تواصل الضغوط الداخلية والدولية الدفع بحزب الله، في لبنان، للقبول بالمبادرة الأمريكية لوقف القتال على الجبهة اللبنانية الإسرائيلية، ولكن الحزب لا يزال متمسكا بموقفه الثابت في دعم المقاومة الفلسطينية في غزة، من واقع ما يؤكده الأمين العام الحالي للحزب، نعيم قاسم، من أن العمليات التي ينفذها مقاتلو حزب الله ضد الاحتلال الإسرائيلي تأتي في إطار دعم المقاومة الفلسطينية، وأنها ستتوقف بمجرد توقف العدوان، مع التزام الحزب بتوحيد الجبهات (وحدة الساحات) ضد الاحتلال، سيرا على نهج الأمين العام السابق للحزب، حسن نصر الله.

وفيما تواجه المقاومة الفلسطينية منذ أكثر من عام هجومًا عسكريا شرسا أوقع ما يزيد على 150 ألف ضحية بين شهيد وجريح، يبدو أن الولايات المتحدة والاحتلال الإسرائيلي قد توافقا على ضرورة فصل المسارين اللبناني والفلسطيني، تعتمد على تفضيلهما التفاوض مع أطراف منفردة بدلاً من كتل أو تكتلات عربية، ما يسهل عليهما تحقيق مكاسب تفاوضية، وهو ما يظهر من واقع التحركات الأمريكية الدبلوماسية الأخيرة لتكريس هذا الفصل، خاصة مبادرة وقف إطلاق النار التى ناقشتها السفيرة الأمريكية في لبنان، مع رئيس مجلس النواب، نبيه بري.

يبدو أن المبادرة الأمريكية تسعى إلى تفعيل هذا القرار كوسيلة لتحقيق تهدئة مستدامة على الجبهة اللبنانية، مع التركيز على إبقاء الصراع الفلسطيني في معزل عن أي امتداد إقليمي، ما يعكس الرغبة الأمريكية في فصل المسارين اللبناني والفلسطيني، ويشير إلى دفع واشنطن باتجاه تسوية تُعلي المصلحة اللبنانية وفقاً لوجهة نظرها، في إطار خطة أوسع تهدف إلى الحد من تأثير إيران الإقليمي وتقليل التوترات في المنطقة.

وسط أجواء متفائلة بإنجاز اتفاق لوقف إطلاق النار على الجبهة اللبنانية الإسرائيلية، تبرز تحليلات تشكك في إمكانية تحقيق هذا الهدف قريبا. يرى بعض المحللين أن قادة الاحتلال الإسرائيلي قد لا يجدون التوقيت مناسبا لإبرام الاتفاق، خصوصًا في ظل استمرار حزب الله بامتلاك قدرات قتالية مؤثرة. بالإضافة إلى ذلك، فإن مطالب الاحتلال بفرض شروط مثل "حرية الحركة" داخل الأراضي اللبنانية إذا استدعت الظروف ذلك، تعد من النقاط الشائكة التي يصعب قبولها من الجانب اللبناني، ما يجعل تحقيق توافق سريع أمرًا بعيد المنال.

على الجانب الآخر، يواجه حزب الله تحديات كبيرة على عدة مستويات. فقد فوّض الحزب رئيس مجلس النواب نبيه بري بالتفاوض مع الأمريكيين نيابة عنه، وهو ما يضعه تحت ضغوط متزايدة للاستجابة للمبادرة والقبول بوقف إطلاق النار. هذه الضغوط تأتي في سياق الخسائر الضخمة التي تكبدها لبنان من جراء القصف الإسرائيلي المستمر منذ أكثر من عام، والتي تجاوزت خمسة مليارات دولار، ما يفاقم الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد منذ أكثر من أربع سنوات، ويجعل الحاجة إلى إنهاء النزاع أولوية ملحّة.

