تعداد يرسم خرائط البشر والسياسة: المناطق المتنازع عليها في قلب الجدل
تاريخ النشر: 19th, November 2024 GMT
19 نوفمبر، 2024
بغداد/المسلة: يستعد العراق لإجراء التعداد السكاني يوم الأربعاء المقبل، وهو الأول من نوعه منذ عقدين.
ويأتي التعداد وسط أجواء متوترة تعكس المخاوف من تداعياته السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
و في الوقت الذي تسعى فيه السلطات إلى طمأنة المواطنين بشأن استخدام البيانات، تزداد الأصوات المعارضة والمشككة، وسط مزيج من التحليلات والمواقف الشعبية المتباينة.
وقالت مصادر في الجهاز المركزي للإحصاء إن الهدف الأساسي من التعداد هو “الحصول على صورة دقيقة للتوزيع السكاني والاحتياجات التنموية”، مشددة على أن البيانات ستكون محمية بسرية تامة ولن تُستخدم لأي أغراض سياسية أو ضريبية.
و مع ذلك، أفادت تحليلات بأن المواطنين يخشون أن تُستغل هذه البيانات لاحقًا لتطبيق سياسات قد تمس مصالحهم، مثل إلغاء المعونات الاجتماعية أو فرض ضرائب إضافية.
على مواقع التواصل الاجتماعي، تداول ناشطون مقاطع فيديو وتغريدات تعكس هذا القلق.
إحدى التغريدات التي لاقت انتشارًا واسعًا ذكرت: “هل سيتحول التعداد إلى أداة بيد الحكومة لفرض مزيد من الأعباء على المواطنين؟”. بينما اعتبر مواطن أن “الشكوك ليست من فراغ، فقد تعودنا أن تتحول وعود الطمأنة إلى قرارات مفاجئة”.
في المناطق المتنازع عليها بين العرب والأكراد، يبدو الوضع أكثر تعقيدًا. تردد واسع بين السكان في كركوك والمناطق المشابهة، حيث يطالب الأكراد بتأجيل التعداد لحين تطبيع الأوضاع وفق المادة 140 من الدستور.
وقال مصدر كردي: “إجراء التعداد الآن سيعطي أرقامًا غير دقيقة بسبب النزوح والظروف غير المستقرة”. لكن بغداد رفضت هذه الدعوات، مشيرة إلى قرار المحكمة الاتحادية بعدم التعارض بين إجراء التعداد وتطبيع الأوضاع.
وذكرت تحليلات أن هذه المخاوف تعكس قلقًا أكبر بشأن التوازن الطائفي والسياسي في البلاد.
البعض يرى أن الأرقام الناتجة عن التعداد قد تستخدم لتحديد نسب الطوائف، مما قد يؤثر على توزيع المناصب الحكومية وحصة كل طائفة في الموازنة.
وقال أحد المراقبين: “التعداد ليس مجرد أرقام، بل هو عملية قد تؤثر على مستقبل البلاد لسنوات طويلة”.
في الشارع، تتباين الآراء. تحدثت سيدة في بغداد عن خشيتها من أن يُساء استخدام بياناتها الشخصية، قائلة: “لا أثق بالوعود، ولا أعرف ماذا سيفعلون بمعلوماتنا”.
في المقابل، دعا ناشط اجتماعي إلى المشاركة، مشيرًا في تغريدة له إلى أن “التعداد فرصة لتصحيح المسار التنموي، لكن هذا لن يحدث إلا إذا شاركنا جميعًا”.
توقعات المحللين للمستقبل تتراوح بين السيناريوهات الإيجابية والسلبية. من جهة، قد يؤدي التعداد إلى تحسين الخطط التنموية وتوزيع أكثر عدالة للموارد. ومن جهة أخرى، قد يزيد من التوترات إذا اعتبرت أي طائفة أو مكون أن النتائج لم تصب في صالحه.
مع اقتراب موعد التعداد، يبدو أن النقاشات ستظل مستعرة، وربما تمتد تأثيراتها إلى ما بعد إعلان النتائج.
و يشهد العراق يومي 20 و21 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري أول تعداد سكاني شامل منذ عام 1987 وبعد تعداد 1997 الذي لم يشمل محافظات إقليم كردستان، لأنها كانت شبه مستقلة عن العراق في عهد النظام السابق.
ويعتبر هذا التعداد العاشر الذي تشهده البلاد في تاريخها الحديث، ويُعد حدثا وطنيا بالغ الأهمية سيلقي بظلاله على مستقبل العراق السياسي والاجتماعي، إذ من المتوقع أن يسهم في رسم صورة دقيقة عن التوزيع السكاني ونسبة مكونات البلاد المختلفة.
