التليغراف: إخفاقات مجموعة فاغنر تهزّ ثقة أفريقيا في وعود بوتين
تاريخ النشر: 18th, November 2024 GMT
شهدت علاقات أفريقيا مع روسيا تقلبات وتحولات عديدة بعد إخفاقات مجموعة "فاغنر" في القارة ما قد يقدي إلى زعزعة الثقة بالوعود التي أطلقها فلاديمير بوتين، وذلك بينما جاء الدعم الروسي للمجموعة بهدف تعزيز نفوذ موسكو في القارة السمراء.
وذكرت صحيفة "التليغراف" في تقرير ترجمته "عربي 21"، أن مقاطع الفيديو الواردة من عاصمة مالي في أيلول/ سبتمبر تتعارض بشكل صارخ مع التضمينات التي قدمتها مرتزقة مجموعة فاغنر الروسية للمجلس العسكري الحاكم في البلاد بشأن تحسين الأمن.
وفي 17 أيلول/ سبتمبر؛ استيقظ سكان باماكو على إطلاق نار في المطار وأكاديمية الدرك، بينما أظهرت دعاية القاعدة مسلحين 33 النيران في طائرة ويهاجمون صالة الركاب، وقد أسفرت الهجمات عن مقتل ما يصل إلى 100 شخص، معظمهم من المجندين الجدد في الشرطة، حيث تمكنت جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" من اختراق اثنين من أكثر المواقع تأمينًا في البلاد.
وأوضحت الصحيفة أن "هجمات الجهاديين كانت بمثابة إحراج للمجلس العسكري الذي تولى السلطة جزئيًا بسبب الإحباط الشعبي من محاولات الحكومة السابقة الضعيفة للتعامل مع عقد من عنف المسلحين الإسلاميين، لكنها كانت أيضًا إهانة لشريكها الأمني، مجموعة فاغنر الروسية المرتزقة التي حلت محل فرنسا والأمم المتحدة في مالي من خلال الوعد بتحقيق الأمن حيث فشلوا".
واعتبرت الصحيفة أن هجمات باماكو لم تكن هي الفشل الوحيد البارز لمجموعة فاغنر، التي أعيد تسميتها الآن باسم "فيلق أفريقيا"، هذا الصيف في مالي.
وفي أواخر تموز/ يوليو، تعرضت قافلة فاغنر لكمين وتم إبادة أفرادها قرب الحدود الجزائرية، في أكبر هزيمة للمرتزقة في أفريقيا على الإطلاق.
وذكرت الصحيفة أن "شريط فيديو نشره المتمردون في تلك الحادثة أظهر جثث عشرات الروس ملقاة حول مركباتهم التي تم نهبها، وأن متمردي الطوارق في شمال مالي زعموا أنهم قتلوا ما لا يقل عن 84 مرتزقًا، بالإضافة إلى 47 جنديًا ماليًا، بعد محاصرتهم أثناء عاصفة رملية".
وأفادت بأن هذه ليست الصورة التي كان فلاديمير بوتين يروج لها هذا الأسبوع في قمة قادة أفريقيا في سوتشي، عندما عرض على حلفائه الجدد "الدعم الكامل"، ومع ذلك، يقول الخبراء في منطقة الساحل إن الحادثتين تظهران أن فاغنر تكافح من أجل الوفاء بوعودها بعد أكثر من سنتين من نجاحها في التفوق على الغرب.
وبينت الصحيفة أن إخفاقاتها قد أدت إلى إضعاف سمعتها في كقوة فعالة بلا رحمة، وقد تدفع دولًا أخرى إلى إعادة التفكير قبل اللجوء إلى موسكو طلبًا للمساعدة.
ونقلت الصحيفة عن أولف لايسينغ، مدير برنامج الساحل في مؤسسة كونراد أديناور الألمانية، قوله: "بشكل عام، لم يتمكنوا من تحقيق أكثر مما حققه الفرنسيون أو الأوروبيون في تحسين الأمن، ويقول البعض إنهم جعلوا الوضع أسوأ بسبب قسوتهم الشديدة".
وأضاف لايسينغ: "من وجهة نظر تسويقية، سيكون من الأصعب على روسيا أن تظهر أنها تحقق شيئًا حقيقيًا أو أنها أكثر نجاحًا من الفرنسيين والأوروبيين".
