عربي21:
2025-04-17@17:48:48 GMT

ما تعنيه المقاومة في ظرفها الراهن بالقياس إلى ما سبق!

تاريخ النشر: 19th, November 2024 GMT

لم يتوفّر للمقاومة الفلسطينية القائمة الآن من الأوضاع الخادمة ما توفّر للمقاومة الفلسطينية في أوقات سابقة، فقد قاتلت فصائل الثورة الفلسطينية منذ أواخر الستينيات وحتى مطالع الثمانينيات، في ظلّ المقاطعة العربية لـ"إسرائيل"، مع استثناء وحيد لاحق، وهو خروج مصر من الصراع بتوقيع اتفاقية "كامب ديفيد" عام 1978، والتي تحوّلت إلى معاهدة سلام في العام الذي يليه.

هذا الخروج المصري من الصراع أخلّ بالتوازنات الإقليمية وهيّأ القواعد لإبعاد منظمة التحرير وقوى الثورة من لبنان.

امتلكت قوى الثورة قواعد انطلاق علنية من الأراضي العربية المجاورة حتّى لو استدعى ذلك صراعا مع السلطة في الأردن أولا، وتداخلا مع الصراعات اللبنانية الأهلية تاليا، فقد حازت على تحالفات لبنانية داخلية مؤثّرة، لم يكسرها إلا التدخل السوري في لبنان في العام 1976. وفي المجمل، كان الظرف العربي أقلّ تآكلا ممّا هو عليه الآن، فالحواضر العربية التاريخية متعافية، والخطاب القومي كان لا يزال حاضرا ويمثّل الرافد الثقافي للجماهير العربية، وإلى حين غزو صدام حسين للكويت، كان التمويل الخليجي لمنظمة التحرير من عوامل قوّتها، ويضاف إلى ذلك التوازنات الدولية، الحاصلة بالاتحاد السوفييتي والكتلة الشرقية، ودول عدم الانحياز. وقد فقدت القضية الفلسطينية تاليا، ومع مسار التسوية الذي دخلته منظمة التحرير، العديد من الأصدقاء الذين باتوا بعد ذلك حلفاء لـ"إسرائيل" كالهند واليونان، أو صارت تربطهم شراكات محددة معها كالصين.

يمكن القول اليوم، إنّ الموقف يكاد يكون نقيض ذلك، فالتوزان الدولي مختلّ لصالح أمريكا بنحو كاسح، ولا يمكن الحديث بعد عن قوى دولية مؤثّرة من شأنها دعم المقاومة الفلسطينية في صيغتها الراهنة، والأسوأ هو الانقلاب العربي من حالة المقاطعة، لا إلى حالة التطبيع، بل إلى حالة التحالف المعبّر عنها بـ"الاتفاقيات الإبراهيمية"، والتي لها صيغ سرّية بين "إسرائيل" ودول عربية أخرى لم تلتحق بها بعد علنا.

ولم يكسر من هذا الواقع إلا الدعم الإيراني، ووجود قوى مناصرة للمقاومة الفلسطينية، ولكنها بدورها تعاني من مواجهة هذا الظرف المتردّي، مع التباسات خانقة، لها علاقة بالانقسامات الطائفية، وما نجم عن احتلال العراق، والحرب السورية، والفشل الذي مُنيت به ما سُمّيت بـ"ثورات الربيع العربي"؛ وهو الفشل الذي تحوّل بدول الثورة المضادة، لا سيما في الخليج العربي، من ملاحقة الإسلاميين إلى السعي للتحالف مع "إسرائيل" والقضاء على ما تبقى من أيّ ثقل إقليميّ لمصر.

وفي وضع كهذا لا يمكن القول اليوم، إنّ دولة عربية واحدة تتجرأ على دعم حركة حماس بوصفها حركة مقاومة، ولا يمكن لهذه الحركة أن تعمل في وضع مريح في جميع البلاد العربية بلا استثناء، فهي بين أن تكون ملاحقة رسميّا من عدد من الدول العربية، أو أنّها غير مرحب بها بنحو أو بآخر في بقية الدول، مع استثناءات تحصر نشاطها في إطار ضيق للغاية.

في هذا الظرف قاتلت، وتقاتل، هذه المقاومة في غزّة، التي طوّرت فيها بنيتها في حالة فلسطينية مضادة كذلك، فقد أخذ الإجماع الفلسطيني يتآكل، منذ ذهاب قيادة منظمة التحرير نحو حلّ الدولتين أواسط سبعينيات القرن الماضي، وتمأسس ذلك بعد توقيع اتفاقية أوسلو وإنشاء السلطة مطالع التسعينيات، ولم يكن الانقسام الذي وقع في العام 2007 بعدما لم تعترف عمليّا حركة فتح بنتائج الانتخابات التي فازت فيها حركة حماس، إلا نتيجة لمسار التآكل في الإجماع الفلسطيني.

