أكد الكاتب الصحفى جمال الكشكى، عضو مجلس أمناء الحوار الوطنى، أن فلسفة الحوار الوطنى تقوم على إتاحة مساحات مشتركة، لترسيخ مفهوم احترام الرأى والرأى الآخر، وكشف عن تفاصيل الجلسات المتعلقة بملف «الأمن القومى»، فى ظل التحديات الإقليمية والعربية، وأشاد «الكشكى»، فى حوار مع «الوطن»، بالمكاسب التى تحققت منذ إطلاق الجلسات الأولى للحوار الوطنى، مشيراً إلى أنه سيتم طرح قضية «حرب الشائعات» على طاولة مجلس الأمناء، بوصفها واحدة من أخطر الأسلحة التى تستخدم لضرب مفهوم الدول الوطنية.

. وإلى نص الحوار:

فى البداية، ما أهمية الحوار الوطنى وما الفرق بينه وبين البرلمان؟

- جاءت مبادرة الرئيس عبدالفتاح السيسى يوم 26 أبريل من عام 2023، لتؤكد أن الأمم الحية هى التى تبادر وتستكشف دروب المستقبل، وتقرأ المعطيات الوطنية ببصيرة نافذة، وتدرك المتغيرات الدولية الجامحة، ثم إنها تستبق هذه المعطيات، وتلك المتغيرات، بخطوات فكرية واسعة، وأعتقد أن مبادرة الرئيس السيسى بفتح النوافذ والأبواب للحوار الوطنى بين أطياف المجتمع المصرى كافة، جاءت فى هذا الإطار الجامع، خاصة حين تستضيفه مؤسسة وطنية خالصة هى الأكاديمية الوطنية للتدريب، وقد أعلنت من منطلق وطنى أنها سوف تتيح الحرية لجميع الآراء دون تدخل، ودعت الجميع إلى الحوار دون تردد، حول مختلف القضايا الوطنية والاجتماعية والاقتصادية، للوصول إلى نقاط اتفاق بين أطياف العمل السياسى فى مصر.

فى رأيك ما الفلسفة التى تكمن وراء المبادرة؟

- نحن إزاء جمهورية جديدة، معنى ومبنى، استطاعت أن تحارب فى مسرحين معاً، مسرح الحرب الشاملة على الإرهاب والتطرف بكافة أشكاله، ثم مسرح البناء العملاق والإعمار الراسخ، غير المسبوق فى العصور الحديثة، لتستأنف به ما تركته أو أهملته خلال قرن كامل، لأسباب داخلية أو خارجية، أو نتيجة لتقاعس فكرى، وتمزق هويات متنافرة فى مركز النخبة، ولا نجافى المنطق والتاريخ، فجاءت مصر ثم جاء التاريخ، وحفظ هذا التاريخ لنا كثيراً من المواقف السباقة للعقل المصرى الجامع، خاصة فى القرنين الماضيين، وتكوين الدولة الحديثة، ولعل تحديث مصر وتخليصها من الجهل والفقر والمرض، وإرسال البعثات إلى الخارج، لتحديث مصر، عبر مشروع نهضوى كبير، يؤكد منحى العقل الاستباقى المصرى، ولنا فى مبادرتى الحرب والسلام، كمبادرتين مصريتين خالصتين، فاجأتا العالم كله، مثال ناصع على تلك العقلية المبادرة، فقد جاءتا دليلاً على حيوية العقل المصرى الشجاع، على مدار التاريخ.

وماذا عن التعاون بين الحوار الوطنى ومجلس النواب؟

- البرلمان مؤسسة تشريعية لها كل الاحترام والتقدير، ووفقاً للدستور يكون للبرلمان السلطة الكاملة فيما يتعلق بإصدار التشريعات والقوانين، أو إلغائها، فالبرلمان هيئة تمثل السلطة التشريعية فى الدول الدستورية، والحوار الوطنى فهو منصة تضم كل أطياف المجتمع والقوى السياسية، وهو ليس جهة تنفيذية، ولا ينافس أى مؤسسة، بل هو يحرص على المشاركة والتكامل من خلال التوصيات والمخرجات، التى يرفعها للرئيس السيسى، الذى يتولى بدوره إحالتها إلى الحكومة، إذا كانت تحتاج إلى قرارات تنفيذية، أو البرلمان إذا كانت تحتاج إلى قرارات تشريعية، ومن ثم أستطيع القول إن دعوة الرئيس للحوار الوطنى بمثابة نقلة مهمة، وتدشين لمرحلة جديدة فى المسار العام للدولة المصرية، من أجل رفعة وتقدم واستقرار الوطن، وخطوة على طريق الإصلاح السياسى، تساعد فى تحديد أولويات العمل الوطنى، وتدشن لجمهورية جديدة تقبل الجميع، ولا يمكن فيها أن يُفسد الخلاف فى الرأى للوطن قضية.

