من “جالاكسي ليدر” إلى “لينكولن” ..عامٌ على بدء عمليات الإسناد البحرية
تاريخ النشر: 19th, November 2024 GMT
بداية عالية السقف:
لقد مثّلت عمليةُ الاستيلاء على السفينة “الإسرائيلية” (جالاكسي ليدر) افتتاحيةً صاخبةً وقويةً لنشاط الإسناد البحري اليمني لغزة الذي تردَّدَ صداه فيما بعدُ على مستوى العالم طيلة عام كامل؛ فبالرغم من أن العمليات البحرية تصاعدت تدريجيًّا على مستوى النطاق والشدة، فَــإنَّ البداية لم تكن متواضعة، بل عالية السقف بكل الاعتبارات؛ فعملية الاستيلاء صدمت الجميع بمستوى الدقة والمهارة والاحترافية في الرصد والتتبع والتنفيذ، بصورة عكست بوضوح اقتدارًا ستبرهنه عشرات العمليات اللاحقة بشكل أوضح.
وبرغم أن سقف نشاط الإسناد البحري وقتها كان مقتصرًا على استهداف السفن “الإسرائيلية” فَــإنَّ عملية الاستيلاء على الناقلة (جالاكسي ليدر) حملت في طياتها ملامحَ استراتيجية “السقف المفتوح” على مستوى الشدة والنطاق والتكتيكات؛ فتفاصيل عملية الاستيلاء على السفينة بالقرب من السواحل الإفريقية من خلال قوة بشرية متخصّصة وباستخدام الطيران المروحي، والإعلان الصريح والواضح والشجاع الذي سبق العملية من قبل السيد القائد، ثم الإعلان الشجاع عنها ونشر مشاهدها، وجعل مصيرها مرهونًا بقرارِ المقاومة الفلسطينية، كانت كلها علاماتٍ واضحةً على أن اليمن سيذهب في هذا المسار الإسنادي المهم إلى ما وراء التوقعات والحسابات.
تصاعُــدٌ تدريجي سريع:
هذا ما حدث بالفعل؛ فالعملياتُ اللاحقة التي تلت الاستيلاء على الناقلة “الإسرائيلية” أكّـدت بوضوح أن العملية لم تكن مُجَـرّد ضربة عشوائية لإحداث ضجة إعلامية آنية، بل كانت فاتحةً لمسار استراتيجي سيجعل البحر الأحمر وفي وقت قياسي جِـدًّا منطقة محرمة ليس على السفن “الإسرائيلية” فقط، بل أَيْـضًا على تلك المتجهة إلى موانئ فلسطين المحتلّة بغض النظر عن جنسيتها.. وُصُـولًا إلى السفن التابعة لأية شركة تتعامل مع العدوّ الصهيوني.
التطويرُ التصاعدي التدريجي لمسار الإسناد البحري من خلال تحديث فئات السفن المعرضة للاستهداف وتوسيع نطاق العمليات جغرافيًّا، لم يكن عشوائيًّا هو أَيْـضًا، بل كان مواكبًا لمحاولات التمويه والتهريب التي كان العدوّ يلجأ إليها للالتفاف على واقع الحظر الذي سرعان ما أجبر سفنَه على تحويل مسارها للإبحار حول رأس الرجاء الصالح، وهو ما عكس نجاحًا سريعًا للقوات المسلحة اليمنية في تثبيت وفرض الحظر البحري كواقع جديد.
العدوانُ الأمريكي البريطاني:
هذا ما أدركه العدوُّ الصهيوني سريعًا، ودفعه للجوء إلى شركائه في الغرب والذين تعهدوا له بالتكلف بجبهات الإسناد، وعلى رأسها اليمن، لكن على عكس الهدف المعلن المتمثل في ردع القوات المسلحة اليمنية والحد من عملياتها وقدراتها، فَــإنَّ تشكيل تحالف ما يسمى “حارس الازدهار” وبدء العدوان الأمريكي البريطاني على اليمن في يناير الماضي، لم يكن على الواقع سوى صعود إلى مستوى جديد من عمليات الإسناد اليمنية المؤثرة التي اتسع نطاق أهدافها وجغرافيتها لتشمل السفن الأمريكية والبريطانية في البحر الأحمر وخليج عدن والبحر العربي، وُصُـولًا إلى المحيط الهندي.