تتحوّل مساحة من الإسهام الثقافي العربي والفلسطيني لتحطيم هذه المقاومة بالكلمات، في حين أنّ "إسرائيل" بكل ما ألقته على غزّة معززا بالحصار والإبادة وقطع خطوط الإمداد؛ لم تتمكن من كسر هذه المقاومة
وإذا كان من المستحيل، في حالة هذا وصفها المختصر، تحقيق إنجازات سياسية في المحطات الكفاحية ذات الطبيعة الملحمية للمقاومة في قطاع غزّة، كما في حرب العام 2014، ومعركة سيف القدس في العام 2021، فإنّه لا ينبغي أن يقلّ عن ذلك استحالة أن تتمكن هذه المقاومة من تنفيذ عملية ناجحة عسكريّا واستخباراتيّا بنحو غير مسبوق في تاريخ الصراع عموما، وفي تاريخ كفاح الشعب الفلسطيني وثوراته ومقاوماته وانتفاضاته كلها، كما في عملية "طوفان الأقصى" في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ولا يقلّ عن ذلك استحالة أن تبقى هذه المقاومة واقفة على أقدامها تقاتل، كما اليوم في جباليا وبيت لاهيا وشمالي قطاع غزّة عموما، ببسالة وكفاءة وشجاعة بعد 13 شهرا من الحرب. هي حرب إبادة جماعية، تتقصد حرق الشريط الساحلي الضيق الذي لا تزيد مساحته على حارة في عاصمة من عواصم العالم الكبرى، بل من العواصم العربية، إذا أخذنا مساحة قطاع غزّة التي لا تزيد على 360 كم مربعا، بالنسبة للقاهرة التي تبلغ مساحتها 3085 كم مربعا، أو الرياض التي تبلغ مساحتها 1555 كم مربعا.

إنّ هذه المعطيات وبقدر ما تدلّ على صدقية هذه المقاومة وجدّيتها، ودحضها الدعاية التي تستهدف دوافعها وإرادتها على الاستمرار، تدلّ على كون المشكلة بالدرجة الأولى في المسارات التي خنقت كفاح الفلسطينيين، وآفاقه وممكناته، وليس في الكفاح نفسه ولا في خياراته، بما في ذلك الخيار الراهن، والذي يؤكّد على كون القدرة الإسرائيلية، ومهما امتلكت من أسباب القوّة المادية والدعم غير المنقطع، ليست حتمية النفاذ، وبدلا من الوقوف على هذه الحقيقة، تتحوّل مساحة من الإسهام الثقافي العربي والفلسطيني لتحطيم هذه المقاومة بالكلمات، في حين أنّ "إسرائيل" بكل ما ألقته على غزّة معززا بالحصار والإبادة وقطع خطوط الإمداد؛ لم تتمكن من كسر هذه المقاومة.

وبعدما كنّا نناقش دائما أنّ نقد هذه المقاومة لا ينبغي أن يتحوّل إلى إدانة أو تحطيم، وذلك بقطع النظر عن معنى هذا النقد في ظلّ الإبادة والحرب القائمة، وعن قصور أوجه النقد في عدم قدرته على الإحاطة بالموقف الفلسطيني الذي جاءت في سياقه عملية السابع من أكتوبر، وهو ما ينبغي العودة إليه بالنقاش لاحقا، فإنّ السؤال الذي ينبغي أن يظلّ موجّها لهؤلاء المتحفزين بالإدانة لمقاومة شعبهم: لماذا لا يعطون اهتماما مماثلا بالإلحاح نفسه والمثابرة نفسها، في نقد هذه الأوضاع العربية، وتلك الخيارات الفلسطينية الأخرى التي خنقت الكفاح الفلسطيني، وسدّت آفاقه؟! فإذا كانت حجتهم أنّ النقد لا ينحصر في توقيت دون آخر، وأنّ النقد بالضرورة مفيد دائما، فلماذا لا تعمل هذه الحجة في مسارات أخرى، ولا تستهدف أوضاعا وخيارات وجهات أخرى؟!

