روسيا تبرر استخدامها الفيتو ضد مشروع قرار بريطانيا بشأن السودان بـ7 نقاط
تاريخ النشر: 19th, November 2024 GMT
استخدمت روسيا حق النقض (الفيتو)، أمس الاثنين، لإسقاط مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة يدعو إلى وقف فوري للأعمال القتالية بالسودان وحماية المدنيين من النزاع الذي يمزق البلاد منذ أبريل/نيسان 2023.
ولم يعارض مشروع القرار -الذي قدمته بريطانيا وسيراليون وأيده 14 عضوا في مجلس الأمن- سوى المندوب الروسي ديمتري بوليانسكي، مما استقطب انتقادات شديدة من المندوبين البريطاني والأميركي.
أوضح المندوب الروسي لدى الأمم المتحدة أن موسكو كانت تأمل في وقف لإطلاق النار يتفق عليه الطرفان المتحاربان، وتعتقد أن دور مجلس الأمن هنا هو مساعدتهم في هذا المسعى، واتّهم البريطانيين بأنهم حالوا خلال المفاوضات دون "أي إشارة للسلطات الشرعية للسودان".
وأشار إلى أن هناك أيضا تصورا خاطئا في ما يتصل بمن يحق له اتخاذ القرارات بشأن دعوة القوات الأجنبية إلى السودان، ومن ينبغي لمسؤولي الأمم المتحدة أن يتفاعلوا معه من أجل معالجة المشاكل القائمة وترتيب المساعدات. ولا شك لدينا في أن حكومة السودان وحدها هي التي ينبغي لها أن تلعب هذا الدور، لكن البريطانيين يحاولون حرمان السودان من هذا الحق.
2. التدخل في شؤون السودانواعتبر المندوب الروسي أن القائمين على مشروع القرار يحاولون استغلال القرار لإعطاء أنفسهم الفرصة للتدخل في شؤون السودان وتسهيل مشاركتهم في مزيد من الهندسة السياسية والاجتماعية في البلاد. وهذه هي الحال على وجه التحديد في ربيع عام 2023، عندما أدت محاولات فرض قرارات لم تحظ بدعم سكان البلاد إلى إرساء الأساس للمأساة التي وقعت في السودان.
3. الدوافع الحقيقيةولفت بوليانسكي إلى أن الدوافع الحقيقية وراء مشروع القرار تتضح أيضا من خلال حقيقة مفادها أن الدعوات السابقة التي وجهها مجلس الأمن لقوات التدخل السريع لإنهاء حصار الفاشر وغيرها من المدن قد استبدلت في نص مشروع القرار بلغة مشوهة جديدة توحي بأن المقاتلين يجب أن يوقفوا هجماتهم ضد المدنيين فقط. وعلى هذا فإن القرار يدعونا في الأساس إلى تشجيع استمرار الأعمال العدائية.
وعلاوة على ذلك، يضيف المندوب الروسي أن موسكو ترفض رفضا قاطعا اقتراح مشروع القرار باستخدام آليات خارجية لضمان المساءلة عن أعمال العنف. فقد أثبتت هيئات مثل المحكمة الجنائية الدولية بالفعل عجزها التام فيما يتصل بالسودان وغيره من الأوضاع، "ونحن على قناعة بأن إدارة العدالة ينبغي أن تظل من اختصاص الحكومة السودانية وحدها ولا تقبل التجزئة".
5. نشر قوات دوليةويشير بوليانسكي إلى أن الظروف ما زالت غير ناضجة لنشر قوات دولية في البلاد لحماية المدنيين، علاوة على عدم وجود اتفاق لوقف إطلاق النار، ولا تفاهم بشأن المكان المحدد الذي سيتم فيه نشر هذه القوات في البلاد، وما الأغراض التي قد تكون لها. وفضلا عن ذلك، فإن طلب مثل هذا الوجود يجب أن ينبع فقط من القيادة السودانية الحالية.
6. ملف الوضع الإنسانيوشدد المندوب الروسي على أن بلاده تختلف تماما مع الرواية التي يروج لها القائمون على مشروع القرار حول الوضع الإنساني المزري وتجاهلهم المتعمد لآراء وبيانات الوكالات السودانية المعنية، ورأى أنه من غير المناسب المطالبة بأن يفتح السودان جميع حدوده أمام وصول المساعدات الإنسانية مع عدم استخدام المعابر الحدودية العديدة التي توفرها سلطات الدولة لتقديم المساعدات.
واعتبر بوليانسكي أن فرض الحكومة السودانية للقيود ليس عبثا، ولهذا السبب فقد كانت تلوح بخطر إرسال الأسلحة عبر الحدود. ولعل من الأفضل معالجة الأسباب الجذرية لمخاوف الشعب السوداني، بدلا من المطالبة بحدود شفافة. وأضاف "نعتقد أنه من الأهمية بمكان أن يتم الاتفاق على أي خطوات في المجال الإنساني حصريا مع السلطات السودانية المركزية"، لافتا إلى أن واشنطن ولندن تواصلان استغلال الأمر لتحقيق أغراضهما الخاصة، ومن خلال العقوبات الأحادية غير القانونية، تعملان ببساطة على عرقلة جهود قيادة البلاد لتقديم المساعدة للشعب.
