يمانيون – متابعات
تواصلُ المقاومةُ الإسلامية في لبنان، لليوم الـ58 ضمنَ مسار معركة “أولي البأس”، العملَ بمعادلة “إيلام العدو”، مؤكّـدة بلغة النار أن الميدان لم يكن يومًا تحت سيطرته رغم تفوقه الجوي والتكنولوجي، بل وتفرض عليه مراجعة الأداء والإقرار بالهزيمة أمام مجاهدين هم “أولو بأسٍ شديد”.

في التفاصيل؛ وبعد تحقيقها ليل الاثنين، إصابةً مباشرةً في قلب “رامات غان” (إحدى المدن المركزية في منطقة ما يسميها العدوّ تل أبيب الكبرى)، أعلنت المقاومة الإسلامية، الثلاثاء، وضمن ‏سلسلة “عمليّات خيبر”، وبنداء “لبيك ‏يا نصر الله”، البالغة “30 عملية” حتى كتابة هذا التقرير، استهداف قاعدة “غليلوت” مقر وحدة الاستخبارات العسكرية 8200 “أمان”، التي تبعد عن الحدود اللبنانية الفلسطينية 110 كلم، في ‏ضواحي “يافا” المحتلّة “تل أبيب”، بصليةٍ صاروخيةٍ نوعية.

وسبق أن شنَّ مجاهدو المُقاومة، صباح الثلاثاء، هجومًا جويًّا بسربٍ من المُسيّرات الانقضاضيّة على قاعدة “رامات ديفيد” (قاعدة جويّة رئيسية في الشمال وتضُم أسراب قتالية حربية)، تبعد عن الحدود اللبنانية الفلسطينية 50 كلم، جنوبي شرقي مدينة “حيفا” المحتلّة، مؤكّـدة إصابة أهدافها بدقة.

وأعلنت شنّ هجوم جوي بسربٍ من المُسيّرات الانقضاضيّة على قاعدة بيت ليد (قاعدة عسكريّة تحوي معسكرات تدريب للواءي الناحل والمظليين)، تبعد عن الحدود اللبنانية الفلسطينية 90 كلم، شرقي مدينة “نتانيا”، وإصابة أهدافها بدقة.

وأكّـدت المقاومة استهداف مدينة “صفد” المحتلّة، بصليةٍ صاروخيّة، إضافة إلى قاعدة تدريب للواء المظليين في مغتصبة “كرمئيل”، ويواصل رجال الله أبطال المقاومة استهداف تجمعات العدوّ المختلفة، وأصابوا بصلياتٍ صاروخية متنوعة تجمعاته في عدد من المناطق منها: “المنارة وكفار بلوم، وأفيفيم”.

الوضعية العامة في المحور الأول إطار مسؤولية الفرقة “146”:

في هذا المحور وبعد تعثر سيطرته على قرية “شمع”، زاد العدوّ من استعداداته التي زجها في 4 محاور، ووسّع هجومه باتّجاه الشمال الشرقي من مثلث “الجبين – طير حرفا – شمع”، بالتقرب الهجومي من “مجدل زون” مدخلًا عددًا من السرايا المدرعة وسرايا وحدات خَاصَّة الإضافية؛ بهَدفِ خلق ما يشبه “فكَّي كماشة” طرفها الشمالي الشرقي “مجدل زون” وطرفها الجنوبي الشرقي “شمع” ومحورها منطقة المثلث.

وفقًا لتقارير ميدانية، هدفت هذه المناورة إلى عزل جيوب المقاومة القوية المنتشرة بين “شمع ومجدل زون” والتي تستمر بتشويش هجومه من خلال الالتحام المتكرّر والأعمال التعرُّضية الهجومية والكمائن المرتجلة وتهديد معظم استعداداته بالصواريخ الموجهة والعبوات الخَاصَّة والاستهداف المدفعي والصاروخي لتعطيل أية اندفاعة هجومية له غربًا باتّجاه غرب قرية “شمع” بغرض استكمال هجومه الرئيسي باتّجاه “البياضة”، وقرية “مجدل زون”؛ بهَدفِ تطويق جيوب المقاومة المنتشرة بين “شمع ومجدل زون وبين البياضة ومجدل زون”.

بدورها؛ أفادت مصادر المقاومة، بتمكّن رجال الله أبطال المقاومة خلال الـ48 الساعة الماضية، من اعطاب 4 ناقلتَي جند ودبابات، آخرها ليل الاثنين، حَيثُ وقعت قوة مدرعة حاولت التسلل إلى وسط “قرية شمع” للنفاذ إلى “البياضة” إلا أنها لم تفلح.

