أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء تحليلا جديدا سلّط من خلاله الضوء على واقع وآفاق الاستثمار العالمي في ظل استمرار الأزمة الروسية - الأوكرانية التي اندلعت منذ فبراير 2022، إضافة إلى استعراض واقع الاستثمار في مصر في ضوء الأوضاع العالمية.

وأشار مركز المعلومات إلى قيام الاستثمارات الأجنبية المباشرة طوال السنوات الماضية بدور رئيس في النمو الاقتصادي لمعظم دول العالم؛ وسعى العديد من الدول نحو اتخاذ جميع الإجراءات وتغيير سياستها المالية والنقدية بما يجذب الاستثمارات الأجنبية، لكن تغيَّرت البيئة العالمية للاستثمار الدولي بشكل كبير مع اندلاع الأزمة الروسية الأوكرانية التي حدثت في وقت لا يزال فيه العالم يعاني من تأثير جائحة فيروس كورونا، وخلَّفت الأزمة آثارًا امتدت لتشمل جميع أنحاء العالم؛ إذ تسببت في حدوث اضطرابات في التجارة والاستثمار في العالم أجمع؛ فضلًا عن التأثير على مستهلكي الغذاء والوقود على مستوى العالم.

وأضاف المركز في تحليله أنّه بحسب البنك الدولي، فقد جاءت الأزمة الروسية - الأوكرانية في لحظة صعبة للاقتصاد العالمي؛ حيث كان العالم يشهد تباطؤًا في التعافي من الركود الناجم عن جائحة «كوفيد-19» مع ظهور متغيرات جديدة، كما دفع التضخم المتزايد مجلس الاحتياطي الفيدرالي والبنوك المركزية الرئيسة الأخرى إلى رفع أسعار الفائدة بمستويات غير مسبوقة، وعلى خلفية اندلاع الأزمة الروسية الأوكرانية فقد شكَّل عدم يقين المستثمرين، وتجنب المخاطرة، ضغطًا على الاستثمار الأجنبي الدولي المباشر.

تقرير الاستثمار العالمي لعام 2023

كما أدت أزمتا الغذاء والوقود والأزمة المالية الناجمتين عن الأزمة الروسية - الأوكرانية إلى تثبيط مناخ الأعمال، فرغم تعافي الاستثمار الأجنبي الدولي المباشر وعاد في عام 2021 إلى مستويات ما قبل الجائحة، مع وصوله إلى نحو 1.6 تريليون دولار أمريكي، فإنّه تراجع في عام 2022.

وأوضح تقرير الاستثمار العالمي لعام 2023 الذي صدر بعنوان: «الاستثمار في الطاقة المستدامة للجميع»، الصادر عن مؤسسة الأونكتاد «مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية» خلال شهر يوليو 2023، انخفاض الاستثمار العالمي بنسبة 12% على أساس سنوي في عام 2022 ليصل إلى 1.3 تريليون دولار أمريكي، ويرجع ذلك أساسًا إلى الأزمات العالمية المتداخلة، الأزمة الروسية الأوكرانية، وارتفاع أسعار الغذاء والطاقة، والدين العام المتزايد.

وظهر هذا الانخفاض في الغالب في الاقتصادات المتقدمة؛ حيث انخفض الاستثمار الأجنبي المباشر بنسبة 37% ليصل إلى 378 مليار دولار أمريكي عام 2022، في حين زادت التدفقات إلى البلدان النامية بنسبة 4% لتصل إلى 916 مليار دولار أمريكي، وإن حدث ذلك بشكل غير متكافئ؛ حيث اجتذب عدد قليل من البلدان الناشئة الكبيرة معظم الاستثمار بينما انخفضت التدفقات إلى الدول الأقل نموًّا.