ما أبرز المكاسب التى حققها الحوار الوطنى منذ إعلان المبادرة؟

- لعل أهم هذه المكاسب أن الحوار، منذ بدايته، صنع حالة غير مسبوقة من تبادل الآراء، واحترام الرأى الآخر، ورسّخ مفهوم وثقافة الحوار، فمن يتابع الجلسات العلنية التى كانت تذاع على الهواء مباشرةً، يتأكد له أن الحوار فتح أفقاً وآفاقاً لم تكن معتادة بهذا النسق من قبل، فلم تكن هناك خطوط حمراء، وفى ذات الوقت تحدث الجميع بكل حرية ومسئولية، لم يتم منع أحد من الحديث، أو التعبير عن وجهة نظره، وبالتالى هذه الروح التى ضمها الحوار، انعكست إيجابياً على الشارع السياسى، وعلى الأحزاب والقوى السياسية، وكل شرائح المجتمع بالشكل الذى أنعش الحياة السياسية، ومد جسور الحوار، وخلق مساحات مشتركة بين الجميع وفق أولويات العمل الوطنى.

من خلال تجربتك كعضو بمجلس الأمناء، كيف انتقل الحوار من العملية الإجرائية إلى مفهوم الحوار التفاعلى؟

- هذا سؤال مهم، حالة الحوار التى شهدتها مصر، من خلال جدول أعمال الحوار الوطنى، أكدت أننا أمام واقع حقيقى لفكرة مؤسسية جادة، ومشروع سياسى وطنى، يؤسس لبداية مسار جديد، ينطلق من الإيمان بالدستور واحترام المؤسسات الوطنية للدولة، وأن الحوار ليس عملية إجرائية، بل إنه حوار تفاعلى، يهدف إلى تطبيق نتائجه ومخرجاته، وفق القانون والدستور، وأن هذه الجلسات التى شهدناها تؤكد المساحات المشتركة للرأى والرأى الآخر، من منظور وطنى، ‎وأريد أن أشير إلى التمثيل العمرى المشارك فى جلسات الحوار، فأغلب المشاركين من جيل الشباب والوسط وكبار السن، يؤكد على تواصل الأجيال، وحرص الجميع على المشاركة فى بناء الجمهورية الجديدة، والتأسيس لمستقبل أفضل للأجيال المقبلة، فالمتحدثون صاغوا مشهداً لم تعرفه مصر من قبل، عبر تجاربها السابقة، فقد تحدثت الجلسات عن نفسها، عندما أتاحت الفرصة كاملة للمتحدثين من اليمين إلى اليسار، مروراً بالوسط، بل وطالبتهم إدارة الحوار بتقديم مقترحات إضافية، بما يسهم فى الوصول إلى أفضل مكاسب لهذه النقاشات.

وكيف ترى حالة الحوار التى تتم فى مصر؟

- حالة الحوار، بكل تفاصيلها التى شهدناها، تقول إننا أمام أمة بحجم مصر، تملك قوة ذاتية نابعة من مسارها الطويل، ما يؤكد على وحدة المصريين فى مواجهة التحديات الجديدة أو المستجدة، وإعادة بناء التماسك الداخلى بين جميع القوى السياسية والشبابية، من خلال إعادة بناء مصر، لكى تحظى بمكانتها الطبيعية الإقليمية والدولية، كما يليق بها، فضلاً عن أن المبادرة تركت أثراً كبيراً فى الشارع المصرى، ويمكن استثمارها والبناء عليها فى مختلف المجالات، لاسيما أن مجلس الأمناء، بكل تنويعاته السياسية، استقر منذ جلساته الأولى، على الانطلاق فى نقاشاته من ثلاثة محاور، وهى السياسى والاقتصادى والمجتمعى، وهذا التنوع يعطى المساحة الواسعة للتجول بين أولوية العمل الوطنى، ومن ثم إلى وضع المواطن أولوية كبرى فى النقاشات التى شهدتها كل جلسات الحوار الوطنى منذ انطلاقه حتى الآن، وبالتالى فإن تضافر الجهود من كل القوى السياسية، والمضى قدماً فى تعميق مفهوم الحوار، إنما هى رسالة عميقة تؤكد الحرص الجماعى على صياغة مستقبل ينحاز انحيازاً كاملاً للمصلحة العامة، ويؤسس لثقافة كانت قد اختفت قبل إطلاق الرئيس عبدالفتاح السيسى مبادرة الحوار الوطنى، يوم 26 أبريل من عام 2022.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: الحوار الوطني النواب البرلمان الحوار الوطنى مجلس الأمناء من خلال