وأشَارَت إلى أن المقاومة بدأت منذ الأحد، الفائت، تحريك منطقتها الدفاعية الصُّلبة غرب وشمال غرب وجنوب غرب هذا المحور الممتدة من “البطيشية – أبو شاش – غرب طير حرفا – شمع – البياضة – مجدل زون”، مبقية على اتصال من الجهتين الجنوبية الغربية والشمالية الغربية مع الجيب الواقع بين “شمع ومجدل زون” الذي يحاول العدوّ محاصرته منذ 48 ساعة، وشكلت محورًا طوليًّا غرب منطقة “كماشة” العدوّ، يمتد من وسط “شمع إلى الضهيرة” الحدودية جنوبًا ويمتد غربًا إلى البحر عند حدود “المالكية – بيوت السياد” متضمنًا “عارض البياضة”.

وبحسب مراقبين، فَــإنَّ هذا الترتيب يهدّد جميع خطوط الاستعداد وجهود العدوّ في كُـلّ لحظة ويؤمن استنزافًا له في مناطق انتشاره شرقي المحور “الذي يعتبر أقل ارتفاعًا من مناطق انتشار المقاومة”، وعلى هيئة “فَكَّي كماشة” عملاقة؛ تنتظر المقاومة أي خطأ تكتيكي من العدوّ للإطباق عليه ومحاصرته وتشتيته وزرع الفوضى فيه، ويبدو أن الميدان يعد بمفاجآت كبيرة في هذا المحور.

الوضعية العامة في المحور الثاني إطار مسؤولية الفرقة “36”:

بعد تقسيمه محور توغله الشرقي والجنوبي الذي بدأه قبل أسبوع إلى ثلاثة محاور (عيترون – عيناتا – بنت جبيل) اعتمد العدوّ مع المقاومة أُسلُـوب الدفاع المتحَرّك والقتال اللامركزي التي تعتمد على الاستعدادات الصغرى ومهمتها إشغال العدوّ على مدار الساعة وتشويش تحَرّكاته وإيقاع أكبر قدر من الخسائر فيه.

ووفقًا لتقاريرَ ميدانية، يستمرُّ القتال الشرس منذ 72 ساعة؛ تنفيذًا لتدبيرٍ دفاعي أعدته المقاومة؛ بغرض جَرِّ العدوّ واستدراجه عند تطويره هجومَه إلى كمين كبير سيجبره حتمًا على التراجع عن جميع هجماته في ذلك المحور.

كما تشير تقارير عبرية إلى أن جنود “اللواء 188 المدرع” في جيش الاحتلال، المتواجد على الأطراف الجنوبية الشرقية لمنطقة “يارون” باتوا يطفئون جميع أنوار دباباتهم ودروعهم الخارجية؛ بحجّـة عدم كشفها للمقاومين، ويؤكّـد خبراء أن تشغيل أجهزة تدفئة الدبابات في هذا الطقس الهاطل والقارس يجعل منها بصمة حرارية واضحة للراصد والمدافع الجاهز بصواريخه الموجهة التي سيستثمرها قريبًا.

أما على الجهة الغربية للجبهة لا زال العدوّ مشتبكًا مع دفاعات المقاومة الصُّلبة عن “حانين ورشاف وبيت ليف” التي تمنعه من اختراق المحور من نفطتَي “دبل وعين إبل” للوصول عبر الأولى إلى “الطيري”، وعبر الثانية إلى تخوم “بنت جبيل الغربية”، فيما يحاول العدوّ الالتفاف باتّجاه “رشاف” من محور “القوزح – بيت ليف” الذي تدور فيه منذ 72 ساعة معارك ضارية.

الوضعية العامة في المحور الثالث مسؤولية الفرقة “91”:

في هذا المحور تستمر المعارك شرق “مركبا وطلوسة” دون أن تستطيع استعدادات العدوّ التي فاقت كتيبة من الدروع والقوات الخَاصَّة من تجاوز حائط الصد الذي نصبته الوحدة الصاروخية له.

وتشير تقارير ميدانية إلى أن المقاومة تمكّنت حتى الآن من إعاقة تقدم قوات العدوّ عند هذا المحور بشكلٍ قاطع، لافتةً إلى أن “لواء الكوماندوس 89″، وفي رأس حربته “وحدة الأيغوز” تتولى محاولات اجتياز عائقي “مركبا وطلوسة” دون تحقيق أية إنجازاتٍ مفيدة ومؤثرة على جبهة المقاومة.

