نائب رئيس جامعة الأزهر الأسبق: الصلاة تُغير سلوك الإنسان وتؤثر في حياته
تاريخ النشر: 19th, November 2024 GMT
قال الدكتور محمد أبو هاشم، نائب رئيس جامعة الأزهر الأسبق، عضو المجلس الأعلى للطرق الصوفية، إن العبادة، وخاصة الصلاة، لها تأثير عميق في حياة المسلم وسلوكه، مُشيرا إلى أن كثيرًا من الناس يلتزمون بالصلاة ويحافظون عليها، لكن قد يرتكبون بعض الأخطاء والسلوكيات التي نهى عنها الإسلام، لذا يجب تشجيعهم على الالتزام بالصلاة، لأنها تهدي وتشرح الصدر، فالصلاة لها أثر كبير في تغيير السلوك.
وقال الدكتور محمد أبو هاشم، خلال حلقة برنامج «مع الناس»، المُذاع على قناة الناس، اليوم الثلاثاء، إن هناك أثر ورد عن الصحابي الجليل عبد الله بن عباس، حيث قال: «من لم تنهَه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له»، مٌوضحا أن هذا الأثر يعني أن الصلاة إذا كانت صحيحة ومٌؤثرة في القلب، ينبغي أن يكون لها دور في تعديل سلوك الإنسان، وأن الصلاة ليست مُجرد عبادة فردية، بل هي عامل أساسي في التأثير على سلوك المسلم.
وفي سياق الحديث عن الصلاة، سرد الدكتور أبو هاشم قصة مٌميزة استمع إليها من أستاذ أجنبي زار مصر، حيث قال: «كان هذا الأستاذ من إنجلترا، وعندما سألته عن الإسلام، أخبرني أنه قرأ كثيرًا عن الإسلام، وأعجب بشيء واحد في الإسلام وهو الصلاة، وهناك 5 صلوات في اليوم، خمس مرات يقف المسلم أمام الله سبحانه وتعالى وهذه الفكرة كانت تثير إعجابه، لأنه يجد أن هذا يُبقي المسلم قريبًا من الله طوال اليوم».
الصلاة فرصة يومية للمؤمن لمراجعة نفسهالدكتور أبو هاشم أوضح أن الصلاة تذكر المُسلم دومًا بالله، مما يجعل سلوكه أكثر انضباطًا، وأن الصلاة لا تقتصر على كونها عبادة بدنية فحسب، بل هي فرصة يومية للمؤمن لمراجعة نفسه، والتوبة عن أخطائه، والتذكر الدائم لوجود الله، مُضيفا: لو استحضر المسلم هذا المعنى، أنه يقف خمس مرات يوميًا أمام الله، فإنه لا يستطيع أن يستمر في ارتكاب الأخطاء أو المنكرات، هذه الصلاة تجعل الإنسان يعي عظمته ويدفعه للسعي إلى التحسين من نفسه.
وأضاف الدكتور أبو هاشم، أن الصلاة لها أثر تطهيري، فهي كفارة للذنوب والخطايا، كما ورد في الحديث النبوي الشريف، مُوضحا أنه حتى إذا وقع الإنسان في الخطأ، تظل الصلاة سبيلًا للتوبة والغفران، وتظل هي الطريق لإصلاح السلوك وتقوية العلاقة مع الله سبحانه وتعالى.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: الصلاة قناة الناس المسلم الأزهر أن الصلاة أبو هاشم
إقرأ أيضاً:
حقوق الإنسان.. بين تعاليم الإسلام والتشريعات الحديثة
د. حامد بن عبدالله البلوشي **
shinas2020@yahoo.com
في العاشر من ديسمبر من كل عامٍ، تقف البشرية لتحيي اليوم العالمي لحقوق الإنسان، وهي ذكرى إعلان الأمم المتحدة عام 1948م الميثاق الذي جمع بين طموحات الشعوب وآمالها في حياةٍ كريمةٍ تسودها العدالة والمساواة. غير أن هذه الحقوق التي تتغنى بها المواثيق الحديثة لم تكن وليدة العصر الحديث، بل هي متجذرة في أعماق الرسالات السماوية، وفي مقدمتها الإسلام الذي أرسى قواعدها، ووضع لبنتها، وحرص عليها قبل قرونٍ عديدةٍ، وقدم للبشرية نموذجًا متكاملًا لصيانة الحقوق، وحفظ الكرامة، لتصبح جزءًا لا يتجزأ من منظومته الأخلاقية والتشريعية.
فلقد جاء الإسلام ليضع ميثاقًا إلهيا يضمن للإنسان كرامته وحقوقه دون تفرقةٍ أو تمييزٍ. فلا اعتبار فيه للون، أو الجنس، أو الدين. وقد أعلن القرآن الكريم هذه الحقوق منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا بقوله I: ﴿ولقدْ كرمْنا بني آدم﴾، فجعل هذا التكريم أساسًا لكل الحقوق التي يستحقها الإنسان.
