ليبيا – أكد محمد الحويج، وزير الاقتصاد في حكومة تصريف الأعمال، أن انقسام المؤسسات السياسية والاقتصادية يمثل أحد أبرز التحديات التي تواجه ليبيا في المرحلة الراهنة، مشددًا على ضرورة الحفاظ على وحدة المؤسسات الاقتصادية في كافة أنحاء البلاد.

وفي حوار مع وكالة “سبوتنيك“, أوضح الحويج أن المؤسسات الاقتصادية تمثل كيانًا وطنيًا واحدًا يخدم جميع الليبيين دون استثناء، مشيرًا إلى أن وحدة هذه المؤسسات يجب أن تكون أولوية، بغض النظر عن الانقسامات السياسية.

وأضاف: “احترام القوانين والقرارات الصادرة أمر ملزم، لأنه يعكس وحدة الدولة، فليبيا كدولة لا تقبل القسمة، ويجب أن تكون المؤسسات رمزًا لهذه الوحدة”.

وشدد الحويج على أن وحدة المؤسسات الاقتصادية ليست خيارًا، بل ضرورة لضمان استقرار الاقتصاد وتحقيق التنمية المتوازنة في كافة المناطق، بما يحمي المصلحة الوطنية ويعزز الثقة في قدرة الدولة على تجاوز الأزمات.

وفي سياق حديثه، أشار الوزير إلى تطلع ليبيا للانضمام إلى مجموعة بريكس، مؤكدًا أن الجهات المختصة تعمل حاليًا على دراسة الجدوى الاقتصادية والفوائد المحتملة لهذا الانضمام، بما يحقق مصلحة الشعب الليبي.

 

وفيما يلي نص الحوار:

س/ كيف ترى الوضع الاقتصادي في ليبيا هذه الفترة بعد جملة الإصلاحات الاقتصادية أو التغيرات الاقتصادية التي تم العمل عليها؟

ج/ ليبيا تتمتع بإرادة قوية ورؤية واضحة وإدارة فعالة، مع تحديد الأولويات في أي مشروع بناء أو إصلاح اقتصادي، الاقتصاد الليبي يتميز بكونه مبنياً على “اقتصاد المخاطرة”، حيث استطاع تجاوز أزمات عدبدة سياسية واقتصادية وأمنية بفضل مرونة أبنائه.

الليبيون، سواء كانوا اقتصاديين أو رجال أعمال، يمتلكون فكراً مبتكراً وقدرة على التعامل مع المخاطر وتحويل التحديات إلى فرص، هذا النهج يعتبر جزءاً من أساسيات الفكر الاقتصادي الليبي.

لقد وضعنا خططاً واستراتيجيات تسعى لتحقيق التوازن بين اقتصاد المخاطرة واقتصاد الأزمات، مما يتيح للاقتصاد الليبي النمو بمعدلات أفضل مقارنة بدول البحر المتوسط والدول النفطية الأخرى، هذا التميز لا يعتمد فقط على الموارد، بل على الإبداع والقدرة على التحول في مواجهة التحديات.

س/ حدثنا عن النمو الاقتصادي في ليبيا؟

ج/ بحسب أحدث تقارير البنك الدولي، يحقق الاقتصاد الليبي نمواً بنسبة 13%، وهو  معدل متميز مقارنة بالدول النفطية الأخرى، رغم أن النمو يعتمد بشكل رئيسي على قطاع النفط ومع ذلك، فإن ليبيا تسعى جاهدة لتجاوز هذا الاعتماد الأحادي عبر وضع خطط لتنويع الاقتصاد.

لقد بدأنا بالفعل في تنفيذ برنامج تنويع اقتصادي بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي، يهدف إلى تقليل اعتماد الاقتصاد الليبي على النفط ليشكل أقل من 40% من إجمالي الإيرادات، مع توجيه النسبة الأكبر، 60%، نحو قطاعات حيوية أخرى مثل الصناعة والزراعة.
على سبيل المثال، يمكن لقطاع الأسمنت أن يسهم بشكل كبير، حيث نسعى لإنتاج حوالي 20 مليون طن في المناطق الصناعية كذلك، تم وضع رؤية شاملة لتطوير قطاع السياحة، نستهدف من خلالها جذب 4 ملايين سائح سنوياً لتحقيق ذلك، نحن بحاجة على سبيل المثال إلى تجهيز 100 ألف غرفة فندقية، وهي خطوة ضرورية لتشجيع الاستثمار ودعم البنية التحتية السياحية.

