الهلالية.. الحقيقة الغائبة وسط صراع الروايات
تاريخ النشر: 19th, November 2024 GMT
في قرية الهلالية شرق ولاية الجزيرة، بات الموت حاضرًا في كل زاوية، مع تجاوز الوفيات 450 شخصًا، تتباين الروايات بين تسميم المياه والغذاء، وتفشي الكوليرا وسط حصار خانق تفرضه قوات الدعم السريع.
التغيير: كمبالا: تقرير
بدأت الكارثة قبل أكثر من ثلاثة أسابيع عندما اجتاحت قوات الدعم السريع منطقة الهلالية، وفقًا لما أفاد به الناطق الرسمي لمؤتمر الجزيرة، هيثم الشريف (التغيير) موضحًا أن القوات استهدفت المدنيين على أساس الهوية العرقية، مما أسفر عن مقتل 15 شخصًا رمياً بالرصاص في المرحلة الأولى من الهجوم.
وأشار الشريف إلى أن الدعم السريع فرضت حصارًا خانقًا على المنطقة، مما أجبر السكان على اللجوء إلى دور العبادة طلبًا للحماية. وبدلاً من تقديم الدعم، وزعت القوات قمحًا معالجًا كيميائيًا يُعتقد أنه تسبب في حالات تسمم واسعة، مما زاد من أعداد الوفيات بشكل كبير.
الناطق الرسمي باسم منصة الجزيرة : قمح معالج كيميائيًا يُعتقد أنه تسبب في حالات تسمم واسعة
كما كشف أن قوات الدعم السريع دمرت مستشفى الهلالية، الذي كان يخدم أكثر من 31 قرية، ونهبت 10 صيدليات و18 طاحونة، وأبادت 10 آبار مياه للشرب، مما عمّق الأزمة الإنسانية.
شهادات: “الموت أصبح جزءًا من يومياتنا”هزار أحمد، التي نزحت مع عائلتها إلى شندي بولاية نهر النيل في 24 أكتوبر، هربًا من هجوم قوات الدعم السريع على منطقتها، لم تسلم من المأساة. ففي 6 نوفمبر، تلقت نبأ وفاة شقيقيها جراء التسمم الغذائي في الهلالية.
قالت هزار لـ”التغيير”: “توالت علينا الأخبار المحزنة كقطار لا يتوقف. لم تكن وفاة شقيقيّ نهاية الحزن، بل استمرت الأخبار المؤلمة بموت الأقارب والجيران، حتى بات الموت جزءًا من يومياتنا”.
مواطنون محاصرون في إحدى مساجد مدينة الهلاليةسيدة فقدت شقيقيها في الهلالية: “الموت بات جزءًا من يومياتنا”
وأضافت: الوضع في الهلالية لا يزال خطيرًا، حيث تستمر قوات الدعم السريع في حصار المنطقة، مانعة دخول أي مساعدات إنسانية أو أدوية. وأوضحت أن عدد الوفيات بلغ نصف الألف، وتنوعت أسبابه بين القتل المباشر، والتعذيب، وحالات التسمم الغذائي مجهولة المصدر.
ووصفت هزار ما يحدث في الهلالية بـ”المجزرة”، متسائلة: “هل تسممت المياه عمدًا؟ أم أن السبب هو تناول القمح والدقيق المعدّل وراثيًا؟”.
مع ارتفاع أعداد الضحايا، تصاعد الجدل حول مسببات هذه الكارثة. وزارة الخارجية وجهت اتهامات مباشرة لقوات الدعم السريع، متهمة إياها بتسميم المياه والغذاء وقتل المدنيين.
لكن مستشار قائد قوات الدعم السريع، أيوب نهار، نفى هذه الاتهامات في حديثه لـ”التغيير”، مؤكدًا أن الأزمة ناجمة عن تفشي الكوليرا نتيجة تدهور الأوضاع الصحية. كما أكد إصابة عدد من أفراد قوات الدعم السريع بالإسهالات المائية، مشيرًا إلى براءة قواته من التسبب في حالات التسمم التي شهدتها المنطقة.