مع ذلك، يقف حزب الله أمام معضلة تتعلق بمصداقيته أمام قاعدته الشعبية وأمام المقاومة الفلسطينية. فمنذ البداية، أكد قادة الحزب مرارا أن عملياته ضد الاحتلال الإسرائيلي تأتي في إطار الدعم والإسناد للمقاومة في قطاع غزة. أي قبول بوقف إطلاق النار بشكل منفرد قد يُنظر إليه كتراجع عن التزام الحزب بمبدأ "وحدة الساحات"، وهو ما قد يؤدي إلى تآكل الثقة بمواقفه الاستراتيجية، لا سيما في ظل استمرار الحصار والحرب الشرسة التي يتعرض لها الفلسطينيون في غزة.

هذا المأزق يعكس التعقيد الذي يكتنف أي محاولة للتوصل إلى تسوية، إذ يجد كل طرف نفسه محاصرا بمصالحه وشروطه الخاصة، في ظل ضغوط داخلية وخارجية متباينة. ومع أن المبادرة قد تبدو حلاً موقتاً، إلا أن القبول بها قد يحمل أبعادا تتجاوز الوضع الراهن، ما يجعل الأطراف المعنية تعيد النظر في خياراتها بعناية فائقة قبل اتخاذ أي قرار.

وسائل إعلام عبرية لم تخف تفاؤلها بإمكانية التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار على الجبهة الشمالية، مشيرة إلى أن الاتفاق يشدد على أهمية تفعيل وتنفيذ القرار 1701. هذا القرار يتيح للطرفين حق الدفاع عن النفس عند الضرورة، وينص على أن الجيش اللبناني سيكون القوة المسلحة الوحيدة جنوب نهر الليطاني إلى جانب قوات "اليونيفيل". كما يشمل الاتفاق بنداً يُلزم أن أي بيع أو إنتاج للأسلحة داخل لبنان سيكون تحت إشراف الحكومة اللبنانية. وفي حال الموافقة على هذه البنود، يتعهد جيش الاحتلال بسحب قواته من القرى اللبنانية التي احتلها خلال سبعة أيام.

رغم هذه البنود، يقف حزب الله في موقف معقد نتيجة للخسائر الكبيرة التي تكبدها دعماً للمقاومة الفلسطينية منذ أكتوبر 2023. فقد الحزب قائده التاريخي حسن نصر الله، إلى جانب عدد كبير من رجاله وقادته، فضلاً عن تدمير كميات كبيرة من أسلحته وصواريخه خلال هذه الفترة، كما يواجه الحزب خطراً داخلياً يتمثل في إمكانية اتهامه بالتخلي عن المقاومة الفلسطينية إذا ما وافق على اتفاق وقف إطلاق النار، خاصة أن هذه الموافقة قد تُفسر كاستجابة للضغوط الأمريكية التي تسعى لفصل المسار اللبناني عن الفلسطيني.

في ظل هذه المعطيات، يُثار تساؤل حول مدى قدرة الحزب على الحفاظ على وحدته الداخلية، خصوصا أن المفاوضات تُدار بالنيابة عنه عبر رئيس مجلس النواب اللبناني. هذا التفويض قد يعرض الحزب لضغوط متزايدة من الداخل والخارج، مع تزايد الأصوات التي تطالب بالتهدئة لإنقاذ لبنان من الأزمات الاقتصادية والخسائر المتفاقمة.

الخوف الأكبر يكمن في إمكانية استدراج حزب الله إلى مواجهات داخلية، وهو سيناريو قد يضر به وبالدولة اللبنانية على حد سواء. فإسرائيل لم تتوقف عن استغلال إعلامها وشبكاتها المنتشرة في مختلف الأوساط اللبنانية لإذكاء الشقاق وزرع الفتنة بين اللبنانيين. في هذا السياق، تبدو المرحلة المقبلة حاسمة ليس فقط في تحديد مصير الجبهة اللبنانية - الإسرائيلية، ولكن أيضًا في شكل التوازن الداخلي للبنان ومستقبل المقاومة.