ولكن على الجانب الإيجابي، ارتفعت إعلانات المشروعات الاستثمارية التأسيسية بنسبة 15% على أساس سنوي في عام 2022، ونمت في معظم المناطق والقطاعات، وشهدت الصناعات التي تكافح مع تحديات سلسلة التوريد، بما في ذلك الإلكترونيات وأشباه الموصلات والسيارات والآلات، زيادة في المشروعات، بينما تباطأ الاستثمار في قطاعات الاقتصاد الرقمي، كما استمر الاستثمار الدولي في مجال توليد الطاقة المتجددة، بما في ذلك الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في النمو، ولكن بمعدل أبطأ بنسبة 8% من النمو المسجل في عام 2021 بنسبة 50%. وتجدر الإشارة إلى أنّ المشروعات المعلنة في مجال تصنيع البطاريات تضاعفت 3 مرات لتصل إلى أكثر من 100 مليار دولار في عام 2022.

التعافي من الركود الناجم عن «كوفيد-19»

وأوضح التحليل أنّ الاستثمار في تقنيات الطاقة النظيفة فاق مؤخرًا بشكل كبير الإنفاق على الوقود الأحفوري؛ حيث أن القدرة على تحمل تكاليف الاستثمار في تقنيات الطاقة النظيفة، والمخاوف الأمنية التي أثارتها أزمة الطاقة العالمية، عززا الزخم وراء خيارات أكثر استدامة.

كما قدَّم التعافي من الركود الناجم عن جائحة كوفيد-19 والاستجابة لأزمة الطاقة العالمية دفعة كبيرة للاستثمار في الطاقة النظيفة، فوفقًا لتقديرات الوكالة الدولية للطاقة لعام 2023 مقارنة ببيانات عام 2021، ارتفع الاستثمار السنوي في الطاقة النظيفة بشكل أسرع بكثير من الاستثمار في الوقود الأحفوري خلال هذه الفترة (24% مقابل 15%)، ومن المقرر استثمار نحو 2.8 تريليون دولار أمريكي على مستوى العالم في الطاقة في عام 2023، ومن المتوقع أن يذهب أكثر من 1.7 تريليون دولار أمريكي إلى التقنيات النظيفة، بما في ذلك مصادر الطاقة المتجددة، والمركبات الكهربائية، والطاقة النووية، والشبكات، والتخزين، والوقود منخفض الانبعاثات، وتحسين الكفاءة والمضخات الحرارية.

تعزيز استثمارات الطاقة النظيفة

وأضاف التحليل أنّه تمّ تعزيز استثمارات الطاقة النظيفة من خلال مجموعة متنوعة من العوامل، شملت:

- انتعاش الاقتصاد في وقت ارتفاع أسعار الوقود الأحفوري وتقلبها.

- تعزيز دعم السياسات من خلال أدوات مثل قانون خفض التضخم الأمريكي والمبادرات الجديدة في أوروبا واليابان والصين، وأماكن أخرى.

- المواءمة القوية لأهداف المناخ وأمن الطاقة، لا سيما في الاقتصادات المعتمدة على الاستيراد.

- التركيز على الاستراتيجية الصناعية؛ حيث تسعى الدول إلى تعزيز موطئ قدمها في اقتصاد الطاقة النظيفة الناشئ.

ومن المتوقع أن تمثل الطاقة منخفضة الانبعاثات ما يقرب من 90% من إجمالي الاستثمار في توليد الكهرباء، وتُعَد الطاقة الشمسية أحد الأمثلة البارزة للطاقة النظيفة، فمن المتوقع أن يُنفَق أكثر من 1 مليار دولار أمريكي يوميًّا في استثمارات الطاقة الشمسية في عام 2023 (380 مليار دولار أمريكي للعام بأكمله)، متجاوزًا هذا الإنفاق على الوقود الأحفوري للمرة الأولى.

آفاق الاستثمار في مصر

وعن الأزمة الروسية الأوكرانية وآفاق الاستثمار في مصر، أشار التحليل إلى أنّ صافي الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر شهد عام 2022 ارتفاعًا ملحوظًا؛ حيث أوضح تقرير الاستثمار العالمي لعام 2023 الصادر عن مؤسسة الأونكتاد «مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية»، إلى ارتفاع تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر إلى 11.4 مليار دولار أمريكي عام 2022، مقابل 5.12 مليارات دولار أمريكي عام 2021 محققًا بذلك معدل نمو يفوق الضعف (122%).