الوضعية العامة في المحور الرابع مسؤولية الفرقة “210”:

في هذا المحور وفي مدينة “الخيام”، يعاود جيش العدوّ منذ الـ48 الساعة الماضية، محاولة خرق دفاعات المدينة من الغرب، كما حاول خلال عمليته السابقة التي نفذها قبل أسبوعين، اختبار دفاعاتها على ذلك المحور إلا أنه باء بالفشل، وكان العدوّ قد حاول منذ اليوم الأول لعمليته الهجومية التوغل بـ 10 دبابات من المنطقة الجنوبية إلى قلب البلدة لاختبار الدفاعات الجنوبية للمدينة، وحاول أن يظهر الأمر كأنه استطلاع مستعجل للقوة.

غير أن المعطيات الميدانية تؤكّـد، أنه وبعد ساعتين من المحاولة تعامل رجال الله مع قوة الدبابات المتوغلة لتأكّـدها بأن العملية التي يشنها العدوّ رئيسية وليست استطلاعية بعد رصدهم لوجود تحشيد كبير كافٍ لاحتلال كامل “الخيام” من مغتصبات متاخمة لمسار الهجوم “مرغليوت – كفر يوفال – المطلة – معيان باروخ”.

وتعاملت المقاومة مع تلك الحشود بقوة عبر الصواريخ والمسيرات واستكملت تعرضها للقوة المدرعة المهاجمة التي فرت بعيدًا، وحَـاليًّا يرجح مراقبون أن العدوَّ سيسعى إلى تنفيذ عدة اختراقات في وقتٍ واحد من “التينة، الوطي، وادي العصافير، جنوبي شرق الخيام”، وأنه يحشد قواته المدرعة والمشاة الميكانيكية وكتيبة من “اللواء المظلي 35″؛ مِن أجلِ تنفيذ ذلك.

رسالة عملية “قاعدة تل حاييم” في “تل أبيب”:

في هذا الإطار؛ يرى خبراء عسكريون أن ما جرى بين التاسعة والتاسعة والنصف ليل الاثنين، هي عملية تأديبية استهدفت الأعماق وأحزمة الأمن الثلاثة لدى كيان العدوّ الصهيوني.

وفقًا للمعطيات، فقد استهدفت المقاومة الإسلامية عند الساعة 8:45 مساءًا بتوقيت بيروت، العمق الاستراتيجي للعدو بعمليةٍ معقدةٍ بعددٍ من الصواريخ والمسيرات النوعية؛ دَكَّت “وسط تل أبيب ورامات غان وضاحية بني براك”، ووصل معظمُها إلى الهدف الأَسَاسي المحدّد وهو قاعدة تابعة للاستخبارات العسكرية “أمان” في منطقة “تل حاييم”.

كما استهدفت المقاومةُ عند ما بين (٩:٠٥ و٩:٢٠) مساءً قاعدتَي “شراغا ونيشر” في العمق التعبوي بسربَينِ من المسيَّرات، وعند الساعة ٩:٣٠، استهدفت مجموعة من مستعمرات الحافة في العمق التكتيكي لكيان العدوّ، بصلياتٍ صاروخيةٍ ومجموعة من المسيرات الانقضاضية.

وبحسب الخبراء فَــإنَّ المقاومة هدفت من هذا القصف للأحزمة الثلاثة بالطريقة التي استهدفت فيها ابتداءً من العمق وُصُـولًا إلى الحدود لإيصال رسالة بأنها جاهزة للتصعيد إذَا حاول العدوّ ملاقاة زيارة المبعوث الرئاسي الأمريكي “هوكشتاين” بالتصعيد كما كرّر ذلك في أكثر من زيارةٍ سابقة.

كما هدفت الرسالة إلى إبلاغ من يعنيهم الأمر أن التفاوض تحت النار سيكلِّف العدوّ خسائر كبيرة، وما ردها الثأري لشهداء العدوان على بيروت سابقًا، سوى عيِّنة عما يمكنها فعله كردٍّ على أي تصعيد صهيوني قد تكون تخطط له واشنطن و”تل أبيب” في آن واحد.

عمليات رجال الله تهدّد خطوط استعداد العدوّ وجهوده وتؤمِّن استنزافًا دائمًا له:

في إطار الوقائع ومجريات الأحداث؛ فَــإنَّ عمليات الصد الناجحة المتواصلة في محاور القتال على الحافة الأمامية؛ تُشير إلى نجاح خطة القتال الدفاعي اللامركزي الذي تنفذه المقاومة، في محاولة تشتيت واستنزاف قوات العدوّ وإرباك خططه، وهذا الاستنزاف يُمكن أن يُؤثر على معنويات جنود العدوّ وقدراتهم القتالية، فضلًا عن حافزيتهم وجاهزيتهم القتالية.

كما يُظهِرُ تنوُّعُ تكتيكات رجال الله أبطال المقاومة، من الاشتباك المباشر إلى استخدام الصواريخ والمسيرات، القدرةَ على التكيف مع الوضع المتغير واستخدام الوسائل الأكثر فاعلية في كُـلّ مرحلة من مراحل المواجهة، كما أن صمودهم يؤكّـد فاعلية تحصيناتهم وتكتيكاتهم الدفاعية.

