها الوزاريّ الذي أتى ليُترجم خطاب قسم الرئيس جوزاف عون، على تحرير الأراضي الجنوبيّة وتطبيق القرار 1701.
ومن خلال إسناد مهمّة العمل الديبلوماسيّ لحكومة نواف سلام وللرئيس عون، يتريث "حزب الله" في اتّخاذ أيّ قرار يُؤدّي إلى توتير الأوضاع الأمنيّة من جديد في جنوب لبنان. فـ"الحزب" يُريد تمرير يوم 23 شباط بسلام، للإشارة إلى إسرائيل وللدول الغربيّة أنّ جمهور "المُقاومة" لا يزال كبيراً، وهو يُؤمن بقضيّة إخراج العدوّ وبحرب الإسناد التي شنّها في 8 تشرين الأوّل 2023، وحتّى لو كلفته كثيراً وخصوصاً بعد استشهاد السيدين حسن نصرالله وهاشم صفي الدين.
كذلك، فإنّ "حزب الله" سيُعطي الحكومة الوقت للتعامل مع مُشكلة إحتلال التلال الخمس في الجنوب، وإذا ما كانت قادرة على التفاوض على استرجاعها مع النقاط السابقة التي كان لبنان يُطالب بها آموس هوكشتاين، لترسيم الحدود البريّة تماماً كما حدث في موضوع الحدود البحريّة.
ويبدو بحسب المعطيات الميدانيّة، أنّ "الحزب" غير قادر حاليّاً على شنّ حربٍ جديدة، وهو مُلزمٌ باحترام ما سيقوم به لبنان الرسميّ لعدّة أسباب. فأوّلاً، لا يستطيع "حزب الله" إسترجاع النقاط الخمس بالقوّة العسكريّة، لأنّ السكان عادوا إلى بلداتهم الجنوبيّة ومنازلهم مُدمّرة، وبدأ بصرف التعويضات لهم وينتظر وصول المُساعدات من الخارج لإطلاق عجلة الإعمار، ولا يستطيع المُخاطرة بتهجير الأهالي من جديد، وزيادة نسبة الدمار جراء أيّ عملٍ عسكريّ.
ثانيّاً، يجد "حزب الله" نفسه مُحاصراً، ففي الداخل نجحت المُعارضة وحكومة نواف سلام ورئيس الجمهوريّة في إعطاء الشرعيّة للجيش للإنتشار في الجنوب وحماية الحدود والسيطرة على أيّ مستودع أسلحة أو نفق يجده، أيّ أنّ هناك صعوبة لدى "الحزب" في إعادة الإنتشار في جنوب الليطاني، لعدم المُخاطرة باستئناف العدوّ الإسرائيليّ الحرب على لبنان، في حين لا يقدر هذه المرّة على عدم إحترام بنود القرار 1701، مع مُطالبة أغلبيّة الكتل النيابيّة والأحزاب بتطبيقه حرفيّاً، وتعزيز الجيش لتأمين وحماية الحدود الجنوبيّة.
أما ثالثاً، فيجد "الحزب" نفسه مُحاصراً عبر تعليق الرحلات الجويّة من إيران وإليها، ما يُوقف تدفق الأموال الإيرانيّة إليه، بعدما سيطرت "هيئة تحرير الشام" على سوريا وأسقطت نظام بشار الأسد، وأحكمت سيطرتها على الحدود مع لبنان، واستولت على مخازن ومستودعات الأسلحة التي كانت لـ"حزب الله" في المدن السوريّة، إضافة إلى قطعها طريق إمداد "المُقاومة" بالسلاح والعتاد العسكريّ والمحروقات والمال والمواد الغذائيّة، الآتية من طهران إلى المرافئ في سوريا.
وأمام ما تقدّم، يجد "حزب الله" نفسه في وضعٍ صعبٍ لا يسمح له بالتصرّف عسكريّاً لاسترجاع التلال الخمس اللبنانيّة، ولا يسعه سوى الصبر وإعطاء الحكومة الوقت للتصرّف مع العدوّ الإسرائيليّ ديبلوماسيّاً، ودفعه إلى الإنسحاب الكامل من جنوب لبنان. أمّا إذا فشلت الديبلوماسيّة في تحقيق الهدف المنشود، فسيستغلّ "الحزب" هذا العامل سياسيّاً للترويج إلى أهميّة "المُقاومة" في حماية السيادة، كما يحصل حاليّاً عبر تحرّكات طريق المطار "الرافضة للإملاءات الخارجيّة" على حدّ قول حارة حريك.
المصدر: خاص لبنان24