اقرأ أيضاًللمرة الخامسة.. حزب الله يقصف تجمعا لقوات إسرائيلية جنوبى بلدة الخيام

«تل أبيب تشتعل».. حزب الله يخترق المجال الجوي الإسرائيلي بـ صاروخ باليستي

للمرة السادسة.. حزب الله يقصف تجمعا لقوات الاحتلال جنوب بلدة الخيام

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: غزة حزب الله المبادرة الأمريكية دعم المقاومة دعم المقاومة الفلسطينية الاحتلال الإسرائیلی المقاومة الفلسطینیة الجبهة اللبنانیة إطلاق النار على الجبهة حزب الله

إقرأ أيضاً:

لاءات نتنياهو التي حطمتها المقاومة في غزة

منذ بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة عقب طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، لطالما تبنى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مواقف صارمة تجاه حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، رافضًا التفاوض المباشر معها أو تقديم أي تنازلات قد تُفسر كضعف أمام المقاومة الفلسطينية.

هذه المواقف تُرجمت إلى لاءات واضحة أبرزها: لا لوقف الحرب، لا للخروج من غزة، لا لتبادل الأسرى، لا لعودة النازحين إلى شمال القطاع، ولا لرفع الحصار، لا للانسحاب من محور فيلادلفيا الحدودي بين غزة ومصر.

لكن بعد أشهر من جولات المفاوضات التي تواصلت أحيانا وانتكست أحيانا أخرى، وبعد تهديدات الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب بضرورة وقف إطلاق النار قبل توليه منصبه في 20 يناير/كانون الثاني الجاري، تم الإعلان في العاصمة القطرية الدوحة عن اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة.

الإعلان الذي صدر في 15 يناير/كانون الثاني 2025، كشف عن هشاشة وضعف الموقف الإسرائيلي، ما يتنافى مع ما نطق به نتنياهو عندما أعلن عن لاءاته. وأثار هذا الاتفاق الذي جاء بعد مفاوضات شاقة، تخللتها اتهامات متبادلة بين الأطراف المعنية، تساؤلات حول مدى صلابة المواقف الإسرائيلية السابقة.

إعلان

وفي المقابل، فإن حركة حماس تمسكت بمطالبها الأساسية المتمثلة في وقف العدوان وانسحاب كامل لإسرائيل من القطاع، كشروط أساسية للقبول بأي اتفاق، وهو ما حققته في النهاية.

تحطيم اللاءات

الاتفاق الذي وافقت عليه إسرائيل ويبدأ سريانه الساعة الثامنة والنصف من صباح غد الأحد بتوقيت غزة، نسف كل هذه اللاءات المزعومة، ففيه ستوقف إسرائيل القصف وحرب الإبادة التي بدأتها منذ (470) يوما، وراح ضحيتها ما يصل إلى 47 ألف شهيد وأكثر من 110 ألف مصاب، وستسحب قواتها بشكل تدريجي من غزة، بحيث ينتهي تواجدها بشكل كامل في القطاع بنهاية المرحلة الثانية من الاتفاق.

وفي حين تمسك نتنياهو بالتواجد العسكري في ممر فيلادلفيا، فإن الاتفاق نص على أن تخفض إسرائيل قواتها تدريجيا في منطقة الممر، كما نص على فتح معبر رفح والسماح بدخول كميات كافية من المساعدات الإنسانية ومواد الإغاثة والوقود يوميا.

أما تبادل الأسرى، فقد نجحت حماس في فرض مطالبها على الاحتلال، فعلى سبيل المثال، وبحسب المرحلة الأولى للاتفاق، تُطلق إسرائيل سراح 30 طفلا وامرأة فلسطينية من سجونها مقابل كل محتجز إسرائيلي تطلقه، كما تُطلق إسرائيل سراح 50 أسيرا فلسطينيا مقابل كل مجندة إسرائيلية محتجزة لدى حماس.

ومقابل إطلاق سراح 30 أسيرا فلسطينيا من سجون الاحتلال من كبار السن والمرضى، تطلق حماس سراح جميع المحتجزين الإسرائيليين الأحياء من كبار السن والمرضى والجرحى المدنيين.

صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية أشارت إلى أن هذا التحول يعكس تغيرًا في الاستراتيجية الإسرائيلية، حيث باتت الحكومة تُولي أهمية أكبر لتجنب التصعيد طويل الأمد.

