أنور قرقاش: إخفاق مجلس الأمن في تبني مشروع وقف الأعمال العدائية بالسودان مؤسف
تاريخ النشر: 19th, November 2024 GMT
أكد معالي الدكتور أنور بن محمد قرقاش، المستشار الدبلوماسي لصاحب السمو رئيس الدولة، أن إخفاق مجلس الأمن في تبني مشروع قرار يطالب بالوقف الفوري للأعمال العدائية وحماية المدنيين في السودان الشقيق مؤسف، ويمثل ضياع فرصة ثمينة لحقن الدماء في حرب لا يمكن لأي طرف أن يربحها.
وشدد معاليه على أن أولوية المعالجة يجب أن تكون للكارثة الإنسانية في السودان وليس الحسابات السياسية أو الميدانية الضيقة.
ودون معاليه عبر حسابه الرسمي على منصة "إكس": "إخفاق مجلس الأمن في تبني مشروع قرار يطالب بالوقف الفوري للأعمال العدائية وحماية المدنيين في السودان الشقيق مؤسف، ويمثل ضياع فرصة ثمينة لحقن الدماء في حرب لا يمكن لأي طرف أن يربحها.. أولوية المعالجة يجب أن تكون للكارثة الإنسانية في السودان وليس الحسابات السياسية أو الميدانية الضيقة".
واستخدمت روسيا حقّ النقض أمس لإسقاط مشروع قرار في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يدعو إلى وقف فوري للأعمال العدائية في السودان وحماية المدنيين من النزاع الذي يمزّق البلد منذ أبريل 2023.
وكان مشروع القرار يدعو الأطراف إلى "الوقف الفوري للأعمال العدائية والالتزام بحسن نيّة بحوار من شأنه أن يسمح بالمضي قدماً نحو خفض التصعيد بهدف الاتفاق على وقف لإطلاق النار على الصعيد الوطني بشكل عاجل".
وقال مساعد السفير الروسي لدى الأمم المتحدة دميتري بوليانسكي في معرض تبريره الفيتو على أن موسكو كانت تأمل بوقف لإطلاق النار يتفق عليه الطرفان المتحاربان.
وتدور حرب منذ أبريل 2023 بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، نائبه سابقا.
وكانت روسيا امتنعت عن التصويت في مجلس الأمن على مشاريع قرارات على صلة بالسودان.
البيان الاماراتي
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: للأعمال العدائیة فی السودان مجلس الأمن
إقرأ أيضاً:
من القنانة إلى الإبادة العرقية: أزمة مشروع الجزيرة (وسط السودان)
زرياب عوض الكريم
مُخطط أو "مشروع الجزيرة" على منخفضات النيل الأزرق ، تسمية في القرن التاسع عشر للجزء الشمالي الشرقي من حيز (الجغرافيا المفيدة) Useful geography belt المماثلة لتجربة (جغرافيا الأمن) في غانا البريطانية geography of security.
في حقبة الإدارة الإستعمارية التركو مصرية ، ضمن كلمة للحاكم التركي أحمد باشا أبو ودان ، تأسس (النموذج البدئي) primative formula لفكرة الجغرافيا المفيدة أو السودان المفيد قبل أن يحقق البريطانيون في أعقاب الحرب العالمية (ii) الحلم الإستعماري التنموي المستعصي منذ ألف عام منها سنوات قبل الميلاد , في نقل وتوطين نظام الري الآلي mechanical irrigation system.
وكما هي تجربة الإستعمار البريطاني والمستعمرات البريطانية نجح البريطانيون في إنشاء مزرعة جماعية أو مزرعة دولة تعاونية النمط على ضفاف منخفضات النيل الأزرق وتحقيق (النموذج النهائي) للسودان المفيد ، أو في إنتاج الفكرة المستحيلة لكنهم لتعقيدات مرتبطة بطبيعة تصوراتهم المفاهيمية للنظام الأخلاقي الإنجليزي فشلوا في توزيع العائد المرجوا منها على المستفيدين الحقيقين (التخطيط الإجتماعي لأطراف المصلحة).