وبحسب التقرير، فإنّ مصر جاءت في المركز الأول من حيث التدفقات الداخلة إلى القارة الإفريقية، مستحوذة على 25% من إجمالي تدفقات الاستثمار الأجنبي إلى إفريقيا عام 2022، يليها كل من جنوب إفريقيا وإثيوبيا، وجدير بالذكر أن حجم تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر لمصر شكلت نحو 75.8% من إجمالي التدفقات في دول شمال إفريقيا والتي بلغت 15 مليار دولار عام 2022.

كما شهدت مصر تدفقات فاقت الضعف مع زيادة مبيعات الاندماج والاستحواذ عبر الحدود. وتضاعف عدد المشروعات التي أُعلن عنها هناك لتصل إلى 161 مشروعًا عام 2022، وارتفعت قيمة صفقات تمويل المشروعات الدولية بمقدار الثلثين لتصل إلى 24 مليار دولار أمريكي.

وعلى صعيد آخر، أشار التقرير إلى أن معظم المناطق حول العالم، باستثناء شرق ووسط آسيا، سجلت زيادة في المشروعات الجديدة المعلن عنها، وفي هذا الصدد فقد شهدت أفريقيا قفزة في عام 2022 بنسبة 39% في تلك المشروعات، نجمت بشكل رئيس عن مضاعفة عدد المشروعات في مصر وزيادة عددها في جنوب إفريقيا والمغرب وكينيا.

وتضاعفت إعلانات المشروعات الجديدة من قبل الشركات متعددة الجنسيات الهندية أكثر من ثلاثة أضعاف لتصل إلى 42 مليار دولار أمريكي. وقد كان اثنان من أكبر المشروعات الجديدة في مجال الطاقة المتجددة بمصر؛ حيث أعلنت مجموعة (Acme) عن إنشاء مصنع بقيمة 13 مليار دولار في مصر لإنتاج 2.2 مليار طن من الهيدروجين الأخضر سنويًّا، وأعلنت شركة (ReNew Power) أنها ستنشئ محطة هيدروجين أخضر بقيمة 8 مليارات دولار أمريكي في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس.

ويُعَدُّ مشروع محطة الهيدروجين الأخضر بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس من بين أكبر ثلاثة مشروعات تم الإعلان عنها في الدول النامية عام 2022، وفي مجال المياه والصرف الصحي والنظافة (WASH)، يُعَدُّ مشروع محطة تحلية مياه تعمل بالطاقة الشمسية بقدرة 400 ميجاوات في مصر من بين أكبر ثلاثة مشروعات في هذا المجال بتكلفة 1.5 مليار دولار أمريكي.

كما جاءت مصر ضمن أكبر 10 اقتصادات نامية حسب الاستثمار الدولي في الطاقة المتجددة خلال الفترة (2015-2022)؛ حيث احتلت المركز السابع بنسبة مساهمة 14% في حصة الطاقة المتجددة من إجمالي قيمة المشروعات، و4% من إجمالي الحصة المنتجة للبلدان النامية.

وذكر التحليل أنه في حين زادت إعلانات الاستثمار في مجال خطوط نقل الكهرباء (Transmission Lines) في البلدان النامية في عام 2021 مقارنة بعام 2020، فإنها تباطأت مرة أخرى في عام 2022، وكانت معظم مشروعات إنشاء خطوط النقل في الاقتصادات الناشئة الكبيرة، بما في ذلك الهند ومصر والبرازيل والإمارات العربية المتحدة والكويت على التوالي، وتشمل هذه المشروعات ليس فقط بناء محطات للكهرباء بل أيضًا الإعلان عن مشروعات خطوط لنقل الكهرباء إلى الأسواق الخارجية.

وأشار تقرير الأونكتاد إلى الإعلان عن مشروع كابل الكهرباء تحت سطح البحر (Elica Interconnection)، والذي يتضمن إنشاء كابل بحري مزدوج بطول 963 كيلو مترًا بين السلوم في مصر ونيا ماكري في منطقة أتيكا باليونان، وذلك بغرض نقل الكابل 3 جيجاوات من طاقة الرياح والطاقة الشمسية.

