بقلم- رويدا البعداني
أُمي الحبيبة؛ أكتبُ لكِ هذه الرّسالة الأخيرة بأنامل تلفظُ أنفاسها الأخيرة بعد أن تهاوت بعضها، وبيدٍ فقدت أختها ذات ملحمة رفع الراية إلى أن أسلمتها يد القوي الأمين، وبدمٍ يانع يتضوعُ منه مسك البذل، ويفوح من ثناياه عبق الاصطفاء.
أكتبُ لكِ من تحتِ القصف وجور النيران وتحت وطأة الحصارُ الذي يتجاذبنا من كل حدب وصوب، من فوهة الدّخان المتصاعد من على جبهتنا الصامدة كحُماتها وطائرات المنايا التي تُهل علينا وابلِا من الصواريخ التي لا تُبقي ولا تذر، الوضع هُنا على شفا عيش هارِ، والموت قاب قوسين أو أدنى، في هذه اللحظات الأخيرة تذكرتك يا أُمي، ووددت لو كنتِ الآن ماثلة أمامي لأقبل قدميك للمرة الأخيرة، ولأخبرك أني بفضلك قد نُلت مُرادي مترجلا عن ملذات الحياة راجيًا جنة عرضها السماوات والأرض ورضاكِ عنّي.
ها هي روحي تكاد تُحلق عاليا في الفضاء الرحب بأجنحتها الغضة، مودعة أيامها الخوالي وذكرياتي العامرة بكِ كل حين، وصباحاتي المزهوة بخبزك الدافئ ومحياكِ البهي وقهوتكِ وأحاديثك الملازمة لأيامي وتفاصيلي، تودع الفناء وأرجوحة عمري فيه، تودع الشُرفات وشدو العصافير وهمهمات الصباح وبرج الحمام، تودع الدهليز وعتبة باب المنزل الذي هجرتهُ رغما عني منذُ أن حمي وطيس الحرب واندلعت الشرارة الأولى وذقنا ويلات الحروب ولم نزل نودع أرجاء المعمورة وما على كنفها من ذكرى وارفة بالضحكات والبسمات التي ستجثو على قارعة الزمن أبدًا.
أُماه….كفكفي دموعكِ العذب في الغد فأنا عروس السماء، فارتدي معاقل الصّبر وتسلحي بالثبات وتزيني بتاج الوقار، فولدك سيضحى شهيدا، لا تأسي حالي حينما تريني بجسدٍ مضرج بالدماء بُترت أعضاؤه وتشوه قوامه، فالروح باتت تعبق في ملكوته وتهيم في فضائه، حينما يأتون بي محملاً على الأكف، مسجى باللون الأخضر، يكفي أن تتأملي تلك البسمة المرسومة على مُحياي النابض بحبك وحب الوطن، وتتحسسي بقلبك الحاني مدى فرحي وأنسي وبهجتي بما حُزت من الحظوة والكرامة، وأني لم أرج شيئا في حياتي كالشهادة، وتذكري أني حيّ بقلبك دائماً، والسّلام حتّى نلتقي.
المصدر: يمانيون
إقرأ أيضاً:
الشهيد القائد.. صوتُ الحق في وجدان الأُمَّــة
كتب /غيداء شمسان
ليست الشهادة نهايةً للرجال العظام، بل هي بدايةٌ لخلود أبديّ، يُضيءُ دروبَ الأجيال القادمة في ذكرى استشهاد السيد القائد حسين بدر الدّين الحوثيّ، لا نتحدث عن رحيل جسدٍ، بل عن بقاءِ رسالةٍ، وعن فكرٍ ثائرٍ لم تُخمدهُ رصاصاتُ الظلم، بل ازداد تألقًا بشهادة سجلت اسمه في سجل الخالدين، تضحيته لم تكن عبثًا، بل كانت بذرة أثمرت عزةً وكرامةً، وألهمت أُمَّـة بصمودها.
كان السيد القائد، رحمه الله، أكثر من مُجَـرّد رجلٍ سياسي، كان رمزًا للمقاومة والثبات، صوتًا يرن في وجدانِ الأُمَّــة، ينادي بالحرية والاستقلال، فكرُه كان ملهمًا، كلماتُه كانت مؤثرةً، وأفعاله كانت شاهدةً على إيمانه الراسخ بقضيته لم يكُن يخشى الموت، بل كان يرى في الشهادة النصر والخلود.
اختار الطريقَ الصعب، الطريق الذي يقتضي التضحية والصمود، الطريق الممطر بدماء الشهداء لم يكن ذلك مُجَـرّد اختيار شخصي، بل كان اختيارا لرسالة وقضية عظيمةٍ، قضيةٌ تتجاوز الحدود والثقافات، وتمثل أَمل الأُمَّــة في التحرّر من الظلم والاستبداد كان يؤمن بقدرة الشعب على صنع مستقبله، وكان يحارب؛ مِن أجلِ كرامة الإنسان، ومن أجل بناء مجتمع عادل، يحكم بالعدل والإنصاف.
دعوتُه لم تكن مُجَـرّد كلمات، بل كانت أفعالًا دعا إلى العودةِ إلى أصول الدين الحنيف، إلى إحياء قيم الأخوّة والعدل والحرية، إلى بناء مجتمع يحترم فيه كرامة الإنسان لم يكن هدفُه مُجَـرّد تغيير سياسي، بلْ كان يسعى إلى تغيير جذري في النفوس والقلوب، أراد بناءَ مجتمع يحكم بالقانون، ويرعى فيه حقوقَ المُستضعفين، ويحافظ على هُويته وثقافته.
في ذكرى استشهاده، لا نتذكر مُجَـرّد رجلٍ ارتقى شهيدًا، بل نتذكر فكرًا وإرثًا يستمرُّ في الإلهام، ورسالة تتجاوز حدود الزمان والمكان يجب علينا أن نستلهم من حياته ومثله، أن نسير على نهجه، أنْ نكمل رسالته بالجد والعزم قضيته لم تزل تستدعي الجهاد والنضال، وإرثه يتطلب منا أن نكونَ أوفياءَ لعهده، أوفياء للمثل والقيم التي دافع عنها بروحه.
شهادةُ السيد القائد لم تكن نهاية، بل كانت بداية لمسيرة طويلة، مُسيرةٍ تَستدعي الصَّمودَ والثَّباتَ، والإيمان بالنصر، والعزيمة على تحقيق الأهداف.
إن ذكرى استشهاده ليست مُجَـرّد يوم نتذكر فيه رجلًا شريفًا، بل هي يوم نجدّد فيه العهد مع المبادئ والقيم، مع الحرية والعدالة، مع الأمل في مستقبل أفضل للأُمَّـة فليشهد التاريخ أن تضحيته لم تكن عبثًا، بل كانت بذرة أثمرت عزة وكرامة لليمن وللأُمَّـة.