يقول الشاعر الإنجليزي جون دون (توفي 1631) في قصيدة شهيرة تحت عنوان: “تشريح العالم” ما يلي:
تدعو الفلسفة الجديدة الجميع نحو الشك.
عنصر النار خامد تماما؛
فُقِدت الشمس والأرض، ولا يستطيع ذكاء أي أحد
أن يرشده للبحث عنها.
لقد انهار كل شيء إلى أشلاء،
ذهب كل الترابط والانسجام.
انتهى كلام الشاعر الذي كان يتحدث عن أوروبا في القرن السابع عشر المليء بالاضطراب والخلافات حيث كان الناس على عتبة نموذج جديد أحدثته العلوم الطبيعية والرياضيات والمعرفة الجديدة التي تكشف عن أن الأرض تدور بحرّية في الفضاء، كما صاحب ذلك، بحسب الناقد والفيلسوف التربوي ويليم دول، أحداثا سياسية واضطرابات وخلافات دينية وفكرية حيث اغتيل هنري الخامس وبدأت حرب الثلاثين عاما، وفي إنجلترا فقد تشارلز الأول عرشه ورأسه.
الآن، لا أحد يشك أن العالم قد تجاوز عصر الحداثة وأننا إزاء نموذج جديد بدأ يتشكّل منذ منتصف القرن العشرين ولم يأخذ اسماً واضحاً يمكن تحديد معالمه بدقة، وإنما يمكن وصفه بأنه عصر ما بعد الحداثة فقط. الآن يبدو أنه يطل برأسه وكاشفا عن نفسه أمام الجميع ثقافيا واقتصاديا واجتماعيا. هذا العصر الذي نعيشه أكثر دراماتيكية من عصر الحداثة الذي استمر زهاء ثلاثة قرون أو تزيد منذ بداية الثورة الصناعية الأولى ويبدو أنه يلفظ أنفاسه الأخيرة مع بداية القرن الواحد والعشرين.
كان لعلم الفيزياء الكلمة العليا في عصر الحداثة ولعل القنبلة النووية التي ألقتها أمريكا على اليابان تمثّل ذروة هذا العصر. لم يقصّر علم الفيزياء في اكتشاف الدمار ووصل به الأمر إلى الوصول إلى أسلحة قادرة على إنهاء حياة البشر على الأرض في حال لو تم استخدام أكثر من 12500 رأس نووي يمتلكها العالم (أمريكا وروسيا يملكان معظمها). لهذا السبب، كانت العبارة التي يردّدها عالم الفيزياء رذرفورد والتي تقول ” كل العلوم إما أن تكون فيزياء أو جمعا للطوابع” تحمل الكثير من التبريرات والتهديدات.
الآن، تغيّر الوضع وأصبح العالم يهتم بنموذج جديد فرض نفسه وهو الاسم الذي كان يبحث عنه عصر ما بعد الحداثة. إنه عصر الذكاء الإصطناعي. ربما الجيل الجديد، أو جيل الذكاءالإصطناعي، لن يفهم مصطلح “جمع الطوابع” الذي تحدّث عنه رذرفورد ولن أقوم بشرحه لهم لأن الأمر يبدو مضحكا لجيل رقمي حياته الافتراضية قضت على حياته الحقيقية.
لدي فضول كبير للذهاب لكليات العلوم في جامعاتنا والمرور على أقسام الفيزياء هناك والتسكّع في ردهاتها وممرّاتها وقاعاتها لمعرفة أعداد الطلاب فيها وفي نفس الوقت تناول القهوة الأمريكية من مقاهي دنكن دونتس التي ربما تكون موجودة فيها كشاهد على العصر، ثم الحديث مع طلّابها وتطّييب خواطرهم والتهوين عليهم. هذه حال الدنيا ولا عزاء لذرفورد.
khaledalawadh @
المصدر: صحيفة البلاد
إقرأ أيضاً:
طبع كتاب يحمل تاريخ محافظة القليوبية بين الماضى والحاضر
أعلنت محافظة القليوبية عن قرب الانتهاء من إنشاء وطبع كتاب وثائقي شامل يتناول تاريخ المحافظة العريق تحت عنوان "القليوبية من وهج الحضارة إلى ضوء الحاضر".
ويجري التنسيق الوثيق لإنجاز هذا العمل الهام بين محافظة القليوبية وجامعة بنها برئاسة الدكتور ناصر الجيزاوي، رئيس الجامعة، وذلك للاستفادة من الخبرات الأكاديمية والموارد البحثية التي تزخر بها الجامعة لإثراء محتوى الكتاب وتقديم رؤية علمية دقيقة وشاملة لتاريخ القليوبية.
ويهدف هذا العمل الهام إلى توثيق وإبراز الدور التاريخي والحضاري لمحافظة القليوبية عبر مختلف العصور، وتسليط الضوء على إسهاماتها في شتى المجالات ويتضمن الكتاب مجموعة متنوعة من الموضوعات الهامة، تشمل مقدمة عن محافظة القليوبية وموقعها الجغرافي المتميز وأهميتها الاقتصادية والزراعية والسكانية باعتبارها محافظة ذات ثقل إنتاجي وتجاري هام وتشتهر بأراضيها الزراعية الخصبة وكثافتها السكانية التي تمثل جزءًا حيويًا من نسيج مصر.
كما يتناول الباب الثاني محافظة القليوبية عبر العصور ولمحات عن القليوبية في العصور الفرعونية ودورها التاريخي وتأثير الحضارتين اليونانية والرومانية على أرض القليوبية ودور القليوبية المحوري في الفتح الإسلامي وإسهاماتها في الحضارة الإسلامية وتطور القليوبية في العصر الحديث والمعاصر وإسهامات أبنائها في نهضة الوطن.
ويتناول الكتاب المعالم السياحية والأثرية، واستعراضا لأهم المواقع الأثرية والمعالم السياحية التي تزخر بها المحافظة والتعليم والجامعات ونظرة على دور المؤسسات التعليمية وعلى رأسها جامعة بنها في إثراء الحركة العلمية والثقافية في المحافظة.
ويتناول الكتاب أيضا أعلام ومشاهير القليوبية عبر العصور وعرض شخصيات بارزة من مصر القديمة كان لها صلة بالقليوبية وعلماء ومفكرون كان لهم إسهام في العصر الإسلامي والوسيط ورموز وشخصيات مؤثرة في العصر الحديث والمعاصر وقامات في التلاوة والقرآن الكريم من أبناء المحافظة ونجوم في مجالات الرياضة والفن رفعوا اسم القليوبية عاليًا وتكريم لشهداء حرب أكتوبر 1973 الذين ضحوا بأرواحهم فداءً للوطن وتقدير لشهداء الحرب على الإرهاب الذين قدموا أرواحهم دفاعًا عن أمن مصر واستقرارها.
ومن المتوقع أن يمثل هذا الكتاب مرجعًا هامًا للباحثين والمهتمين بتاريخ مصر عامة وتاريخ محافظة القليوبية خاصة، بالإضافة إلى كونه إضافة قيمة للمكتبة المحلية والعربية.
وسيتم الإعلان عن موعد صدور الكتاب وتفاصيل الحصول عليه في وقت لاحق من قبل محافظة القليوبية.