(1)
ماذا لو قُـيّضَ لعميد الأدب العربي الرّاحل الدكتور طـه حسـين ، ويكتب له الـله- والـذي بـيــده الأعمار- عمراً ليشهد معـنا ما نشهد الآن من هذه الفـتـنة الماثلة في ســـاحات القارة الأفريقية ، والتي أشــعلها أقـوام فـي "حــزام السّــودان" عن قصدٍ وعن ترصّد. . ؟
ذلك حــزام تاريخـي تجـاهـلـوه، لينـتـقـى أصحاب الغرض إسـما بديـلاً له، هـو حـــزام "الساحل والصحراء" الذي يمتدّ جــنـوب الصحـراء الكبرى، من ســواحل الـبحــر الأحـمـر في شــرقي القارة الأفريقية إلى غربيها عند ســواحـل المحـيــط الأطلسي.

. أترى سـيكتب العـميدُ أثـراً ثانيا عن فـتـنة كبـرى جــديـدة، تجري أمام أعيـن المجـتـمع الــدولي الآن، هـي الفـتـنـة الإثـنـيـة في حـزام السودان ، على غــرار منجـزه الفكــري الرّصين عن الفـتـنـة الكبـرى ، تلـك التي هـزّتْ الـدولة الإســلامية والخـلافــة الراشــدة، عـند اعـتلاء الإمام علي دست الخلافة، بعد مقتل الخليفة عثمان بن عفّان ، ثُـمّ انقسـام الأمّـة التي أجمعـت على أنها الفتنة الكبرى. . ؟

(2)
ليتَ نـار الإنقــلابات العسـكرية التي زاد أوارها في إقلـيم حــزام الســـودان التاريخــي، فاندلعت من الانقلاب العسكري في دولة الســودان، ليصل لهيبها إلى دولة تشاد بمقـدار، ثم إلى بوركينا فاسو ومالـــي والنيجــر، فكأنّ حــزام الســودان قـائم على هشـــيم جـــاف جاهــز للإحتراق، وليس على ثروات من الطبيعة قـوامها ميـاه وزراعة ومعادن وذهب ونفط . هي نار تشابه في اندلاعـهـا تلك النيران التي التهمت غـابات أوروبـا واستراليا وأمريكا ، فعـمـلت قــدرات الإطفــاء على التقليـل من أخطــارها ، ولكن أمكن احتــواءها بقليل فعــالية .
ها نحن نرى أن نيــران الانقــلابات العســكرية في أنحاء القارة الأفريقية، بات أمــرها محـيّـراً عند أهلها الأفارقة، مثلما عند المنظمات الدولية والإقليمـية. .
لا يستقيم النظر إلى حال ذلك الإقليم، إلا باستبصار خلفـية تاريخـه وجغـرافـيته، وعـبـر قـرون انطوت، وليـس عقـود أو ســنوات قصيرة . هو حــزام السودان الذي تمازجت فيه ملامح العقيدة الإسلامية بلسانها العربي مع الحضارات الأفريقية القديمة، ومناطق غــربي القارة، على فترات بعيدة . دون الولـوج إلـى زيارة التاريـخ لمزيد تفاصيل أكاديمية محضة ، نشـــير إلى أن طـرق ومسارات الهجرات الإســلامية وتغـلغـلها في أعـمـاق ذلـك الإقلــيـم وأطــرافه، والتي امتـدت من الشــرق عند سواحل البحـر الأحمـر، لتشـمل مسـاحات شــاسعة مِـن الصحـراء الكبــرى، إلى ســــواحل أفـريقـيـا الغربية المطلّـة على المحيـط الأطلـسي، هي التي أنتجـتْ ذلك التمـازج والتـداخل بيــن عـناصـر عربية وافـدة، وأخــرى أفريقــية مقـيـمـة . يبيـن في الأطراف الشمالية من ذلك الحــزام، وضوح أثـر العنصر العربي، والذي تضمحـل تجلياته في السّــحنات والملامح واللسانفي الأطراف الجنوبية من حــزام الســـودان، فـيضعـف الأثر العربي ، إلا أنّ انتشـار الأثر الإسلامي على المذهب المالكي، قد تمدّد وانتشـر إلى معظــم أنحــاء حــزام الســودان. ولنا أن نلاحـظ اثراً للطقـوس الأفريقـية القديمـة في الأذكـار والممارســات الصوفية ، مـمّا ميّـز أكثر المجمـوعات الإثـنـية على تنوّعهـا في ذلـك الحــزام، ولها جذور تاريخــية وثـيـقة الصـلة بانهيار الدولـة الأمــويـة في الأندلــس، والنزوح العكسي إلى أقاليم الشمال الأفريقي ، ونشـوء دويلات الطوائف التي سادتْ في أنحائه.

