معنى قوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ﴾ وسبب نزولها
تاريخ النشر: 19th, November 2024 GMT
أجابت دار الإفتاء المصرية عن سؤال ورد لها من أحج المتابعين، جاء كالتالي: ما معنى الأهلة الواردة في قول الله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ﴾؟.
معنى قوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ﴾وأوضحت الإفتاء معنى قوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ﴾، وهى أن الصحابة الكرام رضي الله عليهم سألوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الأهلة -التي هي جمع هلال، وهو القمر أول ما يَبْدُو دقيقًا للناس- وعن حقيقة خَلْقِه، والحكمة من جعله متَغَيِّرًا من حيث الزيادة والنقصان، وجواب سؤالهم: أن الله تعالى جعله كذلك ليَعْلَم الناس أوقات الحج والعمرة، والصوم، والإفطار، وآجال الديون، وعِدَد النساء وأيام حيضهن ومدة حملهن، وغيرها مما تُضبط به مواقيت شؤونهم، مع التنويه على أنَّ الآية الكريمة قد قررت أن استعمال الأهلة كمواقيت معتبر شرعًا، ولم تنف جواز اتخاذ غيرها مواقيت كالدورة الشمسية التي قدرها الله تعالى حسبانًا وعِلْمًا لعدد السنين والحساب مثلها مثل الدورة القمرية.
وقالت إن الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أن يسألوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الأمور المختلفة، وأن يستفهموا منه عمَّا يُشكل عليهم أو لا يَسْهُل فَهْمُهُ، ومن جملة ما حكاه القرآن الكريم قول الله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ﴾ [البقرة: 189].
وأوضحت الإفتاء سبب نزول الآية الكريمة ، إذ أنها نزلت جوابًا عن سؤال بعض الصحابة الكرام رضي الله عنهم، فقد جاء أنَّ ابن عباس رضي الله عنهما قال: "سأل الناس رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الأهلة، فنزلت هذه الآية: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ﴾؛ يعلمون بها حِلَّ دَيْنِهم، وعِدَّةَ نسائهم، ووقتَ حَجِّهم" أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم في "التفسير".
وتابعت قائلة: ومن المقرر شرعًا أنَّ الأهلة هي الأصل للمواقيت الشرعية التي تتعلق بالأوقات؛ كالشهور والأيام، ومِمَّا يدل على ذلك ما نُقِلَ إجماعًا على اعتبار الشهور بالأهلة في العدة.
وقد ذكرت كتب التفاسير اثنين من هؤلاء الصحابة الذين سألوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهما: معاذ بن جبل، وثعلبة بن غَنْمٍ الْأَنْصَارِيَّيْنِ رضي الله عنهما.
قال الإمام البغوي في "معالم التنزيل في تفسير القرآن" (1/ 211، ط. دار طيبة): [قوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ﴾، نزلت في معاذ بن جبل، وثعلبة بن غَنْمٍ الْأَنْصَارِيَّيْنِ، قالَا: يا رسول الله ما بال الهلال يبدو دقيقًا ثم يزيد حتى يمتلئ نورًا ثم يعود دقيقًا كما بدأ ولا يكون على حالةٍ واحدةٍ؟] اهـ.
قال الإمام ابن عادل الحنبلي في "اللباب في علوم الكتاب" (3/ 330-331، ط. دار الكتب العلمية): [﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ﴾، وهذا سؤالٌ عن حقيقة الخلَّاقيَّة، والحكمة في جعل الهلال على هذا الوجه.. واعلم أنَّ قوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ﴾ ليْسَ فيه بيان أنَّهم عن أيِّ شيءٍ سأَلُوا، إلَّا أنَّ الجواب كالدَّالِّ على موضع السُّؤال؛ لأنَّ قوله: ﴿قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ﴾ يدلُّ على أنَّ سؤالهم كان على وجه الفائدة والحكمة في تغيُّر حال الأهلَّة في الزيادة والنُّقصان] اهـ.
والمقصود بقوله تعالى: ﴿قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ﴾، هو أنَّا قد جعلناه كذلك ليَعْلَم الناسُ أوقاتِ الحج والعمرة، والصوم، والإفطار، وآجال الديون، وعِدَد النساء وأيام حيضهنَّ ومدة حملهنَّ، وغيرها، فلذلك اختلف حاله عن الشمس التي هي دائمة على حالٍ واحدة، كما في "مدارك التنزيل وحقائق التأويل"، للإمام النسفي، (1/ 164، ط. دار الكلم الطيب)، و"معالم التنزيل في تفسير القرآن" للإمام البغوي (1/ 211).