وأعتبر أن “الحركة الإسلامية التي تقود الحرب تعمل على تضليل الرأي العام من خلال اتهامنا بوضع مواد سامة في مياه الشرب، وعندما اكتُشف أن حالات التسمم مرتبطة بأوضاع غذائية، تم اتهامنا مجددًا دون أدلة”.
مستشار الدعم السريع: عناصرنا أصيبوا بالكوليرا والاتهامات بالتسمم تهدف “لتشويه صورتنا”
وأشار نهار إلى أن الأمم المتحدة أكدت أن تفشي الكوليرا يعود إلى انهيار البنية الصحية، والاعتماد على مياه ملوثة من آبار تقليدية، داعيًا إلى الضغط على حكومة بورتسودان للسماح بدخول المساعدات الإنسانية.
وأضاف: “حكومة بورتسودان أعلنت صراحة عبر مفوضية العون الإنساني أنها لن تسمح بدخول المساعدات إلى ولايتي الجزيرة وسنار، مطالبة المواطنين بالتوجه إلى مناطق تحت سيطرة الجيش للحصول على الخدمات”.
الكوليرا تحت المجهروكالة “رويترز” سلطت الضوء على الجانب الصحي للأزمة، حيث أكدت تقاريرها إصابة عشرات السكان الفارين من الهلالية بالكوليرا. وأفاد مصدر طبي بأن مستشفى أم ضوا بان استقبل أكثر من 200 حالة إصابة قادمة من ولاية الجزيرة.
وأشار التقرير إلى أن سكان الهلالية، المحاصرين منذ أواخر أكتوبر، أجبروا على الاعتماد على مياه ملوثة من آبار تقليدية، مما أدى إلى انتشار الأمراض المعدية. ووفقًا لنشطاء محليين، قُتل أكثر من 300 شخص، بينما قدّم سكان الهلالية، قائمة تضم أكثر من 400 حالة وفاة، وسط تحذيرات من ارتفاع العدد إذا استمر الوضع الحالي.
مدنيون محاصرون في مدينة الهلالية تأثير الحصار: “لا علاج ولا مفر”كشف مسعفون لـ”رويترز” أن الحصار أجبر السكان على اللجوء إلى ساحات المساجد بعد فقدان منازلهم وممتلكاتهم. كما أكدوا أن النهب طال المستشفيات والعيادات، مما جعل حصول المرضى على العلاج أمرًا مستحيلًا. وأشار شهود عيان إلى أن بعض السكان دفعوا أموالًا طائلة لقوات الدعم السريع لمغادرة البلدة.
دعوات للتدخل العاجلوزير الإعلام الأسبق، فيصل محمد صالح، وصف ما يحدث في الهلالية بأنه “جريمة مكتملة الأركان”. وقال عبر صفحته على فيسبوك: الروايات اختلفت حول أسباب الوفيات، لكنها تتفق جميعًا على نتيجة واحدة وهي الموت، سواء كانت الوفيات ناجمة عن تسمم المياه، تناول مخزون القمح، أو انتشار الأمراض المعدية، فإن النتيجة واحدة: كارثة إنسانية”.
وزير الإعلام الأسبق: الدعم السريع بصفتها الجهة المسيطرة تتحمل مسؤولية هذه الأزمة
ومضى صالح قائلا: القانون الدولي الإنساني يلزم الجهة المسيطرة على المنطقة بتحمل المسؤولية عن حياة المدنيين، مشيرًا إلى أن قوات الدعم السريع، بصفتها الجهة المسيطرة، تتحمل مسؤولية هذه الأزمة.
وطالب بالسماح العاجل لجمعيات الهلال والصليب الأحمر بالتدخل لتوفير العلاج والكوادر الطبية اللازمة، محذرًا من أن استمرار الوضع سيؤدي إلى كارثة أكبر تهدد حياة الأبرياء المحاصرين.