(3)
جرى التمازج بين العنصرين العـربي والأفـريـقـي، على مــدى قــرون، بلحـمـةٍ أكثـر وضوحاً ويمثلـها اللســان العـربي في الإقـلـيـم الشــمالي من ذلـك الحـــزام في دول مثــل السـودان، ومناطق الجنوب في كلٍ من لـيـبــيا والجــزائـر وتونـس والمغـرب و موريتانيا والصحراء الغربية، ثم أقصى جنوبي الصحراء الكبرى: مـالـي وبوركينا فاسو والنيجر وتشاد وأطراف من نيجيريا والسنغال وغينيا . يقل اللسـان العـربي كلمـا توغّـلـنـا جــنـوبـي الصحــراء الكبـرى، لتـبـقى الفرنسـية لـغــة المستعمر، هي الغالـبة في الـبـلـدان الواقـعـة في الجــزء الجـنـوبي للحــزام الســوداني.، فلا تجـد انتشاراً للســان العــربي في تلك الأنحاء ، إلا في تلاوة الـقــران وفـي قاعات المدارس الدينية. هي لغة العــبــادات والطقـوس الدينيـة ، لا لغة التواصل والتخاطب اليومي بين عامة الناس هـناك. أما النشاط الاقتصادي فقد تميز بحراك البدو مع أنعامهم في أنحاء حزام السودان وراء الكلأ والماء. زاد التصحر والجفاف في العقود الأخيرة من ترحلهم شرقا وغربا مع ما يجبرهم ذلك التجوال على التوغل في أراضي المقيمين والذين كسب عيشهم هو الزراعة لا الرعي. .

(4)
لم تفطن القوى الاستعمارية الكولونيالية وهي تهجم بعد مؤتمر برلين عام 1884م الذي قـنّـن ورسّــخ ظاهرة التدافع نحو قارة أفريقيا ، إلى طبيعة التكـوينات الاجتماعية والاقتصادية لسكان "حـزام السودان"، فقد تقاسـم أقـوياء الاستعمار أراضي الضعـفاء ، والاســتعمار فـي التوصيف اللغوي، هـو السيطرة على الأرض والبشـر. لقد أسـفر مؤتمــر برليــن في أوروبــا وبرعاية مستشار ألمانيا الأسطوري بسمارك، أواخر القرن التاسـع عشـر الميلادي، عن تقاســم المسـتعمرات من أراضي الأفارقـة، قـسـمة ضيـزى ، وإنْ رأوهـا في حساباتهـم قـسـمة عـادلة. لعلّ حالة الإدارة البريطانية حين استعمروا الهند ونيجيريا والسودان وسـواهم في أنحــاء أفريقيا وآســيا، كانوا يصدرون عن عقـيدة الاستعمار الكولونيالي الموصوفة بـتعبير الشـاعر البريطاني "كيبلينج": "عـبء الرّجل الأبيض" ، والتي عكستْ ضمناً إعـلاء وهْـمِ مركـزية تفوّق الحضـــارة الغربية، بما يوفـر ذلك المبـررّ الأخـلاقي لاســتـدامة ظـاهــرة الإســـتعـمار الكولونيالي.

(5)
إلّا أنَّ المكتشـفين القادمين من أوروبـا إلى تلك الأصـقاع الأفـريقـية في سـنوات لاحقـة ، هـم من فطـنـوا لبعـض مظـاهــر لنشـاطات وأنظـمـة سـياسـية واقتصــادية واجتماعـيـة، بعكسِ المزاعم الاسـتعمارية التي تختصر وصف سكان تلــك الأصقاع بالبــدائية. أمّا حـيـن جـاء علـمــاء الاجتمــاع والأنثروبولوجيا إلى القارة الأفريقـية، وأجروا دراســات ميدانيـة معمّقة على شـعوبها، تبـيـن خطل هذه الإدعاءات المزيفـة. مثل تلك الدراســات الاجتمـاعية والانثروبولوجـية هـي التي توصلت برصانتها الأكاديمية .
من نتائج مثل تلك الدراسـات ، أن كتشفت القوى الاستعمارية خطــأ اعتمــادها لتقاســم عشوائي فيما بينهم لمناطــق القارة الأفريقـية، وفصلوا دويلات صــارت مســتعمرات لهــم ورســموا حـدودها الســياسـية ، في عجلة تجاهلت فيها واقع المجتمعات الأفريقية. لقد أفضى ذلك الاقتسام، إلى شطر القبيلة الواحـدة مثلا إلى نصفين ، واحدة في دولة وأخرى في دولة ثانية ، والعـرق الإثنيّ الواحــد، صار متـنازعـاً بين دولتـيــن ، والنشــاط الاقتصادي القـائـم في بيـئة وإيكولوجـيا واحـدة، بات موزّعـاً بين دولتيـن مستعمرتيـن . كانت عيون الطامعين على نهب ثروات القارة البكر ، لا استنهاض شعوبها. .

