“خيال النخب السودانية: بين الذاتية الضيقة ولعنات القبيلة والحزب والجهوية”
تاريخ النشر: 19th, November 2024 GMT
في غرفة من غرف تطبيق الكلوب هاوس الصوتية اجتمعت نخبة من المثقفين السودانيين لمناقشة مشروع وطني يفترض أن يكون جامعًا، لكن سرعان ما تحولت الجلسة إلى ساحة لتجلي كل مظاهر الذاتية والتعالي. مارسوا أنواعًا شتى من الإقصاء الفكري، وتعمدوا تهميش من بذل جهده بإخلاص لإعادة صياغة الأفكار المطروحة. اتهامات متبادلة، وولاءات خفية لقضايا ضيقة، جعلت المشروع الذي كان يمكن أن يُحدث فرقًا، مجرد ورقة أخرى ضائعة بين صراعات القبيلة، قداسة الحزب، والجهوية المتجذرة والانحياز للذات المريضة والمحاولات المستمرة لصناعة كيانات تخدم أجندة بعينها
هذه القصة، التي تتكرر بصور مختلفة، تُجسد أزمة النخب السودانية التي أسرت طموحاتها الوطنية داخل قوالب ذاتية ضيقة.
خارطة الطريق: انتصار للوطن وانتصار للذات السودانية
السودان، في أزمته الراهنة، بحاجة إلى مشروع وطني يتجاوز الحسابات الضيقة ويصيغ مستقبله على أسس متينة من العدالة، القانون، والمؤسسات. لا يمكننا الحديث عن خلاص الوطن دون إدراك أن الانتصار لقضيته ليس فقط انتصارًا جماعيًا لكل أهله، بل هو انتصار لكل فرد سوداني يُدرك أن قيمة الوطن من قيمة الذات.
الانتصار للوطن هو انتصار للذات
إن قضايا السودان ليست مجرد معارك سياسية أو عسكرية، بل هي معارك للكرامة الإنسانية والحقوق الأساسية. عندما ننتصر لقضية الوطن، فإننا نؤسس لذات جماعية تُدرك قيمتها الحقيقية في ظل دولة القانون والمؤسسات. كل خطوة نحو السلام، العدالة، والتنمية هي خطوة نحو تحرير الذات السودانية من إرث القهر، التشظي، والاستبداد.
بناء دولة القانون والمؤسسات
الدولة السودانية الحديثة لا يمكن أن تُبنى إلا على دعائم واضحة:
سيادة القانون ولضمان أن تكون القوانين عادلة وشفافة، تطبَّق على الجميع دون استثناء.
المؤسسات المستقلة: تأسيس مؤسسات تحمي الحقوق، وتدير شؤون الدولة بكفاءة ونزاهة، بعيدًا عن هيمنة أي جهة حزبية أو عسكرية.
المواطنة المتساوية تجاوز الهويات الضيقة لبناء مجتمع يُعلي من قيم العدل والتنوع.
خارطة الطريق: نحو سودان جديد
انتصار شروط الشعب
وقف الحرب عبر مفاوضات شاملة تعكس تطلعات المتضررين، وليس مصالح الأطراف المتصارعة.
وضع العدالة الانتقالية كشرط أساسي، لتعزيز الثقة وبناء مجتمع متماسك.
سيادة القانون وتفكيك المليشيات
حلّ المليشيات المسلحة وبناء جيش وطني مهني، تحت إشراف مؤسسات الدولة المدنية.
حماية حقوق الأفراد والجماعات من خلال تفعيل دور القضاء المستقل.
حكومة انتقالية للكفاءة
تشكيل حكومة انتقالية من التكنوقراط غير الحزبيين، تضع أسسًا متينة لإعادة هيكلة مؤسسات الدولة.
بناء دستور يرسّخ مبادئ الحرية والعدالة، ويضمن مشاركة كل السودانيين في تحديد مستقبلهم.
4. دولة المؤسسات والانتخابات الحرة:
تنظيم انتخابات حرة ونزيهة، تتيح للسودانيين اختيار قيادتهم على أسس ديمقراطية.
إعادة بناء مؤسسات الدولة لضمان الشفافية والمحاسبة.
الطريق الثالث: الحل الوطني الجامع
إن الطريق الثالث ليس خيارًا ترفيًا، بل هو السبيل الوحيد لإخراج السودان من محنته. هذا الطريق يتطلب قيادة متجردة، تُدرك أن المصلحة الوطنية تتجاوز الحسابات الشخصية والولاءات الحزبية. إنه طريق يُعيد الاعتبار للذات السودانية من خلال وطن قوي، موحد، ومستقر.
انتصار الوطن بداية جديدة للجميع
عندما ننتصر للوطن، فإننا نؤسس لواقع جديد يجعل السودان بيتًا لكل أهله، دون إقصاء أو تهميش. هذا الانتصار هو انتصار لكل سوداني يرى في السلام فرصة لحياة كريمة، وفي العدالة ضمانًا لمستقبل مستدام، وفي المؤسسات ركيزة لدولة تحترم الجميع.