وخلال كُـلّ ذلك ظلت استراتيجية “السقف المفتوح” ثابتة وراسخة وتجسدت في أكثر من عملية، كان من أبرزها إغراق السفينة البريطانية (روبيمار) وإصابة العديد من السفن الأمريكية بأضرار بالغة مثل السفينة (ترو كونفيدنس)، وهو ما أكّـد أن تأثير التدخل الأمريكي البريطاني لم يكن صفريًّا فحسب، بل كان عكسيًّا وأسهم بشكل مباشر في زيادة تأثير وشدة العمليات اليمنية وتطوير أدواتها، وهو ما كان السيد القائد قد أكّـده بوضوح في أكثر من مناسبة خلال تلك المرحلة.
الهزيمة الغربية:
مع إعلان القوات المسلحة اليمنية توسيعَ نطاق العمليات إلى البحر المتوسط وتحديثَ فئات السفن المستهدَفة لتشمل تلك التابعة للشركات المتورطة في التعامل مع موانئ فلسطين المحتلّة، كان مسارُ العمليات البحرية اليمنية المساندة لغزة قد أصبح واقعًا ثابتًا يستحيلُ تجاوزه، وبدأت وسائل الإعلام الغربية نفسُها بالانتقال تدريجيًّا من الحديث عن صعوبات وقف العمليات اليمنية إلى تسليط الضوء على تفاصيل العجز الأمريكي والغربي، والذي قدمت القوات المسلحة اليمنية المزيدَ من الأدلة عليه من خلال الانتقال إلى مستويات جديدة من العمليات طالت حاملة الطائرات الأمريكية (أيزنهاور) وأجبرتها على الانسحاب، وطالت العديدَ من المدمّـرات، بالإضافة إلى إغراق سفينة (توتور) وتفخيخ السفينة (سونيون) وُصُـولًا إلى استهداف حاملة الطائرات (لينكولن).
وقد تعزَّزت هذه الأدلةُ بقائمة طويلة من الاعترافات التي أدلى العديد من كبار قادة وضباط البحرية الأمريكية ومسؤولين سابقين وحاليين، وهي اعترافاتٌ بدأت منذ وقت مبكر بالحديث عن أول استخدام للصواريخ البالستية ضد السفن في التأريخ، مُرورًا بالتأكيد على أن هذه المواجهة الأعنف التي تخوضها البحرية الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية، وُصُـولًا إلى التأكيد على انتصار اليمن وهزيمة الولايات المتحدة، والاعتراف بأن اليمن أصبح مرعبًا وقدراته العسكرية صادمة و”مذهلة”.
واقعٌ جديد:
وما بين عملية الاستيلاء على السفينة (جالاكسي ليدر) وتصريح مسؤول مشتريات الأسلحة في البنتاغون بأن اليمن أصبح “مخيفًا”، عامٌ واحد فقط، تمكّنت فيه القوات المسلحة من حرق مراحلَ تأريخية تعجز جيوشٌ عظمى عن تجاوزها في فترات أطول، ومع استمرار الإبادة الجماعية التي يرتكبُها العدوّ الصهيوني في غزة ولبنان، فَــإنَّ الأفق لا يزال مفتوحًا لتثبيت هذا التحول الاستراتيجي الذي صنعه اليمن وترسيخ معادلات عهد جديد كليًّا على أنقاض الهيمنة الأمريكية.
أما العدوُّ الصهيوني فلا زالت وسائلُ إعلامه تؤكّـد باستمرار -وبقدر ما تسمح لها الرقابة المشدّدة- أن العمليات البحرية اليمنية التي بدأت قبل عام كامل من الآن، قد خلقت أضرارًا دائمة في اقتصاد وأمن كيان الاحتلال وبآثار تراكمية مُستمرّة تعلن عن نفسها بين كُـلّ فترة وأُخرى، من خلال ارتفاع أسعار المنتجات أَو نقصها، أَو إفلاس بعض الشركات وتزايد خسائرها، أَو ارتفاع أسعار الشحن، أَو هبوط مؤشرات الاقتصاد بشكل عام، وهو واقع كان كيان العدوّ قد حاول تجاوزه دعائيًّا من خلال استهداف ميناء الحديدة بشكل مباشر، لكنه اصطدم سريعًا بالأفق المسدود لهذا المسار، خُصُوصًا في ظل نتائج التجربة الفاضحة لشركائه الأمريكيين والبريطانيين.