(6)
هكذا وبعد القضاء على الاستعمار، ونيل معظم الدول الأفريقـية اســتقلالها، أواســـط القـــرن العشرين، برزتْ صراعات الحدود واسـتشرت بين الدول الأفريقــية. أنظــر لأزمـة مثـلـث "حلايب" بين مصر والسودان، ومثلـث "أوزو" بين ليبيا والسودان وتشـاد، ومثـلــث "أليـمي" بين كينيا وجنوب السودان، وحزام "الزاندي" بين جنوب السودان والكونغو. أمـا الصحراء الغربية فهي المثل الأكبر لصراع امتـد لعقود طويلة وما زال معلقاً حتى الســاعـة.
في مرحلة تالية ، وبعد القضاء على الاستعمار، شــرع الأفارقة لإكمال اسـتقلالهم، وذلك بالقضاء على التشـتت الذي أحـدثه الاستعمارقبل أكثـر من قرنبن من الزمان، فأنشأوا منظـمة في عام 1963م ، أســموها "منظـمة الوحدة الأفريقــية"، والتي تحوّلت أوائل تسـعينات القـرن الماضي إلى الاتحاد الأفريقي القائم الآن. حمل الحــالــم الأكبــر رئيــس غـانــا المســتقلــة
" كوامي نكرومــا" حلمه، مقتـرحاً على بلدان القـارة أنْ تتحــد في دولـة واحــدة. ذلـك حـلــم صعــب التحقـيــق، إذ من الطبيعي أن لا يرغب الأقـوياء من قدامى المسـتعمرين، أن يحقـق الأفارقة حلمـاً، هو الكابوس الذي ســيبعدهم عن موارد القـارة البكـر وثرواتـها مــن الـنفــط والذهـب واليورانيـوم.. لن يعجـز أقوياء الاستعمار القديم من التسلل الخفيّ لحماية مصالحهم تلـك، باستعمال فزّاعـة الإرهـاب الدولي مرّة ، أو فزاعة الإنقلابات العسكرية مرّات - سلبا أو ايجاباً- قصد التحكّـم في أحـوال القـارة الأفريقـية .

(7)
واجهـتْ معظم الشعوب الأفريقـية ضعـفا واضحــاً حين تولّتْ إدارة بلـــدانها عشـــيــة الإستقلال، نخـبٌ واهنة الإرادة ، أمـام أقــويـاء مصممين على إبـقـاء شــعـرة معــاوية مــع مستعمراتهم السـابقة . لكنها في حقيقة الأمر لم تكن شــعرة، بل حـبـالا قـيّـدوا بها حــراك أكثر بلــدان الأفريقــيـة، ولم تسلـم بلـدان "الحــزام الســوداني" من أطماعهم.
ها نحـن نشهد كيف صــار ذلـك الحــزام في هــذه الآونـة ، حــزاماً لإنقـلابات العسكرية. إنهار نظام الانقـاذ في السودان بانتفاضة شعبية ، ثم وقع إنقـلاب عسكري في اكتوبر 2021، من جنرالات تماهوا بمكـرٍ مع تلك الانتفاضة. أما في تشـاد فقد وقع تغيير تغيير في الســلطة بما يشبه الإنقــلاب في تشــاد . ولم تسـلم بوركيــنـا فاســو ولا دولة مالـي ولا النيجــر من من انقــلاب عسكرييها على حكــوماتهــم. غيــر أن الأجيـال الناهضة في مثل تلـك الـدول، صبّـت لعناتها على النخـب التي تولت إدارة بلــدانهـم بعد خــروج المستعمر، ولكن من يمعـن النظر مليـاً ، سـيرى أن الأمر ليس تجاذباً بين نخبٍ تتصـارع داخــل بلدان الحـزام السوداني، بل هي أصابع الأقــوياء، أو هي أيديـهـم وأذرعــهـم بكاملـها، تتصــارع فـي السّــــاحات الأفريقــيـة، وفي جيوب كلٍّ منها أجنـدات ســاخنة، ومصالح لا بفصـح عــنـهـا علانية.
من يدفع فواتير الاضطرابات نهاية الصراعات، هي الشعوب الأفريقـيـة المغـلــوبة على أمـور قادتها. .

