لقد برع البروفسور في مجال اختصاصه الدقيق في أمراض النساء والولادة في زمن ماض كان فيه عدد الاختصاصين محدودي العدد والعدة ، لكنه برز كفارس نبيل يحمل قلمه ومشرط عملياته ، وسماعته الفضية وجاكيته الأبيض النقي من كل شوائب الوقت وأدرانه ، هكذا خاض الحياة ومعترك العمل في مستشفى /عبود بخور مكسر رحمة الله عليه.

لقد اختار بلد الاغتراب الاختياري بلغاريا الأوروربية الجميلة ، وهو من يحمل في روحه الرومانسية الطبية في سلوك حياته العام والخاص أجمل الخواص والصفات البشرية ، لأنه لم يستطع تحمل العيش تحت وزر وثقل نتائج الصراعات التي نشبت في عدن بين شراذم القبائل الماركسية المتخلفة النزقة في أحداث 13 يناير 1986 م المشؤومة ، وفضّل العيش منزوياً في ظلال الثقافة العلمية الأوروبية ذات النفس والروح ( السلافية ) المتميزة حول العالم ، هؤلاء النوع من البشر الأنقياء الأصفياء هم صنف نادر من البشر في هذه الحياة ، يحتجبون بغلاف واق و شفاف عن تأثير رذاذ المجتمعات المأزومة والمتناحرة ، ولهذا عاش مع زوجته البلغارية المثقفة وابنته الحسناء ذات الثقافية الأوروبية الناضجة.

تعرفت على البروفسور الجميل في نهاية السبعينات من القرن العشرين حينما كنا وعدداً من الأصدقاء نتردد على سكنه وفلته الأنيقة البيضاء في المدينة البيضاء بخور مكسر ،كنا نتردد عليه باستمرار أنا ومجموعة من الأصدقاء  منهم البروفسور / عبدالقادر محمد علوي العلبي ، والبروفسور / محمد طه شمسان مقطري ، والبروفسور / أحمد سالم الجرباء البابكري وآخرين لم أعد أتذكرهم ، كان طبيب وإنساناً نوعياً في سلوكه وتصرفاته وأحاديثه الشيقة ، وكان يقدم الخدمات الطبية المجانية للمرضى القادمين من أرياف اليمن .

لم يكن البروفسور / باهديله طبيباً اختصاصياً منغلقاً على تخصصه أو

 على أبحاثه وقراءاته فحسب ، لا .. بل لقد كان ناشطاً ثقافياً وسياسياً حزبياً من الطراز الرفيع ، وكان أحد نشطاء حزب المفكر اليمني الكبير / عبدالله عبدالرزاق باذيب رحمة الله عليه.

وفي مطلع الثمانينات عُين كأول نائب أكاديمي لكلية الطب والعلوم الصحية في جامعة عدن ، وكرم في الذكرى الأربعين لتأسيس جامعة عدن بالميدالية الذهبية باعتباره أحد المؤسسين الأوائل في الجامعة.

لماذا نكتب نحن الأحياء عن أحبابنا وأصدقائنا الذين سبقونا إلى حياة الخلود الأبدي تاركين لنا الدنيا بما فيها من متاعب وهموم وآهات ؟

لكنهم في ذات الوقت تركوا لنا  أيضاً  أعمالاً وآثار اً يشار لها بالبنان ، دعونا نجتهد هنا في هذه العجالة وربما قد مررنا عليها في مرثيات سابقة لأحباء آخرين :

أولاً: نحن الأحياء تلزمنا أخلاقياتنا بأن نُدوّن  عن اصدقائنا ممن فقدناهم أجمل ذكرياتنا ومعايشاتنا التي لازلنا نتذكرها ونعشق سماع تردادها حتى في لحظة خلوتنا مع ذواتنا للمراجعة والتذكر والاستمتاع بلحظاتها.

ثانياً: نستذكر أعمالهم وإنجازاتهم العظيمة والتي قدموها أثناء سير أعمالهم وحياتهم المليئة بالجهد والنشاط المثمر و والذي تركوه كتراث وإرثٍ

 

 للأجيال المتعاقبة، وندعو الله جل في علاه بأن تشملهم رحمته وغفرانه وتوبته ، إنه سميع مجيب.

ثالثاً: لكل فقيد منا (رحمة الله عليه وأسكنه الجنة الواسعة) ، أحباباً وأبناء وأقارب ومحبين ومريدين ومتشيعين ، يشعرون بامتنان عظيم كما نظن ونعتقد ، بأن أحبتهم لم يتم تغييب ذكراهم وذكر مناقبهم بعد ان توفاهم

 الأجل، وظل ذكر أعمالهم يتردد في وسائل الإعلام ومجالس الذكر الطيب ، وتلهج  ألسنة الناس بذكرهم وذكر مناقبهم الباقية للناس.

