غزة... بين الواقع المحزن والمستقبل المجهول
تاريخ النشر: 19th, November 2024 GMT
هذا المستقبل يحملُ في طياتِه رؤيتين: رؤيةً عربية، ورؤيةً إسرائيلية، وكلتاهما متناقضة، وصعبٌ الجمعُ بينهما إلا بمقاربة أمريكية تنتشل الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، خاصةً في غزة، من تبعات "الطوفان".
الرؤية العربية أضحت معروفةً، وحولها إجماعٌ دوليٌّ، وتتمثَّلُ بإقامةِ دولة فلسطينية إلى جانب الدولةِ الإسرائيلية، وبضماناتٍ تهدئ من مخاوف إسرائيل، وعلى أن تبدأَ المفاوضاتُ فوراً بعد وقف إطلاق النار بين الفلسطينيين والإسرائيليين، برعايةٍ عربيةٍ وأمريكية، والأفضل دولية إذا قبلت إسرائيلُ بمشاركة من هذا النوع.هذا الحلُّ ستكون له تكلفةٌ ماديةٌ كبيرة، سيتحمَّلُ العبءَ الأكبرَ منها العربُ، ويتطلَّب الحلُّ أيضاً جهوداً دبلوماسية، وصبراً استراتيجياً؛ لأنَّ ماضيَ المفاوضات مع إسرائيلَ مزعزعٌ ومقلقٌ، والمفاوضون الإسرائيليون بارعونَ في المراوغةِ والمناورة والنَّظر في التفاصيل الشيطانيَّة، ثم التراجع عن وعودٍ قطعوهَا. هذه الرؤيةُ العربية تلقَى قبولاً من نُخبٍ إسرائيليةٍ ليبرالية، خاصةً في أمريكا وتعتبرُها مفتاحاً لحلّ الصّراع بشكلٍ أبديّ، يضمن لإسرائيلَ أن تعيشَ بأمان. هذه الليبرالية الإسرائيلية دعمتْ اتفاقَ أوسلو قبل إجهازِ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع فريقه اليميني، عليهِ علانيةً.
أمَّا الرؤية الإسرائيلية فيمكن وصفُها بالرمادية، في ظلّ حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة؛ فنتنياهو، خلافَ ما يشاع عن خوفِه من المحاكمة، يرى أنَّ التاريخَ في صفّه، وأنَّ دولةَ إسرائيل التي يخطّط لها ستخرج للعلنِ على يديه، وأنَّ آخِر همِّه المحاكمة، بعدمَا تحوّل إلى بطلٍ أسطوري في حربه التدميريَّةِ ضد حركة «حماس» و«حزب الله» في لبنان. فهو لم يعلن ماذا يريد بعد وقف القتال في غزة، ورفضَ الخطط الأمريكية كلَّها، لكنَّه على أرض الواقع يرسم خطتَه، وبدايتُها تفريغُ شمالِ غزةَ من أهلها. ففي مؤتمر صحافي، الثلاثاء الماضي، قالَ العميد إسحاق كوهين إنَّ إسرائيلَ تقترب من التهجير الشامل لسكانِ مخيم جباليا وبيت حانون وبيت لاهيا، وأنَّه لا توجد نية لإرجاع هؤلاء إلى منازلِهم، وقال، بالحرف الواحد، إنَّ الأوامرَ له: «إنشاء مناطقَ نظيفة». طبعاً تراجع الجيش الإسرائيلي فوراً عن هذه التصريحات، وعَدَّها مقتلعةً من سياقِها العام. لكن الواقع الذي لا ينكره أحد أنَّ نتنياهو يريد استيطان قطاع غزة، وأن تكون البداية بشمالها؛ بذريعة حماية غلاف غزة. ويرفض نتنياهو تماماً عودة السلطة الفلسطينية، ويرفض بقاء «حماس»؛ وهي، في نظره، منظمة إرهابية، ونظر الأوروبيين والأمريكيين، وبالتالي فإنَّه بهذا المنطق سيتذرع بأنَّه لا يوجد شريك فلسطيني يجلس معه على طاولة المفاوضات. بعبارة أخرى، يريد ابتلاع الأرض في غزة، والتوسع في الضفة، وتصفية القضية الفلسطينية، وتحويلها من قضية شعب إلى قضية سكان عاديين؛ على العالم أن يفكر في إيجاد مأوى لهم، وإسرائيل ستساعد بكل ما لديها لتحقيق هذا الحل «الإنساني».