في السياق، أقر جيش الاحتلال، الثلاثاء، بمصرعِ جندي جديد، وإصابة آخرين في معارك جنوبي لبنان، وقال تحت بند “سُمِحَ بالنشر”: إنّ “القتيلَ هو عريف أول احتياط من لواء غولاني، وقُتِلَ جنوبي لبنان”.

وأوضحت “إذاعة جيش العدو” أنّ “حزب الله استهدف جنود لواء “غولاني” بطائرة مسيّرة، بينما كانوا يقومون بعملية إمدَاد لوجيستية للقوات جنوبي لبنان؛ ما أَدَّى إلى مقتل جندي وإصابة 4 آخرين، اثنان منهم بحال حرجة في هجوم شنته مُسيّرة أُطلقت من لبنان على موقع عسكري صباحَ الثلاثاء”.

بدورها؛ أعلنت وزارةُ الصحة التابعة للاحتلال الإسرائيلي، أنّ حصيلةَ الإصابات التي دخلت مستشفيات الاحتلال، منذ صباح الأحد، حتى صباحِ الاثنين، هي 66 إصابة، مبيّنةً أن عددَ الإصابات الكلّيّة التي دخلت مستشفياتهم منذ الـ10 من أُكتوبر 2023م، بلغ 22240 إصابة.

وعليه؛ فَــإنَّ الموقفَ العسكري العام للمقاومة في عمومِ الجبهة يُظهِرُ اتِّباع استراتيجية مركَّبة تجمَعُ بين الاشتباك المباشر وبين الاشتباك غير المباشر على الحدود، وبين ضرب الأهداف النوعية والحسَّاسة في مختلف الأعماق التكتيكية والتعبوية والاستراتيجية، وهذا التنوُّعُ في العمليات يُصعِّبُ على العدوّ الصهيوني التنبُّؤَ بالخطوات التالية ويُشتت جهوده الهجومية.
—————————————-
المسيرة | عبدالقوي السِّباعي

المصدر: يمانيون

كلمات دلالية: فی هذا المحور رجال الله ومجدل زون مجدل زون بات جاه تل أبیب ة التی إلى أن ف ــإن

إقرأ أيضاً:

في رحلة العودة.. الغزاويون يحطمون أحلام العدو الإسرائيلي

يمانيون/ تقارير

منذ اللحظة الأولى للعدوان على غزة، كان العدو الإسرائيلي يسعى بوضوح إلى تهجير أهالي غزة من ديارهم، مُرتكبًا مجازر وحشية لم تُفرق بين كبير وصغير، راح ضحيتها العديد من المدنيين الأبرياء. ومع تصاعد العمليات الهجومية، تجمّع النازحون في الجنوب، مُعلنين رفضهم اللجوء إلى مصر أو أي مكان آخر، مؤكدين تمسكهم العميق بأرضهم التي يشدّهم إليها تاريخهم وقضيتهم. لكن العدو، الغارق في عقلية الهيمنة، لم يتوانَ عن تصعيد هجماته، مُستهدفًا الخيام والمناطق الآمنة التي أُعلن عنها، مُحاولًا تعزيز خططه الجائرة للتهجير وكسر إرادتهم.

ومنذ اللحظة الأولى لإعلان الاتفاق مع العدو الصهيوني وفي صفعة مدوية للعدو، تدفقت الحشود إلى شمال غزة بأفواج غير مسبوقة، تجسد لوحة تتحدث عن سيمفونية فريدة من عزيمة الشعب الفلسطيني، وإصراره على البقاء. هي ليست مجرد عودة، بل هي احتفال بالإرادة التي قهرت المخططات التوسعية للعدو، مُعلنةً فشلًا كاملًا لأهدافه التي كانت تدور حول استعادة أسراه بالقوة، والقضاء على المقاومة، وعمليات التطهير والتهجير التي أحلامها سرعان ما تحطمت على صخرة قوة الإرادة الفلسطينية.

إنها لحظة تاريخية تُعبر عن أن الأرض ليست مجرد مكان، بل هي هُوية تُحارب من أجلها الأجيال. ولا تقتصر عظمتها على عودة النازحين، بل تتجسد في إصرارهم على استمرارية المواجهة من أجل حقوقهم، مضاءةً بالبصيرة الثاقبة للوعي الجماعي بأن لا تنازل عن شبر من الأرض، ولا حق من الحقوق، مهما كانت التحديات. فهذه العودة تُعلِن عن بداية مرحلة جديدة، عازمة على تحقيق العدالة والحرية، وقادرة على كتابة صفحات جديدة في تاريخ المجد الفلسطيني.