رابعاً: الخالدون منا وإن فقدناهم أجساداً وصعود أرواحهم لبارئها في السماوات العُلى ، إلا إن أعمالهم وأفكارهم وسلوكياتهم ، ومحاسنهم وإحسانهم تجعلهم خالدين خلود الدهر ، ويعيشوا معنا ما دمنا نسير على هذه المعمورة.

خامساً: أما فئة المبدعين والمفكرين والفلاسفة والأطباء الماهرين المتميزين فهم خالدون خلود الدهر ، وعلينا نحن الأحياء المهتمين ان نوثق ونسجل مآثرهم العلمية والثقافية كي تبقى إرثاً يتوارث للأجيال المتعاقبة.

سادساً: كل الشعوب والأمم الحيه المثقفة والحريصة على تراثها وتراث شخصياتها في العالم أجمع تحفظ وتدون بحرص عال و شديد تاريخ ومدونات مبدعيها في حوافز و سجلات وأضابير ومراكز بحثية تاريخية ، ومتاحف لحفظ تراث أمتها من خلال حفظ تاريخ مبدعيها ورموزها ومميزيها.

سابعاً: يتم تخليد المنجزات الفردية والجماعية للأفراد والنوابغ من نخبة المجتمعات ومنهم كوكبة الأطباء المبدعين أمثال البروفسور / وهيب عبدالرحيم باهديله في السجل الذهبي لتاريخ الأمة.

لقد ودعت اليمن والمجتمع الأكاديمي والثقافي والإنساني في مدينة عدن وصنعاء في تاريخ 1/ نوفمبر /2024 م في مدينة صوفيا / جمهورية بلغاريا واحداً من أنبل وأشرف أبنائها المخلصين للوطن اليمني العظيم و ظل وفيّاً حتى آخر يوم من حياته واقفاً مع وحدة التراب اليمني وشعبه العظيم ، وستظل الأجيال اليمنية تتذكر عمله ونشاطه وتاريخه المهني الطبي بكل تقدير واحترام ووفاء .

بسم الله الرحمن الرحيم ( ( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي))

صدق الله العظيم.

رحم الله فقيدنا البروفسور / وهيب عبدالرحيم باهديله ، وأسكنه فسيح جناته وألهم أهله وذويه وطلابه ومحبيه ومريديه الصبر والسلوان إنا لله وإنا إليه راجعون.

 

الخلاصة:

إن هؤلاء العباقرة أمثال / وهيب عبدالرحيم باهديله هم الميراث المشترك بين شعوب المنطقة كلها وتحديداً بين المدن عدن وصنعاء وحضرموت وإثيوبيا ، هؤلاء الأفراد الاستثنائيين ينبغي ان نتذكر تراثهم وإنجازاتهم العلمية النوعية خلال مسيرتهم العلمية ، هكذا نستطيع نحن الأحياء أن نحافظ على ميراثهم العلمي الإنساني الجميل .

وفوق ذي كل علم عليم

*عضو المجلس السياسي الأعلى في الجمهورية اليمنية /صنعاء

 

 

المصدر: ٢٦ سبتمبر نت

إقرأ أيضاً:

غزة الآن.. الاحتلال الإسرائيلي يقصف الأحياء ويستهدف الأطفال

استشهد 5 فلسطينيين، وأُصيب آخرون بجروح مختلفة، اليوم السبت، في قصف شنته طائرات الاحتلال الحربية على مدينة رفح الفلسطينية، جنوبي قطاع غزة.

وأفادت وكالة الأنباء الفلسطينية «وفا»، باستشهاد 3 فلسطينيين، وإصابة آخرين، جراء قصف طائرة مُسيَّرة تابعة للاحتلال مجموعة من الفلسطينيين في منطقة الجنينة شرقي مدينة رفح الفلسطينية.

الاحتلال يستهدف المدنيين في خربة العدس

وأضافت أنّه تم تسجيل شهيدين جراء استهدافهما من قبل طائرات الاحتلال الحربية في منطقة خربة العدس شمالًا. كما أفادت وسائل إعلام فلسطينية، اليوم السبت، بأن جيش الاحتلال الإسرائيلي، نسف مربعات سكنية بمخيم جباليا، شمالي قطاع غزة.

وأكدت أن طائرات جيش الاحتلال استهدفت منزلين بمحيط مستشفى كمال عدوان في بيت لاهيا شمالي قطاع غزة. وأشارت إلى تسجيل شهيد ومصابين جراء قصف الاحتلال تجمعًا للفلسطينيين بمنطقة الجنينة شرقي رفح الفلسطينية، جنوبي القطاع.

وأوضحت أن هناك إصابتين إثر قصف مُسيّرة إسرائيلية تجمعًا للأهالي في حي الجنينة شرقي المدينة، كما استهدف قصف مدفعي إسرائيلي منطقة الريان.

الاحتلال ينسف منازل المواطنين في قطاع غزة

وقصف طيران الاحتلال الإسرائيلي منازل لفلسطينيين في محيط مسجد مصعب بن عمير في بلدة بيت لاهيا شكال قطاع غزة؛ ما أسفر عن استشهاد عدد من الفلسطينيين، بينهم أطفال، بحسب وكالة الأنباء الفلسطينية «وفا».