وأكدت الإفتاء أن الأهلة جعلها الله معْلَمًا يَعْرِف به الناس ما يتعلق بأمور دينهم ودنياهم، فكلُّ ما تتوقف معرفته على وقتٍ لا تتحقق المعرفة به إلا من خلال العِلْم بالأهلة، كما في "تفسير الإمام الشافعي" للإمام الشافعي (1/ 298، 2/ 927، ط. دار التدمرية.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الأهلة الإفتاء دار الإفتاء
إقرأ أيضاً:
العيد الوطني .. معنى ودلالات
يأتي العيد الرابع والخمسون حاملًا معه كل معاني الاعتزاز والفخر لنا كعُمانيين حيث نعُده مناسبة غالية وعزيزة على نفوسنا؛ لأنه يعني لنا الكثير، ويُمثل لنا رمزًا خالدًا وذكرى مُتجددة، ففي مثل هذا اليوم من كل عامٍ نسترجع بكل فخرٍ واعتزازٍ فصول ملحمة رائعة ورائدة قادت المشروع العُماني إلى فضاء آخر وحمل معه ملامح الدولة العصرية، دولة المنجزات والمؤسسات. وفي هذه المناسبة المجيدة نشعر ببهجة كبيرة لاقتران النهضة كمشروع حضاري عزز اللحمة الوطنية للأمة العُمانية، وبهذا فإن دلالة نوفمبر ترمز لمعنى أكبر وأعمق، مجسدة ميلاد نهضة وطن ومعبرة عن فصول من البناء والعطاء، فعُمان الخير تشهد -من فضل الله تعالى- وبخط تصاعدي أوج الجِد وقمة المجد في ظل الحكم الرشيد لسلطاننا القائد هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه. إن التعامل مع هذه الذكرى يتطلب مزيدًا من الجد والاجتهاد، ومعاهدة الله والسلطان الأب على العمل الدائب، حتى نواصل معه البناء والعطاء، وتعميق معنى الانتماء لهذا الوطن، والتعاون الدائم على البذل والوفاء. وفي مثل هذا اليوم يجب علينا أن نعي معنى العيد من خلال استحضار وتحقيق الدلالات المهمة التالية كلما احتفلنا بالعيد الوطني: أولًا: العيد الوطني يوجب علينا جميعًا أن نحمد الله تعالى، وأن نشكره بالقول والعمل والنية على ما نحن فيه من نعمٍ كثيرة لا يمكن أن نُحصي عددها، والتي من أجلَّها وأعظمها أننا -ولله مزيد الحمد والشكر- نعيش في وطنٍ واحدٍ مُتجانسٍ آمنٍ مُستقرٍ. ثانيًا: العيد الوطني يعني التأكيد على تمسكنا بولائنا لقيادتنا وعقيدتنا السمحة وأن نعلم جميعًا أنه لا عز لنا، ولا مجد، ولا فخر إلا بالتمسك الصادق بهذا الولاء في كل شأنٍ من شؤون الحياة. ثالثًا: العيد الوطني يعني أن يُحب الإنسان وطنه الذي يعيش فيه، وأن يترجم هذا الحب أقوالًا صادقةً، وأفعالًا نافعةً خيرة، وألّا يدّخر جهدًا في خدمته والتضحية لأجله بكل ما يستطيعه ويملكه من إمكاناتٍ وطاقاتٍ وقدرات واستعدادات. رابعًا: العيد الوطني يعني أن يظل الإنسان العُماني محورًا فاعلًا وثابتًا لكافة خطط وبرامج التنمية الشاملة في كافة مناحي الحياة، وأن يعي تمامًا دوره الفاعل في تلك الخُطط والبرامج. خامسًا: العيد الوطني يعني أن يتحقق للإنسان العُماني المزيد من الوعي الحضاري الذي يؤهله لتحقيق معنى الانتماء. سادسًا: العيد الوطني يعني الحفاظ على الأمن والاستقرار داخل الوطن، وعدم السماح لأي عابثٍ أو حاقدٍ أو حاسدٍ أو دخيلٍ بالإخلال بأمن الوطن أو المزايدة عليه، واستشعار هذه المسؤولية العظيمة عند كل فردٍ من أفراد المجتمع فيصبح