شددت الكاتبة في صحيفة "الغارديان" نسرين مالك على أن الأنظمة الاستبدادية تتخذ طابع الديمقراطيات في بعض الأحيان، حيث تعتمد على استقطاب الفئات القريبة من السلطة وقمع من لا يستفيدون منها، مشيرة إلى أن القمع يمكن أن يكون وحشيا، لكنه غالبا ما يمارَس من خلال خلق الوهم بأن الأمور ستتحسن قريبا بمجرد تخطي "المنعطف".



وقالت في مقال حمل عنوان "وراء انتصار ترامب تكمن حقيقة باردة: ليس لدى الليبراليين إجابات لعصر حديث في حالة أزمة"، وترجمته "عربي21"، إن "الدرس الأكثر فائدة من النشأة في ظل الدكتاتورية هو أن الدكتاتوريات ليست مطلقة أبدا".

وأضافت أنه "في بعض الأحيان تكون ديمقراطيات، تزدهر من خلال استقطاب أولئك القريبين من السلطة وإدارة أولئك الذين لا يستفيدون. وغالبا ما تكون هذه الإدارة من خلال القمع الوحشي، ولكنها في الأساس من خلال تأمين الموافقة من خلال إقناع عدد كافٍ من الناس بأن الأمور على وشك أن تصبح على أحسن ما يرام. في أي لحظة الآن، بمجرد إحباط أعداء الشعب، سيتم تجاوز المنعطف. تدرك الديمقراطيات الاستبدادية الغضب، وتثيره، ثم تكبته لأغراضها الخاصة". 


وأشارت أن "الحيلة هي أن يكون لدى الدكتاتوريين دائما أفق، بعيدا ولكن في الأفق، حيث يمكنهم الزعم أن الأمور ستتحسن بعده. في حين يحدث هذا، فإن مظاهر النجاح الوطني تهدئ الجماهير وتمنحهم شعورا بالقوة والرخاء والزخم. ففي مصر، مع امتلاء السجون بالسجناء السياسيين، أقامت الحكومة العسكرية نصبا فرعونية ضخمة وشرعت في مشروع بناء ضخم في العاصمة. وفي الهند، عزز ناريندرا مودي الاستبداد في حين اجتذب كبار رجال الأعمال وأطلق مشاريع بنية تحتية ضخمة ومعابد هندوسية. ويثبت الدكتاتوريون أنفسهم باعتبارهم من المحدّثين والمستقرين العظماء، ويعدون بالمحافظة والمستقبلية. وهم يؤكدون على التقاليد والقيم ولكنهم يغلفونها بالتكنولوجيا والتحضر وحتى الجماليات ــ الخطوط النظيفة والمرايا والزجاج وناطحات السحاب الفولاذية". 

وبينت الكاتبة أن "المستفيدين من الحداثة يظلون محدودين نسبيا. وعلى هذا فإن بقية عمل الاستقرار السياسي لابد أن يتم من خلال الشعبوية ــ خلق الآخر المهدّد (جماعة الإخوان المسلمين في مصر، أو كل المسلمين في الهند) والوعد بالقضاء عليه. وإذا فشل كل شيء آخر، فهناك الاعتقال القانوني والاضطهاد والسجن. لقد أدركت مثل هذه الحكومات أنه في غياب العدالة الاجتماعية وإعادة التوزيع، فإن الطريق إلى الأمام هو التعامل مع السخط من خلال القادة الأقوياء والأكاذيب ونبذ أولئك الذين يعترضون". 

وأكدت مالك أن هذا النمط من الحكم لا يقتصر على الدول في الجنوب العالمي. وكون الكاتبة عاشت هناك وفي  الغرب، تقول: "أستطيع أن أرى خطا واضحا. لقد حققت العولمة ورأسمالية السوق الحرة، والمبادئ المنظمة لجميع الدول باستثناء عدد قليل منها، وعدها بتقريبنا جميعا من بعضنا البعض. ولكن ما يتم تجاهله غالبا هو كيف جعلتنا هذه العمليات أكثر تشابها من خلال خلق الفائزين والخاسرين بنفس الطريقة تقريبا في جميع أنحاء العالم. لقد أدى توحيد أساليب العيش وممارسة الأعمال التجارية الذي أنتجته العولمة إلى ترسيخ الفائزين، والتخلي عن الخاسرين. أصبحت حياتنا أكثر قابلية للتعرف على بعضنا البعض مما كانت عليه قبل 30 عاما. لقد غمرتنا جميعا السلع والخدمات والتطبيقات والترفيه الرقمي، ومع ذلك ما زلنا نشعر بالحاجة إلى شيء آخر - للشعور بالأمان الذي يتجاوز مجرد قدرتنا على الاستهلاك في الأمد القريب". 