وظفت القومية الشمالية المتحالفة مع الغزو الأنغلو مصري كقومية محاربة militant nationalism ، هذه الثغرة العرفية في النظام الأخلاقي البريطاني ، ورفضت إعتبار السودان المفيد الذي يقع ضمن أراضي الحلفاء بإعتبارها جغرافيا آمنة من الإضطرابات والتمردات , خارج نطاق دولة الغنيمة state of capture لإنتصارهم في معركة النهر (كرري) عام 1898 حسب توصيف رئيس الوزراء البريطاني تشرشل آنذاك , أو جزءاً من المكتسبات المشتركة مع القوميات الآخرى (المهزومة) ، وقام الحاكم العسكري الشمالي إبراهيم عبود بتمليك أراضي المزرعة الجماعية (المشروع) للإقطاعيين الشمالين المهاجرين وإعتبار الفلاحين المهاجرين من القوميات الأخرى أقناناً serfdom أو عمالة مهاجرة immigrant labour ضمن تدابير تأميم من جانب واحد لم تأخذ صداها السياسي والإجتماعي على غرار جدل ماعرف بسودنة الوظائف nationalization العمومية بين القومية الشمالية والقومية الجنوبية في الثلاثينات.
إكتملت عملية التأميم الآحادية هذه لصالح القوميين الشماليين بتغيير مسمى مديرية النيل الأزرق لاحقاً إلى ولاية الجزيرة ، لكن ظلت عملية التأميم غير مكتملة دائما بسبب عوائق الوجود الديمغرافي للسكان المهاجرين من القوميات الأخرى من الإقليم الغربي أو الجنوبي أو غرب إفريقيا داخل حدود الشمال والشرق ، والتي تحتاج إلى تطهير عرقي لم تتهيأ له الظروف المناسبة لتحقيق التصور الهوياتي للمثقفين الشماليين في النقاء العرقي والهوياتي لهويتهم المفقودة missed identity والجماعة المتخيلة لقومية غير مكتملة الوجود منذ 1505 non total being (الشاعر محمد عبدالحي : قصيدة العودة إلى سنار) ، كما تهيئت له فرصة حرب 15 إبريل 2023 التي مثلت فائض وعي النخبة اليمينية للقومية الشمالية بالصراع الإجتماعي منذ عام 1938 (مؤتمر المثقفين الشماليين G.C(الخريجين)) , والحل النهائي الذي لم يتمكنوا من تنفيذه عام 1989 ضد القوميات الأخرى في الشرق والغرب بعد التخلص من الجنوب المسيحي الوثني وفصله.
أنشأ البريطانيون بعد الحرب العالمية تصورهم للجغرافيا المفيدة كجغرافيا إقتصادية ممركزة أو موحدة لدولة وطنية أو عالمثالثية على غرار نظرية السوق المشتركة , تمهيداً لنقل نمط الإنتاج الرأسمالي peripheral capitalization ، من جزئين جغرافيين شمالي شرقي (مديرية النيل الأزرق) وجنوبي غربي (مديرية النيل الأبيض) ضمن تخطيط الزراعة الآلية agrarian mechanization والتصنيع industrialization على نسق المزارع الجماعية أو التعاونية ومزارع الدولة في روسيا (الكولخوزات والسوفخوزات) وأمريكا اللاتينية (نظام الجيدو jedo) ، ونموذج الكيبوتزات الإسرائيلية.
الجزء الشمالي الشرقي من وسط السودان أو السودان المفيد أنتزعت مساحته deterritorization من أراضي إثنية (رفاعة غرب) الذين ترك لهم حزام رعوي ضيق أطلق عليه مديرية سنار , أما الجزء الجنوبي الغربي منه فأنتزعت مساحته من أراضي خمسة إثنيات , أربعة منها جنوبا هي (دار محارب , الجمع , الأحامدة , سليم) لإقامة ملحق أو إمتداد للسودان المفيد extension عرف بإسم مديرية النيل الأبيض.
تركزت التجربة الإستعمارية وفائض الإنتاج (عملية نشر التعليم والتصنيع والتمدين والإصلاح الزراعي والإتصالات) في الجزء الشمالي الشرقي من السودان المفيد وأثمرت نجاحا نسبيا ، بينما فشل توطين ذات التجربة في الجزء الجنوبي الغربي الملحق (مديرية النيل الأبيض) , ببساطة لإفتقارها للمركز الإجتماعي الحضري metropolis أو الإحتكاري (التنموي) monopolis , كما هو حال إمتداد المناقل - أبوقوتة الذي بقي متخلفاً.
