كتب الدكتور عزيز سليمان أستاذ السياسة والسياسات العامة

"حامل القلم" في مجلس الأمن ليس مجرد مصطلح دبلوماسي، بل هو مفهوم يحمل في طياته أبعادًا تاريخية وسياسية تعكس استمرارية الأنماط الاستعمارية في العصر الحديث. يشير هذا المصطلح إلى الدولة التي تتولى صياغة القرارات والمبادرات المرتبطة بملف معين يناقشه مجلس الأمن.

وتُمنح هذه الدولة صلاحية تقديم مشاريع القرارات ومتابعة المفاوضات حولها، لتصبح بمثابة “الوصي" على القضايا المعنية، سواء كانت متعلقة بالنزاعات الإقليمية أو القضايا الإنسانية أو العقوبات.

أصل المفهوم وتطوره
ظهر مفهوم "حامل القلم" بعد الحرب العالمية الثانية، مع تأسيس مجلس الأمن كأحد أجهزة الأمم المتحدة الرئيسية لحفظ السلم والأمن الدوليين. في البداية، كان هذا الدور غير رسمي ويعتمد على المبادرات الفردية للدول الأعضاء، لكنه تحول بمرور الوقت إلى ممارسة منظمة ضمن أعراف مجلس الأمن. غالبًا ما يُسند هذا الدور إلى إحدى الدول دائمة العضوية، خاصة تلك التي لديها مصالح مباشرة أو تاريخ استعماري في المنطقة المعنية، مما يجعل "حامل القلم" امتدادًا غير مباشر لنظام الهيمنة السياسية والاستعمارية.
على سبيل المثال، فرنسا تتولى عادة صياغة القرارات المرتبطة بدول غرب إفريقيا، بينما تركز بريطانيا على شؤون الشرق الأوسط، والولايات المتحدة على قضايا أمريكا اللاتينية. هذا التوزيع ليس عشوائيًا؛ بل هو انعكاس مباشر لتقسيم النفوذ الاستعماري القديم الذي أعاد إنتاج نفسه في شكل دبلوماسي.

السودان ورفض الوصاية
فيما يتعلق بالسودان، فإن قضية "حامل القلم" تأخذ بعدًا خاصًا. خلال الأزمات التي مرت بها البلاد، لا سيما في دارفور والنزاع بين الشمال والجنوب، كانت المملكة المتحدة عادة هي "حامل القلم"، وهو أمر يثير تساؤلات حول مدى استقلالية القرارات الدولية المتعلقة بالسودان.
إن قبول السودان بهذا الوضع يعني ضمنيًا الاعتراف بمبدأ الوصاية الذي يتنافى مع سيادة الدولة وكرامتها الوطنية. من الناحية الفعلية، يسمح مفهوم "حامل القلم" للدول الكبرى بالتدخل في شؤون الدول النامية تحت مظلة الشرعية الدولية، وهو ما يُعد استمرارًا لنهج استعماري قديم لكنه مغلف بخطاب حقوق الإنسان والسلام العالمي.

دعوة لموقف صارم
ينبغي على السودان أن يرفض علانية هذه الوصاية، ليس فقط لاعتبارات سياسية، بل أيضًا لدلالاتها الرمزية. إن مواجهة هذه الممارسات تبدأ بإعادة تعريف الأدوار داخل مجلس الأمن، والمطالبة بإشراك أوسع للدول المتضررة في صياغة القرارات التي تؤثر على مصيرها.
في عالم يدعي أنه تجاوز مرحلة الاستعمار، يظل مفهوم "حامل القلم" شاهدًا على أن النظام الدولي لم يتحرر بعد من إرث الهيمنة. على السودان، وباقي الدول المتضررة، أن تُبقي أعينها مفتوحة، وأن تعمل على تفكيك هذه الهياكل الموروثة، لتؤكد أن السيادة ليست مجرد شعار، بل ممارسة حقيقية لا تقبل التأويل أو المساومة.
"حامل القلم" ليس مجرد أداة تنظيمية؛ إنه طوق استعماري جديد، وعلينا أن نكسر هذا الطوق."

quincysjones@hotmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: مجلس الأمن

إقرأ أيضاً:

الكويت تفتح باب التظلم من قرارات سحب أو إسقاط الجنسية

خالد الظفيري

أعلنت الكويت عن فتح باب طلبات التظلم للأشخاص الذين صدرت بحقهم مراسيم أو قرارات بسحب أو إسقاط أو فقد الجنسية، على مرحلتين تبدأ أولاهما يوم الأحد المقبل.

ومن جانبه، أوضح المستشار علي الضبيبي، رئيس لجنة التظلمات، أن المرحلة الأولى تشمل القرارات الصادرة بين 20 فبراير 2024 و30 أبريل 2025، وتُمنح مهلة 60 يومًا لتقديم التظلم اعتبارًا من 4 مايو 2025.

أما المرحلة الثانية فتشمل القرارات الصادرة بعد 30 أبريل 2025، على أن تُقدم التظلمات خلال 60 يومًا من نشر القرار في الجريدة الرسمية.

كما أشار إلى أن تقديم التظلمات يتم حصرًا عبر موقع اللجنة الإلكتروني www.cmgs.gov.kw خلال أيام الدوام الرسمي، مشددًا على أن اللجنة لن تعتد بأي طلبات تُقدم خارج هذا الإطار.

وفي سياق متصل، قررت السلطات الكويتية سحب أو فقد الجنسية من 434 حالة، تمهيدًا لعرضها على مجلس الوزراء، وشملت القرارات حالات ازدواجية، وتزوير، وغش، وأعمالاً تتعلق بالمصلحة العليا للبلاد، إضافة إلى حالات أدرجت ضمن إحصاء 1965.

مقالات مشابهة

  • مستشار سابق لبوتين: صفقة المعادن استعباد استعماريٌّ جديد لأوكرانيا
  • الكويت تفتح باب التظلم من قرارات سحب أو إسقاط الجنسية
  • علي جمعة ينتقد تشويه مفهوم الخشوع في الصلاة
  • دبلوماسي فلسطيني سابق: الأمم المتحدة تكتفي بالتحذيرات وغزة تواجه الكارثة
  • دبلوماسي إسرائيلي: الأردن يواجه تحديات غير مسبوقة بسبب خطة تهجير الغزيين
  • الداخلية: أكثر من 56 ألف سوري عادوا إلى بلادهم
  • الورداني: اختزال العمل في المكسب فقط أضاع قيمته وأضفى خللا في الوعي
  • ازدواجية القلم بين الشعارات والممارسات
  • الحكومة تصدر حزمة من القرارات الجديدة خلال جلستها الأسبوعية
  • لميس الحديدي: مسلسل ظلم المصطبة يعيد تأكيد مفهوم علاقة الدراما بالمجتمع