وقالت إن "التظاهر بتلبية هذه الحاجة هو ما أدى إلى فوز دونالد ترامب. فهو يدرك أن النظام الأوليغارشي الذي يثري قِلة من الناس لا يستطيع أن يوفر الأمن الاقتصادي للجماهير. وإذا كنت تريد أن تحظى بأغلبية عامة الناس إلى جانبك، فيتعين عليك أن تعد بالتغيير، ولكن ليس على النحو الذي يعيد تشكيل المجتمع فعليا". 

وأوضحت أن "ترامب استطاع أن يقنع الناخب أن المشكلة ليست في النظام الرأسمالي الجشع الذي أدى إلى انهيار نظام الرعاية الصحية، أو السلطة التشريعية التي استولت عليها جماعات الضغط الغنية أو إلغاء القيود التنظيمية التي جردت العمال من حقوقهم القانونية وبالتالي خلقت نقلا ملحميا للثروة إلى طبقة المليارديرات. المشكلة هي المهاجرين غير الشرعيين، والأعداء داخل البيروقراطية الذين حاولوا إسقاط ترامب، والمتطرفين من أجل التنوع. إذا كنت من الديمقراطيين وكل ما لديك لمواجهة هذه الرؤية القوية هو الكثير من القيم اللطيفة والرقص الفرح ولكن لا يوجد اقتراح مادي لتغيير حياة الناس بشكل جذري، فأنت لم تحضر حتى سكينا إلى معركة بالأسلحة النارية - لقد أحضرت أوبرا وينفري". 

وأشارت الكاتبة إلى أن "نموذج السوق الحرة الليبرالي اجتماعيا الذي يؤمن به التقدميون قد توقف. كان من المفترض أن يستمر دائما بدون المزيد من التنظيم العدواني، وسياسات إعادة التوزيع، ونوع من شبكة الأمان الضريبية المرتفعة والإنفاق المرتفع الضرورية عندما تتحطم الترتيبات الاجتماعية التقليدية. في أعقاب العولمة، تم نزع الصناعة عن مجتمعات بأكملها في الغرب بينما تم إنشاء طبقة عاملة حضرية ذات أجور زهيدة في الجنوب العالمي".

ولفتت إلى أنه "بعد الأزمة المالية في عام 2008، تركزت الثروة وحرمت جيلا كاملا من الناس من الحياة التي عاشها آباؤهم. في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، مع صعود شركات التكنولوجيا في وادي السليكون، أضيف رقم آخر إلى حالة عدم الاستقرار المتزايدة: السائقون والركاب وعمال التعبئة والتغليف انغمسوا في عمل سيئ الحماية وأجور زهيدة. تم إطلاق وسائل التواصل الاجتماعي بوعد جمع الحقيقة للسلطة وتقريبنا جميعا من بعضنا البعض، ثم استسلمت للتشويه والتضليل والتزييف العميق والعنصرية".

وأضافت أنه "لم يكن هناك طريق للديمقراطيين لتقليد خدعة ترامب وبقية الطاقم الاستبدادي. في ظل إعاقة التعرض المتزايد لما يمكن أن يفعله الليبراليون في عالم نيوليبرالي، لا يستطيع التقدميون في الولايات المتحدة إلا الإشارة إلى أهمية القانون والنظام والمؤسسات. إنها مشكلة قد يواجهها حزب العمال في المملكة المتحدة قريبا. كل ما تحتاجه هو شخصية يمينية مقنعة وسوف يتم تمزيق نهج حزب العمال المثير: الأمور سوف تسوء قبل أن تتحسن". 


وترى الكاتبة أنه "ما دام الوسطيون يضاعفون جهودهم في هذا النظام ويأملون في الأفضل، فإن الديمقراطيات الغربية سوف تكون عُرضة للخطر. أتذكر أنه في أعقاب الربيع العربي المضطرب، كان السؤال حول ما إذا كان العرب مستعدين للديمقراطية - لكن الديمقراطية وحدها لا يمكن أن تضمن الحرية والمساواة إذا كان النظام الاقتصادي الذي توجد فيه يمنع ظهور هذه الصفات ذاتها. كان من الأسهل الإطاحة بالدكتاتور المصري حسني مبارك من إزاحة الشراكات التجارية العسكرية الخاصة التي تقف وراءه". 