رغم الظروف الصعبة، تمضي ليبيا في طريق التنويع الاقتصادي بخطى ثابتة، نحن ندعو رجال الأعمال والمستثمرين الأجانب إلى الانضمام لهذه الجهود، ونؤكد لهم تقديم كل المزايا والحوافز الممكنة لضمان نجاح هذا التحول الاقتصادي وتحقيق التنمية المستدامة.

س/ ماذا عن الاستثمار الليبي؟
ج/ قمنا بإعادة هيكلة لائحة وهيكل هيئة الاستثمار بهدف تعزيز كفاءتها وتحفيزها على الإبداع، حيث أصبحت الهيئة أكثر قدرة على التواصل مع المستثمرين وتشجيعهم على الاستثمار في مشاريع استراتيجية، مثل إنشاء المدن الصناعية والمدن الذكية، وتوليد الطاقة الشمسية والمصافي والبتروكيماويات في التنويع الاقتصادي والتي تعد أساساً لبناء بنية تحتية حقيقية تساهم في تحقيق اقتصاد متنوع ومستدام.
من بين هذه الجهود، نعمل على تطوير تجارة العبور والمناطق الحرة، التي تمثل محركات رئيسية لتعزيز الاقتصاد الوطني، مع التركيز على توزيع هذه المشاريع بشكل متوازن في مناطق الشرق والغرب والجنوب.

نعتمد في ليبيا دائماً على رؤية موحدة وخريطة عمل مشتركة، سواء على مستوى وزارة الاقتصاد أو على المستوى الشخصي، لضمان تحقيق التكامل والتناغم في التنمية الاقتصادية، وتوفير بيئة جاذبة للاستثمار تدعم التحول نحو اقتصاد أكثر تنوعاً واستدامة.

س/ حدثنا عن تنمية الصادرات وكيف تعملون على تشجيعها؟

ج/ وضعنا رؤية استراتيجية تهدف إلى تنمية الصادرات من خلال دعم وتشجيع الصناعات الصغرى والمتوسطة، وكذلك الصناعات الأسرية التي تسهم في الإنتاج المحلي وتصدير منتجاتها إلى الخارج.

نسعى لتقديم الدعم لهذه الصناعات من خلال توفير تذاكر السفر، ودعم المشاركة في المعارض، والترويج للمنتجات في الأسواق العالمية، بحيث يصل الدعم المقدم إلى 40%، مما يساهم في تنويع الاقتصاد الوطني.
نعتمد على هذه الصناعات لأنها تمثل العمود الفقري لاقتصاديات العديد من دول العالم، حيث تلعب دوراً محورياً في تعزيز الإنتاجية وخلق فرص العمل في ليبيا، قمنا بزيارة العديد من معارض القطاع، واطلعنا على جهود النساء، وبعض المصنعين، ورواد الأعمال الذين يحتاجون إلى الدعم لتحقيق النجاح
نقوم حالياً بإعادة هيكلة وتنظيم برامج تنمية الصادرات لتكون أكثر فاعلية، مما يجعلها أداة رئيسية لدعم الصناعات المحلية وتمكينها من دخول الأسواق العالمية، وبالتالي تحقيق قفزة نوعية في مسار تنويع الاقتصاد الليبي.

س/ حدثنا عن مقومات التنوع الصناعي ومساهمته في تعزيز الاقتصاد الوطني؟

ج/ في ليبيا نمتلك موارد خام غنية متنوعة مثل الرمل، والإسمنت، والذهب، وهي مواد قادرة على تحقيق التنوع الاقتصادي إذا تم استغلالها بشكل صحيح ومع ذلك، من الضروري حماية ودعم الصناعة الوطنية لضمان استمراريتها وقدرتها على المنافسة في السوق المحلي والدولي.

بدأنا بالفعل في تقديم رؤية شاملة لمجلس الوزراء، تؤكد أهمية تشجيع الصناعات الوطنية وحمايتها من منافسة الإغراق التي تمارسها بعض الدول مثل الصين، لا يمكن أن نسمح للصناعة الوطنية بأن تواجه هذا النوع من المنافسة غير العادلة دون دعم وحماية فعالة.