(8)
إنْ أردت مثلاً صارخاً أمامك لغُـلبِ شـعوب القارة، فإنَّ ما يدور في السّودان من حربٍ قضـتْ وتقـضـي، على أخضر السودان ويابسـه وبُـنـاه التحتية ومقوّمات نهضته ، ناهيك عن الخسائر البشرية الفادحة، هـو ما يريك شـرَّ الانقلابات العسكرية وعـبث الأصــابع الأجنـبـيـة بها حرصاً على مصالحها الضيقة. .
لعلَّ من أفـدح ما ترك المستعمر، هو خلق تناقضــات في نسـيج كلِّ بـلــد أفريقـي خرج منه ، تاركاً للصراعات بذورا حية. إنّ التناقض الذي صنعوه بين شمال الســودان وجـنوبه ، أفضى وبمــا يشــبه المؤامـــرة، إلــى انفصـــال جنــوب الســودان إلى دولــة لحــالها. أمّــا الأزمـــة في دارفـــور، فإنها تســتعـر لتباينـات بين أعـراقٍ مـن وافــديـن ورحّـل، تمـتهــن الرعــي من جهة ، وأعراقٍ أخـرى مقيمة في أرضها، تمتهـن الزراعة من جهة. ذلك واقــع يسهل معه إشـعال الفـتنة عبر تنافـس سـاخن واختلاف محتدم، بينَ منشـطين اقتصاديين في بيـئـة واحـــدة. معـه قـد يتحــوّل ذلـك التناقض إلى صـــراع عِـرقــيٍّ وإثـنيٍّ، يتصـــاعد اختصـاراً بـيـــنَ "عــرب بيضـان" و"زرقـة"، والزُّرقـة صـفة بلهجة الســودانـيين للسّواد. لكـأنك ترى معي أن هجران إسـم "حزام السودان" قد تمّ - ربمـا - لشــبهة إسقاطات عنصرية منفـرّة .

(9)
إنّ الأزمة الطاحنة في كامل إقلــيـم دارفور في غــربي الســـودان، ومنــذ سـنوات طويلة، تـورّطت فيها جيـوبٌ من مجمـوعـات عرقـيــة، لها امتدادات قبلية وعرقية مع قبائل في دارفور، تناصر بعضها البعض، فيكاد الصـراع أن يصيــر وجـهـاً قـبيحـا لصـراع بيـن "زرقـة" أي أفارقــة ذوي سـحنات ســوداء ، و"عـرب بيضان"، وهـم ذوو ســحنات ســمـراء أوأقـلّ ســواداً مـن "الزرقـة". إنه صــراعٌ مرشــحٌ للتصعيـد في كامل حزام الســودان. القـبائل التي ناصـرت قوات الجنرال حميـدتي في حربه في السودان، قـدم بعضها من من أقاصي مالــي والنيجــر لتمارس ما يشـبه الإبادة الجمـاعية لقبيلة مثل قبيـلة المســاليت المقيـمة في أراضيها الزراعية التاريخــية في دارفور أقصى غرب دولة السودان ، منــذ مئات السنيــن.
الخشية كل الخشية أن تتفاقم اضطرابات الحزام السوداني في داخله، مع تصاعد التدخّلات من خارج القارة ليتحوّل بالفعل إلى حـزام انقلابات عسكرية عن جدارة، فتتخـذ التحـالـفــات الطائفـيــة والإثـنـية بُعـداً خطــراً، تشتعل معه الفتـنة الإثـنـية الكبـرى في الساحة الأفريقـية، فيما يتهيأ المحرِّضون الكبــار خـفــيـة لاقـتسـام الـثمـرات الغالـيـة، ولا يظـهــر الطامعــــون الكبار، بل كـلاؤهُـم مـن نوع "بلاك ووتـر" و"فاجـنــر" هم من بقومون بالمهـمة الكريهــة نيـابـة عنهـم. .