وقالت إن "المستبدين لديهم إجابة لمشكلة الأنظمة الراسخة والمربحة للغاية بحيث لا يمكن التراجع عنها: الكذب، وكبش الفداء، والاحتكام إلى مخاوف الناس وتحيزاتهم وغرورهم. لكن الليبراليين لا يملكون إجابة. ولكن لماذا لم يعد الناس يدركون أن مثل هذه الأنظمة لا تدر عليهم فوائد العقلانية والحريات الفردية، والسعي إلى التطور العلمي والرخاء الشخصي". 

وخلصت الكاتبة إلى أنه "من الأسهل أن نصدق أن العنصرية هي التي انتخبت ترامب، أو أن التخلف هو الذي أفسد الثورة المصرية، أو أن التفوق العرقي هو الذي ارتقى بمودي إلى مرتبة أعلى. ولكن الحقيقة هي أن النظام القديم قد انتهى في مختلف أنحاء العالم، وأن النظام الجديد محير. ويشعر الناس بالفخ ويريدون الشعور بالحرية، ووعدا بمستقبل مختلف تماما، أو مجرد مستقبل. حتى لو جاء هذا الشعور بالحرية من مستبد ثنى وكسر سلاسل النظام. ويريدون أن يشعروا وكأنهم جزء من شيء أكبر وأقوى مع شعورهم بالوحدة والضعف وتفكك عوالمهم يوما بعد يوم. وليس الأمر أنهم غير مستعدين للديمقراطية ــ فالديمقراطية ليست مستعدة لهم". 

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية ترامب الحداثة الديمقراطية الديمقراطية الحداثة ترامب صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة من خلال إلى أن

إقرأ أيضاً:

«شفت أمي غرقانة في الدم وأخي يغسل يديه بدمها».. كابوس صباح الذي تحول إلى حقيقة

في الحلقة الخامسة من مذكراتها، وتحت عنوان «أخي قتل أمي المسكينة»، كشفت النجمة الراحلة صباح تفاصيل أصعب الأيام التي عاشتها، بعد أن قرر شقيقها أن يتخلص من والدتها، وكيف أن الجميع حاول إخفاء الأمر عنها، رغم ما كانت تراه في أحلامها.

الكابوس المتكرر

تقول صباح: «فجأة ودون أي مقدمات، وجدت أمي تظهر أمامي كثيرا في أحلامي، كنت أراها مكتئبة حزينة، وكنت كلما رأيتها على هذه الحال شعرت بانقباض نفسي، وانقباض النفس دليل شدة الحساسية، كانت الجرائد والمجلات في تلك الأيام تروي قصة أكبر مأساة من الممكن أن تقع لإنسان، وكانت هذه المأساة أقوى من أن تتحملها نفسي، وكانت تتعلق بي لذا حرص الجميع على إخفاء أمر هذه الكارثة عني حتى لا يكون وقعها أليما على نفسي، وحتى لا تسبب لي آلاما فوق هذه الآلام التي أعيش فيها».

قلبي يحدثني بالكارثة

وتابعت «رغم كل ذلك كان قلبي يحدثني بالكارثة، وكنت أقرأ أسرارها في عيون من أقابلهم، ولكنهم كانوا من أكبر الممثلين والممثلات، إذ عرفوا كيف يخفون عني الأمر تحت ابتسامات شاحبة مصطنعة، وذات ليلة رأيت فيما يرى النائم أحلاما مخيفة مزعجة فقمت من نومي مضطربة النفس، أقص على زوجي ما رأيته في منامي فطمأنني بحديثه وقال إنها أضغاث أحلام، وكان في نفس الساعة يعلم أن هناك كارثة حلَّت بأسرتنا، لقد رأيت مصرع أمي في أحلامي فكنت أقوم من نومي فزعة ويسألني زوجي في كل مره (مالك يا صباح؟)، فأقول له (شفت حلم فظيع، شفت أمي ميتة وهي غرقانة في الدم، وأخي أنطوان يغسل يديه في دمها)، فكان يسمع مني ذلك ويطيب خاطري ببضع كلمات، ليمنع الخوض في مثل هذه الأمور التي شغلتني وأرقتني كثيرا فأنسى ذلك مؤقتا».