من هذا المنطلق، نؤكد على ضرورة تطبيق إجراءات لحماية المنتجات الوطنية، على الأقل من مبدأ المعاملة بالمثل، فمعظم الدول تفرض رسوماً تصل إلى 20% تحت مسمى “القيمة المضافة” لحماية صناعاتها، ونحن أيضاً يجب أن نتبنى سياسات مشابهة لدعم المنتجات المحلية وتشجيع الاستثمار في الصناعة الوطنية، حماية الصناعة الوطنية ليست خياراً، بل ضرورة لضمان النمو الاقتصادي وتحقيق التنوع الذي ننشده.

س/ ماذا عن التنوع الاقتصادي في ليبيا؟ هل هناك لديكم خطط لذلك؟

ج/ نعمل بجد لتحقيق التنوع الاقتصادي مع التركيز على تحديد الأولويات التي تضمن تحقيق قيمة مضافة حقيقية للاقتصاد الليبي، على سبيل المثال، قطاع الزراعة يمثل فرصة هائلة، حيث يمكننا التوسع في زراعة الزيتون الذي يُعد إنتاجه ذا قيمة أعلى من النفط، بالإضافة إلى زراعة النخيل لإنتاج التمور، والخروب، والقمح في الجنوب الليبي وغيرها من المحاصيل الاقتصادية التي تساهم في تحقيق عوائد كبيرة وتعزز التنمية المستدامة.

وفي إطار تعزيز الاستقرار الاقتصادي، أصدر رئيس الوزراء قراراً بتشكيل المجلس الأعلى للسياسات النقدية والمالية والتجارية، يهدف هذا المجلس إلى تحقيق التوازن بين إيرادات النفط والإنفاق والاستيراد، مما يساهم في الحفاظ على قوة الدينار الليبي، الذي يعد مؤشراً مهماً لاستقرار الاقتصاد.
يتطلب هذا الاستقرار وضع خطط واضحة للحفاظ على قيمة الدينار، مع تحقيق توازن في السياسات الثلاث التجارية، والمالية، والنقدية.

من جانب آخر، نؤكد على ضرورة تحريك البنوك الليبية لتكون أداة فعالة لدعم التنمية الاقتصادية، يجب أن تركز البنوك على إقراض المشاريع التنموية بدلاً من السلع الاستهلاكية والسيارات، مع تطبيق قانون التجارة رقم (23) لسنة 2010 لمنع الاحتكار وضمان تحقيق العدالة الاقتصادية، نحن ملتزمون بتنفيذ هذه السياسات لتحقيق التنوع والاستقرار، وضمان بناء اقتصاد قوي ومستدام يخدم جميع الليبيين.

س/ حدثنا عن إصلاح الدعم هل قمتم بالعمل على إصلاح الدعم في ليبيا؟

ج/ إصلاح منظومة الدعم يمثل تحدياً كبيراً، حيث تذهب نسبة كبيرة منه، تصل إلى 70%، لدعم قطاع الكهرباء، للتعامل مع هذا بدأت الشركة العامة للكهرباء في تنفيذ مشروعات ومنظومات جديدة تهدف إلى تقليل استهلاك الدعم الموجه لهذا القطاع، هذا التوجه يتيح تحويل جزء من الدعم نحو دعم السلع الأساسية، مما يعزز سلامة الأمن الغذائي.

الأمن الغذائي يمثل أولوية قصوى، حيث يجب إنشاء احتياطي استراتيجي من القمح وغيره من السلع الأساسية لضمان توافرها واستقرار أسعارها.
كما يتعين علينا تقديم الدعم للفئات الأكثر احتياجاً، خاصة تلك التي تأثرت بشكل مباشر ودخلت تحت خط الفقر.
لكن يجب أن يتم هذا الدعم بأساليب مبتكرة وفعالة، الدعم النقدي قد لا يكون الحل الأمثل في بعض الحالات، حيث يمكن أن يُستخدم لأغراض غير مرتبطة بالاحتياجات الأساسية للأسرة لذلك، نميل إلى تطبيق نظم دعم حديثة تعتمد على المولات والأنظمة الإلكترونية لضمان وصول الدعم إلى مستحقيه بطرق تضمن تحقيق الهدف الأساسي منه.
هذه الإجراءات تهدف إلى تحقيق توازن بين تقليل الهدر في منظومة الدعم وضمان استفادة الفئات المستحقة بطريقة شفافة وعصرية.