المسيرة
المصدر: ٢٦ سبتمبر نت
إقرأ أيضاً:
تعاظم حالة اليأس داخلَ كيان العدوّ بعد الضربات اليمنية الجديدة: أمريكا لا تحقّقُ شيئًا
يمانيون../
فاقمتِ الضرباتُ الصاروخيةُ والجويةُ التي نفَّذتها القواتُ المسلحةُ اليمنية على عُمْقِ الكيان الصهيوني، أمس الأحد، حالةَ اليأس والإحباط لدى العدوّ فيما يتعلقُ بالتعامل مع جبهة اليمن، حَيثُ برهنت تلك الضرباتُ على تماسك القدرات العسكرية اليمنية وفشل العدوان الأمريكي في تخفيفِ وطأة التهديد الأمني والاقتصادي الذي تشكِّله عملياتُ الإسناد المتصاعدة؛ الأمر الذي أعاد إلى الواجهةِ فورًا النقاشاتِ حول معضلة استحالة ردع اليمن.
الضرباتُ الجديدة التي استهدفت قاعدة (سدوت ميخا) العسكرية في أسدود، ومطار “بن غوريون” في يافا، وهدفًا حيويًّا في عسقلان، سبَّبت حالةَ إرباكٍ واضحةً لدى جيش العدوّ الذي لم يستطع حتى تقديمَ رواية متماسكة بشأن التعامل مع الهجوم، حَيثُ أعلنَ في البداية عن رصدِ صاروخَينِ من اليمن، وتحدث عن “محاولات لاعتراضهما” ثم عاد ليقولَ إنه “ربما كان صاروخًا واحدًا وربما تم اعتراضُه” وهي تصريحاتٌ تعكسُ تخبطًا فاضحًا وفشلًا مؤكَّـدًا، خُصُوصًا وأن إعلامَ العدوّ قد أكّـد استخدامَ عدةِ صواريخَ اعتراضية من طراز (السهم) التي تصلُ تكلفةُ الواحد منها إلى 3 ملايين دولار، وكذلك من منظومة (ثاد) الأمريكية التي تصلُ تكلفةُ الصاروخ الواحد منها إلى 15 مليون دولار؛ الأمر الذي يعني أن جيش العدوّ أطلق هذه الصواريخ بشكل مرتبك وعشوائي بدون أن يستطيع التأكيد من مسار الصواريخ اليمنية أَو عددها، وفي النهاية فشل في اعتراضها.
وقد تسببت الضربات أَيْـضًا في تعطيل حركة مطار “بن غوريون” وإجبار ملايين المغتصِبين الصهاينة على الهروب إلى الملاجئ؛ نتيجة إطلاق صافرات الإنذار في أكثر من 300 منطقة في وسط الأراضي المحتلّة؛ وهو ما مَثَّلَ دليلًا إضافيًّا على فشل جيش العدوّ في التعامل مع الهجوم اليمني.
هذه الحالةُ من الذعر والارتباك أعادت وضعَ كيان العدوّ ومستوطنيه أمامَ حقيقة استحالة التخلُّص من التهديد الاستراتيجي المتزايد الذي تشكِّلُهُ جبهةُ الإسناد اليمنية لغزة، وفشل أساطيل البحرية الأمريكية وقاذفات “الشَّبْح” في تغيير هذه الحقيقة، وهو ما انعكس سريعًا في أصداء الهجوم داخلَ كيان العدوّ، حَيثُ نقل موقع (جيه إن إس) الإسرائيلي، اليوم الاثنين، عن إيال زيسر، نائبِ رئيس جامعة “تل أبيب” ورئيسِ قسم تاريخ الشرق الأوسط المعاصِر في الجامعة، قوله إنه “من الواضح أن الهجماتِ الجويةَ لا تكفي لهزيمة اليمنيين أَو إسقاطهم” مُشيرًا إلى أن الولايات المتحدة تحتاجُ إلى “جهدٍ تحالفي إقليمي” تشاركُ فيه السعوديّة ودولٌ أُخرى، بالإضافة إلى المرتزِقة في اليمن (وهو اقتراحٌ تواجهُه تعقيداتٌ كثيرة، لكن يتكرّرُ الحديثُ عنه دائمًا في وسائل الإعلام الأمريكية والصهيونية في معرِضِ التأكيد على استحالة نجاح جهود ردع اليمن).