تحولت نظرية الجغرافيا الآمنة أو المنطقة الآمنة للإستعمار بالأحرى أو السودان المفيد ، إلى عبئ حقيقي على التحول التنموي وإمكانية قيام ثورة وطنية ديموقراطية أو بناء دولة وطنية (غير إقطاعية) ، بإعتبارها نظاماً إجتماعياً لمستعمرة colony (من الإستعمار البديل) ، وبسبب تدميرها للريف في جميع الأقاليم الطبيعية والتاريخية التي لم يتم دسترتها أو تنظيمها إجتماعيا وسياسيا deruralization ، وغياب التوزيع العادل لفائض التنمية الإستعمارية والإنتاج المحلي داخل نموذجها (اللامواطنة). حيث أعتبرت القومية الشمالية المحاربة هي الطبقة البرجوازية الوطنية الوحيدة uneven bourgeoisization بينما القوميات الأخرى هي طبقات بروليتارية غير مسموح لها بالصعود الإجتماعي والسياسي ، وهذه هي الحيثيات المتسلسلة لثلاثة حروب أهلية ضد الأقاليم المتمردة وحرب 15 إبريل الحالية بوصفها حرب شاملة ، وحيثيات تحول أية إمكانية لتغيير سياسي متحكم به أو غير متحكم به داخل مركز السودان المفيد المختل عرقياً وتنموياً إلى حرب شاملة.
فالمهاجرين الشماليين في السودان المفيد سواء أعتبروا ملاك أراضي إقطاعيين land holders بوضع اليد (1958) أو طبقة برجوازية (وسطى) وحيدة (1938) تحتكر تمثيل الهوية الوطنية ومابعد الإستعمارية وتحتكر عنف الدولة والمفاوضة السياسية ( صديق محمد عثمان: مقالة) ، بينما المهاجرين من القوميات الأخرى في الشرق والغرب بعد التخلص من القومية الجنوبية (بإعتبارها عبئ هوياتي) burden of diversity على الشمال الكبير المتجانس دينياً والمتناقض إثنياً , يتم تصنيفهم كطبقات بروليتارية او طفيلية من الأقنان أو حتى برجوازيات هامشية مساعدة (الحركات الإقليمية المسلحة) غير مسموح لهم بالمنافسة السياسية والإجتماعية إلا تحت هذا السقف ، وغير مسموح لهم بتقرير مصير أقاليمهم حتى والإستقلال عن هيمنة المركز ، فستستمر الإبادة العرقية المتسلسلة منذ 1955 بشكل جماعي أو جزئي والتطهير العرقي كآلية وحيدة لتحقيق التجانس المفقود أو الإنتخاب العرقي بهدف التخلص من فائض الهويات تدريجياً وعبئ الإحتجاج الإجتماعي (المظلوميات والمطامع المنافسة). بعد يأس المثقفين الشماليين من ستراتيجية الحاكم العسكري السابق إبراهيم عبود ( الإستيعاب القسري) والإشتراكي جعفر نميري (البوتقة الثقافية) في الحد من التنافس العرقي competiting nationalisms على التغيير السياسي أو الدولة.
خلال سبعين عاما ، أعتبر الفلاحين المهاجرين من القوميات الأخرى من الغرب والشرق والجنوب السابق في مشروع الجزيرة تحديدا أو السودان المفيد عموما (وسط السودان) أقناناً لا يحق لهم شروط المواطنة من السكن وتملُك الأراضي العقارية الزراعية وغير الزراعية حتى سبعينات وتسعينات القرن العشرين وفق الصيغة التعاقدية غير الحرة وغير العادلة للتعايش والمواطنة وإكتساب الثروة في السودان المفيد ، وخصصت لهم ضواحي هامشية ملحقة بالمدن والكيبوتزات الأساسية تسمى الكنابي cannabi و مدن الصفيح أو جنوب الحزام الخ , وأسواق تعاونية هامشية ملحقة بالأسواق الأساسية التي يمتلك عقاراتها الإقطاعيون من غير جهد حقيقي مثل أسواق ليبيا وقندهار في الخرطوم وغيرها الخ.
في حرب 15 إبريل إتهم القوميون والإقطاعيون الشماليون الأقنان الموصفين إجتماعياً ونفسياً سكان (الكنابي) بالإنحياز إلى جانب قوات الدعم السريع R.S.F التي قاموا بتشكيلها في السابق كميليشيات حماية ذاتية زبونية Self defence.
