قالت صحيفة لوموند الفرنسية إن عديدا من المجندين، وجنود الاحتياط الإسرائيليين، والجهات الفاعلة في تدمير قطاع غزة الفلسطيني، يعانون اضطراب ما بعد الصدمة بعد أكثر من عام من الحرب، وقد تحدثت الصحيفة إلى اثنين منهم بعد علاجهم في مزرعة بالقرب من تل أبيب.

ووصفت الصحيفة الفرنسية -في تقرير بقلم إيزابيل ماندرو- المزرعة التي رُتب كل شيء فيها لاستقبال مريح يستهدف غرس شعور حميم من شأنه أن يجعل المصابين يستمتعون بالرفاهية، لولا وجود لافتة لشارع مزيف "شارع ما بعد الصدمة" ملصقة بين إصطبلات الخيول.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2أميركيون لواشنطن بوست: هذا ما يجب على بايدن فعله قبل انتهاء رئاستهlist 2 of 2جيروزاليم بوست: يا ترى إلى أين تتجه إسرائيل؟end of list

واستقبلت "مزرعة داني" هذه مئات الجنود الإسرائيليين العائدين من غزة، ممن أصيبوا بصدمة نفسية بسبب أطول وأعنف حرب تشنها إسرائيل على الإطلاق، وهم يحضرون عدة مرات في الأسبوع جلسات العلاج الجماعية والفردية، لمحاولة تحرير أنفسهم من الصور الكابوسية التي تطاردهم، حيث يأتي بعضهم من تلقاء نفسه، وبعضهم يرسله رؤساؤه.

وقال جنود إسرائيليون قاتلوا في غزة -لشبكة سي إن إن– إنهم شهدوا فظائع لا يستطيع العالم الخارجي فهمها حقا. وتقدم رواياتهم لمحة نادرة عن وحشية ما وصفه النقاد بـ"حرب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو السرمدية"، والخسائر غير الملموسة التي تلحق بالجنود المشاركين.

هل نحن وحوش في نظركم؟

يبدأ آدي (43 عاما)، الذي اشترط عدم ذكر اسمه الأخير، بالقول "نحن وحوش في نظركم أليس كذلك؟ وفي عديد من البلدان أيضا"، ثم يصف ظروف عمله في غزة، حيث كان يقود وحدة على الخط الأمامي مسؤولة عن فتح الطرق بالجرافات ومساعدة الدبابات، يقول "كان الأمر كما لو كنت في قفص تحت النار. إنهم (الفلسطينيون) ليس لديهم زي رسمي، ولا نعرف من هو العدو، وكان التوتر مرتفعا للغاية".

أصيب آدي بنيران صاروخية، وبعد أسبوعين أُعيد إلى خان يونس جنوب القطاع، حيث كان الجيش قد توغل للتو. "الخطر في كل مكان على محيط 360 درجة، لا يمكنك التعرف على أي شيء، واليقظة شديدة"، يتابع هذا المستثمر المالي في الحياة المدنية، وهو لا يتحدث عن الضحايا في غزة، وهم أكثر من 43 ألف قتيل منذ بداية الحرب، ولكنه يعبر عن العنف الذي كان شاهدا عليه وممثلا فيه.

يخضع الجنود للعلاج بتقنية "إي إم دي آر"، وذلك من خلال حركات العين للمساعدة في التغلب على التجارب المؤلمة غير المهضومة المسؤولة عن الأعراض المعوقة في كثير من الأحيان، مثل فقدان النوم والشهية، ونوبات الذعر، واليقظة المفرطة، وذكريات الماضي، والقلق المستمر والكوابيس.

ويخضع آدي الآن للعلاج بتقنية "إي إم دي آر"، وهي تقنية تم تطويرها في الولايات المتحدة في الثمانينيات وتعمل من خلال حركات العين للمساعدة في التغلب على التجارب المؤلمة غير المهضومة المسؤولة عن الأعراض المعوقة في كثير من الأحيان، مثل فقدان النوم والشهية، ونوبات الذعر، واليقظة المفرطة، وذكريات الماضي، والقلق المستمر والكوابيس.

وحسب مكتب إعادة الإدماج التابع لوزارة الدفاع الإسرائيلية، وما نقلته وسائل الإعلام الإلكترونية تايمز أوف إسرائيل، فإن حوالي 5200 جندي إسرائيلي أو 43% من الجرحى الذين يتم استقبالهم في مراكز إعادة التأهيل، يعانون من الإجهاد اللاحق للصدمة، وجاء في المقال أنه "يتوقع بحلول عام 2030 أن يتم علاج حوالي 100 ألف شخص، نصفهم على الأقل يعاني من اضطراب ما بعد الصدمة".