دعوات ومحاولات التهجير

لم تكن تصريحات “وزراء” ما تسمى بالحكومة الإسرائيلية برئاسة المجرم بنيامين نتنياهو، الداعية لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة خلال فترة العدوان منذ 7 أكتوبر 2023، مجرد دعاية حربية. بل كانت امتدادًا لدعوات تعود جذورها إلى حقبة ما بعد “نكسة حزيران” عام 1967، حين خططت سلطات العدو المتعاقبة في “تل أبيب” لتنفيذ مشروع التهجير لسكان القطاع.

وعلى الرغم من فشل مخطط التهجير القسري في بداية العدوان الأخير ، لم يُخفِ قادة ما تسمى بحكومة المجرم نتنياهو الهدف الحقيقي من وراء العمليات العدوانية، خاصة في شمال القطاع، والذي يتلخص في تهجير السكان الفلسطينيين وتأسيس مشاريع استيطانية جديدة، ما يحيي خطط التهجير التي ناقشتها سلطات العدو منذ ستينيات وسبعينيات القرن الماضي.

خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة، لم تقتصر الدعوات المتكررة لتشجيع تهجير الفلسطينيين على ما يسمى “وزير الأمن القومي” إيتمار بن غفير و”المالية بتسلئيل سموتريتش”، بل صدرت أيضًا عن “وزراء” ما يسمى بحزب الليكود، والذي يتزعمه المجرم نتنياهو، الذي أظهر حماسة كبيرة للمخطط، حيث صرح خلال اجتماع لحزبه في ديسمبر 2023 عن سعيه لتحقيق ما أطلق عليه “الهجرة الطوعية لسكان غزة إلى دول أخرى”.

مخططات تاريخية تحطمت

في 25 يونيو 1967، قال المجرم “موشيه ديان”، الذي كان يشغل، حينها، منصب ما يسمى بوزير الدفاع في الكيان: “إذا تمكنا من إجلاء 300 ألف لاجئ من قطاع غزة إلى أماكن أخرى، فيمكننا ضم غزة بدون مشكلة”. ولم يكن ذلك مجرد كلام؛ فقد أيدت “حكومة” العدو في ذلك الوقت هذا المنطق، لكنها لم تنجح في تنفيذه بالكامل.

بدوره، قال المسمى، حينها، برئيس الوزراء في “حكومة” العدو آنذاك “ليفي أشكول”: “أقترح خطة لضم القدس وقطاع غزة، نحن مستعدون أن نَقتُل من أجل القدس ومن أجل الأرض. في قطاع غزة، عندما نتذكر وجود 400 ألف عربي، فإننا نشعر بالمرارة”.

واحتشد وزراؤه لمناقشة الحلول، حيث طرح ما سمي بوزير الداخلية “حاييم موشيه شابيرا” سؤالًا حول كيفية تسوية قضية النازحين، وتساءل “إذا كان من الممكن نقل 200 ألف منهم إلى العريش أو توطين جزء منهم في الضفة الغربية”.

أما من كان يشغل ما يسمى وزير شرطة الاحتلال إلياهو ساسون، فقد اقترح “نقلهم إلى الضفة الشرقية”، أي إلى الأردن. ووافقه الرأي زميله يوسف سابير، الذي قال: “يجب علينا أخذهم من أعناقهم وطردهم بعيدًا خارج القطاع، ولا أعرف من سيستقبلهم، وخاصة لاجئي غزة”.

وزاد وزير ثالث في “حكومة” العدو آنذاك، هو يغال ألون، على ذلك قائلاً: “أنا أؤيد تشجيع الهجرة إلى الخارج، ويجب التعامل مع الأمر بجدية بالغة. إن الهدف المفضل لتهجيرهم إليه هو شبه جزيرة سيناء، وليس العريش فقط، فهناك يمكن توطين جميع لاجئي غزة، وفي رأيي يجب البدء في التوطين، حتى لو أبدوا معارضة”.

ورغم الجهود العسكرية والاستراتيجية، لم يغادر قطاع غزة سوى بضع عشرات الآلاف من الفلسطينيين خلال تلك السنوات. ومع إقامة أول مستوطنة في القطاع عام 1970، بقيت الغالبية العظمى من الفلسطينيين في أماكنهم، متمسكين بأرضهم وحقوقهم.

كما يُذكر أن عام 2005 شهد إجلاء المستوطنين من القطاع بموجب خطة “فك الارتباط”، والتي نفذها من سمي، حينها، برئيس الوزراء، المجرم أرئيل شارون، لكن هذا الإجراء لم يُغير من واقع الفلسطينيين الذين استمروا في المقاومة.