وبحسب يقول ويل براون، من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إنه بعيدًا عن أن تكون مجموعة فاغنر خصمًا بارعًا يتفوق على الغرب بخطوتين، فهي تعاني من التمدد العسكري المفرط وتكافح، على الأقل في منطقة الساحل.
وأضاف براون: "خذ خطوة إلى الوراء وراقب الوضع ستجد أن العمليات العسكرية الروسية في أفريقيا لا تحقق النجاح، وموسكو لا تضع نفسها كشريك طويل الأمد للحكومات الأفريقية".
وذكرت الصحيفة أن مالي تعاني من أزمة عميقة منذ أواخر سنة 2011 على الأقل، عندما استولى الانفصاليون الطوارق والفصائل الإسلامية المتطرفة على تمبكتو وغاو وبلدات أخرى في الشمال، مشيرة إلى أن القوات الفرنسية تدخلت للمساعدة، وحققت بعض النجاحات في البداية، لكنها تعثرت بعد ذلك في مهمة صعبة لمكافحة التمرد شابها توتر العلاقات مع الحكومة.
وامتدت أعمال العنف أيضًا إلى بوركينا فاسو والنيجر المجاورتين، وشهدت البلدان الثلاثة انقلابات عسكرية في السنوات الأخيرة مع تفاقم الأزمة.
وأوضحت الصحيفة أن الكرملين استخدم، مستفيدًا من مجموعة فاغنر كذراع لسياساته الخارجية، آلة التضليل الإعلامي للعب بمهارة على الإحباطات المحلية العميقة تجاه فرنسا، بهدف طرد القوة الاستعمارية السابقة.
وقد اتجهت الدول الثلاث منذ ذلك الحين نحو موسكو للحصول على المساعدة، معتمدة بدرجات مختلفة على قوات فاغنر.
وتمتلك فاغنر حوالي 1,500 مرتزق في مالي، و400 في بوركينا فاسو، وما لا يقل عن 100 في النيجر، ومع ذلك، كانت الأوضاع في هذه الدول تزداد سوءًا، لا تحسنًا، حتى قبل صعوبات مجموعة فاغنر البارزة هذه السنة.
ووفقًا لبيانات "موقع وأحداث الصراع المسلح" التي تتعقب الصراع، ارتفعت الوفيات نتيجة للعنف السياسي في البلدان الثلاثة بنسبة 38 بالمائة في سنة 2023، بينما زادت وفيات المدنيين بنحو الخُمس.
وأضافت الصحيفة أن انتهاكات فاغنر ضد السكان أصبحت أيضًا بمثابة شعار قوي لحشد وتجنيد قوي للجهاديين الذين يقاتلونهم.
وفي أسوأ حادثة، اكتشفت الأمم المتحدة "دلائل قوية" على أن القوات المالية و"الأفراد العسكريين الأجانب" قتلوا أو نفذوا إعدامات ميدانية لأكثر من 500 شخص في قرية مورا في منطقة موبتي بمالي في آذار/ مارس 2022.
وبعد المذبحة التي وقعت بالقرب من الحدود الجزائرية، انتشرت شائعات تفيد بأن فاغنر أبلغت مالي برغبتها في تقليص العمليات الأكثر طموحًا والمعرضة للخطر في المناطق النائية.
لاعب قوي
وقال براون: "بينما تظل روسيا لاعبًا قويًا في بعض أجزاء أفريقيا، أظهرت الأحداث الأخيرة في دول الساحل أن القوات الروسية ممتدة للغاية وتفقد مصداقيتها".
ووفق الصحيفة، كتب لورانس فريدمان، أستاذ الدراسات الحربية الفخري في كلية كينغز بلندن، في وقت سابق من هذا الشهر: "قد يكون هناك عنصر من الشماتة في رؤية روسيا تفشل في تحرك كبير ضد مصالح الغرب وتجد نفسها عالقة في فوضى، لا يمكنها الخروج منها إلا بخسارة وجه"، لكنه حذر من أن الفشل قد يحول منطقة الساحل إلى مركز للعنف المتطرف الذي يمكن أن يسبب مشاكل في غرب أفريقيا.
وأضافت الصحيفة أنه في الوقت الذي قد يستمتع فيه الغرب بالصعوبات التي تواجهها موسكو، فإن أوروبا وأمريكا ليستا في وضع جيد للاستفادة منها.