وكانت صحيفة هآرتس قد حذرت، بعد 3 أشهر فقط من بدء الحرب، من أن أكثر من 1600 جندي ظهرت عليهم علامات الضيق بسبب القصف والإرهاق القتالي، ولكن الجيش الإسرائيلي قلل من هذه الظاهرة.

وتشير حالة جندي الاحتياط العسكري الإسرائيلي إليران مزراحي (40 عاما)، وهو أب لـ4 أطفال، إلى تأثير الحرب الكبير على الجنود، فقد ذهب إلى غزة بعد طوفان الأقصى، وعاد شخصا مختلفا، بعد إصابته باضطراب ما بعد الصدمة بسبب ما شهده من الحرب في القطاع، ثم أدى به الأمر إلى الانتحار قبل يومين من عودته إلى غزة مجددا.

الكراهية في انتظارك

وردا على السؤال هل يمكن أن نكون الجلاد والضحية في الوقت نفسه؟ يقول عيران هالبرين، أستاذ علم النفس في الجامعة العبرية في القدس، إن "الإجابة هي نعم بكل وضوح. كن حذرا، فالكراهية في انتظارك مع كثير من المشاعر المدمرة".

واليوم، يلاحظ وجود تنافر بالنسبة إلى الجنود العائدين من غزة، بين الصدمة التي تعرضوا لها، من ناحية، وحقيقة محاولة إعادة الاتصال بما يشبه الحياة الطبيعية، من ناحية أخرى.

آتون: الواقع أن الأمور تزداد سوءا.. الحرب التي لا تنتهي أبدا، وصفارات الإنذار التي تنطلق، والرهائن الذين لا يعودون، كل هذا يجعل الأمور صعبة للغاية

وتقول المحللة النفسية في تل أبيب ميراف روث إن "ضحايا السابع من أكتوبر/تشرين الأول، لديهم الضوء الأخضر ليصبحوا جلادين، وهذا أمر خطير للغاية. ومع ذلك، تستمر إسرائيل كل يوم في خسارة المدنيين والجنود، دون أن ننسى الرهائن الذين ظلوا أسرى لدى حماس. إنها صدمة معقدة، لأنها تؤثر على المجتمع بأكمله. وقد هاجمت قدرتنا على التعاطف".

وتقول هذه المتخصصة إن الصدمة في صفوف الجيش ذات شقين، لأن "الضباط يشعرون بالذنب لعدم قدرتهم على منع ما حدث، وهو أقوى بين الجنود العائدين من غزة".

وتقول إفرات آتون، وهي رئيسة منظمة غير حكومية، "في الواقع الأمور تزداد سوءا. الحرب التي لا تنتهي أبدا، وصفارات الإنذار التي تنطلق، والرهائن الذين لا يعودون، كل هذا يجعل الأمور صعبة للغاية".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات ترجمات ما بعد الصدمة

إقرأ أيضاً:

عندما هوت الأسطورة.. رحلة في قلب الصدمة الإسرائيلية بعد 7 أكتوبر

ويتتبع فيلم "العبور" ضمن سلسلة الأفلام الوثائقية "7 أكتوبر ثمن الحرب على إسرائيل" من إنتاج الجزيرة 360 والذي يمكن مشاهدته عبر هذا الرابط، لحظات الصدمة وتداعياتها من وجهة نظر إسرائيلية، ملقيا الضوء على النظرة المتعجرفة التي أعمت المؤسسة الأمنية والعسكرية عن رؤية ما كان يحدث أمام عيونها.

"لم يكن في حسبان أحد مطلقا أن الفلسطينيين سيقتحمون الجدار العازل".. بهذه العبارة يلخص الصحفي والكاتب الإسرائيلي جدعون ليفي، جوهر الصدمة التي عصفت بمجتمع طالما اعتقد أن التفوق التكنولوجي والعسكري يمنحه حصانة مطلقة، لكن اللحظات الأولى للهجوم كانت كفيلة بتحطيم هذا الوهم إلى الأبد.