ومن المواقف العظيمة التي نذكرها بكل اعتزاز وفخر، والتي تدل على اهتمام الإسلام بحقوق الإنسان قصة الخليفة عمر بن الخطاب مع القبطي الذي اشتكى من ابن عمرو بن العاص. فلم ينظرْ عمر إلى كون المشتكي غير مسلمٍ، أو إلى كون المعتدي ابن والٍ مسلمٍ (حيث كان عمرو بن العاص واليًا على مصر)، بل أقام العدل قائلًا عبارته الشهيرة: "متى استعبدتم الناس وقدْ ولدتْهمْ أمهاتهم أحرارًا؟" منطلقًا من مواقف أستاذه ومعلمه ومعلم البشرية جميعًا رسول الله صلى الله عليه وسلم والتي منها: أنه صلى الله عليه وسلم عندما رأى جنازة يهودي، وقف احترامًا للإنسانية قائلًا: "أليستْ نفسًا؟".
ورغم ما حققته الإنسانية من تطورٍ، إلا أن حاجتها إلى المحافظة على حقوق الإنسان باتتْ أكثر إلحاحًا. فلا تزال البشرية تعاني في كثيرٍ من بقاع الأرض من غياب حقوق الإنسان. ملايين الأشخاص يحرمون من حق التعليم والمعرفة، والطعام والغذاء، والعلاج والدواء، والسكن الآمن الكريم، ناهيك عن حروب الإبادة التي ترتكب ضد الإنسانية، وما يصاحبها من تجويع، وتشريد، وتهجير قسري، وانتهاك للأعراض، واستخدام للأسلحة الفتاكة المحرمة دوليا من دول تتغنى بالديموقراطية وحقوق الإنسان، إذ لا يمكن أنْ يزدهر العالم، أو ينعم بالسلام؛ دون تحقيق العدالة، وحفظ الكرامة الإنسانية، لا باعتبارها شعاراتٍ ترفع، بل كمبادئ تطبق وتصان. فالحقوق الإنسانية تعد أساسًا لتحقيق السلام والاستقرار، وهي الحصن المنيع ضد الظلم والقهر.
إن أحد أكبر التحديات التي تواجه العالم اليوم هي العنصرية البغيضة، تلك الآفة التي تفرق بين البشر على أساس اللون أو العرق. مشاهد الظلم في بعض الدول تجسد استمرارية هذه الظاهرة الكريهة رغم كل الجهود الرامية لمكافحتها، فتسحق الكرامة تحت وطأة النزاعات المسلحة، ويقتل الأبرياء بلا ذنبٍ، وتهدر الحقوق الأساسية بسبب الجشع والطمع. مما يبرز الحاجة الماسة إلى جهودٍ مكثفةٍ لمحاربتها.
ولطالما اشتهرتْ سلطنتنا الغالية عمان بترسيخ قيم العدالة والمساواة. فقد حرصتْ على احترام الإنسان وصون كرامته. وقد كان العمانيون دائمًا وأبدًا يعاملون الآخرين بالعدل والمساواة، سواءً كانوا داخل الوطن أو خارجه. وقد عرفتْ السلطنة باحترامها للإنسان، وحرصها على إقامة العلاقات الدولية على أساس الاحترام المتبادل.
ولقد كان السلطان قابوس بن سعيدٍ -رحمه الله- نموذجًا عالميا في دعم حقوق الإنسان. عمل على ترسيخ قيم التسامح والمساواة، وأطلق مبادراتٍ تنمويةً تستهدف تحسين مستوى معيشة المواطن والمقيم. وفي عام 2008 أصدر جلالته -طيب الله ثراه- المرسوم السلطاني رقم (124/2008) بإنشاء اللجنة العمانية لحقوق الإنسان لكي تصبح كيانًا وطنيا مستقلًا لنشر ثقافة حقوق الإنسان، والعمل على حماية حقوقه، وصونها على أرض عمان. كما كان حريصًا على نشر السلام في المنطقة والعالم، مما جعل السلطنة واحةً للسلام والأمان.
واستمرارًا لهذا النهج الحكيم، جاء صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارقٍ -حفظه الله ورعاه - ليكمل مسيرة الحفاظ على حقوق الإنسان. فأطلق العديد من المبادرات التي تهدف إلى تمكين الأسرة، وتعزيز التعليم، وتحسين ظروف المعيشة، مع التأكيد على احترام القيم الإنسانية الأصيلة. وأصدر المرسوم السلطاني رقم (57/2022) الذي أعاد تنظيم اللجنة العمانية لحقوق الإنسان، ووضع لها نظام عمل جديد، يرتقي بها إلى مستوى الاستقلال التام في ممارسة أعمالها، باعتبارها آلية وطنية معنية بحماية وتعزيز حقوق الإنسان، ومتابعتها على الصعيدين المحلي والدولي.
في يوم حقوق الإنسان، يتجدد الأمل في عالمٍ يسوده العدل والمساواة، وتزهر فيه القيم الإنسانية. إنه دعوةٌ لكل فردٍ أنْ يكون صوتًا للحق، ونبراسًا للإنسانية. فلا كرامة لشعوبٍ تتجاهل حقوق أفرادها، ولا ازدهار لأممٍ لا تحترم إنسانيتها.
** مدير عام شبكة الباحثين العرب في مجال المسؤولية المجتمعية