وجرت التعدادات السابقة كالتالي:
أجري أول تعداد عام 1920 على يد الإدارة البريطانية للعراق.
ثاني تعداد نُظم عام 1927 وألغيت نتائجه لكثرة الأخطاء التي رافقت العملية.
تم ثالث تعداد عام 1934 لغرض الانتخابات.
أجري رابع تعداد عام 1947 ونجح بشدة مما دعا حكومة “المملكة العراقية” حينها لإقرار قانون يقضي بإجراء تعداد للسكان كل 10 سنوات.
الخامس عام 1957 وكان آخر تعداد في العهد الملكي.
تعداد عام 1965 وكان الأول في العهد الجمهوري.
السابع كان عام 1977.
الثامن نظّم في عام 1987.
التعداد التاسع أجري في عام 1997.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post AuthorSee author's posts
المصدر: المسلة
كلمات دلالية: تعداد عام
إقرأ أيضاً:
مخاوف أسعار النفط تُشعل القلق.. هل تتكرر سيناريوهات التقشف؟
6 أبريل، 2025
بغداد/المسلة: في ظهيرة هادئة، كان الموظف حسن الجنابي ينتظر رسالة الراتب المعتادة، لكن الرسالة لم تأتِ. في أحد الأحياء المكتظة في بغداد، جلس حسن أمام شاشة هاتفه يقلب الأخبار، وعيناه تتنقل بين التغريدات والتحليلات، تحاول أن تلتقط أي خبر يطمئنه. كتب على صفحته في فيسبوك: “الليلة الثالثة بلا راتب.. هل عدنا إلى أيام التقشف؟”.
وهذه القصة لم تحدث الى الان لكنها مثال على احتمال وقوع مثل هذا الحدث في ظل تراجع أسعار النفط العالمية.
ما يحدث لحسن ليس حالة فردية.
آلاف الموظفين في القطاع العام العراقي يعيشون اليوم قلقاً مماثلاً، مع تصاعد التحذيرات من أن الموازنة العامة لم تعد قادرة على تأمين رواتب ملايين العاملين في الدولة.
وتراجعت أسعار النفط العالمية بنسبة 7% في يوم واحد، لتغلق عند أدنى مستوياتها منذ أكثر من ثلاث سنوات.
ومع هذا التراجع، ارتفعت المخاوف من انهيار قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها الأساسية.
وأفادت تحليلات اقتصادية أن العراق، الذي يعتمد على النفط في تمويل أكثر من 90% من موازنته، بات أمام مأزق مالي حاد.
ووفق معلومات تم تداولها في أوساط اقتصادية مطلعة، فإن العجز في الموازنة قد يتجاوز 24 تريليون دينار خلال النصف الثاني من السنة، ما لم تتعافَ أسعار النفط بشكل عاجل.
وقال الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي في منشور له على فيسبوك: “الإيرادات النفطية الصافية لن تكفي سوى لتغطية الرواتب فقط، وإذا استمر هذا الانخفاض في الأسعار، فقد نصل إلى لحظة حرجة يتوقف فيها صرف الرواتب نهائياً”.
وأصدر ترامب تعريفة كمركية شملت العراق بنسبة بلغت 39%، ضمن ما سماه “يوم التحرير التجاري”.
وقال المحلل الاقتصادي بلال الخليفة إن هذه الخطوة ستكون لها تداعيات مباشرة على الصادرات النفطية، وستقلل من قدرة الحكومة العراقية على التفاوض مستقبلاً، مضيفاً أن “الضغط الأميركي لم يكن اقتصادياً فقط، بل يحمل أبعاداً سياسية عميقة”.
في السياق ذاته، اعتبر باحث اجتماعي أن الأزمة القادمة لن تكون مالية فقط، بل اجتماعية بامتياز، إذ إن فقدان الاستقرار الاقتصادي لدى الموظف الحكومي يعني اضطراباً في دورة الحياة العامة، من المدارس حتى المستشفيات.
وذكرت آراء محللين أن الحكومة، حتى لو لجأت للاقتراض الداخلي أو الخارجي، فإن ذلك لن يكون حلاً مستداماً في ظل بنية اقتصادية ريعية عاجزة عن توليد إيرادات غير نفطية.
وقال تحليل نشرته مجلة “ذا إيكونوميست” مؤخراً إن العراق سيكون من أكثر الدول هشاشة أمام تقلبات أسعار النفط مستقبلاً، خاصة مع استمرار السياسات المحاصصية التي تعرقل إصلاح البنية الاقتصادية.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post Author moh mohSee author's posts