وأوضح لاسينج أن العلاقات بين منطقة الساحل وفرنسا لا تزال مقطوعة، مضيفًا: "لا أحد يريد عودتهم، كما أن الدول الأوروبية الأخرى مترددة في القيام بأعمال مسلحة".
وذكرت الصحيفة أن دونالد ترامب يرث بصمة دبلوماسية أمريكية متضائلة في أفريقيا، مع وجود سفارات تعاني من نقص في عدد الموظفين، ولا يُعتقد أن القارة السمراء تشكل أولوية كبيرة على أجندة الرئيس الجديد.
تركيا تعزز نفوذها
ومع ذلك، تُظهر عدد الدول التي انخرطت في الحرب الأهلية المؤلمة في السودان أنه لا يوجد نقص في القوى المتوسطة التي تتنافس على النفوذ في المنطقة، والتي يمكن أن تتقدم بدلاً من ذلك.
وعلى سبيل المثال، قد تكون تركيا في الموقف الأمثل بعد أن قضت سنوات في تعزيز نفوذها وتوسيع تجارتها عبر أفريقيا.
وقالت الصحيفة إن أنقرة وقعت اتفاقيات تعاون عسكري مع أكثر من 25 دولة أفريقية، حيث زودت تلك الدول بأسلحة مصنوعة في تركيا، بما في ذلك الطائرات المسيرة، والطائرات الهليكوبتر، والطائرات التدريبية، والمركبات المدرعة.
وأضافت الصحيفة أن مواقفها العدائية تجاه العقوبات التي فرضها الغرب على الأنظمة العسكرية في النيجر وبوركينا فاسو ومالي ساعدت في تعزيز علاقاتها مع هذه الدول أيضًا.
واختتمت الصحيفة تقريرها بالإشارة إلى تصريح أحد المصادر الدبلوماسية والتي أدلى بها لوكالة رويترز الشهر الماضي: "أكبر ميزة لتركيا هي تاريخها غير الاستعماري. وعندما يبحث القادة المناهضون للإمبريالية عن شركاء جدد، يفكرون فينا أولاً وقبل كل شيء."
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية سياسة دولية أفريقيا روسيا فاغنر بوتين مالي روسيا أفريقيا بوتين مالي فاغنر المزيد في سياسة سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة منطقة الساحل مجموعة فاغنر الصحیفة أن
إقرأ أيضاً:
ماذا يحدث بين الجزائر ودول الساحل؟
تحتل منطقة الساحل الإفريقي، الممتدة من السنغال إلى السودان، مكانة محورية في الحسابات الأمنية والسياسية للجزائر، نظرًا لما تشهده من هشاشة مزمنة وتوترات متصاعدة، وعلى الرغم من الروابط التاريخية والثقافية التي تجمع الجزائر بدول الساحل الخمس (مالي، النيجر، موريتانيا، بوركينا فاسو، وتشاد)، إلا أن العلاقة بين الطرفين تتسم بالتعقيد، نتيجة تداخل المصالح الأمنية، الاقتصادية، والدبلوماسية، في ظل منافسة جيوسياسية متزايدة بالمنطقة.
العلاقات التاريخية والتطورات الحديثة
لطالما شكلت الجزائر جزءًا من الفضاء التجاري والثقافي الرابط بين شمال إفريقيا ودول جنوب الصحراء عبر القوافل والمسارات الصوفية. وبعد استقلال دول الساحل في ستينيات القرن الماضي، دعمت الجزائر حركات التحرر وأرست علاقات سياسية وثيقة معها، غير أن معطيات الألفية الجديدة، خاصة تصاعد التهديدات الإرهابية وتهريب السلاح والمخدرات، أضفت طابعًا أمنيًا ضاغطًا على هذه العلاقات.
الأمن ومكافحة الإرهاب محور الشراكةباتت منطقة الساحل تمثل مصدر تهديد مباشر للجزائر، خاصة مع بروز جماعات مثل "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" و"داعش في الصحراء الكبرى". وقد قادت الجزائر عام 2010 تأسيس "لجنة الأركان العملياتية المشتركة" (CEMOC) بتمنراست لتنسيق الجهود الأمنية مع مالي والنيجر وموريتانيا، مع الالتزام بعدم التدخل العسكري المباشر خارج حدودها وفقًا لعقيدتها الدفاعية التقليدية.