س/ ماذا عن الاصلاحات الاقتصادية؟

ج/ اجتمعنا مع وزير الحكم المحلي لبحث الإصلاحات الاقتصادية وسبل تفعيل نظام البلديات والمحافظات بما يعزز التنافسية الاقتصادية على المستوى المحلي، وتم الاتفاق على ضرورة إشراك الجامعات في إجراء مسح شامل للبلديات وذلك لتحديد الإمكانيات المتوفرة فيها، سواء من حيث الموارد الخام أو القدرات البشرية، بالإضافة إلى تحديد الخدمات التي تحتاجها كل بلدية.
نهدف إلى تصنيف البلديات بناءً على طبيعتها واحتياجاتها، حيث يمكن أن تكون بعض البلديات خدمية، وأخرى صناعية، أو زراعية، أو مزيجاً من ذلك، تقوم الجامعات حالياً بتأهيل مكاتب استشارات لدعم هذا التوجه، بما يضمن تقديم حلول عملية ومبنية على دراسات دقيقة.
كما نعمل على تفعيل التواصل المجتمعي داخل كل بلدية، بحيث يتم الاستماع إلى المواطنين لمعرفة احتياجاتهم الحقيقية، وكيفية تحسين مستوى دخلهم ومعيشتهم، هذا التواصل سيكون مسؤولية البلديات والمحافظات من خلال وزارة الحكم المحلي، ليكون المواطن شريكاً في تحديد الأولويات والمساهمة في اتخاذ القرار.
الهدف هو خلق بيئة تنافسية بين البلديات، مع التركيز على تحسين مستوى الدخل والمعيشة، وجعل القرارات مبنية على احتياجات المجتمعات المحلية، بدلاً من الاعتماد الكامل على الحكومة المركزية، هذه الخطوة تمثل تحولاً مهماً نحو تعزيز اللامركزية الاقتصادية والتنموية في ليبيا.

س/ ماذا عن المركزية في ليبيا وتحديدا في قطاع الاقتصاد؟

ج/ وزارة الاقتصاد قامت بتمكين المراقبات في البلديات بمنحها صلاحيات واسعة تشمل التسعير وإصدار التراخيص وإدارة الأمور المحلية، بحيث أصبحت البلديات تتحمل مسؤولية مباشرة عن العديد من الجوانب الاقتصادية والخدمية، دور الوزارة يقتصر على وضع السياسات العامة، صياغة القوانين، وتوجيه البلديات لتحقيق الأهداف المطلوبة منها.

هذه الخطوة تأتي في إطار تعزيز منظومة التنويع الاقتصادي والإصلاح الاقتصادي الذي نسعى لتحقيقه، رغم الظروف الحالية التي تواجه البلاد، نحن نؤمن بأن هذه الصلاحيات ستعزز من كفاءة البلديات وتجعلها قادرة على تقديم الخدمات بشكل أفضل للمواطنين، بما يسهم في رفع مستوى المعيشة وتحقيق التنمية المستدامة.

س/ كيف تصف علاقة ليبيا وروسيا في الإطار الاقتصادي؟

ج/ علاقتنا القديمة مع دولة روسيا قوية وممتدة عبر الزمن، والعلاقات الحديثة لا تقل قوة عنها، تتميز هذه العلاقات بالتبادل التجاري، حيث تشمل السلع الأساسية مثل السلع والقمح، بالإضافة إلى ذلك، تلقينا دعوة من وزير التجارة الشيشاني، والتي ندرس تلبيتها في إطار مبادئ الاحترام والسيادة والمنفعة والمصالح المشتركة.