 

على صخرة أسطورة الصمود

وتستمر محاولات التهجير وتهويد الأرض، ولكن إرادة الشعب الفلسطيني تبقى صامدة. في قلب غزة، حيث تلتقي آلام الماضي بآمال الحاضر. يتجلى صمود شعبي يُسطر بحروف من الدماء والتضحيات. في كل زوايا القطاع، تتعرض الحرية والاستقرار للقصف والتدمير، ولكن الغزّيين، بشجاعة لا تنضب، ظلوا أوفياء لترابهم وذاكرتهم.

وظل الصمود الفلسطيني في مواجهة العدو الإسرائيلي يعكس قوة العزيمة والروح الوطنية، حيث يتمسك الشعب بحق العودة، ويحتفظ بذكرياته رغم كل المحاولات لإخراجه من أرضه. إن هذه الروح المستمرة في المقاومة شعارٌ يُبرز أن العدو، لا يمكنه كسر إرادة الشعب الفلسطيني الذي يصر على العودة والوصول إلى تحقيق حقوقه المشروعة.

تتجاذب مشاهد الدمار مشاعر الأمل، حيث تتعالى صرخات الأرواح التي أزهقت، تندب في سماء مثقلة بمعاناةٍ أبدية، وتجعل من الانتصارات الخاصة ضربًا من الخيال البعيد. يكافح الأطفال، الذين عجزت قلوبهم الصغيرة عن فهم ظل الخطر الذي يلتف حولهم، لماذا يتساقط الرصاص عليهم كالمطر، ولماذا تهل عليهم القنابل بلا حساب؟ بدلاً من أن تُعزف ألحان البراءة، تتوحد الأصوات في تنبيهٍ كئيب يعلن عن انفجارات تأكل من أحلامهم وتأسرها في غزارة الدماء التي تجري على الأرض المقدسة.

تحمل كل لحظة من انتظار الأمهات أنينًا يكاد يُمزق القلوب، وتُعيد لحظات الفرح دموعها مختلطة بحزنٍ يثقل كواهلها. وفي شوارع غزة، تتكشف روايات مفعمة بالألم والدموع، تتحول كل زاوية إلى مسرح يحكي حكاية الألم والمقاومة. الأب المثقل بالأحزان، يسير في الأقبية المدماة، يبحث بعزيمة وإصرار عن خيط أمل بين الركام، وهو غير آبه بصفير الطائرات الحربية الذي يقتحم أُفقه في محاولات يائسة لغمره بشيء من اليأسٍ، لكنه، وتحت وطأة النيران، يسير على قدميه ثابت الخطى بقلب بارد كالصقيع.

كل شجرة في غزة، غارقة في دماء الشهداء، تقف حارسة لذكراهم، وكأنها تنفث أسطورة الصمود في جذورها. في قلب المستشفيات المزدحمة، حيث يلتقي الأمل مع الألم، تجد الأطباء يحملون قلوبًا مثقلة بالحزن، ومع ذلك، تُشع عيونهم بنور الإرادة. المرضى، الذين يحرمهم الاحتلال من العلاج، يقاومون بملامح الفخر والمقاومة، تُظهر بصمات الأمل التي لم تُمحَ بعد.

أما رجال المقاومة، فهم أبطال يشبهون الأسود، يقهرون كل التحديات بروحٍ لا تقهر، يتلاقى إصرارهم مع أنفاس الأطفال الأبطال. في كل معركة، يتجلى صمود الشعب الغزاوي في مشاهد تتخطى حدود الكلمات. نساء يؤدين عزايمهن بفرح يرتفع في الفضاء كأغنية حماسية، وشباب يكتبون قصائد الثورة على جدران المنازل المُدمَّرة، يُعيدون للحياة ألوانها، ولو كانت بين شظايا الخراب.

ومهما كانت الدماء التي تجري، تبقى المقاومة نبراسًا لا ينطفئ. يستعيد الجميع ذكرى جهاد الآباء والأجداد، الذين عاشوا تحت وطأة الاحتلال بروحٍ متفائلة لم تتلألأ إلا في سماء الأمل.

ومع كل قذيفة، تولد روح جديدة في عمق المعاناة، تكسر سكون اليأس، وتزرع الأمل في تراب الأرض. تصرخ غزة بأصوات أبنائها: “لن نركع، سنظل هنا، هنا حيث القلب ينبض بالحياة، حيث تصنع الحروف من أوجاعنا فصول النصر المتجلي، وحيث تمتزج أحلامنا بألوان الحرية!”

 

 وسقطت معها آخر الرهانات الصهيونية

بالتزامن مع محاولات الكيان المستمرة منذ بداية العدوان لتفكيك النسيج الاجتماعي الفلسطيني وتدمير هويته، تعالت دعوات من داخل الكيان الصهيوني ومن الجاليات المساندة له في جميع أنحاء العالم لما أسموه “توطين الإسرائيليين” في المناطق الشمالية من غزة وإعادة بناء المستوطنات التي تفككت أثناء الانسحاب الإسرائيلي عام 2005.