وأشار التحليل إلى إعلان مصر عن حوافز على المشروعات الممولة من الاستثمار الأجنبي المباشر في الصناعات والمجالات الرئيسة تصل إلى 55% من قيمة الضريبة على الدخل المتولد، وأنه سوف يتم منح الحوافز إذا تم تمويل ما لا يقل عن 50% من المشروع الاستثماري أو توسعته بالعملة الأجنبية.

ويتوقع صندوق النقـد الدولي أن يتخذ صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشـر في مصر اتجاهًا عامًّا تصاعديًّا ليصل إلى نحو 17.1 مليار دولار عام 2024-2025.

وذكر التحليل أنّ مؤشرات تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى مصر، تبرز تمتع مصر بالعديد من المقومات الاقتصادية لجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية، يساندها في ذلك الإصلاحات الاقتصادية الكلية التي تبنتها الدولة مؤخراً خلال السنوات الأخيرة؛ وهو ما تؤكده دومًا المؤسسات الدولية التي أشارت إلى عدد من نقاط القوة الرئيسة التي يمتلكها الاقتصاد المصري.

ويتمثل أبرزها في كبر حجم الاقتصاد المصري وما يتمتع به من قاعدة صناعية راسخة ومتنوعة مع إمكانية الاستثمار في مجموعة واسعة من القطاعات والأنشطة الاقتصادية بما في ذلك قطاع الهيدروكربونات والصناعات التحويلية، إضافة إلى وجود سوق استهلاكية كبيرة يرجع إلى تعداد سكان مصر الذي جعلها أكثر الدول اكتظاظًا بالسكان في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فضلًا عن موقع مصر الاستراتيجي باعتبارها طريقًا تجاريًّا رئيسًا بين أوروبا وآسيا بما يعزز من كفاءة تدفقات التجارة ويزيد من الشركاء التجاريين المحتملين، وكذلك تمتُّع مصر بإمكانية الوصول إلى الأسواق الرئيسة الكبيرة من خلال العديد من الاتفاقيات التجارية التي تضمن للمستثمرين سهولة التوسع في الأسواق الدولي.

كما تتمتّع مصر ببنية تحتية قوية إذ أسهمت الاستثمارات الحكومية في البنية التحتية خلال الفترة بين «2014 - 2019» في تحسن ترتيب مصر في المؤشر الفرعي للبنية التحتية بمؤشر التنافسية العالمية؛ لتأتي في المرتبة 52 وفقًا لتقرير عام 2019، مقارنة بالمرتبة 125 وفقًا لتقرير عام 2014 - 2015.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: أسعار الغذاء أسعار الفائدة أسعار الوقود أكثر الدول أنحاء العالم أهداف المناخ اتخاذ القرار ارتفاع أسعار اقتصاد العالم الطاقة النظيفة الاستثمار الأجنبی المباشر الأزمة الروسیة الأوکرانیة ملیار دولار أمریکی الاستثمار العالمی الطاقة المتجددة الوقود الأحفوری الطاقة الشمسیة الطاقة النظیفة الاستثمار فی بما فی ذلک من إجمالی فی الطاقة فی عام 2022 لتصل إلى من خلال أکثر من لعام 2023 فی مجال عام 2023 عام 2021 فی مصر

إقرأ أيضاً:

معلومات الوزراء يستعرض تأثير التحول الأخضر في قطاع البناء والتشييد على مستقبل الاقتصاد العالمي

أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، تحليلاً جديداً حول التحديات والآفاق المستقبلية للتحول الأخضر في قطاع البناء والتشييد، بالإضافة إلى دوافع التحول الأخضر في القطاع، والفوائد المرتبطة بهذا التحول، إلى جانب دور وتأثير ذلك على مستقبل الاقتصاد العالمي.

وأشار التحليل إلى أن التحول الأخضر في قطاع البناء والتشييد يُعد إحدى القضايا الرئيسة التي تواجهها الصناعات في العصر الحديث؛ فمع تزايُد الوعي البيئي والاتجاه العالمي المتزايد الذي يصاحبه سياسات وإجراءات دولية وإقليمية ووطنية للحد من تأثيرات الأنشطة البشرية على البيئة لضمان استدامتها للأجيال القادمة؛ أصبح قطاع البناء والتشييد يتجه بشكل متزايد نحو تبني ممارسات وأساليب خضراء وأكثر استدامة. ويتمثل هذا التحول في تحسين كفاءة استخدام الطاقة، وتقليل انبعاثات الكربون، وتعزيز استخدام المواد الصديقة للبيئة، وتطبيق تكنولوجيات مبتكرة تدعم الاستدامة.