11/8/2023  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: فی الس

إقرأ أيضاً:

التصعيد وتمهيد الطريق إلي جدة

زين العابدين صالح عبد الرحمن

أن أختيار أماكن معارك الميليشا داخل السودان لا تتم وفقا لخطط تضعها الميليشيا في الداخل و لكنها مطلوبات الخارج، أي الدول التي تدعم الميليشيا في اعتقاد أن هزيمة الجيش أصبحت خارج المطلوبات، و أصبح الهدف المطلوب هو إنقاذ ماتبقى من عناصر الميليشيا من خلال عملية تسوية سياسية في منبر جدة أو أي منابر أخرى، لكي تعيد الأجندة القديمة.. و هؤلاء يعتقدون أن التسوية السياسية سوف تسقط دعوة السودان ضد الدول التي شاركت الميليشيا في حربها، و هي مسؤولة عن التخريب الذي دمر البنيات الأساسية في البلاد، و مؤسسات الدولة و المصانع و المشاريع الزراعية، إلي جانب ما تعرض اليه المواطنون في أغلبية اقاليم السودان، من إبادة و تهجير و انتهاكات أعراض و نهب و سرقة و غيرها.. أن هزيمة الميليشيا تعني ذهاب السودان بملفات الحرب إلي المحكمة الدولية لكي تدفع تلك الدول التي شاركت الميليشيا تكاليف إعادة البناء..
أن حركة الميليشيا داخل قرى ولاية الجزيرة، و أيضا محاولات الميليشيا إلي دخول ولاية سنار و مدينة سنجة الهدف منها أقناع المجتمع الدولي أن الكفة العسكرية متعادلة، و أن الميليشيا ماتزال تحتفظ بقوتها التي تجعلها قادرة على تهديد ولايات أخرى و السيطرة عليها. و أن تصريحات القيادات العسكرية في الجيش بأن النصر أصبح قاب قوسين أو أدنى ما هي إلا أمنيات لا تسندها الافعال على الأرض، و استمرار الحرب تعني مزيدا من فقدان الأرواح و الممتلكات و ربما تؤثر على السلم العالمي.. هذه الرؤية هي التي تبني عليها الأمارات و تسندها بعض دول الاتحاد الأوروبي إلي جانب بريطانيا و أمريكا، و هي مؤثرة على الاتحاد الأفريقي و الإيغاد..
أن دولة الأمارات تنشط الآن بقوة لكي تنفي التهمة التي وجهها السودان لها من خلال مندوب السودان الدائم في الأمم المتحدة، و حاولت بريطانيا تكرارا عرقلتها.. عندما فشلت الأمارات تعطيل شكوى السودان في الأمم المتحدة، تحاول الآن من خلال أدواتها أن تصعد الميليشيا حربها ضد المجتمع في السودان، و طالبتها أن تنقل المعارك إلي مناطق جديدة تنعم بالأمن، لكي تمارس بها الأمارات الضغط على الجيش لكي يقبل مشروع التسوية الساعي إليه المبعوث الأمريكي توم بيرييلو، و الاتحاد الإفريقي، و أيضا مجلس الأمن من خلال المبعوثيين الدوليين.. معلوم أنقد الأمارات جندت عددا من الإعلاميين السودانيين و غيرهم من جنسيات أخرى، إلي جانب عدد من المثقفين السودانيين في مناطق مختلفة في دول العالم، و خاصة الدول الأوروبية و أمريكا و غيرها من الدول الأخرى، و هؤلاء مناط بهم أن تضخيم المعلومة، و أن يظهروا للناس أن أيادي الميليشيا قادرة على أن تطال أي مكان في السودان..
و في جانب أخر؛ بدأت الأمارات توظيف عدد من السودانيين في مناطق مختلفة أن ينفوا اتهام السودان ضد الأمارات، و بدأت ذلك بعبد الله حمدوك المتواجد في أراضيها أن يخرج منه التصريح الأول لذلك أجرت معه جريدة " فينانشيل الإمارتية" التي تصدر باللغة الانجليزية نفى حمدوك التقارير التي تتحدث عن أن الأمارات تلعب دورا داعما للميليشيا.. رغم أن التقارير خرجت من فريق مكلف من قبل الأمم المتحدة لكتابة تقرير عن الحرب الجارية في السودان أكد فيها أن الأمارات تدعم الميليشيا، و أيضا تقارير لعدد من الصحف و