إقرأ أيضاً:

المجتمع الفلسطيني من التعبئة السياسية إلى الاستقطاب.. كتاب جديد

الكتاب: الاستقطاب وتصفية التعبئة، إرث السلطوية في فلسطين
المؤلف: دانا الكرد
المترجم: محمود محمد الحرثاني
الناشر: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات


تبحث دانا الكرد، أستاذة السياسة المقارنة والعلاقات الدولية، في هذا الكتاب تأثير القمع والاستبداد على إبطال عمليات التحشيد في المجتمعات التي تخضع لمستويات عالية من التدخل الدولي. وتدرس في هذا السياق، بشكل مستفيض، حالة السلطة الوطنية الفلسطينية التي لعب البعد الدولي، أو التدخل والنفوذ الخارجي، الذي كان في معظمه أميركيا، دورا كبيرا في نشأتها ونموها. وترى الكرد في المناطق الفلسطينية حالة مثيرة للانتباه والاهتمام، إذ كانت تضم فيما مضى مجتمعا شديد التحشيد، لكنه لم يعد كذلك، ودراسته بالتالي يمكن أن تكشف عن الديناميات التي جعلت هذا التغيير ممكنا، وبناء استنتاجات بشأن حالات مماثلة.

وإلى جانب بحثها في تداخل العلاقة بين الدولي والمحلي وترسيخ التسلط، تحاول الكرد استنباط الآثار السلوكية طويلة الأمد على المجتمعات، وتفسير آليات عمل هذه العلاقة في البيئات المخترقة، وتأثيرها على التماسك الاجتماعي والتحشيد على المدى الطويل. وتطرح في فصول الكتاب مجموعة من الأسئلة التي تستكشف من خلال الإجابة عليها واقع الحال، منها على سبيل المثال؛ ما تأثير التدخل الدولي على تفضيلات القيادة الفلسطينية مقابل تفضيلات جمهور الفلسطينيين؟، وما تأثير الاستراتيجيات التسلطية للسلطة الفلسطينية على الاستقطاب داخل المجتمع، وكيف يؤثر هذا الاستقطاب على العمل الجماعي؟. كما تطبق في أحد الفصول نتائج تقييمها على حالتين إضافيتين هما حالة كردستان العراق والبحرين، وتبحث في أثر التدخل الدولي، ولا سيما الأميركي، في تطور هاتين الحالتين ومساراتهما.

قبل أوسلو وبعده

بعد حرب 1967أخضع الفلسطينيون في المناطق المحتلة لقيود قاسية شلّت قدرتهم على التنظيم السياسي، وواجهوا القمع في كل مرة حاولوا فيها التنسيق فيما بينهم لتحقيق أهداف سياسية، مثل الاعتقال العسكري، وهدم المنازل، والإبعاد، والقتل. ونتيجة لذلك تركز نشاط منظمة التحرير الفلسطينية في الخارج، لا سيما في مجتمعات اللاجئين في الأردن ولبنان وغيرها من الدول العربية. ورغم محاولة الفلسطينيين في الأراضي المحتلة التنسيق مع منظمة التحرير، فقد ظلوا معزولين إلى حد ما، بسبب ما يتعرضون له من قمع، ما اضطرهم إلى الاعتماد على "المنظمات القاعدية ذات الصلات المحتملة بالمنظمة". لكنها، كما تقول الكرد، كانت منظمات تعمل على المستوى المحلي، ما منحها قدرا من الاستقلالية، والمرونة، والحيوية.