7. التخلص من المعايير المزدوجةوخلص المندوب الروسي إلى ضرورة التخلص من المعايير المزدوجة، التي تبدو فادحة بشكل خاص في حالة السودان. فعندما يتعلق الأمر بالسودان، تنادي بعض البلدان بصوت عال بوقف إطلاق النار، وتطالب الجانبين بوقف العنف وحماية المدنيين، بينما في حالة غزة، تعطي هذه البلدان ذاتها "تفويضا مطلقا" لإسرائيل حتى تواصل التصعيد، متجاهلة الانتهاكات الصارخة للقانون الإنساني الدولي من قبل الجيش الإسرائيلي. وعلى نحو مماثل، تعطي هذه البلدان الأولوية لحق إسرائيل في الدفاع عن النفس وحماية مواطنيها، ولكن عندما يتعلق الأمر بالسودان، فإنها تنكر بطريقة أو بأخرى الحق نفسه لحكومته وتتهم الجيش السوداني بكل الشرور.
وحث بوليانسكي جميع الأطراف على التخلي نهائيا عن التفكير الاستعماري الجديد والتخلي عن كل المحاولات لخلق الفوضى بشكل مصطنع في البلدان التي تنتهج سياسات مستقلة من أجل "الاصطياد في مياهها العكرة".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات المندوب الروسی مشروع القرار مجلس الأمن إلى أن
إقرأ أيضاً:
جنوب السودان على صفيح ساخن: هل تندلع حرب ثالثة؟
محمد تورشين
تشهد دولة جنوب السودان توترات متصاعدة تنذر بإمكانية اندلاع حرب أهلية جديدة، وسط استمرار الصراع على السلطة والثروة بين الفرقاء السياسيين. وقد تفاقمت الأزمة مؤخرًا بعد المناوشات التي اندلعت بين الجيش الشعبي وبعض الفصائل المسلحة التابعة لما يُعرف بـ”الجيش الأبيض”، الموالي لنائب الرئيس رياك مشار، مما يعكس هشاشة الوضع الأمني في البلاد.
أسباب التوتر: جذور الأزمة
يرى المراقبون أن هناك ثلاثة عوامل رئيسية تساهم في تفاقم الأوضاع، ما يجعل احتمالية تجدد الحرب أمرًا واردًا:
1. تعثر تنفيذ اتفاقية السلامفي عام 2018، وقّعت الأطراف المتنازعة اتفاقية سلام لإنهاء الحرب الأهلية التي استمرت لسنوات، لكن تنفيذها لم يتم بشكل كامل، خصوصًا فيما يتعلق بالبند الخاص بالترتيبات الأمنية، والذي ينص على دمج جميع الفصائل المسلحة في جيش وطني موحد. هذا التأخير خلق حالة من عدم الثقة بين الأطراف المتصارعة، مما أدى إلى استمرار المواجهات المسلحة بين الجيش الحكومي والجماعات المعارضة.
2. تأجيل الانتخابات وتعطيل المسار الديمقراطيكان من المفترض أن تشهد جنوب السودان انتخابات عامة تُنهي المرحلة الانتقالية، إلا أن تأجيلها إلى ديسمبر من العام المقبل زاد من حالة الاحتقان السياسي، وأعطى إشارات سلبية حول جدية الحكومة في تنفيذ استحقاقات السلام. هذا التأجيل أدى إلى تفاقم الخلافات بين القوى السياسية، وزاد من مخاوف حدوث فراغ سياسي قد يعيد البلاد إلى مربع الصراع المسلح.
3. الفساد وانهيار الاقتصادتعتبر جنوب السودان من الدول الغنية بالموارد الطبيعية، خاصة النفط، الذي يمثل العمود الفقري لاقتصادها. ومع ذلك، تعاني البلاد من أزمة اقتصادية خانقة بسبب تفشي الفساد والمحسوبية داخل مؤسسات الدولة. ورغم تدخل بعض الدول، مثل الإمارات، بضخ أموال عبر شراء النفط غير المستخرج، إلا أن هذه الأموال لم تُستثمر بالشكل الصحيح لمعالجة الأزمة الاقتصادية، مما أدى إلى استمرار التدهور المعيشي وارتفاع معدلات الفقر.
هل تلوح الحرب في الأفق؟في ظل استمرار هذه الأزمات دون حلول جذرية، يبدو أن احتمال اندلاع حرب ثالثة في جنوب السودان يظل قائمًا، بل قد يكون مسألة وقت فقط. فالتوترات السياسية، وانعدام الثقة بين الأطراف المتنازعة، والأزمة الاقتصادية الخانقة، كلها عوامل قد تشعل فتيل النزاع في أي لحظة.
ويبقى السؤال: هل يستطيع قادة جنوب السودان تجاوز المصالح الضيقة والعمل بجدية لإنقاذ البلاد من شبح الحرب؟ أم أن الصراع على السلطة والثروة سيظل العامل الحاسم في رسم مستقبل هذا البلد الفتي؟
باحث وكاتب سوداني متخصص في الشؤون المحلية والقضايا الأفريقية
الوسوممحمد تورشين