اقرأ أيضا list of 4 itemslist 1 of 4أي تحدٍّ خلقه الطوفان لإسرائيل؟.. تقييمات جنرالات الجيشlist 2 of 4نتنياهو يسعى لطمس إخفاقات 7 أكتوبر بلجنة تحقيق حكوميةlist 3 of 4الوجه الآخر لإسرائيل الذي يتمنى نتنياهو إخفاءه بسبب غزةlist 4 of 4خبير عسكري: اختراق حماس الاستخباراتي ثاني أكبر فشل إسرائيلي بعد حرب 73end of list

وتتراكم المشاهد الصادمة للمجتمع الإسرائيلي، ويرصد الفيلم شهادات صحفيين ومحللين إسرائيليين وأهالي جنود أسرى وقتلى مذهولين وهم يصفون كيف اقتحمت مئات العناصر قواعدهم العسكرية من 3 منافذ مختلفة، ويروي مدنيون بعيون متسعة مشهد سيارات بيضاء تُقل "مخربين" حسب وصفهم تتسلل داخل أراض ظنوها محصنة.

هذا المشهد الذي لم يتخيله أكثر الإسرائيليين تشاؤما أصبح واقعا يتحرك أمام أعينهم، حيث يقول أحد المتحدثين في الفيلم "لم نكن نتصور أن الجدار العازل، الذي كنا نظنه منيعا، يمكن أن يُخترق بهذه السهولة".

إعلان

وفي كلمات تلخص التحول النفسي العميق الذي أصاب المتجمع الإسرائيلي تقول ريشيل سرفتي، والدة أوفير المحتجزة جثته لدى المقاومة منذ 7 أكتوبر "شعرنا جميعا أن الأرض انتُزعت من تحت أقدامنا، وفقدنا السكينة والشعور بالأمان"، حيث انهارت فجأة صورة "إسرائيل كالقوة التي لا تُقهر في الشرق الأوسط".

فشل استخباراتي

وينقل الفيلم إقرار رئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلي المستقيل أهارون هاليفا بنبرة يخالطها الألم والندم، "ما حدث هو فشل في الاستخبارات والعمليات والقيادة السياسية"، متحملا مسؤولية إخفاق جهاز طالما تباهى بقدرته على التنبؤ بكل شيء.

تروي ليمور زرفاتي قصة ابنتها "رون" التي كانت ضابطة في وحدة المراقبة الجوية، وبدأت مناوبتها في الرابعة فجرا، قبل ساعتين فقط من الهجوم، وكانت آخر كلماتها لها "أماه، لن أُختطف ما دمت حية"، في مفارقة قاسية لمصير لم تتخيله.

فيما يستذكر إيال إيشيل حين وصله خبر مقتل ابنته روني الجندية في فرقة غزة بعد 34 يوما من انتظار مُضْن، حيث تأكدت العائلة من وفاتها عبر تحليل الحمض النووي، وأمكن أخيرا إقامة مراسم الحداد والجنازة.

المعتقد الذي كان متجذرا لدى كثيرين بأن الجميع في إسرائيل كانوا يرون أنهم يعرفون كل شيء ولديهم كل المعلومات الاستخباراتية في العالم تحطم في ساعات معدودة، كما أوضح دوف ليبمان العضو السابق في الكنيست، بنبرة مهزومة.

ويحكي السياسي الإسرائيلي كيف أن اعتماد إسرائيل بشكل كبير على التكنولوجيا أعمى بعض الأشخاص في الجيش عن الطرائق القديمة في الاستخبارات والعمليات العسكرية.

وفي مفارقة مثيرة، يكشف الفيلم كيف استخدمت حماس مبادئ عسكرية بسيطة لكنها فعالة؛ ومنها إطلاق صواريخ متواصل لإجبار الإسرائيليين على البقاء في الملاجئ، واستهداف كاميرات المراقبة والتكنولوجيا على الحدود.

إعلان

هشاشة صادمة

وفي ذلك، يرى يوسي ميلمان، وهو صحفي إسرائيلي متخصص في شؤون الأمن والاستخبارات، أن "أكبر فشل للجيش الإسرائيلي"، هو أن "راكبي دراجات نارية" تمكنوا من كشف هشاشة جيش تُستثمر فيه مليارات الدولارات سنويا.

تتقاطع في الفيلم شهادات لافتة حول تحول دور الجيش الإسرائيلي عن مهمته الأصلية، فهو قد بات جيش احتلال وانشغل بالسيطرة على شعب آخر عن مسؤولية الأمن وحماية المستوطنين، بل وصل الأمر به للانشغال بملاحقة الأطفال في الضفة الغربية، كما يقول ميلمان.