الوسومآثار الحرب في السودان الهلالية شرق الجزيرة مأساة الهلالية نازحو شرق الجزيرةالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: آثار الحرب في السودان الهلالية شرق الجزيرة مأساة الهلالية قوات الدعم السریع فی الهلالیة أکثر من إلى أن
إقرأ أيضاً:
السودان يستدعي سفيره من كينيا احتجاجا على استضافتها اجتماعا للدعم السريع
استدعت الخارجية السودانية سفيرها لدى كينيا كمال جبارة للتشاور، احتجاجا على استضافة نيروبي اجتماعا ضم قوى سياسية وقيادات من قوات الدعم السريع بهدف تشكيل حكومة موازية، في حين أكدت كينيا أن هذه ليست المرة الأولى التي تلجأ فيها المجموعات في السودان إلى الدول المجاورة لإيجاد حلول لأزماتها.
وقال وزير الثقافة والإعلام الناطق الرسمي باسم الحكومة خالد علي الإعيسر إن "زمن التدخلات الخارجية في الشؤون السودانية انتهى".
وأضاف "نحن فقط كشعب من يحدد مصيره ويصنع قراراته بما يتماشى مع طموحات سودانية وطنية خالصة، بعيدا عن التدخلات الخارجية، ودون إملاءات فتح الأبواب مجددا لمن ساهموا في صناعة الظروف الصعبة التي مر بها بلدنا وشعبنا في الأعوام القليلة الماضية، والتي ما زلنا ندفع فاتورتها غاليا بالدماء والموت والتهجير القسري".
واستنكرت الحكومة السودانية الثلاثاء استضافة كينيا اجتماعا ضم قوى سياسية وقيادات من قوات الدعم السريع بهدف تشكيل حكومة موازية، واعتبرت ذلك "تشجيعا لتقسيم الدول الأفريقية وخروجا عن قواعد حسن الجوار".
وجاء ذلك في بيان صادر عن وزارة الخارجية السودانية بعد ساعات من انعقاد الجلسة الافتتاحية لمؤتمر بعنوان "تحالف السودان التأسيسي" في العاصمة الكينية نيروبي.
إعلانوشارك في الاجتماع عدد من قادة الحركات المسلحة وقوى سياسية معارضة، بينهم رئيس حزب الأمة القومي فضل الله برمة، وعبد الرحيم دقلو نائب قائد قوات الدعم السريع، ورئيس "الحركة الشعبية- شمال" عبد العزيز الحلو.
ويهدف المؤتمر إلى تشكيل حكومة موازية في السودان، وهو ما اعتبرته الحكومة السودانية مخالفا للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.
وأعربت الخارجية السودانية -في بيانها- عن أسفها على استضافة كينيا هذا الاجتماع، واصفة ذلك بأنه "تنكّر لالتزاماتها بموجب القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة والأمر التأسيسي للاتحاد الأفريقي".
وأضافت الوزارة أن الهدف المعلن من الاتفاق السياسي الذي تم توقيعه خلال الاجتماع هو "إقامة حكومة موازية في جزء من أراضي السودان"، مما يشجع على "تقسيم الدول الأفريقية وانتهاك سيادتها والتدخل في شؤونها الداخلية".
كما انتقدت الوزارة السماح لقيادات قوات الدعم السريع بممارسة النشاط السياسي والدعائي العلني في كينيا، في وقت تُتهم فيه هذه القوات بارتكاب "جرائم إبادة جماعية" في السودان.
وذكر البيان أن قوات الدعم السريع ارتكبت "مجزرة بشعة" خلال الأيام الماضية في قرى مدينة القطينة بولاية النيل الأبيض جنوبي السودان، راح ضحيتها 433 مدنيا.
وأشارت الخارجية السودانية إلى أن استضافة كينيا قوات الدعم السريع "تشجيع لاستمرار هذه الفظائع والمشاركة فيها". وشددت على أن "خطوة الحكومة الكينية لا تتعارض فقط مع قواعد حسن الجوار، بل تناقض أيضا التعهدات التي قدمتها كينيا على أعلى مستوى بعدم السماح بقيام أنشطة عدائية ضد السودان على أراضيها".