يجب على الفلسطينيين العمل بشكل جاد لإعادة تنشيط المجلس الوطني من خلال انتخابات جديدة، بحيث يضم أيضا جميع التيارات بما فيها الإسلامية، ويكون ممثلا لكل قطاعات الشعب. عدا ذلك فإنه قد يكون من المستحيل إنشاء مؤسسات جديدة من الصفر في بيئة مجزأة ومستقطبة استقطابا حادا.وهذه الاستقلالية هي التي أتاحت للفلسطينيين تنظيم الانتفاضة الشعبية الأولى، حيث بادرت هذه المنظمات إلى تنظيم استراتيجيا سلمية مشتركة، بالمقاطعة، والإضرابات، والاحتجاجات للضغط على الاحتلال ومحاسبته على الساحة الدولية، وكل ذلك في إطار تنسيق عال بين الجماعات المختلفة، التي تقاسمت التوجهات ذاتها والأهداف. وتلفت الكرد إلى أن الاستقطاب كان في حده الأدنى، وأن القيادة الموحدة للانتفاضة كانت في غاية التجاوب والتفاعل مع الضغط الشعبي من أجل تحقيق أعلى درجات المشاركة في أنشطة الجماعات السياسية.

أما بعد أوسلو، ورغم حضور القوى الدولية في الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي ـ قبل العام 1994، فإن مستوى هذا الانخراط في الديناميات والسياسات الفلسطينية الداخلية ازداد بشكل كبير بعد إنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية. وقد سيطرت السلطة على المجال العام ما جعل المنظمات القاعدية تتلاشى بالتدريج، سيما بعد عودة الكثير من أعضاء المنظمة إلى الأراضي المحتلة، الذين شاركوا في مشروع "بناء الدولة" بالعمل كبيروقراطيين وإداريين، وُزّعت عليهم العديد من المناصب العليا، والرواتب المجزية، ما خلق توترات بين العائدين والقيادة المحلية. في تلك المرحلة قدم الرعاة الدوليون العديد من حزم المساعدات للسلطة الفلسطينية، وكان ينظر إليها باعتبارها ضرورية لتأمين المؤازرة الشعبية للسلطة وعملية السلام، لكن الاحتلال استمر في سياساته الضاغطة على الفلسطينيين ولم تثمر كل هذه المساعدات في التخفيف من الظروف المعيشية الصعبة التي يرزح تحتها الفلسطينيون.

بل إن المساعدات الأمريكية والأوروبية المشروطة أعاقت التطور السياسي الفلسطيني وساهمت في إدامة الصراعات الداخلية، بحسب ما تقول الكرد، إذ عملت على تمكين جماعات معينة في المجتمع على حساب أخرى يمكن تصنيفها بأنها تمثل أصوات معارضة أو منتقدة لاتفاقيات أوسلو، وبالتالي كانت "غير مؤهلة" لتلقي المساعدات الخارجية أو دعم السلطة الفلسطينية.

وهكذا تم تحييد دور المجتمع المدني، وأي معارضة محتملة، بطريقة قاسية وقمعية في أحيان كثيرة. من جهة أخرى فقد كان الضغط الأميركي في عهد ياسر عرفات متواصلا وعدائيا في كثير من الأحيان. فقد اشتكت الولايات المتحدة من افتقار مؤسسات السلطة إلى الاحتراف والمهنية، واتهمت عرفات بأنه يدعم المقاومة ضد التوغلات والهجمات الإسرائيلية، ويتسامح مع التنظيمات الإسلامية، وكثيرا ما هددت وحلفائها بقطع المساعدات كلما سار عرفات في اتجاه يخالفهم. وتضيف الكرد أن المانحين لطالما شددوا على ضرورة بناء نظام "حكم رشيد"، لكن طبيعة اتفاقات أوسلو قصد منها في الواقع أن تكون السلطة مقيدة بالكامل في قدرتها على بناء دولة حقيقية سياسيا واقتصاديا. وبالنتيجة ضمنت إسرائيل أمنها بالتأكد من إبقاء فلسطين تحت السيطرة.

أولويات النخبة

في عهد محمود عباس عززت السلطة سيطرتها على السياسة والمجتمع الفلسطيني بأساليب قمعية متزايدة. وأصبح الفلسطينيون أكثر اعتمادا على رواتب وخدمات السلطة، وحتى تلك القطاعات التي كانت تعارض مشروع بناء الدولة في إطار أوسلو تم إسكاتها إما بضمها إلى شبكات المحسوبية التابعة للسلطة، أو بالقمع المباشر، في ظل سيطرة مركزية على الأجهزة الأمنية ودرجة عالية من التنسيق مع الحكومة الإسرائيلية. وفي تلك الأثناء اكتسبت حركة حماس زخما في الأراضي المحتلة بإصرارها على الحق في المقاومة ورفضها القبول بحل الدولتين، لذلك أيدت الولايات المتحدة وحلفائها قمع الحركة رغم فوزها بالانتخابات وتعهدها بالاعتدال.