هاتان الرؤيتان متناقضتان تماماً، وبالتالي إذا أصرَّ كل فريق على مطلبه، فمعناه أن نتنياهو، بحكم منطق القوة، سيبقى متابعاً لبرنامجه، وستموت مع الزمن الرؤية العربية والدولية، ولربما تبرعت دول مؤيدة لإسرائيل بحل جديد يكون سقفه أقل من الرؤية العربية بذريعة الواقعية السياسية، وأنَّ الاستحواذ على القليل أفضل من لا شيء. وقد برهن الرئيس الأمريكي جو بايدن على أنَّه يؤيد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الخفاء، وينتقده في العلن، ولهذا لم يتمكن من وقف الحرب، رغم المناشدات الدولية، ورغم قبول دول عربية (وفق تسريبات) التدخل عسكرياً لإدارة قطاع غزة، وضمان الأمن، وعدم تعرض إسرائيل لاعتداءات. هذا العرض العربي كان جريئاً؛ لأنَّه ينم عن معرفة بنيّات الحكومة الإسرائيلية، وبالتالي فإن وجودهم في غزة، باتفاق دولي وموافقة فلسطينية وإسرائيلية، سيحُول دون التنظيف السكاني الذي تحدّث عنه العميد الإسرائيلي كوهين. وبما أن بايدن قد حقب حقائبه، وسيخرج بعد أسابيع، فإن الأنظار كلها تتطلع الى الرئيس المنتخب دونالد ترامب، ووعوده التي قطعها للناخبين العرب، والأمريكيين بأنه سيوقف الحروب، وسيعمل على تسوية تضمن عدم تجدد النزاع. هذا الوعد هو آخِر مما تبقّى من أمل في المنطقة، ولكونه وعداً يتأسس على حل مشاكل المنطقة دفعة واحدة؛ وقد نال ترامب من الناخب الأمريكي تفويضاً لا مثيل له، وشكَّل فريقاً حكومياً لا يعصي له أمراً، وبوسعه الآن فرض تسوية تجبر نتنياهو عليها، وتنصف الفلسطينيين، وترضي العرب.
ترامب من أكبر مؤيدي إسرائيل، وله صداقات مع العرب، والمنطق يقول إن مصلحة بلاده تسوية القضية الفلسطينية، وضمان الأمن لإسرائيل، ولذلك إذا تمكن ترامب من تحقيق التسوية المطلوبة، فإنه لن ينال جائزة نوبل فحسب التي تمناها، بل سيدخل التاريخ.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: عودة ترامب عام على حرب غزة إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله الانتخابات الأمريكية غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية عام على حرب غزة فی غزة
إقرأ أيضاً:
كالكاليست: تداعيات كارثية لـانقلاب نتنياهو على اقتصاد إسرائيل
تشهد إسرائيل اضطرابات اقتصادية متسارعة نتيجة التطورات السياسية الأخيرة، مع تصاعد التحذيرات من خبراء اقتصاديين ومؤسسات مالية بشأن تداعيات ما وصفه تقرير نُشر في صحيفة "كالكاليست" بمحاولة انقلاب يقودها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ضد مؤسسات الدولة.
وبدأت الأسواق المالية في التفاعل مع هذه الأحداث بشكل مباشر، مما ينذر بموجة أوسع من التراجع في النمو الاقتصادي وتزايد التضخم والعجز.
تراجع الشيكل وانهيار البورصةوبحسب كالكاليست، فقد سجّل الشيكل يوم الجمعة تراجعا حادا في غضون ساعات، في حين شهدت البورصة الإسرائيلية انهيارا فاق 3%، رغم الإعلان عن صفقة ضخمة لشركة "ويز" التي تعد الأضخم في تاريخ الشركات الإسرائيلية.