الجميع عيونًا ساهرةً لحماية الوطن وحفظ أمنه واستقراره. سابعًا: العيد الوطني يعني التأكيد على المزيد من الإخلاص في العمل، وبذل الجهود الكفيلة -إن شاء الله تعالى- بتحسين الإنتاج وجودة المخرجات في مختلف المجالات والميادين العلمية والعملية. ثامنًا: العيد الوطني يعني أن يعي كل مواطن صغيرًا كان أو كبيرًا، ذكرًا أو أُنثى، دوره الفاعل في مهمة بناء الوطن انطلاقًا من قوله صلى الله عليه وسلم: «كلكم راعٍ وكلكم مسؤولٌ عن رعيته». تاسعًا: العيد الوطني يعني إتاحة الفرصة لأبناء الوطن لتحقيق معنى الانتماء للوطن، وتنشئتهم على حب العمل الجاد، ودعوتهم للمشاركة في مختلف القضايا الاجتماعية، ومنحهم الثقة في أنفسهم للنقاش والسؤال والحوار الجاد، والمشاركة الفاعلة ووضع الحلول، حتى يتحقق ارتباطهم بالوطن، ويصدق انتماؤهم له. عاشرًا: العيد الوطني يعني تكريس معنى ومفهوم الوحدة الوطنية في نفوس أبناء المجتمع جميعًا، ولا سيما أن بلادنا معنيةٌ بتحقيق الأنموذج الرائع والمثل الحقيقي لتلك الوحدة التي دمجت شمال البلاد بجنوبها، وربطت شرقها بغربها، فكانت نتيجة ذلك وحدة الأرض والفكر والمشاعر والطموحات والآمال. نعم إن الانتماء للوطن يتحقق في أجمل صوره وأروع معانيه، عندما نعلم ونتيقن أن العيد الوطني ليس يومًا واحدًا في العام، ولا ينحصر في وقتٍ مُتكررٍ كل عام، كما أنه ليس مناسبةً، تنتهي بانتهاء تاريخها المحدد؛ لكنه عند العُمانيين يوم يمتد ويستمر كل أيام العام، لذلك فالجميع مدعو للعمل على تعزيز الانتماء للوطن وأن نُترجم الأقوال إلى أفعال، وأن نحول الطموحات والآمال إلى حقائق وأعمال، وأن نتأمل بصدق في نهضتها ومنجزاتها التي أجابت وبصدق عن هذه الأسئلة المحورية: كيف كنا؟ وأين نحن؟ وإلى أين نتجه؟ إن الإجابة لا تحتاج إلى كثير من الجهد، فمسار التكوين قد أتى أُكله، قائد وعد فأنجز وأوفى وبادله شعبه ولاء وحبًا، فما أجمل وما أروع أن نرى عُمان في عيدها الوطني وهي تسعد بحضارةٍ أصيلة مُعاصرة، تنطلق في عالميتها استنادا إلى المبادئ التالية: - مواكبة العصر والأخذ بكل جديد مفيد فيه من أفكار مستنيرة وعلوم نافعة وتقنيات متجددة مع التمسك دائما بالقيم والمبادئ الرفيعة والتقاليد والعادات الأصيلة. - الأخذ بأسباب التطور وفي مقدمتها الإرادة القوية والعزيمة الصادقة ومواجهة التحديات والإصرار على تذليل الصعوبات والعقبات والعمل بلا كللٍ أو مللٍ وفي إخلاصٍ وتفانٍ وحبٍ للبذل والعطاء. - استغلال الطاقات والمهارات والاستثمار في الموارد من أجل بناء حاضر مشرق عظيم والإعداد لمستقبل زاهر كريم. - مسؤولية الأجيال من أبناء عُمان في صيانة المنجزات والحفاظ عليها من كل سوء والذود عنها ضد كل عدوٍ حاقدٍ أو خائنٍ كائدٍ أو متربصٍ حاسدٍ فهي أمانة كبرى في أعناقهم يسألون عنها أمام الله والتاريخ والوطن. حفظ الله عُمان وهي ترفل في نعمة الأمن والأمان وحفظ لها قائدها المفدى وأيده بتوفيقه وأسبغ عليه نعمة الصحة والعافية والعمر المديد، وأعاد الله العيد عليه أعوامًا مديدة وأعيادًا عديدة، وكل عام والعُمانيون بألف خير. |