ومع تصاعد الأصوات المنادية بإفراغ شمال غزة، والمساعي لإعادة إحياء ما يسمى بـ”خطة الجنرالات” و”الجزر الإنسانية”، أظهرت فلسطين أن صمودها لا يمكن هزيمته. بل إن العودة إلى استحقاقات ما قبل عام 1948 غدت بارقة أمل تلوح في الأفق.

بينما كان المسؤولون الصهاينة يخططون لضم الأراضي إلى المغتصبات المحاذية، ويدعون توجيه الفلسطينيين نحو الجنوب عبر التهجير، ظهرت مقاومة شامخة تقف جنبًا إلى جنب مع أكثر من 300 ألف مواطن من الفلسطينيين الذين صمدوا في وجه محاولات التهجير. أظهر هؤلاء أن قرار الاستمرار في البقاء كان أقوى من أي توحش صهيوني يطاردهم، رغم تضاعف أعداد النازحين الذين تخطوا المليون، ورغم مخاطر الاستهداف الإسرائيلي المتزايد.

هؤلاء النازحون، الذين رفضوا الخروج إلى مصر بالرغم من التصعيد في الهجمات على المخيمات والمناطق الآمنة، بقوا مرابطين في الجنوب، يحملون إرثًا من العزيمة، مؤكدين على حقهم في العودة إلى الشمال بشموخ تعانقه الكرامة والعدالة.

 

وتتدفق أفواج العودة والانتصار

في غمرة الصدمة التي منيت بها الأوهام الصهيونية، تتبدد الأوهام، ويتحول المشهد إلى عرض مفعم بالأحاسيس المتناقضة، حيث تلتقي التكبيرات والتهليلات مع الزغاريد وبكاء الفرح والإرهاق. مشاهد تُجسد ثنائية الفرح والألم تسود في تدفق السيل البشري عبر شارعي الرشيد غربًا وصلاح الدين شرقًا، حيث يعبر الفلسطينيون من جنوب القطاع إلى شماله لأول مرة منذ إجبار العدو لهم على الرحيل.

شملت جحافل العائدين من فلسطين إلى فلسطين كل الفئات: نساء، شيوخ، أطفال، وشباب، بعضهم مصاب أو مريض. وقد رأينا من بين العائدين من يستخدم الكراسي المتحركة، وآخرين يتوكؤون على العكاكيز، وآخرون يسيرون بأطراف صناعية.

وقدر مكتب الإعلام الحكومي في غزة أن عدد من عادوا إلى مدينة غزة ومحافظات شمال القطاع بلغ “أكثر من نصف مليون نازحٍ من فلسطينيي قطاع غزة خلال الساعات الماضية من محافظات الجنوب والوسطى، عبر شارعي الرشيد وصلاح الدين، وذلك بعد 470 يومًا من تهجيرهم قسرًا منذ بدء حرب الإبادة الجماعية التي ارتكبها العدو الإسرائيلي في قطاع غزة”. ويتحدث الفلسطينيون عن استمرارية تدفق أفواج العودة من جنوب القطاع إلى شماله خلال الأيام القادمة، في ظل انسحاب العدو الإسرائيلي من المواقع العسكرية التي أقامها في المنطقة.

 

عنترية الاحتلال إلى زوال

دخل العدو الإسرائيلي غزة بشعارات عنترية تهدف إلى القضاء على المقاومة وتفكيك قدراتها، بالإضافة إلى اجتثاث حركة حماس وغيرها من الفصائل. ومع ذلك، بعد 15 شهرًا من التدمير والتطهير العرقي، خرج العدو صاغرًا، راضيًا بشروط المقاومة الفلسطينية التي أثبتت صمودًا أسطوريًا للدفاع عن الأرض والشعب.

معًا، كتب الفلسطينيون (شعبًا ومقاومة) قصة جديدة تتجاوز حدود الزمان والمكان، مطالبين بحقهم في الحرية والكرامة. فالقضية الفلسطينية ليست مجرد صراع، بل هي رحلة نحو تحقيق العدالة، ستمتد أصداؤها عبر الزمن، مُلهمةً الأجيال القادمة، ومؤكدةً أن سبل العودة مفتوحة، والأمل متجدد. هنا، لا يُسمح للفشل بالتحكم في مسارات التاريخ، وإن التصريحات الداعية إلى تهجير الفلسطينيين، خاصة من الشخصيات السياسية مثل الرئيس الأمريكي، لم تعد تعبر إلا عن عقلية عنترية احتلالية واهمة مصيرها إلى زوال.