كما تراجع سعر السندات الحكومية بالشيكل بنسبة 5.5% خلال أسبوع واحد، مما يعكس نقصا في الطلب وارتفاعا في العوائد من 4.1% إلى 4.5%.
مودي شافرير، كبير الإستراتيجيين في بنك "هبوعليم"، أشار إلى ارتفاع مستوى الخطر في الأسواق، مؤكدا أن السوق باتت تتعامل مع إسرائيل كما لو أنها تملك تصنيفا ائتمانيا عند مستوى "بي بي بي" إلى "بي بي بي-"، وهو أدنى مما تمنحه وكالات التصنيف حاليا.
إعلانوتحتفظ كل من موديز وستاندرد آند بورز وفيتش بتصنيف سلبي لإسرائيل منذ نهاية عام 2024، في إشارة واضحة إلى إمكانية خفض التصنيف في أي وقت.
ويكشف التقرير أن ممثلي وكالة فيتش، وعلى رأسهم سيدريك بيري، موجودون حاليا في إسرائيل، وقد بدؤوا بالفعل بإجراء اتصالات لفهم أبعاد المشهد السياسي المتأزم، بما في ذلك التحقيقات التي يواجهها رئيس الوزراء، إلى جانب تهديداته بعزل مسؤولي الأمن والقضاء.
نمو منخفض وتضخم مرتفعوتشير التقديرات إلى أن عودة الحرب إلى غزة والتصعيد السياسي الداخلي سيؤديان إلى ما يلي:
ارتفاع التضخم بشكل مفاجئ نتيجة ضعف الشيكل وارتفاع أسعار السلع. ازدياد عجز الموازنة بسبب الإنفاق الدفاعي وتراجع الإيرادات الضريبية. انهيار فرص الاستثمار نتيجة فقدان الثقة الدولية في استقرار النظام. ركود اقتصادي وانخفاض النمو المتوقع لعام 2025.وقال الخبير الاقتصادي أليكس زبجينسكي من مجموعة "ميتاف" إن إسرائيل تواجه خطرا حقيقيا بخفض التصنيف خلال الأشهر القادمة، مضيفا أن مثل هذا التخفيض وقع في 50% من الحالات المماثلة عالميا.
فقدان محركات النموويسلط التقرير الضوء على تراجع قطاعات إستراتيجية، أبرزها التكنولوجيا المتقدمة، التي تشكل القاطرة الأساسية للنمو الإسرائيلي.
إذ بدأت الشركات العالمية -بحسب الصحيفة- تتردد في الاستثمار أو شراء المنتجات الإسرائيلية، بسبب الفوضى السياسية والأمنية. كما أن عدم احترام قرارات المحكمة العليا يشكّل ضربة لسمعة إسرائيل كمركز مالي وتقني موثوق.
ميزانية 2025.. تقشف للفقراءورغم الأزمة، تصر الحكومة الإسرائيلية على تمرير ميزانية عام 2025 التي تتضمن تخفيضات قاسية في الإنفاق على الصحة والتعليم والرفاهية، مقابل إنفاق "سخيف" على مكاتب حكومية زائدة، ورحلات الوزراء، وأموال سياسية تُعرف بـ"الميزانيات الائتلافية"، تُمنح للأحزاب الدينية مقابل دعمها السياسي، وفق وصف الصحيفة.
إعلانونتيجة لذلك، سيواجه المواطن الإسرائيلي حسب الصحيفة:
انخفاضا في جودة الخدمات العامة. تآكلا في القدرة الشرائية بسبب ارتفاع الأسعار. عبئا ضريبيا أكبر لتغطية العجز المتزايد. ارتفاعا في الفوائد على القروض السكنية والاستهلاكية.ويشير تقرير "كالكاليست" إلى أن إسرائيل لم تعد تواجه أزمة اقتصادية تقليدية، بل أزمة متعددة الأبعاد، سببها الرئيسي قرارات سياسية تهدد بتقويض استقرار الدولة، مؤسساتها، ونموها الاقتصادي.
وفي ظل هذه المعطيات، قد تكون الأشهر المقبلة حاسمة في تحديد مستقبل الاقتصاد الإسرائيلي، ولكن المؤشرات حتى الآن تدعو للقلق وليس للتفاؤل.