حديث هؤلاء تحديدا عن معاناة أهل غزّة في ذريعة لإدانة مقاومتها، ما هو إلا صورة من صور الرضا بالإبادة
هل الوقت مفتوح دائما لنقد المقاومة بل واتهامها وإدانتها وتحطيمها، ومفيد في هذه الحالة فقط، ولا فائدة مرجوة منه في نقد الفاعلين الآخرين، من عرب وفلسطينيين، تجاوزوا حصار خيارات الشعب الفلسطيني وخنقها إلى التواطؤ الصريح أو الضمني على إبادة الفلسطينيين في غزّة لأجل سحق مقاومتهم؟! ولو سلمنا بحجتهم في كون حسابات الواقفين خلف السابع من أكتوبر لم تتمكن من توقع حجم العنف الإسرائيلي، أليس مؤكدا، بما يستدعي منهم النقد والإدانة، إسهام أدوار أخرى، عربية وفلسطينية، في تعزيز سياسة الإبادة الإسرائيلية بنحو صريح ومقصود لا عن حسابات خاطئة، ممّا جعل الشعب الفلسطيني في غزّة بمقاومته يكاد يكون وحيدا؟!

نعم.. ليس متوقعا منهم أن يتجهوا بالنقد للأدوار الأخرى، لأنهم في النتيجة اصطفوا داخل هذه الأدوار الأخرى التي لا تهمها إبادة الفلسطينيين في غزّة ما دامت الطريق الوحيد لسحق مقاومتهم! إنّ حديث هؤلاء تحديدا عن معاناة أهل غزّة في ذريعة لإدانة مقاومتها، ما هو إلا صورة من صور الرضا بالإبادة!

x.com/sariorabi

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الفلسطينية العربية إسرائيل المقاومة نقد إسرائيل فلسطين غزة العرب المقاومة مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة هذه المقاومة فی العام فی غز ة

إقرأ أيضاً:

حركة الفصائل الفلسطينية تطالب الجنايات الدولية بمحاكمة كاتس وبن غفير لـ”تجويعهما الشعب الفلسطيني”

غزة – دعت حركة الفصائل الفلسطينية محكمة الجنايات الدولية لملاحقة وزير الدفاع يسرائيل كاتس، ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، وكل قادة إسرائيل، ومحاسبتهم على “جرائمهم الوحشية ضد الإنسانية”.

وقالت حركة الفصائل في بيان اليوم الخميس، إن تصريحات كاتس وتأكيده أن “منع حكومته الفاشية المساعدات الإنسانية عن غزة هو أحد أدوات الضغط، وأنه لن يتم إدخال أي مساعدات إلى القطاع، هي إقرار علني متجدد بارتكاب جريمة حرب، بإعلان استخدام التجويع كسلاح، وحرمان المدنيين الأبرياء من المواد الأساسية للحياة، من غذاء ودواء وماء ووقود، وذلك للأسبوع السابع على التوالي”.

وأشار البيان إلى دعوة بن غفير لـ”عدم إدخال حتى غرام واحد من المساعدات إلى القطاع، وتصريحات ومواقف صادرة عن هذه الطغمة الفاشية الصهيونية، والتي تواصل تحديها لكل القوانين والأعراف، وإعلان نيتها الواضحة في استمرار هذه الإبادة الوحشية”.

وأضاف: “من المؤسف أن تمر هذه التصريحات الإجرامية دون أن تجد موقفا واضحا من المجتمع الدولي والأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، وكذلك الهيئات القضائية الدولية لإدانتها، وجلب أصحابها للمحاسبة”.

وختمت الحركة بيانها بتجديد مطالبة المجتمع الدولي “بالتحرك لوقف جريمة التجويع والحصار المفروضة على القطاع، كما نطالب محكمة الجنايات الدولية بملاحقة الإرهابيين الصهاينة، كاتس وبن غفير، وكل قادة الاحتلال، ومحاسبتهم على جرائمهم الوحشية ضد الإنسانية”.

المصدر: RT

مقالات مشابهة

  • السيد القائد: نزع سلاح المقاومة معناه أن يتحول الشعب الفلسطيني والشعوب العربية إلى مجرد خرفان يذبحها العدو في أعياده (
  • حركة الفصائل الفلسطينية تطالب الجنايات الدولية بمحاكمة كاتس وبن غفير لـ”تجويعهما الشعب الفلسطيني”
  • في ذكرى يوم الأسير الفلسطيني.. الجهاد تجدد العهد بتمسك المقاومة بتحرير الأسرى من سجون العدوّ
  • نزع سلاح المقاومة الفلسطينية: المعركة الأخيرة للمحتل
  • “التجمع الوطني”: نؤكد دعم المقاومة الفلسطينية وتمسكها بسلاحها
  • وزير حرب الاحتلال: مصر هي التي اشترطت نزع سلاح حماس وغزة
  • الفصائل الفلسطينية: سلاحنا للدفاع عن النفس والغزّيون طليعة جيش مصر
  • مقترح بلا ضمانات… لماذا ترفض المقاومة الفلسطينية المقترحات “الإسرائيلية”؟
  • ما هو سلاح المقاومة الذي يريد الاحتلال الإسرائيلي نزعه من غزة؟
  • لجان المقاومة الفلسطينية: سلاح المقاومة حق غير قابل للنقاش