في رد على ما نقلته وسائل إعلام أمريكية من تصريحات للمجرم دونالد ترامب، التي أدلى بها خلال جلسة مع الصحافيين على متن الطائرة الرئاسية، والتي دعت، بطريقة غير مباشرة، إلى تهجير أهل غزة، والتي قال فيها إنه “يود أن يرى الأردن ومصر ودولًا عربية أخرى تزيد في عدد اللاجئين الفلسطينيين الذين تقبلهم من قطاع غزة”، مُضيفًا أن هذا الأمر “قد يؤدي إلى نقل عدد كافٍ من السكان لتطهير المنطقة، التي مزقتها الحرب” حسب زعمه.

قال رئيس حركة حماس في قطاع غزة، خليل الحيّة، إن “شعبنا أسقط مخططات التهجير، . وتابع الحيّة في بيان: “نعتز بالدعم العربي والإقليمي، والشكر لكل من ساند المقاومة، وقدم الشهداء في معركة طوفان الأقصى”، مشيدًا بمواقف مصر والأردن “الرافضة لمخططات تهجير شعبنا من قطاع غزة”، مشيرًا إلى أن “المرحلة القادمة تتطلب وحدة الصف الفلسطيني، والاستمرار في المقاومة حتى تحقيق النصر الكامل”.

وفيما رفضت مصر والأردن تهجير الفلسطينيين، عاود ترامب الابتزاز والتلويح بالعقوبات حيث صرّح بأن الأردن ومصر رفضت تهجير الفلسطينيين وأكد أن الأردن ومصر ستقبلان تنفيذ مخططاته لأنه يدفع لهما.

 

ماضون نحو المستقبل

في ساحة المعركة العسكرية والأمنية والسياسية، قدمت غزة درسًا لا يُنسى، مذكّرة العالم بأن الإرادة الإنسانية المستندة إلى الحق لا يُمكن قهرها. إذ تجلى الفشل الذريع في محاولات العدو، الذي أخفق في تحقيق أهدافه على كل الأصعدة، مُعانقًا عار الهزيمة بفعل قوة الشعب الفلسطيني وإرادته الصلبة.

تحت سماء ملبدة بالتهديدات، وقف الفلسطينيون، من “تبة النويري” إلى “محور نتساريم”، مُعبرين عن فرحتهم في العودة، متحدين في مشهد عظيم يجمع بينهم، في رحلة من الأمل الذي لا يعرف التراجع، وعلى الرغم من المآسي والخراب الذي لحق بمنازلهم، عادوا ببسالة إلى أرضهم ليعيدوا بناء المعاني الحقيقية للعيش بكرامة.

من البُعد التاريخي، تتجسد القضية الفلسطينية رمزاً لمقاومة الاضطهاد؛ حيث أظهرت الأحداث الأخيرة لنا جميعًا أن هذا الجهاد إنما هو انتفاضة مستدامة، تكتسب قوتها من تضحيات الأجيال المتعاقبة. يستخدم الفلسطينيون كل ما لديهم، من عقولهم إلى قلوبهم، في مواجهة عقلية العدو ، مُعيدين تشكيل المعادلات وصياغة واقع جديد يرفض الاستسلام.

تظل أصوات الفلسطينيين تدوّي في أرجاء العالم، مذكّرة الجميع بأن الحق لا يموت، وأن الحرية آتية حتمًا. لقد سطّر الفلسطينيون أسطورة جديدة من الصمود، ليقولوا للعالم: “لن نركع، سنعود، وسنبقى هنا حيث ينبت الأمل من رماد المعاناة، وحيث يظل المستقبل مرسومًا بألوان الحق والعدل”.

 

نقلا عن موقع أنصار الله

مقالات مشابهة

  • في رحلة العودة .. الغزاويون يحطمون أحلام العدو
  • تعرف على حجم المساعدات التي وصلت لغزة بعد وقف إطلاق النار
  • قيادي في حماس: التحية لليمن وأنصار الله لما قدموه في معركة طوفان الأقصى
  • خليل الحية: معركة طوفان الأقصى كسرت هيبة العدو
  • سموتريتش يهدد باستئناف حرب غزة.. المحور العربي المعتدل يطالبنا بتدمير حماس
  • القيادي في حماس إسماعيل رضوان: التحية إلى اليمن وأنصار الله لما قدموه في معركة طوفان الأقصى
  • في رحلة العودة.. الغزاويون يحطمون أحلام العدو الإسرائيلي
  • لمن النصر اليوم!!
  • العدو الصهيوني يُفرج عن 110 أسرى فلسطينيين
  • ماذا تعرف عن قاعدة غوانتانامو التي ستستضيف المهاجرين؟