وأوضح التحليل أن قطاع البناء والتشييد يُشكل أحد أكبر المساهمين في انبعاثات الكربون على مستوى العالم؛ إذ يتسبب في حوالي 37% من إجمالي الانبعاثات الكربونية العالمية، ويشمل القطاع الصناعات الثقيلة المرتبطة به كالفولاذ والأسمنت، وتلك الصناعات تُعد من أبرز المصادر التي يصعب تقليل انبعاثاتها، ونتيجة لهذا التأثير الكبير للقطاع في تفاقُم مشكلة تغير المناخ؛ أصبحت الحاجة إلى التحول الأخضر في البناء أمرًا ملحًّا.

وأضاف التحليل أنه في السنوات الأخيرة، تزايدت الأولويات العالمية لمكافحة تغير المناخ، وهو ما دفع قطاع البناء إلى تبني تقنيات وأساليب مبتكرة للحد من أثره البيئي، كما أن الجهود الدولية المبذولة لمكافحة تغير المناخ، مثل اتفاقية باريس للمناخ التي تهدف إلى تقليل انبعاثات الكربون، قد زادت من الضغط على القطاعات المختلفة، بما في ذلك قطاع البناء، من أجل التحول إلى ممارسات أكثر استدامة.

علاوة على ذلك، فإن التحول الأخضر في هذا القطاع لا يقتصر على تقليل الانبعاثات فقط، بل يشمل أيضًا تحسين الكفاءة في استخدام الموارد مثل الطاقة والمياه، وتقليل النفايات الناتجة عن العمليات الإنشائية، ويترتب على ذلك فوائد اقتصادية واجتماعية كبيرة، أبرزها: توفير تكاليف تشغيل المباني، وتحسين جودة حياة السكان، وتعزيز الاستدامة بشكل عام.

وأشار التحليل إلى وجود العديد من الفوائد للتحول الأخضر في قطاع البناء والتشييد، بداية من الفوائد الاقتصادية، مرورًا بتعزيز القدرة التنافسية، ووصولًا إلى المكاسب البيئة.

وقد استعرض التحليل تلك الفوائد على النحو التالي:
-تحسين الكفاءة الاقتصادية: وهي من أبرز الفوائد التي يقدمها التحول الأخضر في قطاع البناء؛ حيث تشير الدراسات إلى أن المباني التي تمتاز بالاستدامة وتحمل شهادات مثل LEED (الريادة في تصميم الطاقة والبيئة) تحقق قيمًا عُليا بفضل كفاءتها في استهلاك الطاقة؛ مما يؤدي إلى زيادة في قيمتها الإيجارية وارتفاع قيمتها السوقية.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن لتصاميم المباني وأنظمة الطاقة الفعالة أن تقلل بشكل كبير من التكاليف التشغيلية على المدى الطويل؛ مما يعزز القدرة التنافسية لأصحاب المشروعات والمطورين.

كما كشف تحليل أجرته مجموعة بوسطن الاستشارية (BCG) أن الشركات التي تتميز بتطبيق أفضل الممارسات في مجال مؤشرات الاستدامة تحقق انخفاضًا ملحوظًا في مخاطر الحوكمة البيئية والاجتماعية (ESG)؛ مما ينعكس إيجابًا على تقييماتها السوقية؛ حيث تسجل زيادة تتراوح بين 10% و15%.

علاوة على ذلك، فإن تطبيق تقنيات البناء المستدامة، مثل استخدام المواد المسبقة التصنيع وتقنيات البناء المعياري، يؤدي إلى تسريع عمليات البناء وتقليل التكاليف المرتبطة بها، وتُسهم هذه التقنيات أيضًا في تقليل الفاقد وتحسين استخدام الموارد؛ مما يجعل العمليات الإنشائية أكثر فعالية.