المصدر: صحيفة المرصد الليبية

كلمات دلالية: المؤسسات الاقتصادیة الاقتصاد اللیبی تحقیق التنوع على ضرورة فی لیبیا حدثنا عن ماذا عن یجب أن

إقرأ أيضاً:

آمال كبيرة يبددها الانقسام الداخلي وطاحونة الشروط:ماهي فرص نجاح الخطة العربية للتعافي وإعادة إعمار غزة؟

 

في مقابل شروط إسرائيلية صارمة مدعومة أمريكيا تعرقل المضي قدما في الخطة العربية للتعافي المبكر وإعادة إعمار وتنمية غزة، تبذل العواصم العربية جهودا دبلوماسية حثيثة لتجاوز الخطوط الحمر التي وضعتها حكومة الكيان الإسرائيلية والولايات المتحدة، خصوصا بعد الاجماع الذي حظيت به الخطة خلال القمة العربية الأخيرة المنعقدة في القاهرة، بما في ذلك السلطة الوطنية الفلسطينية وحركة «حماس» والأمم المتحدة.

الثورة / تحليل  / أبو بكر عبدالله

بالخطة العربية التي أعدتها مصر لإعادة إعمار قطاع غزة، يعود ملف الإغاثة العاجلة والتعافي وإعادة الإعمار للخراب الذي خلفته الحرب الإسرائيلية الوحشية على القطاع إلى صدارة الاهتمام العربي والدولي بعد الخطة العربية لإعادة الإعمار التي تم إقرارها في مؤتمر القمة العربية غير العادية المنعقدة مؤخرا في القاهرة، والتي أفلحت إلى حد كبير في جعل خطة الإعمار جزءاً من عملية سياسية شاملة تؤسس لحل الدولتين وتنهي أي مشاريع لتهجير الفلسطينيين.

أهمية الخطة تكمن في تقديمها مخططات شاملة ومزمنة لمعالجة الكارثة الإنسانية التي خلفتها الحرب، وفي مراعاتها لحقوق الشعب الفلسطيني وبقائه على أرضه دون تهجير، من خلال العمل على تثبيت وقف إطلاق النار وإعادة البناء ومشاركة الفلسطينيين في جهود إعادة الإعمار، ما جعلها مؤهلة لتكون بديلا مثاليا للخطط الأمريكية والإسرائيلية المرفوضة عربيا ودوليا.

على المستوى السياسي، أكدت الخطة التي جاءت في 112 صفحة على إعادة إعمار غزة دون تهجير الفلسطينيين وعودة السلطة الفلسطينية إلى القطاع وتشكيل لجنة فلسطينية مؤقتة غير فصائلية من التكنوقراط تتولى في 6 أشهر إدارة القطاع والإشراف على إعادة الإعمار تحت إشراف السلطة الفلسطينية.

وفي البند الخاص بإعادة الإعمار، تضمنت الخطة برنامجا للتعافي من ثلاث مراحل بكلفة تصل إلى 53 مليار دولار لفترة تمتد لـ 3 سنوات ويشمل إزالة 50 مليون طن من الركام، وإزالة الذخيرة غير المنفجرة، وإنشاء منطقة عازلة وبناء 20 وبناء 460 ألف وحدة سكنية دائمة، مع إعادة تأهيل مرافق الخدمات الأساسية ومشاريع الإسكان والحدائق والمراكز المجتمعية، فضلا عن الميناء التجاري ومركز للتكنولوجيا ومنشآت فندقية ساحلية.

وفي بند التمويلات والدعم الدولي، تضمنت الخطة مقترحات ودعوات لعقد مؤتمرات دولية لجمع التمويل اللازم لإعادة الإعمار، بالشراكة مع الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي والعديد من الصناديق الاستثمارية العربية.

هذه البنود والآليات كانت موضع ترحيب واسع النطاق من العواصم العربية، التي أعلنت خلال القمة العربية غير العادية المنعقدة في القاهرة مؤخرا، تأييدها للخطة وتحويلها إلى خطة عربية خصوصا أنها قدمت كبديل لخطط الرئيس دونالد ترامب لإقامة «ريفييرا الشرق الأوسط» في غزة، والتي أعلنت الدول العربية والكثير من عواصم العالم رفض توجهاتها الرامية إلى تهجير الفلسطينيين.

أهداف استراتيجية

أهمية الخطة العربية تكمن في انها تضمنت توجهات تكرس على المدى القريب والمتوسط شروط إحياء عملية السلام، بعد أن جعلت من جهود الاعمار جزءا من مسار سياسي واسع يستهدف عودة الأطراف إلى مسار حل الدولتين، مع تكريس واقع جديد يضمن حقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة، في ظل ظروف يمكنها أن توفر تنمية اقتصادية طويلة المدى تربط غزة بالضفة الغربية.