واعتبرت أن هذه الخطوة "إعلان عداء لكل الشعب السوداني"، داعية المجتمع الدولي إلى "إدانة هذا المسلك من الحكومة الكينية".
وتأتي هذه التطورات في وقت يشهد فيه السودان حربا طاحنة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ منتصف أبريل/نيسان 2023، خلّفت أكثر من 20 ألف قتيل ونحو 15 مليون نازح ولاجئ، وفقا لتقديرات الأمم المتحدة والسلطات المحلية.
إعلانوفي سياق متصل، أشارت الخارجية السودانية إلى أن "هذه التظاهرة الدعائية (اجتماعات نيروبي) لن يكون لها أي أثر على أرض الواقع"، مؤكدة أن القوات المسلحة السودانية، بدعم من الشعب، تواصل تقدمها لتحرير الأراضي التي سيطرت عليها قوات الدعم السريع.
الموقف الكينيفي المقابل، قالت الحكومة الكينية إن الأزمة في السودان تتطلب اهتماما إقليميا وعالميا عاجلا.
وأوضحت أنه بفضل دورها كمحرك للسلام في المنطقة وحول العالم، تظل كينيا في طليعة البحث عن حلول للأزمة الإنسانية في السودان، مشيرة إلى أنها "التزمت بتقديم مليوني دولار للمبادرات العالمية والإقليمية للمساهمة في تخفيف الوضع الإنساني الحرج في السودان".
وفي بيان وقّعه موساليا مودافادي، رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية وشؤون المغتربين، قالت كينيا إنها "أرست تاريخا من تسهيل الحوار بين الأطراف المتنازعة من الدول المجاورة والإقليمية، من خلال توفير منصات تفاوضية محايدة أسفرت عن اتفاقيات سلام تم توقيعها في كينيا".
كما أكدت "أن هذه ليست المرة الأولى التي تلجأ فيها المجموعات في السودان إلى الدول المجاورة لإيجاد حلول لأزماتها من خلال المساعي الحميدة".
وأشارت إلى أنه "في يناير/كانون الثاني 2024، اجتمعت الأطراف وأصحاب المصلحة في النزاع السوداني في إحدى الدول المجاورة لرسم مسار نحو حوار شامل وعودة إلى الحكم المدني".
وقالت إن "تقديم قوات الدعم السريع والمجموعات المدنية السودانية لخريطة طريق، إضافة إلى القيادة المقترحة في نيروبي، يتماشى مع دور كينيا في الوساطة من أجل السلام، الذي يلزمها بتوفير منصات غير منحازة للأطراف المتنازعة للوصول إلى حلول".
انقسامات سياسيةمن جهة أخرى، انقسمت القوى السياسية في السودان بين مؤيدين ومعارضين لتشكيل حكومة موازية. فبينما تدعم قوى سياسية قوات الدعم السريع، ترفض أخرى هذا التوجه بما في ذلك "تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية"، التي كانت تمثل أكبر تحالف مدني معارض بقيادة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك.
إعلانوأعلنت التنسيقية، في فبراير/شباط الماضي، رفضها فكرة الحكومة الموازية، مما أدى إلى انقسامها إلى مجموعتين، إحداهما تدعم مؤتمر نيروبي.
وتزامنت اجتماعات المعارضة في كينيا مع تراجع سيطرة قوات الدعم السريع في عدة مناطق لصالح الجيش السوداني، خاصة في ولايات الوسط (الخرطوم والجزيرة) والجنوب (النيل الأبيض وشمال كردفان).
وفي ولاية الخرطوم، التي تضم 3 مدن رئيسية، تمكن الجيش من السيطرة على 90% من مدينة بحري شمالا، ومعظم أنحاء مدينة أم درمان غربا، و60% من مدينة الخرطوم، في حين لا تزال قوات الدعم السريع تسيطر على أحياء شرقي وجنوبي العاصمة.