ورغم تعدد المبادرات الأمنية، بقي الوضع في الساحل هشًا، مما دفع الجزائر إلى المزج بين الدعم الأمني والتحركات الدبلوماسية الهادفة إلى إرساء حلول سياسية مستدامة.
دبلوماسية الوساطة: دور محوري رغم التحدياتبرزت الجزائر كوسيط رئيسي خلال أزمة شمال مالي (2012-2015)، حيث قادت مفاوضات معقدة أفضت إلى "اتفاق الجزائر للسلام والمصالحة". ورغم التوقيع، إلا أن التنفيذ بقي متعثرًا بسبب هشاشة مؤسسات الدولة المالية وتغيرات المشهد الميداني، في ظل تدخلات قوى دولية أخرى.
مع ذلك، تتمسك الجزائر بموقعها كوسيط محايد، مستندة إلى شبكة علاقاتها التاريخية ورصيدها الدبلوماسي في القارة الإفريقية.
اقتصاد متواضع وتحديات بنيويةفي الجانب الاقتصادي، تبقى العلاقات بين الجزائر ودول الساحل محدودة نسبيًا مقارنة بالإمكانات المتاحة. ورغم مبادرات كالطريق العابر للصحراء ومشاريع ربط الطاقة، إلا أن ضعف البنية التحتية وانعدام الاستقرار حال دون تحقيق شراكة اقتصادية فاعلة.
الهجرة غير النظامية: مصدر قلق إضافيتحولت الجزائر إلى بلد عبور وإقامة للآلاف من المهاجرين القادمين من دول الساحل، ما فرض عليها تحديات أمنية واجتماعية متزايدة. ورغم تعزيز الرقابة الحدودية وحملات الترحيل، ترى الجزائر أن الاستقرار السياسي والاقتصادي في الساحل يمثل الحل الجذري لمعضلة الهجرة.
منافسة إقليمية ودولية متصاعدةلم تعد الجزائر الفاعل الوحيد في الساحل، حيث دخلت قوى دولية وإقليمية مثل فرنسا، روسيا، تركيا، والمغرب على خط التنافس، مما فرض معادلات جديدة على تحركات الجزائر الإقليمية، وسط محاولات للحفاظ على توازن دقيق بين حماية مصالحها وتجنب الاصطفاف في صراعات محورية.
انعكاسات التدهور الأمني على الجزائريشكل تدهور الوضع في الساحل تهديدًا مباشرًا للجزائر، بدءًا من خطر التسلل الإرهابي، مرورًا بتصاعد الهجرة غير النظامية، وصولًا إلى تنامي أنشطة التهريب العابر للحدود. كل ذلك يدفع الجزائر إلى تخصيص موارد إضافية لتأمين حدودها الجنوبية وتعزيز قدراتها الدفاعية.
هل تندلع حرب بين الجزائر ودول الساحل؟رغم التوترات، تستبعد التحليلات الاستراتيجية نشوب حرب مباشرة بين الجزائر ودول الساحل. العقيدة الدبلوماسية الجزائرية التي ترتكز على احترام السيادة وعدم التدخل العسكري، إضافة إلى هشاشة الجيوش النظامية بدول الساحل، تجعل سيناريو المواجهة العسكرية الشاملة ضعيف الاحتمال.
ومع ذلك، تبقى الجزائر يقظة تجاه سيناريوهات تصعيد محدودة قد تفرض تحركات عسكرية موضعية، لا سيما في حال سيطرة جماعات إرهابية على معابر حدودية، أو صعود حكومات معادية لها، أو تدخل قوى أجنبية معادية في الجوار المباشر.
تحديات وفرص المستقبلبين تهديدات الإرهاب، والهجرة، والاضطرابات السياسية، تلوح أمام الجزائر فرصة لتعزيز دورها الإقليمي عبر تبني دبلوماسية اقتصادية فاعلة، والاستثمار في مشاريع تنموية تربط الساحل بالاقتصاد الجزائري، مع الاستمرار في دعم الحلول السياسية للأزمات المحلية.
الرهان الأكبر يكمن في قدرة الجزائر على تحويل موقعها الجغرافي ووزنها الدبلوماسي إلى أدوات لصياغة مستقبل أكثر استقرارًا لمنطقة الساحل، بعيدًا عن كلفة الحروب والصراعات المباشرة.