ويتابع بأن "الغرور والقوة المفرطة والسلطة قادت الجيش إلى الجنون"، وذلك حين اعتقد أن دوره الوحيد ملاحقة الأطفال الذين يلقون الحجارة في نابلس، على حد تعبيره.

وكلف هذا التحول في مهام الجيش إسرائيل ثمنا باهظا، ففي مساء 6 أكتوبر، نقلت القيادة العسكرية 17 كتيبة إلى الضفة الغربية وتركت 3 أو 4 كتائب فقط في محيط غزة، في ما وصفه أحد المتحدثين بـ"الخطأ القاتل".

ولم تقتصر الصدمة على المستوى العسكري والسياسي، بل امتدت عميقا في النسيج الاجتماعي الإسرائيلي، كما يكشف الفيلم، حيث يعاني العديد من الجنود من صدمات نفسية شديدة.

ويصف أحدهم حالته بألم: "أتخيل قذائف الـ آر بي جي تطير فوق رأسي.. أصبحت أعاني من نوبات هلع وأتبول على نفسي ليلا"؛ لتُظهر هذه الصور كيف أن الحرب لم تكن فقط صراعا عسكريا، بل كانت أيضا معركة نفسية طاحنة.

تحول إستراتيجي

وعبر عدد من المتحدثين في الفيلم عن غضبهم، ليس فقط تجاه "حماس"، بل أيضا تجاه قيادتهم، وحكومتهم التي أهملت الرهائن وفضلت الحرب لتحقيق مكاسب سياسية، كما يقول أحد المتضررين، في شهادة تعكس الانقسام الداخلي الذي خلفته الأزمة.

ويلخص الصحفي ميلمان، التحول الإستراتيجي الذي أحدثته عملية 7 أكتوبر، بأن قدرة الردع الإسرائيلية ضعفت بشكل واضح، "فكل من حماس وحزب الله بدعم من إيران لم يُردعا بالصورة أو التصور عن الجيش الإسرائيلي، وشنّا حربين على جبهتين".

إعلان

وتتصاعد أسئلة حول المستقبل، حيث يقول إيتاي ساجي أحد جنود النخبة، إن ما ينتابه من شعور يماثل ما ينتاب أي إسرائيلي فيما يتعلق بالحرب هو أن "شيئا ما تحطم بالنسبة إلى جميع الإسرائيليين"، بينما يتساءل آخرون عما إذا كانت إسرائيل ستتمكن من استعادة شعورها بالأمان مرة أخرى.

يرسم الفيلم صورة متكاملة لتحول تاريخي، حيث انهارت أساطير القوة الإسرائيلية المطلقة، وبدأ تشكل واقع جديد في المنطقة، تكشف فيه إسرائيل عن نقاط ضعفها التي طالما حاولت إخفاءها وراء صورة القوة التي لا تُقهر.

ولم يعد النقاش يدور فقط حول فشل عسكري أو استخباراتي، بل عن فشل وجودي لنهج كامل تجاه غزة، التي نظرت إليها إسرائيل عقودا على أنها مجرد تهديد أمني، وليست أرضا مأهولة بشعب له إرادة وقدرة على تغيير المعادلات.

22/3/2025

مقالات مشابهة

  • ماهي المكاسب التي تنتظرها واشنطن من مفاوضات إنهاء الحرب في أوكرانيا ؟
  • إسرائيل تكشف إصابة 16 ألف جندي في الحرب على غزة
  • هاجم جنودا إسرائيليين.. الوشق المصري يُشعل مواقع التواصل
  • إعلام عبري: نتنياهو يقودنا للهاوية.. وكاتب: النار التي تشعلها إسرائيل ستعود لتحرقها
  • الوشق المصري يرهب إسرائيل.. تل أبيب تفحص الحيوان بعد هجومه على الجنود
  • عن الجهة التي أطلقت الصواريخ من لبنان... ماذا قِيلَ في إسرائيل؟
  • الجيش عثر على المنصات التي أُطلقت منها الصواريخ باتّجاه إسرائيل... وهذا ما أعلنه
  • وشق مصري يهاجم جنوداً إسرائيليين
  • عندما هوت الأسطورة.. رحلة في قلب الصدمة الإسرائيلية بعد 7 أكتوبر
  • تل أبيب تحت الصدمة.. إغلاق مطار بن غوريون