-فتح أسواق جديدة وتعزيز القدرة التنافسية: إذ أن التحول الأخضر في البناء والتشييد يفتح أيضًا آفاقًا جديدة للأسواق؛ فمع تزايُد الاهتمام بتقنيات البناء المستدامة، أصبحت المواد الخضراء والتصاميم الصديقة للبيئة أكثر جاذبية، وهو ما يُعزز القدرة التنافسية للشركات في هذا القطاع.

على سبيل المثال، باتت تقنيات كالبناء المعياري واستخدام المواد مسبقة التصنيع، أكثر جاذبية بالنسبة للمستثمرين والمطورين الذين يسعون لتحقيق وفرة في التكاليف وزيادة فعالية الإنتاج.

-مكاسب بيئية واجتماعية: عندما يتم تطبيق ممارسات البناء الأخضر، فإن الفوائد البيئية والاجتماعية تكون بارزة، فعلى المستوى البيئي يعمل التحول الأخضر في البناء على تقليل انبعاثات الكربون وتحسين جودة الهواء داخل المباني، فضلًا عن الحد من استهلاك المياه والطاقة.

أما على المستوى الاجتماعي، فتُسهم المباني الخضراء في تحسين جودة الحياة من خلال توفير بيئات عمل وسكن صحية وآمنة للمستخدمين. كما يمكن أن يؤدي التحول إلى تحسين التفاعل المجتمعي وتعزيز التنمية المستدامة.

وأوضح التحليل أنه على الرغم من الفوائد الكبيرة للتحول الأخضر في قطاع البناء، فإن هناك عدة تحديات تواجه تنفيذ هذا التحول، وقد استعرض التحليل أبرز هذه التحديات:

-التكاليف الأولية المرتفعة: إذ تُعَد التكاليف الأولية المرتفعة من أبرز العوائق التي تعترض تطبيق تقنيات البناء الأخضر؛ حيث يتطلب بناء المباني الخضراء استخدام مواد وتقنيات مبتكرة أغلى من تلك التي يتم استخدامها في البناء التقليدي. على سبيل المثال، قد تتطلب إضافة أنظمة الطاقة المتجددة مثل الألواح الشمسية أو توربينات الرياح تكاليف أولية مرتفعة، فضلًا عن تكاليف تصميم المباني التي تتطلب تخطيطًا متقدمًا لتحسين كفاءة الطاقة.

-تعقيد التصميم والتخطيط: أحد التحديات الأخرى يكمن في تعقيد تصميم المباني الخضراء؛ فلتحقيق أقصى استفادة من كفاءة الطاقة، يتطلب تصميم المباني الخضراء معرفة متخصصة حول كيفية تحسين الإضاءة الطبيعية، والتهوية، واستخدام الطاقة بشكل فعال. هذه العمليات قد تتطلب وقتًا وجهدًا إضافيين من المهندسين المعماريين والمصممين؛ مما يزيد من التكاليف.

-قلة الخبرات والعمالة الماهرة: يتطلب تنفيذ مشروعات البناء المستدام معرفة فنية عالية، وهو ما قد يتسبب في صعوبة العثور على العمالة المدربة التي تتمتع بالكفاءات اللازمة لبناء المباني الخضراء. في بعض المناطق، قد يتطلب الأمر استثمارًا كبيرًا في تدريب العاملين في هذا المجال.

أشار التحليل إلى أن الحوافز المالية والسياسات الحكومية تلعب دورًا كبيرًا في دعم التحول الأخضر؛ ففي بعض الأسواق قد تكون اللوائح المتعلقة بالبناء الأخضر غير كافية أو متناقضة؛ مما يؤدي إلى تقليل الحوافز لتطبيق ممارسات الاستدامة؛ لذلك من المهم تطوير بيئة تنظيمية تدعم الاستثمار في البناء الأخضر من خلال توفير الحوافز المالية والإعفاءات الضريبية.

كما تقوم التكنولوجيا بدور بارز في القطاع؛ فقد شهد قطاع البناء تحولات كبيرة نتيجة لاستخدام التكنولوجيات الحديثة التي تدعم الاستدامة، ومن أبرز هذه التكنولوجيات: "التكنولوجيا العقارية" التي تشمل استخدام الذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء، والبيانات الكبيرة لتحسين كفاءة استخدام الموارد في المباني.