وأوضحت أن قوات الاحتلال تواصل عمليات نسف المنازل في مناطق شمال قطاع غزة، خاصة في مخيم جباليا، بينما تواصل مدفعية الاحتلال قصفها تلك المناطق بالقذائف والأسلحة الرشاشة.

وتواصل قوات الاحتلال عدوانها على قطاع غزة، برًا وبحرًا وجوًا، منذ السابع من أكتوبر 2023، ما أسفر عن استشهاد 43764 فلسطينيًا، أغلبيتهم من النساء والأطفال، وإصابة 103490 آخرين، في حصيلة غير نهائية، إذ لا يزال آلاف الضحايا تحت الركام وفي الطرقات ولا تستطيع طواقم الإسعاف والإنقاذ الوصول إليهم.

إسرائيل ترتكب مذبحة بحق الأطفال والأبرياء في غزة

من جهته قال ستيف سوسيبس، رئيس صندوق إغاثة أطفال فلسطين، إنّ إسرائيل ترتكب مذبحة واضحة بحق الأطفال والأبرياء في قطاع غزة، مشيرًا إلى أن هناك مئات الأطنان من القنابل استُخدِمت في مواجهة 2 مليون فلسطيني في غزة.

وأضاف «سوسيبس»، في تصريحات لقناة «القاهرة الإخبارية»، أن قطاع غزة يشهد ظروفًا متردية للغاية بسبب تفشي عدد كبير من الأمراض لعدم توفر الإمكانات الطبية اللازمة وتدمير البنية التحتية، فضلًا عن انتشار المجاعة وأمراض سوء التغذية بسبب تعمد إسرائيل تعطيل وصول المساعدات اللازمة للمدنيين داخل القطاع.

وأوضح أن الحكومات الغربية تشارك في الإبادة الجماعية التي تحدث في قطاع غزة، بسبب عدم الانخراط الفعال في إيجاد الحلول لوقف العدوان الإسرائيلي.

وذكر رئيس صندوق إغاثة أطفال فلسطين، أن استهداف إسرائيل للعاملين في القطاع الإنساني الذين يرفعون أعلام الأمم المتحدة، يعد انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي والقانون الانسان الدولي، ولابد من اتخاذ وقفة ضد هذه العدائيات وهذه الانتهاكات الكبيرة، وأيضًا يجب حماية العاملين الأمميين في أونروا وغيرها من الوكالات الأممية المعنية التي تعمل داخل الأراضي الفلسطينية.

وأشار إلى أن المنظمة تعمل عن كثب مع نظيراتها الأممية الأخرى لتيسير إيصال المساعدات إلى قطاع غزة ودعم العمليات الإنسانية لخفض المعاناة بشكل عام.

ومع استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر من العام الماضي، تتضاعف أعداد الشهداء من الأطفال في القطاع، كما تتزايد معاناتهم وتتكاثر جراحهم، وتتحول طفولة هؤلاء الأبرياء إلى سلسلة من الأحداث الصادمة التي تترك أثرًا عميقًا على حياتهم ونفسياتهم، وسط ظروف معيشية قاسية وحصار خانق.

وبحسب تقرير للأمم المتحدة، فإنّ النساء والأطفال يشكّلون قرابة 70% من الشهداء جراء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في الفترة بين نوفمبر 2023 وأبريل 2024.

ويعد الأطفال هم الفئة الأكثر تمثيلا من الوفيات التي تم التحقق منها. وتتركز الفئات العمرية الأكثر تمثيلا في الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 5 إلى 9 سنوات، والأطفال من 10 إلى 14 سنة، والرُضَّع، والأطفال من 0 إلى 4 سنوات.

وكان المتحدث باسم وكالة الأمم المتحدة للطفولة «يونيسيف»، جيمس إلدر، قد قال للصحفيين في جنيف في وقت سابق إن الحرب في غزة تسببت في مقتل 40 طفلًا كل يوم طيلة العام الماضي، واصفًا الوضع في القطاع بأنه «جحيم على الأرض».

مقالات مشابهة

  • أنوار الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم
  • فلسفة الأحياء التخليقية
  • عبدالرحيم علي يُعزّي خليل المنيسي في وفاة عمّته
  • بالفيديو.. عبدالرحيم علي يبكي الشهيد محمد مبروك
  • كيف نتهيأ لرؤية النبي في المنام؟.. كثرة الصلاة عليه تُنير القلب (فيديو)
  • غزة الآن.. الاحتلال الإسرائيلي يقصف الأحياء ويستهدف الأطفال
  • «الأنباء اللبنانية»: إسرائيل تشن غارات على مدينة صور وتدمر أجزاء من الأحياء السكنية
  • 20 نوفمبر.. تأجيل محاكمة متهم بقتل صديقه في أوسيم
  • ردًا على "حواس"… خبير: دخول يوسف عليه السلام مصر واقع يؤكده التاريخ