المجلات الأمريكية و الأوروبيية، و حتى الجامعات التي تستخدم الاقمار الصناعية قد تحدثت عن دور الأمارات في الحرب. أن حمدوك أصبح أداة طيعة في يد الأمارات توظفها كما تشاء دون أي حياء، و أصبح هناك العديد من المثقفين السودانيين الذين اصبحوا جزء من الحملة التي تريد الأمارات أن تنفي بها التهمة عنها. لكن من هم الذين يريد هؤلاء إقناعهم، هل يريدون إقناع الشعب السوداني الذي يقف مع الجيش و له قناعة راسخة لموقف الأمارت في الحرب، أم يريدون إقناع الاتحاد الأوروبي و أمريكا و غيرها من دول العالم التي تملك اقمارا صناعية و ترصد كل الحركة في الفضاء.. أن نفي حمدوك لدور الأمارات الداعم للميليشيا بالأمداد العسكري و التشوين يؤكد أن الحرب على السودان و على الجيش هي معركة اعدت لها الأمارات من وقت طويل و استطاعت أن تجند لها رؤساء دول و عاملين في المنظمات و الغريب في الأمر عناصر سودانية من سياسيين و إعلاميين و غيرهم..
أن دور العامل الخارجي في السودان كبير، هناك دول تدعم الميليشيا بالسلاح و العتاد و التشوين و المرتزق و غيرها، و هناك أيضا دول تحاول أن تمارس عمليات ضغط من أجل أن يكون هناك تفاوض بهدف الوصول لتسوية تعيد القضية لما قبل 15 إبريل 2023م، و إعادة الميليشيا لكي تلعب دورها السابق، و تؤجل الحرب لفترة زمنية أخرى.. أن الأمارات و أيضا الدول التي تقف وراءها تعلم أن انتصار القوات المسلحة على الميليشيا تعني كشف كل أوراق المؤامرة و المشاركين فيها من عناصر داخلية و خارجية.. و كان قد اتضح دور الاعبين الخارجيين في القضية السودانية منذ أن سارعت بريطانيا بتقديم المذكرة التي توافق على سحب البعثة الأممية من السودان، على شرط أن لا تكشف عن بنود الصرف المالي للبعثة، و هذه لابد لأي حكومة سودانية في المستقبل أن تطالب بكشف بنود صرف البعثة الأممية التي كان يرأسها فوكلر، لأنها سوف تكشف الدعم الذي قدم لمراكز إعلامية و صحف و منظمات مجتمع مدني و شخصيات سياسية و أحزاب و غيرها..
أن حركة الميليشيا و محاولاتها أن تدخل مناطق لم تدخلها من قبل هو الذي تسعى إليه الدول صاحبة المصلحة في حرب السودان، و الغريب أن هناك قنوات على أتم الاستعداد أن تنقل الأخبار التي ترسل من قبل الميليشيا بسرعة البرق دون أن تسأل عن صحتها، لآن الهدف ليس صحة الخبر أو عدمه، الهدف محاولة تحطيم الروح المعنوية للشعب السوداني، و فقد الثقة بين الشعب و الجيش و بالتالي شن هجوم من قبل الشعب على الجيش بهدف فك الارتباط بينهما.. لكن الشعب الذي يقاتل مع الجيش من خلال المستنفرين و المقاومة الشعبية كتفا بكتف مع الجيش أصبح واعيا لكل مخططات الدول و السياسيين التي تتأمر على البلاد، و ليس بعد الوعي تذكير يمكن أن يقال.. نسأل الله التوفيق و حسن البصيرة..

zainsalih@hotmail.com  

مقالات مشابهة

  • آل حزام يطير إلى أولمبياد باريس 2024م
  • المجرم جوليان أسانج مرحبا بك في السودان !
  • صراع «الجنوب» و«الغرب» يُشعل «يورو 2024»!
  • السودان بحاجة إلى حليف ٱستراتيجي
  • وزير الداخلية الإيطالي: تنمية القارة الإفريقية عنصر حاسم لمنع تدفقات الهجرة غير الشرعية
  • حرب السودان: ثم ماذا بعد سنجة !!
  • التصعيد وتمهيد الطريق إلي جدة
  • عليموف يمتدح مبادرة "حزام واحد" وينتقد نشاط واشنطن وبروكسل في آسيا الوسطى
  • تايمز: في أفريقيا بأكملها قنبلة الاضطرابات توشك على الانفجار
  • أمراء الحرب يدمّرون السودان وشعبه