وفي تعليقه على الاتفاق يقول رئيس معهد أبحاث اﻷمن القومي في جامعة تل أبيب، تامير هايمان، في نقاش على قناة 12 الإسرائيلية، إن حماس ستبقى صاحبة السيادة في قطاع غزة، وهذا يتناقض مع أحد أهداف الحرب، وهذا قد يسمح لها في نهاية اﻷمر بتعزيز قوتها.

إعلان

بدوره، يؤكد يوسي يهوشوع محلل الشؤون العسكرية في قناة "i24" أن "نتيجة هذه الصفقة تشير إلى إخفاق نتنياهو سياسيا، وإلى إخفاق الجيش ورئيس اﻷركان هرتسي هاليفي في تنفيذ المهمة وفي تحقيق اﻻنتصار على حماس الذي كثيرا ما وعدوا به.

صمود وضغوط

ويبدو أنه مع صمود المقاومة رغم كل ما تعرضت له من قصف واستهداف لقادتها، فضلا عن تزايد الضغوط الداخلية والخارجية، وجد نتنياهو نفسه مضطرًا للتخلي عن لاءاته، وربما لم يكن في وضع يسمح له بالتمسك بمواقفه السابقة، خاصة في ظل تزايد الغضب الشعبي داخل إسرائيل لاسيما من أهالي الأسرى المحتجزين لدى حماس، وضغوط المجتمع الدولي، خاصة بعد فوز ترامب بالانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة.

كما أن استمرار العدوان على غزة كلف إسرائيل سياسيًا واقتصاديًا، خصوصًا مع الانتقادات الدولية المتزايدة لانتهاكات حقوق الإنسان.

لذلك، فإن الاتفاق الأخير يأتي بتكلفة سياسية كبيرة لنتنياهو، فقد تراجعت لاءاته التقليدية الرافضة لوقف إطلاق النار دون شروط مسبقة أو لتقديم أي تنازلات، هذا التراجع قد يضعف شعبيته، خاصة بين قاعدته اليمينية التي ترى في الاتفاق خضوعًا لشروط المقاومة الفلسطينية.

وبالنسبة لحماس، يمثل الاتفاق انتصارًا سياسيًا ومعنويًا، فالحركة استطاعت فرض شروطها، بما في ذلك وقف إطلاق النار المتبادل وتخفيف الحصار وتبادل الأسرى، وهي مكاسب ستُعزز من شعبيتها داخل غزة وخارجها، حيث ترى الحركة أنها نجحت في انتزاع تنازلات من إسرائيل بفضل صمودها.

كما أن الاتفاق يتيح لحماس إعادة ترتيب أوراقها داخليًا، من خلال تحسين الظروف المعيشية في غزة، وتعزيز قدراتها العسكرية، والتحضير لجولات مستقبلية من المفاوضات أو المواجهات.

وأخيرا، فإن التوصل للاتفاق بعد كل الجولات السابقة، هو رسالة للمجتمع الدولي بأن القضية الفلسطينية ما زالت حية، وأن أي تجاهل لها سيؤدي إلى تصعيد مستمر يؤثر على استقرار المنطقة بأسرها.

إعلان

مقالات مشابهة

  • لاءات نتنياهو التي حطمتها المقاومة في غزة
  • "النواب اللبناني" يؤكد ضرورة انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي التي لا تزال تحتلها
  • الأمين العام لحزب الله: المقاومة والشعب الفلسطيني أفشلا مخططات إسرائيل
  • جوتيريش: يتعين تقديم الدعم للجيش اللبناني لفرض سيطرته على الأراضي اللبنانية
  • يساري وقومي رحل وقلبه مع المقاومة وغزة (بورتريه)
  • بيئة الحزب تلوِّح بأشكال جديدة من المقاومة
  • الجبهة الشعبية تنعى القائد أبو أحمد فؤاد: أفنى حياته مدافعاً عن قضيته وشعبه
  • "الشعبية" تنعى نائب أمينها العام السابق داوود مراغة
  • مع اقتراب صفقة التبادل.. ما هي الوحدة التي احتفظت بأسرى الاحتلال 15 شهراً؟
  • الجبهة الديمقراطية: وقف إطلاق النار ثمرة صمود الشعب وبسالة المقاومة