بينما قامت اللجان المجتمعية لحزب الجبهة الإسلامية بتسليح الإقطاعيين الشماليين في كيبوتزات مشروع الجزيرة (القرى) لمقاومة قوات الدعم السريع وحثهم على عدم مغادرة بيوتهم وإثارة مخاوفهم من تغيير ملكية الأراضي التي حازوها بوضع اليد والتمييز التفضيلي من خلال خطاب الإستقطاب الإجتماعي وتعبئة الكراهية العرقية خصوصاً ضد سكان الكنابي (الأقنان) والتحريض على طردهم وتهجيرهم والنزعة الإنتقامية تجاههم ، في أحداث تشبه تعبئة الرأي الإجتماعي (1970) ضد سكان الكنابي في الجزيرة أبا وأحياء ود نوباوي والهجرة مترافقاً مع حملة تطهير عرقي (مسكوت عنها) ضدهم قادها الشيوعيين في الجيش وساندها الطيران المصري ، وقتذاك إنقسم الإقطاعيون الشماليون والأقنان من قوميات الإقليم الغربي أيضاً الذين كانوا يشتركون الولاء لأنصار الإمام الهادي المهدي (عائلة المهدي) حول الصراع السياسي وقام الشيوعيين بحل نظام الإدارة الأصلية (الأهلية) في غرب السودان دون الإقليم الجنوبي والشرقي تحسباً لتعبئة قوميات الإقليم الغربي ضدهم ، وقتذاك تواطئ الإقطاعيون الشماليون من الأنصار مع الحاكم العسكري الإشتراكي نميري في مديريتي النيل الأزرق والأبيض وقاموا بتسليم قائد المحاولة العسكرية للزحف من ليبيا إلى العاصمة العميد محمد نور سعد (1976) والوشاية بوجوده في منطقة غرب مديرية النيل الأبيض إلى نظام نميري الشيوعي.
عادت الجبهة الإسلامية للقوميين الشماليين للحكم منفردة عام (1989) لتقوم إبتداءاً بتصفية الكنابي التي ساندت إلى جانبها تحرك (1976) وتفكيك مزارعها الجماعية في الجزيرة أبا وغيرها وتفريغها من سكانها من خلال سياسة ممنهجة , منها خصخصة المزارع الجماعية التعاونية المملوكة إسمياً لعائلة المهدي إلى الإقطاعيين الشماليين بدلاً عن نقلها إلى أملاك الدولة كشركة مساهمة عامة (1990) أو توزيعها على الأقنان (الفلاحين) كمستحقين بعد نحو مائة عام من الإستغلال.
الصراع بين الإقطاعيين الشماليين والأقنان من القوميات الأخرى يشبه الحرب في القرن التاسع عشر (1885) من الإدارة الإستعمارية التركو مصرية ضد ملاك الرقيق الشماليين slavery holders والتي إنتهت بقتل شارلس غوردون على يد أولئك الإقطاعيين بسبب إصراره على تحرير الرق الذي لم يتحقق إلا في الثلاثينيات من القرن العشرين ، ويمكن إعتبار هذا الفصل من الحرب الدامية في مزرعة الدولة (مشروع الجزيرة) حرباً من ملاك الأراضي (إمتياز الريع العقاري) rent holders الرافضين للتحول الديمقراطي المدني والمساواة الإجتماعية ضد قوة الدعم السريع ، يستدعي مورفولوجيا الحرب الأولى في مديرية دارفور الموحدة ( 1987) بين ملاك الأراضي والرعاة الرحل بطريقة مغايرة من جهة ؟ ، ويستدعي موفولوجيا الحرب الأهلية بين مُلاك الرقيق في الجنوب الأمريكي الزراعي الذين رفضوا الفدرالية وتمسكوا بالكونفدرالية والشمال الأمريكي الصناعي (1861) التي إستغرقت سنوات طويلة من الصراع من جهة ثانية ، ويستدعي أيضاً مورفولوجيا الحرب الأهلية بين الملونين والسود في ليبيريا (1989).
تاريخياً , كان الإقطاعيين الشماليين في مزرعة الدولة (مشروع الجزيرة ، مديرية النيل الأزرق سابقاً) أو مُلاك الأراضي والريع العقاري الزراعي أو سكان الكيبوتزات (القرى) تحديداً ودون غيرهم في حزام السودان المفيد ، هُم من ينتخبون الأنظمة الإستبدادية العسكرية في السودان الشمالي ويتعهدونها بالبقاء لأطول فترة ممكنة منذ إنقلاب الشيوعيين على جعفر نميري (1973) من أجل الحفاظ على مصالحهم المستمرة ومكاسبهم التاريخية غير العادلة ، وقد كان لهم دور مهم في قطع الطريق على أي تغيير تأريخي من خلال تمويلهم حرب الجنوب لخمسين عاماً حتى إستخراج النفط بشكل كلي (1990) ، كما أنهم يمثلون الحاضنة الإجتماعية الزبونية الصلبة لنظام الجبهة الإسلامية العسكري لأزيد من 25 عاماً وتحديداً منذ إزاحة حسن الترابي من السلطة (1999) ، وللمرة الثانية فيما يبدو أنهم يلعبون دوراً مهماً ثانياً في إنقاذ نظام الجبهة الإسلامية من الهزيمة العسكرية والإطاحة السياسية.
northernwindpasserby94@gmail.com