ونقل الموقعُ أَيْـضًا عن كوبي ميخائيل، المسؤولِ الصهيوني السابق، والباحث البارز في معهد أبحاث الأمن القومي، ومعهد “مسغاف” للأمن القومي، قوله: إنه “الجهود الأمريكية ستتطلب وقتًا طويلًا، وتحتاجُ إلى دعمٍ اجتماعي وسياسي” داخل اليمن، وهو ترديدٌ لنفس الآمال التي تخلق انطباعًا مزيَّفًا بأنَّ هناك إمْكَانيةً للنجاح في ردع اليمن، لكنها في الحقيقة تمثِّلُ شهادةً على انسدادِ أُفُقِ كُـلّ الجهود الحالية لتحقيقِ ذلك، وتنسِفُ شعار “الحسم” الذي رفعته إدارةُ ترامب كعنوانٍ لعدوانها الجديد على اليمن.
وفي السياق نفسهِ، كتب العميد (احتياط) في جيش العدوّ الصهيوني، والباحثُ البارِزُ في المعهد الوطني للدراسات والأمن، يوفال أيالون، مقالًا نشره موقعُ “والا” العبري، اليوم الاثنين، أكّـد فيه أن “التهديدَ القادم من اليمن لا يتمثَّلُ في “منظمة إرهابية” كما يتم توصيفُه، بل في “جيشٍ حقيقي يمتلِكُ قدراتٍ عسكريةً وبنيةً تحتية واسعة ومتنوعة ولديه جذور راسخة في البلاد”.
وَأَضَـافَ أن اليمنيين “تعلَّموا كيفيةَ التعامُلِ مع محاولات الهجوم المضاد التي غالبًا ما تستندُ إلى استخدامِ أنواع مختلفة من القنابل، القادمة من الجو أَو من البحر” وذلك من خلال “توزيعِ ودمج مراكز ثقل القدرات العسكرية في جميع أنحاء البلاد”، مُشيرًا إلى أن الولاياتِ المتحدة استثمرت مواردَ كبيرةً، في محاولة الإضرار بهذه القدرات، ولكنه أضاف أن “هذه عملية تحتاجُ وقتًا طويلًا وليست عمليةً مُحكَمة”.
وبشأن مقترَحِ إشراكِ أطراف إقليمية ومحلية في الجهود الأمريكية، أوضح العميد الصهيوني أن هذه أَيْـضًا “لن تكون مهمةً سهلةً، وستحتاجُ إلى وقتٍ طويلٍ ومواردَ هائلة”.
وخَلُصَ المقالُ في النهاية إلى أن “قصةَ اليمن لا تزالُ بعيدة كُـلَّ البُعد عن الوصول إلى الفصل الأخير”.
ويلاحَظُ من خُلاصةِ هذه الأصداء أن هناك إدراكًا واضحًا داخلَ كيان العدوّ لعدة حقائقَ مهمة، أولها أن الجُهُودَ التي تبذُلُها إدارةُ ترامب لردع اليمن لن تنجحَ في إحداثِ تأثيرٍ حقيقي على قدرات وقرار وتصاعد نشاط جبهة الإسناد اليمنية، والحقيقة الثانية هي أن مشكلةَ عدم التوازن بين المواردِ الهائلة والنتائج المتواضعة وشبهِ المعدومة ستظلُّ قائمةً في أيةِ استراتيجيةِ عدوانية ضد اليمن، بما في ذلك استراتيجيةُ “التحالف الإقليمي الواسع”؛ بسَببِ عدمِ وجود إمْكَانية لتحقيق “حسم سريع”.
أَمَّا الحقيقةُ الثالثةُ التي يحاولُ الصهاينةُ غَضَّ النظرِ عنها بشكل متعمد؛ فهي أن المشكلةَ لا تقتصرُ فقط على عدمِ امتلاكِ جبهةِ العدوّ الأدوات والاستراتيجيات اللازمة لردعِ اليمن؛ لأَنَّ هناكَ خطرًا متزايدًا يتعلَّقُ بهذا العجز، وهو التطورُ المُستمرُّ للقدرات العسكرية اليمنية والذي يُثبِتُ حضورَه القوي في الميدان بشكل متواصل، وبالتالي فَــإنَّ أيةَ مقترحاتٍ لتغييرِ الاستراتيجيات لا قيمة لها؛ لأَنَّ “الوقتَ الطويلَ” الذي يتطلبه تنفيذَ هذه المقترحات يشكِّلُ بحد ذاته فجوة هائلة في أية استراتيجية؛ بسَببِ المسار التصاعدي المُستمرّ لتطور القدرات العسكرية اليمنية.