تقول الكرد أنه بمرور الوقت أدى التدخل الأميركي المتزايد إلى تكوين معسكرين في السياسة الفلسطينية؛ معسكر مؤيد لاتفاقات أوسلو والتنسيق الأمني ومتحالف مع الولايات المتحدة، ومعسكر معارض لكل ذلك. وبدا واضحا أن هذا التدخل الأميركي منح النخب السياسية شعورا متزايدا أنها غير مسؤولة أمام الرأي العام. وفي الوقت نفسه ساعدت "المساعدة الفنية" الأميركية لإصلاح قطاع الأمن على زيادة التنسيق بين السلطة وإسرائيل، وزيادة القمع والتسلط في المشهد الساسي الفلسطيني. وجدير بالملاحظة أن السلطة تنفق ثلث ميزانيتها على أجهزتها الأمنية، وتوظف أكثر من 80 ألف شخص، وهو ما يعني أن لكل 48 فلسطينيا شرطيا أو ضابط أمن.

في عهد محمود عباس عززت السلطة سيطرتها على السياسة والمجتمع الفلسطيني بأساليب قمعية متزايدة. وأصبح الفلسطينيون أكثر اعتمادا على رواتب وخدمات السلطة، وحتى تلك القطاعات التي كانت تعارض مشروع بناء الدولة في إطار أوسلو تم إسكاتها إما بضمها إلى شبكات المحسوبية التابعة للسلطة، أو بالقمع المباشر، في ظل سيطرة مركزية على الأجهزة الأمنية ودرجة عالية من التنسيق مع الحكومة الإسرائيلية.ترى الكرد أنه وكنتيجة مباشرة للتدخل الدولي تنشغل النخب في فلسطين بضغوط مختلفة تماما عن الجمهور الذي تمثله. فالولايات المتحدة لا تعطي أولوية للممارسات الديمقراطية، بل تخلق جيوبا من الفساد وتسهّل تضخيم دور مجموعات داخل السلطة غير خاضعة للمساءلة أمام جماهيرها، حتى لو كان خطابها (الولايات المتحدة) مؤيدا للديمقراطية. وتبعا لذلك تعطي هذه النخب الأولوية للاستقرار، وتعبر عن زهدها في دعم الديمقراطية. وينسحب ذلك على الرأي العام الذي يبدو أنه مشروط بعلاقة الفرد بالنظام السياسي. فالذين ينتمون إلى السلطة يكررون رأي هذه النخب. تقول الكرد أن هذه الظروف الاستبدادية القمعية ولدت استقطابا حادا في المجتمع، وسنجد أن مجموعات المعارضة المستهدفة، مثل اليساريين والإسلاميين، كانت أكثر عرضة للاستقطاب ورفض التنسيق مع الحركات الأخرى، وهو أمر أثر بدون شك على التماسك الاجتماعي، والقدرة على تنسيق استجابة فعالة للتحديات.

إحياء المجلس الوطني

تلفت الكرد الانتباه إلى أن الضغوط المحلية والدولية، في السنوات الأخيرة، على السلطة غير مسبوقة، إلى الحد الذي يجعل توقع انهيارها أو نهايتها ممكنا. ضغوط تشمل إجراءات قمعية وتعسفية متزايدة من قبل الحكومات اليمينية في إسرائيل ضد الفلسطينيين، وضد السلطة نفسها إذ يتكرر منع إسرائيل لتحويل إيرادات الضرائب الفلسطينية مما قد يتسبب بانهيارها ماليا، عدا عن حديث السياسيين الإسرائيليين علانية عن ضم الضفة الغربية، ومواقف وقرارات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في فترة ولايته الأولى. وتشير إلى أن سياسة ترامب شجعت أنظمة عربية على تجريب التطبيع مع إسرائيل، والتحول تدريجيا نحو مزيد من الانفتاح على التنسيق مع الحكومة الإسرائيلية بشأن ما يعدونه مصالح مشتركة. وقد جاء هذا على حساب القضية الفلسطينية، حيث اعتبرت هذه الأنظمة أن التهديد الأكبر لها ليس إسرائيل إنما المعارضة المحلية، وإيران إقليميا.