ويتعين القول هنا إن الخطة العربية حملت أهدافا استراتيجية بالغة الأهمية في المرحلة الراهنة وفي المقدمة مساعيها لتثيبت وقف النار والتأسيس لهدنة مستدامة وإحداث اختراق في ملف المصالحة الفلسطينية وتعزيز الشراكة بين جميع الفصائل تحت مظلة السلطة الوطنية الفلسطينية للمشاركة في جهود التعافي والإغاثة الإنسانية العاجلة التي يحتاجها سكان غزة الخاضعون للحصار.

هذان الهدفان سيعملان بلا شك على تلبية احتياجات أكثر من مليوني فلسطيني يعيشون في حالة تشرد، كما سيعملان على تحقيق نوع من الاستقرار لسكان القطاع وتحسين ظروف معيشتهم، بما يفتح الطريق لجهود الإغاثة الإنسانية العاجلة وتحريك عجلة النشاط الاقتصادي بمشاريع عاجلة لتحسين مستوى الخدمات الأساسية وربط غزة بالاقتصاد الإقليمي.

وثمة هدف استراتيجي آخر يمكن ملاحظته في بنود الخطة، وهو فتح الباب لمشاركة محلية ودولية واسعة في جهود إعادة الإعمار من خلال توظيف العمالة الفلسطينية في مشاريع الإعمار، وتدريب الكوادر الهندسية والفنية في غزة وهو أمر من شأنه أن يفتح الطريق لتشكيل تحالف إقليمي لدعم الخطة.

والمرجح أن تنفيذ الخطة سيقود إلى فتح معبر رفح بصورة دائمة بل وجعله ممرا رئيسيا للإغاثة والإعمار، بالتنسيق مع السلطات الفلسطينية والأمم المتحدة، وتوسيع قدرته الاستيعابية، مع إنشاء معابر وممرات تجارية آمنة، معززة بأنظمة المراقبة الالكترونية المعتمدة من قبل الأمم المتحدة، بما يسهل دخول موارد البناء إلى القطاع بسلاسة.

تحديات وعراقيل

رغم التأييد العربي والدولي لخطة التعافي وإعادة إعمار قطاع غزة، إلا أن العراقيل والتحديات برزت إلى الواجهة من اليوم الأول، في الجوانب السياسية والاقتصادية والأمنية، يتصدر ذلك الملف الأمني في ظل استمرار حكومة الكيان ومعها الولايات المتحدة بفرض شروط تدعو إلى عدم مشاركة «حماس» في الإدارة الجديدة لقطاع غزة، وفرضها قيوداً صارمة على دخول مواد البناء، بحجة إمكانية استخدامها لأغراض عسكرية.

وأكثر من ذلك استمرار حكومة الاحتلال بفرض الحصار على قطاع غزة وشروطها غير القابلة للتنفيذ بشأن نشاط المعابر ولا سيما معبر رفح، وهو الوضع الذي سيعقد بلا شك من حركة المواد والبشر عبر المعابر، كما سيعرقل أي خطوات في جهود التعافي المبكر وإعادة الإعمار وفق مقتضيات الخطة العربية.

وهناك مشكلة أخرى على صلة بالتمويلات المالية الكبيرة التي حددتها الخطة في ظل التقديرات التي تشير إلى استحالة توفر التمويل اللازم للخطة والمقدر بنحو 53 مليار دولار، عن طريق تبرعات يصعب الجزم بتوفيرها خلال الفترة الزمنية للخطة.

ومن جانب آخر، فإن العديد من الدول العربية، كما حال العديد من الدول الأجنبية، لا تزال تصنف حركة «حماس» على أنها «منظمة إرهابية» وهو أمر قد يحول دون تدفق المساعدات الدولية والعربية أو يعرقل تدفقها، كما أن العديد من الدول لا تزال تؤكد على ربط مساهماتها بحملة التمويلات الدولية لصالح إعادة إعمار غزة، بضمانات سياسية، مثل نزع سلاح «حماس».