أضاف التحليل أن هذه الحلول تُسهم في مراقبة استهلاك الطاقة، وتحسين استدامة المباني، من خلال ضبط الأنظمة التكنولوجية في الوقت الفعلي، كما أن تقنيات البناء التكنولوجي، كالبناء المسبق والطباعة ثلاثية الأبعاد، تُسهم بشكل كبير في تقليل الفاقد وتقليل التأثير البيئي للمشروعات الإنشائية، كما يساعد استخدام هذه التقنيات في تقليل استهلاك المواد وتقليص الحاجة إلى العمالة اليدوية؛ مما يؤدي إلى بناء مشروعات أكثر استدامة وأقل تكلفة

ومن المتوقع أن تُسهم المباني الخضراء في تعزيز النمو الاقتصادي العالمي بطرق متعددة، منها:

-التحول الأخضر سيؤدي إلى توفير فرص عمل جديدة في قطاعات البناء والهندسة والطاقة، كما ستفتح الأسواق الجديدة التي تركز على البناء المستدام أبوابًا جديدة للابتكار والنمو في هذه الصناعات.

-المباني الخضراء توفر بشكل كبير في التكاليف على المدى الطويل، فعلى سبيل المثال، تُصمَّم المباني الخضراء لتكون أكثر كفاءة في استهلاك الطاقة والمياه؛ مما يُسهم في تقليل النفقات التشغيلية لمالكي المباني والمستأجرين، كما أن هذه المباني غالبًا ما تحقق قيمة عالية في السوق؛ ويؤدي إلى زيادة قيمتها العقارية.

-من المتوقع أن يؤدي التحول الأخضر في البناء إلى تقليل التأثيرات البيئية الناتجة عن الأنشطة الإنشائية، بما في ذلك الحد من انبعاثات الكربون والتقليل من النفايات؛ بشكل يُسهم في تعزيز الاستدامة البيئية على المستوى العالمي.

أوضح التحليل في ختامه أن التحول الأخضر في قطاع البناء والتشييد يُعد خطوة حاسمة نحو تحقيق التنمية المستدامة في العالم، ومن خلال تبني ممارسات وتقنيات البناء المستدامة يمكن الحد من الانبعاثات الكربونية، وتحسين كفاءة استخدام الموارد، وتوفير بيئات معيشية وصحية للمجتمعات.

هذا، وعلى الرغم من التحديات المرتبطة بالتحول، مثل: التكاليف الأولية المرتفعة، وتعقيد التصميم، فإن الفوائد الاقتصادية والاجتماعية التي يقدمها هذا التحول تجعل من الضروري الاستمرار في تطويره، من خلال التعاون بين الحكومات والقطاع الخاص والقطاع الأكاديمي، بما يُمكِّن من بناء مستقبل أكثر استدامة في قطاع البناء والتشييد.

مقالات مشابهة

  • الخطيب: 46.1 مليار دولار حجم الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر خلال 2024
  • وزير الاستثمار يبحث مع «دانا غاز» آليات تعزيز التعاون في قطاع الطاقة بمصر
  • قطر تعد قوانين جديدة سعيا لتعزيز الاستثمار الأجنبي
  • قطر تضع 3 قوانين جديدة لتعزيز الاستثمار الأجنبي
  • رئيس الوزراء النيوزيلندي: سنخفف القواعد لجذب الاستثمار الأجنبي
  • معلومات الوزراء يستعرض تأثير التحول الأخضر في قطاع البناء والتشييد على مستقبل الاقتصاد العالمي
  • 1.4 تريليون دولار قيمة الاستثمار الأجنبي المباشر العالمي
  • «معلومات الوزراء» يستعرض جهود الدولة في توطين صناعة الهواتف المحمولة بمصر
  • يتخطى 67 مليار دولار.. تفاؤل دولي بمستقبل ‏الاحتياطي الأجنبي لمصر ‏
  • «معلومات الوزراء»: الاستثمار الأجنبي مصدر مهم للتمويل الخارجي