وتقول الكرد إن الفلسطينيين باتوا على نحو متزايد وحدهم في مواجهة كل هذه الضغوط، والسلطة الفلسطينية بدون الدعم التقليدي من الحلفاء العرب أصبحت أكثر ضعفا، لكن ربما لن يكون من السهل على الفلسطينيين إيجاد بديل لها. فالتدخل الدولي والقمع خلق ظروفا صعبة من الاستقطاب، إلى التحشيد المنزوع الفاعلية، إلى الافتقار للتماسك الاجتماعي، ما يجعل الفلسطينيين أمام خيارين فقط إما الاحتفاظ بالسلطة أو الدخول في فراغ سياسي نتائجه قد تكون عنيفة.

مع ذلك فثمة مخارج من هذا الوضع، على أكثر من مستوى، يمكن التعامل معها بجدية وبشيء من التفاؤل، فالعديد من الشباب ينخرطون اليوم في العمل الجماعي والعصيان المدني، غير مرتبطين بالمؤسسات وهياكل السلطة القائمة، وهم على استعداد للنظر في وسائل بديلة للمقاومة، وينظرون إلى السلطة باعتبارها جزء من المشكلة.

لكن من دون هيكل تنظيمي لا يمكن لحركاتهم الاجتماعية الاستمرار طويلا، ورغم ذلك فإن عدم ارتباطهم يعني أن هناك مجالا لتطوير منظمات جديدة قادرة على الاختلاف وتطوير استراتيجيات إبداعية لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي. إضافة إلى ذلك هناك نشاط ملحوظ للفلسطينيين في الشتات، يحصد نجاحا متزايدا، مثل "حركة المقاطعة" ومنظمة "الشبكة" التي تم تشكيلها لإجراء البحوث وربط الأكاديميين الفلسطينيين وصناع القرار في جميع أنحاء العالم لخلق وعي جديد بالسردية الفلسطينية، والكثير من المبادرات الأخرى.

لكن الكرد تعود للتأكيد على أن منظمة التحرير الفلسطينية نموذج استثنائي استطاع تحقيق إنجاز كبير رغم كل التحديات التي واجهتها وتمكنت من تجاوزها، ويبدو من الصعب جدا أن تحل أي مؤسسة أو منظمة محلها، فضلا عن أن مثل هذه المحاولة قد تؤدي إلى نتائج عكسية وتبدد موارد قيمة. وتضيف أن المنظمة لديها بالفعل المؤسسات التي تمكّن الفلسطينيين من مساءلة قيادتهم (المجلس الوطني)، والتي يمكن من خلالها التغلب على محاولة تركيز السلطة في يد عباس والسلطة التنفيذية للسلطة الفلسطينية. لذلك يجب على الفلسطينيين العمل بشكل جاد لإعادة تنشيط المجلس الوطني من خلال انتخابات جديدة، بحيث يضم أيضا جميع التيارات بما فيها الإسلامية، ويكون ممثلا لكل قطاعات الشعب. عدا ذلك فإنه قد يكون من المستحيل إنشاء مؤسسات جديدة من الصفر في بيئة مجزأة ومستقطبة استقطابا حادا. 

مقالات مشابهة

  • أبرز إنجازات الحوار الوطني.. الإشراف القضائي والنظام الانتخابي وتوصيات التعليم والصحة
  • المجتمع الفلسطيني من التعبئة السياسية إلى الاستقطاب.. كتاب جديد
  • نواب: قانون الإجراءات الجنائية يوفر ضمانات للمواطنين ويراعي حقوق الإنسان ومخرجات الحوار الوطني
  • تعليم قنا يبحث مع مجلس الآمناء سبل التعاون وحل المشكلات بالمدارس
  • نقاش في الاتحاد الأوروبي لوقف المباحثات السياسية مع إسرائيل
  • الاتحاد الأوروبي يناقش خطة وقف المباحثات السياسية مع إسرائيل
  • اعتماد الميثاق الوطني للسلم الاجتماعي كوثيقة ملزمة في ختام ملتقى المصالحة الوطنية ببنغازي
  • ترك: ندعو كل القوى السياسية للمشاركة في الحوار الوطني السوداني بما فيهم حزب المؤتمر الوطني المحلول
  • دراسة على أجندة الحوار الوطنى قبل مناقشة قضية الدعم.. طالبت بالاستفادة من تجربة «تكافل وكرامة» قبل التحول إلى الدعم النقدى