وهذا الطريق هو بداية لتاريخ جديد، حيث تكون قوة القانون هي السائدة، وحيث تنتصر إرادة الشعب على كل أشكال الظلم والفرقة.
zuhair.osman@aol.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: مؤسسات الدولة
إقرأ أيضاً:
تخريمات و تبريمات على هامش إجتماع نيروبي “التأسيسي”
بسم الله الرحمن الرحيم و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد.
رغم أربعة عقود من التمكين و الحكم الغير راشد ، و رغم سنين القمع و الكبت و الحروب ، و رغم رفض جماهير الشعوب السودانية لها و لفكرها الضآل ، إلا أن الجماعة الإنقاذية المتأسلمة (الكيزان) لم ترعوي أو تعي الدرس/الدروس ، و ما زالت سادرة في غيها ، تصطنع الأزمات و العراقيل ، تشعل الحروب ، و تمارس الفساد و الإفساد و القتل و الإرهاب و الترويع و كل أنواع الشرور و تتفنن في إحداث الفتن و البلاوي و المصايب ، و ترفض كل دعوات الحوار و السلام ، تمارس الجماعة كل ذلك من أجل إعاقة الثورة و التغيير و حتي تضمن الإستدامة/الكَنكَشَة في السلطة...
إسئلة:
هل صحيح أن عَجُوبَة خربت سوبا؟...
و كيف تمكنت عَجُوبَة من خراب سوبا؟!!!...
و هل فعلت ذلك بمفردها؟...
أم أعانها على ذلك قومٌ آخرون؟!!!...
و قد تلاحظ أن بعضاً من المنضمين حديثاً إلى نادي ”السودان الجديد“ و منتدى نيروبي كانوا و إلى عهدٍ قريب يَدَّعُونَ أن (بَلِف البلد عندهم) و أنهم (فازعون في الحَرَّايَة و النقعة) يشعلون الحروب ، يغيرون على الفرقان و المدن يحرقونها و يُقَتِّلُون/يُذَبِّحُون المواطنين و ينهبون الممتلكات ، و في أوقات فراغهم يلاحقون كل من يعارض نظام الكيزان و كل من (يفك لسانو) من (الأفندية) و كل من ينادي بالثورة و التغيير و مدنية الدولة أو التحرير أو إقامة دولة السودان ”الجديد“ ، و لكن يبدو أنه و من بعد أن سبق/صبغ عليهم الكتاب صاروا أفندية و ملصوا الكَادَمُول و لبسوا البدل و القمصان و اختاروا السكن في الخرطوم عوضاً عن العودة إلى ”الحواضن“ في ”الهامش“ ، و من بعد الخلاف و إنقلاب الحال و الحَرَابَة مع الكيزان (قَلَبُوا المَكَنَة جاز) ، و أصبحوا ثوريين أكثر من الثوار و مدنيين أكثر من القوى المدنية و متغيرين أكثر من دعاة التغيير ، و بِقُوا ناس ”السودان الجديد“ ، بل و أصبحوا و أضحوا و أمسوا و غدوا أسياد الجلد و الراس!!!...
و الله قادر ، و سبحان الله مغير الأحوال...
سؤال:
إيه اللي يمنع الجماعة ديل من تغيير المكنة من جاز إلى كهربآئية أو إلى عربة ملكية تجرها الخيول في المستقبل القريب؟!!!...
اللهم يا مُقَلِّبُ القلوب ثبت قلوبنا على دينك...
و لكل الشعوب السودانية و جميع المناطق المنضوية تحت ما يسمى بجمهورية السودان ”دولة ستة و خمسين (٥٦)“ الحق في المناداة بالمساواة و العدالة و المطالبة بالمشاركة في السلطة و نيل نصيبهم من ثروات بلاد السودان الوفيرة و كذلك حظهم من التنمية ، بل و لهم كل الحق في المطالبة بتقرير المصير المفضي إلى الحكم الذاتي أو الإنفصال إن هم أرادوا/إختاروا ذلك...
و أُذَكِّرُ نفسي و الآخرين بأن ”دولة ستة و خمسين (٥٦)“ قد سَوَّت البِتَقدَر عليهو و قَدُر قُدرَتَهَا ، من حيث أنها فتحت/بَنَت المدارس ، و قَرَّت الأولاد مجاناً ، و سَكَّنَتهم في الداخليات ، و أَدَّتهم المنح ، و عملت التمييز الإيجابي في التعليم ، و أنشأت المستشفيات ذات الأسرة ، و سَوَّت المساكن الشعبية ، و مَدَّت خطوط السكة حديد ، و عَبَدَّت الطرق ، و أقامت المشاريع الإعاشية و إمتدادتها رغم إعاقات التمردات المسلحة و الحروب الأهلية و الإنقلابات العسكرية و الحركات النُّص كُم!!!...