يضاف إلى ذلك حالة الانقسام الفلسطيني الحاصلة اليوم في ظل استمرار الخلاف بين السلطة الوطنية الفلسطينية وحركة «حماس» بشأن الكثير من الملفات المتعلقة بمستقبل قطاع غزة، وهي الخلافات التي يتوقع أن تعرقل إلى حد كبير وجود سلطة فلسطينية موحدة تشرف على إعادة الإعمار وفق ما تفتضيه بنود الخطة العربية، مما قد يضعف التنسيق ويُهدد بتسييس المشاريع أو تحويلها إلى أداة صراع داخلي.

ومن جانب آخر، فإن الخطة التي سعت إلى تحقيق توازن بين الإغاثة الإنسانية الفورية والأهداف السياسية الطويلة المدى، مثل إحياء عملية السلام وتقوية الموقف الفلسطيني الموحد، تبقى محاصرة وتنفيذها يبقى مرهونا بتضافر الجهود الدولية وتجاوز العقبات الأمنية والسياسية.

وقضية التنسيق بهذا الملف، تظل أولوية قصوى، حيث أن وجود لاعبين إقليميين متنافسين من ذوي الأجندات المختلفة في الملف الفلسطيني، لا شك سيقود إلى عرقلة أي جهود لإعادة الإعمار إن لم يحول المشروع برمته إلى أداة من أدوات الصراع على النفوذ.

احتياجات ملحة

على أن الخطة العربية للتعافي وإعادة إعمار غزة، كانت كافية لتجاوز آثار الكارثة الإنسانية التي يعيشها الفلسطينيون منذ أكثر من عام، إلا أنها تحتاج بشكل ملح إلى معالجات تواجه التحديات السياسية والاقتصادية واللوجستية والأمنية وفي المقدمة توفير بيئة سياسية وأمنية مستقرة في قطاع غزة وكامل التراب الفلسطيني، من خلال مصالحة فلسطينية حقيقية تقود إلى تشكيل حكومة فلسطينية موحدة تُشرِف على عملية الإعمار، وتضمن توزيع الموارد بشكل عادل دون تحيُّز.

ذلك أن نجاح هذه الخطة مرهون بتحقيق نوع من التوازن من خلال الضغط الدولي على إسرائيل لفتح الطريق أمام عربة إعادة الإعمار من جهة، وتعزيز الوحدة الفلسطينية لتشكيل حكومة وحدة وطنية تدير عمليات إعادة الإعمار، مع ضمان التمويلات الدولية المستدامة في ظل قدر كاف من الشفافية والمسؤولية وبناء شراكات إقليمية ودولية فاعلة.

وهناك حاجة ملحة لتوفر ضمانات إقليمية ودولية قوية لتحقيق وقف شامل ودائم لإطلاق النار، أو هدنة طويلة الأمد بين الكيان الإسرائيلي والفصائل الفلسطينية، في ظل آليات مراقبة دولية لمنع تجدد العنف، بالتوازي مع ضغوط دولية على إسرائيلي لحملها على رفع القيود المفروضة على دخول مواد البناء والتشييد والمعدات، في ظل آليات يمكنها طمأنة حكومة الكيان بعدم استخدامها في أغراض عسكرية.

ويبقى الجانب الأهم وهو التمويل الدولي المستدام، من خلال تنظيم حملات تبرع دولية تقودها مصر والمجموعة العربية بالشراكة مع الاتحاد الأوروبي ودول الخليج والبنك الدولي، لسد أي عجز مالي قد يعرقل جهود إعادة البناء والإعمار.

ويمكن تجاوز المخاوف من الفساد والاستحواذ على المساعدات من خلال تفعيل برامج الأمم المتحدة والأونروا للإشراف على توزيع المساعدات وإدارة المشاريع الصغيرة، وكذلك إنشاء صندوق دولي تحت إشراف أممي أو البنك الدولي لإدارة الأموال في نطاق من إجراءات الشفافية والحوكمة التي تضعها بعض الدول شرطا لمساهمتها في تمويلات إعادة الإعمار، مع فتح الباب واسعا لحركة الاستثمارات العربية والخليجية والدولية في مشاريع البنية التحتية والطاقة المتجددة، تحت مظلة حوافز ضريبية أو تأمينية مغرية.