صباح أكدت أن الحلم تكرر أكثر من مرة، وحتى تقطع الشك باليقين، قررت أن تسافر إلى لبنان لترى والدتها.

تستكمل: «لم يعد قلبي يتحمل فاشتد به الحنين واشتد شوقي لمشاهدة أمي الحبيبة، وأحسست بشعور غامض مبهم عن شيء قد حدث يخفيه الناس عني وتفضحهم عيونهم به، وفي ذات صباح من شهر سبتمبر سنة 1947 قررت السفر إلى لبنان، فوافق زوجي على السفر بعد عناد كبير لم أعرفه عنه من قبل، وفي طريق البحر عادت الأحلام المفزعة تؤرقني، حتى كانت ليلة شكيت فيها لزوجي، فما كان منه إلا أن صارحني بالحقيقة شيئا فشيئا، وقال لي إن كل ما رأيته في أحلامي كان صحيحا، ثم روى لي الحادث الذي أخفاه عني مدة شهرين كاملين، قال (يظهر إن شقيقك أنطوان في الفترة الأخيرة اختلط ببعض شبان السوء فعلموه المجون والسهر، فكان ذلك سببا في إفساد عقليته وتلف أخلاقه، وكان من آثار القلق أن وقع في ورطة كبيرة وخطأ عظيم لا يمكن إصلاحه فخشي الوقوع في يد القانون، ففر هاربا خارج البلاد، وقد عملنا المستحيل حتى لا يُقبض عليه ونجحنا في إنقاذه وتلك مشيئة القدر)».

شعرت صباح أن الإجابة غير وافية، وأن هناك ما هو أبعد من ذلك وطلبت من زوجها مزيدا من التوضيح، فاضطر فى النهاية إلى أن يكشف لها الحقيقة، لتفقد صباح وعيها.

وعن تلك اللحظة تقول فى مذاكرتها: «القصة كما حدثت: رأى أخي والدتي في بعض مجالسها ومعها رجل غريب فظن أنها على علاقة بهذا الشخص، وكان بعض الجيرة يحقدون على أمي لأنها جميلة طيبة وتعيش عيشة يسر ورخاء، فوسوس بعضهم في أذن شقيقي بأكاذيب باطلة أذهلته وجعلته لا يحس ولا يدري ما يأتيه، كما ساعدوه على استحضار مسدس ومهدوا له سبيل القتل، وقام فعلا بتنفيذ الجريمة فأفرغ الرصاص في قلب أمي، وفي قلب هذا الغريب، وفي قلبي وهو لا يدري، وقد فر أخي هاربا وعمل بعض المعارف على تهريبه إلى البرازيل، وهناك تزوج وأنجب، لقد كانت كارثة سببت لي عقدة نفسية جعلتني أعتزل الناس، تصوروا أن يفقد إنسان أمه وأخاه في لحظة واحدة، كانت صدمة عدت منها محطمة النفس، عشت فترة طويلة أسيرة الحزن أنعى أمي التي ماتت، وأبكي أخي الذي هرب».

مقالات مشابهة

  • «شفت أمي غرقانة في الدم وأخي يغسل يديه بدمها».. كابوس صباح الذي تحول إلى حقيقة
  • خاص| خالد النبوي يكشف السر وراء غيابه عن المسرح وفيلمه المفضل الذي غير مسيرته الفنية
  • قراءة في انتصار الثورة وسقوط النظام في سوريا
  • تقرير صيني: السياسات الأمريكية وراء أزمة البحر الأحمر
  • وزير الأوقاف يهنئ الكاتبة الجزائرية نورة طاع الله بدخول موسوعة جينيس
  • حقيقة قصة النبي ﷺ مع الرجل اليهودي
  • الأرصاد الجوية تكشف حقيقة تعرض البلاد لأجواء باردة| فيديو
  • ما الذي يحدث في المنطقة ؟
  • ترامب يبحث مع نتنياهو صفقة التبادل ومصادر تتحدث عن فجوات
  • مؤسس الجيش الحر يكشف السر الحقيقي وراء إنهيار وهزيمة جبش بشار خلال معركة خاطفه