و ما ذنب ”دولة ستة و خمسين (٥٦)“ إن إختار أولاد ”الهامش“ التمرد العسكري عوضاً عن النضال المدني في نيل المطالب؟ ، أو أنهم و من بعد التخرج من المعاهد و الجامعات (تَخَرطَمُوا) و فَضَّلُوا العيش في الخرطوم أو بلاد برة على العودة إلى مناطقهم و تنميتها؟!!!...
و الشاهد هو أن بعضاً من المنادين بالتحرير/التحرر و ”السودان الجديد“ من الذين تمردوا و رفعوا السلاح في وجه الدولة ، و عاقوا و أعاقوا السلطات الحاكمة من قبل إعلان الإستقلال و إلى يومنا هذا ، قد أفلحوا في تحرير بعضاً من أراضي ”الهامش“ ، و على الرغم من ذلك فإن مواطنيهم/رعاياهم و حاضراتهم و مناطقهم ”المحررة“ ، و لفترة من الزمان ، لم يشهدوا أي نمو/تنمية و لا مدارس و لا تعليم و لا أسرة مستشفيات و لا مساكن و لا طرق و لا مشاريع تنموية و لا مؤسسات دولة و لا يحزنون...
و قد تسآءل أحدهم:
إنتو الناس الحَرَرُوا المناطق و أنشأوا الدول الجديدة ديل ، وِينُوا عَمَارَهم؟!!!...
و لا بس حَلقَمَة و خطابات ثورية و مصطلحات كبيرة و حركات نُص كُم (حركات تحرير)...
و قد قيل أن البراميل الفارغة تحدث أصواتاً عالية و مزعجة...
و نُذَكِّرُ القرآء الكرام أن إيقاف الحرب الأهلية ”التي أعاقت عجلة التنمية“ كانت في مقدمة/إفتتاحيات البيانات الأولى لجميع الإنقلابات العسكرية ، الفاشل منها و الناجح ، التي إبتليت بها جمهورية السودان...
و لقد تلاحظ في الآونة الأخيرة الولع الغير عادي و الإفتنان العظيم من قبل الجهات السياسية و القوى/المنظمات المدنية و الجماعات و الأفراد في بلاد السودان بإطلاق المسميات المختصرة الجاذبة للإنتباه و المثيرة للجدل على التحالفات و التنظيمات المنبثقة من شاكلة: قحت و تقدم و قمم و صمود و تأسيس و هلم جرا ، و ما زالت سيول/سلسلة المسميات تترىَٰ ، و ما زالت الأيام و الليالي حبلىَٰ بالمنتديات و الحوارات و التفاهمات!!!...
اللهم لا نسألك رد القضآء و لكن نسألك اللطف فيه...
اللهم أجعله خير...
و يحق لكل سوداني أن يؤسس نادي أدبي أو ثقافي أو رياضي أو مركز دراسات ”إستراتيجية“ أو منظمة عمل مدني/طوعي أو حزب سياسي يعبر به عن فكر/إعتقاد طالما أنه يسعى لتحقيق هدف نبيل فيه خير و مصلحة للشعوب السودانية ، و طالما أنه قد إلتزم بالقوانين و التشريعات و اللوآئح التي تنظم مثل هذه النشاطات...
و قالوا البحر ما بِيَابَىَٰ الزيادة ، لكن الفيضانات قد تكون مدمرة!!!...
و قالوا أيضاً البِفُوت حَدُّو بِنقَلِب لِي ضِدُو...
و أُذَكِّرُ نفسي و الآخرين بأن أجهزة المخابرات الأجنبية أنشط ما تكون في تجنيد العملآء المحليين عند أوقات الشدة و الأزمات و الحروب الأهلية ، و عند إنتشار الفقر و المعوزة و ظاهرة منظمات العمل الطوعي/المدني!!! ، و عندما تزداد الأطماع ، و تكون في قمة أدآءها/نشاطها عندما تغلبُ شهوتي الفم و الفرج عند العميل!!!...
و يبدو أن بعضاً من الناشطين و الناشطات في العالم الإفتراضي (تطبيقات الوسآئط الإجتماعية و أسافير الشبكة العنكبوتية) قد صدقوا فعلاً أنهم قادة فكر و تغيير ، و يبدو أنهم قد إستفادوا كثيراً من التكنولوجيا و العالم الإفتراضي و فرضية أن ”العالم أصبح قرية صغيرة“ ، و أنه بالإمكان أن تركب سُنبُك أو زورق بلاستيكي أو طيارة أو حتى تمشي كَدَّارِي و في النهاية سوف تصل/تنتقل إلى مبتغاك و لو بعد حين أو آنياً!!! ، كما أنه يمكنك تحقيق أحلامك إفتراضياً أو عن طريق الإنتقال الجزيئي أو بواسطة أحلام اليقظة أو عن طريق المساعدة و المنح و العطايا المقدمة من المنظمات و تلك الجهات!!!...
و سبحان الله الذي سخر لنا الفلك و المطايا و أسافير الشبكة العنكبوتية...
و الحمدلله رب العالمين و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد.
فيصل بسمة
fbasama@gmail.com