البديل الأفضل

لم يعد سراً أن الخطة العربية طرحت على أجندة قمة القاهرة بهدف تقويض خطة واشنطن الرامية إلى تهجير سكان القطاع والسيطرة عليه لبناء مشروع استثماري سياحي، سماه ترامب «ريفييرا الشرق الأوسط»، خصوصا بعد أن كشفت عن تغير كامل للنهج التقليدي الذي اعتمدته الإدارات الأمريكية السابقة تجاه قضية الشرق الأوسط، القائم على حل الدولتين.

هذا الأمر بدا واضحا في المواقف الأمريكية الإسرائيلية تجاه قرارات القمة العربية الأخيرة، حيث أعلنت حكومة الكيان رفضها القاطع للخطة العربية، بينما وصفتها واشنطن بأنها «غير واقعية»، وأكد البيت الأبيض تمسك إدارة ترامب برؤيتها لإعادة إعمار غزة خالية من حماس.

مع ذلك يمكن القول إن الخطة العربية للتعافي وإعادة إعمار غزة، استطاعت أن تفرض نفسها كبديل للخطط الأمريكية والإسرائيلية، وهو ما بدا واضحا في حالة التأييد الدولية التي عبرت عنها الكثير من العواصم الغربية، بما فيها الدول الأربع الكبيرة في الاتحاد الأوروبي وكذلك الأمين العام للأمم المتحدة.

والدعم العربي لهذه الخطة توازى مع دعم دولي وأممي، عبَّر عنه الأمين العام للأمم المتحدة، وبدا واضحا من خلال إعلان معظم الدول العربية والأمم المتحدة المشاركة فيها وتقديم الدعم السياسي والمالي والفني للخطة ودعمها لمشاريع الإسكان والبنية التحتية، وتقديم المساعدات الإنسانية والإغاثية العاجلة، والبدء بخطوات الاستثمار في مشاريع الطاقة والمياه والتعليم والصحة ودعم فتح المعابر لنقل المساعدات.

مع ذلك، فإن نجاح الخطة لا يزال مرهونا بحل المُعضلات السياسية، ولا سيما إنهاء الانقسام الفلسطيني وتخفيف الحصار الإسرائيلي والهدنة المستدامة، وبدون ذلك قد تتحول جهود التعافي وإعادة الإعمار إلى مجرد مشاريع ترميم تهدر الموارد دون تحقيق الأهداف.

ويمكن تجاوز العديد من العراقيل التي قد تواجه الخطة عن طريق ضمان هدنة سياسية طويلة الأمد بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، وتعزيز المصالحة الفلسطينية كمقدمة لإنشاء سلطة موحدة تشرف على جهود إعادة الإعمار في القطاع، مع توفر إشراف دولي محايد، مثل الأمم المتحدة على توزيع المساعدات، بالتوازي مع ضغط دولي على إسرائيل لتخفيف القيود الإسرائيلية على دخول المواد اللازمة لإعادة البناء والإعمار.

مقالات مشابهة

  • وحدة التدخلات تدشن توزيع 10 آلاف كيس اسمنت و50 ألف لتر ديزل لدعم المبادرات بعمران
  • عمران.. تدشن توزيع 10 آلاف كيس أسمنت و50 ألف لتر ديزل لدعم المبادرات المجتمعية
  • الهادي إدريس لـ«الشرق الأوسط»: حكومتنا لإبعاد «شبح الانقسام» في السودان
  • رئيسة القومي للمرأة: تحقيق التمكين الاقتصادي مسؤولية جماعية تتطلب تعاونًا وثيقًا
  • المستشار السياسي السابق لـ”حميدتي” يكتب عن مستقبل الدعم السريع في السودان
  • برلماني: مراجعة صندوق النقد تعكس التزام مصر بتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية
  • ???? شبح السيناريو الليبي وكيف ستمنع مركزية الاقتصاد تقسيم السودان على غرار ليبيا
  • بعد الانسحاب من القمة 130.. حقيقة الانقسام داخل مجلس إدارة الأهلى
  • آمال كبيرة يبددها الانقسام الداخلي وطاحونة الشروط:ماهي فرص نجاح الخطة العربية للتعافي وإعادة إعمار غزة؟
  • مدبولى: موافقة صندوق النقد على المراجعة الرابعة تؤكد قدرة الاقتصاد المصري على تحقيق التعافي