المؤتمر الوطني في قبضة لاهاي ومطلوبي الجنائية
تاريخ النشر: 18th, November 2024 GMT
ياسر عرمان
انسداد الأفق، وعمى البصيرة لازم المؤتمر الوطني منذ نشأته، فقد ولد على طبق من النحس. مأساة السودان الحالية في أحد وجوهها ناتجة من سياسات المؤتمر الوطني في تعددية الجيوش وحزبنة الدولة والتدمير المنهجي لوجه الريف المنتج والإقصاء ورفض التنوع والمواطنة، وعبر الزمن تطورت البنادق المساندة والصديقة التي صنعها المؤتمر الوطني إلى تبني خطاب مظلومية ضد مركز السلطة وسياساته.
قضية البندقية المساندة قديمة قدم البرامكة والمماليك ونهاية السلطنة الزرقاء. إن التلاعب في إقامة الجيوش يحرق الغابة في كتاب التاريخ القديم وكتاب الأورطة الحديثة في كسلا مؤخرا. المؤتمر الوطني له وزر ٣٠ يونيو ١٩٨٩ ومشارك رئيسي في حروب الريف ومجزرة فض الاعتصام وانقلاب ٢٥ أكتوبر وحرب ١٥ أبريل، وانقسامه الحالي أرجعه إلى قبضة لاهاي ومطلوبي الجنائية فهو لم يتعلم شيئا، ولم ينس شيئا.
مطلوب الجنائية في كابينة القيادة:صراع نافع-علي عثمان قديم وشيخ علي دائما ما يستعين بالعسكر وقادة أجهزة الأمن في حفظ التوازن يقابله نافع والمستخرجة شهادة ميلاده في العمل السياسي من أجهزة الأمن، والذي استفاد من فترة قيادته للمؤتمر الوطني، وخلق تيارا مواليا له واجهته إبراهيم محمود، وفي الخلفية نافع ومحمد عطا وجماعة تركيا، وقيادة الجيش أحسنت استقبال إبراهيم محمود، ولكن جماعة لاهاي والجنائية لها بالمرصاد، وفي معيتهم علي عثمان وعلي كرتي، وبتحالفهم مع البشير وأحمد هارون أصبحت لهما اليد الطولى في القطاع الأمني والتمويل والعلاقات الخارجية، وأعادوا أحمد هارون إلى كابينة القيادة المتجهة إلى لاهاي بإذن الله، وخيارهم الوحيد هو مواصلة الحرب حتى النهاية برعاية البشير في مروي وعلي عثمان في كسلا، وهم يعملون على بناء جيش مواز على شاكلة الدفاع الشعبي للضغط والسيطرة على القوات المسلحة وتغيير التوازنات وتحت إمرتهم منفذون ذوي خبرة من أمثال أحمد هارون وأسامة عبد الله، وأفضل خياراتهم الاتفاق على قسمة السلطة مع الدعم السريع ثم الانقلاب لاحقا على الدعم السريع، ويحاولون أن يمدوا الأيدي إلى الإسلاميين الذين التحقوا بالدعم السريع ومجنديهم من أجهزة الأمن.
آثار ما يجري على الجيش والسلام والسودان:المجموعة المتنفذة في المؤتمر الوطني لا تثق بقيادة الجيش وبالذات لا تثق بالقائد العام للجيش، وتحاول استخدام نوابه للضغط عليه، حتى لا يوافق على وقف الحرب وحساباتها قائمة على تغيير التوازن على الأرض والزج بأوسع قوى تحمل البنادق المساندة وجوقة خطاب الكراهية والعزف على وتر الانقسامات الاجتماعية، وفي سبيل العودة إلى الحكم مستعدة إلى تقسيم السودان، فهي تقرأ من كتاب قديم.
مجموعة لاهاي ستطيل أمد الحرب ومعاناة المواطنين وجرائم الحرب التي يرتكبها طرفا الحرب، ومجموعة لاهاي لديها تذكرة بلا عودة وهي بائسة وتعيسة، وتعاني انسداداً في الأفق، ولا تنوي الأوبة إلى الله، أو إلى الشعب، فهي في ضلال مبين ومستديم.
العدو الرئيسي لمجموعة لاهاي هو ثورة ديسمبر التي أطاحت بها في غفلة من تدابيرها والمفيد في مجموعة لاهاي أنها منبوذة من المجتمع الدولي والأخطر في مجموعة لاهاي إذا فشل مشروعها في الوصول إلى اتفاق قائم على قسمة السلطة، فإنها ستتجه إلى تقسيم السودان، ومجموعة نافع ليس لديها برنامج مغاير للشمولية.
الجيش:الجيش أوسع من الحركة الإسلامية وهي لا تثق به؛ ولذلك أنشأت البنادق الموازية حوله، وشردت خيرة ضباطه، وتسلقت ظهر الجيش ولها وجود في جسمه القيادي ومع ذلك حينما تجند المستنفرون لا تجندهم داخل الجيش فهي دائما تحتفظ ببندقية موازية لبندقية الجيش، ويجب النظر بدقة لتعقيدات العلاقة وزواج المصلحة بين الإسلاميين والجيش فالأخير بحاجة إلى مجموعة المؤتمر الوطني في التعبئة والتجنيد، فهو يعاني نقصاً حاداً في المشاة والإسلاميين لا يريدون له مصالحة مع الشعب، وأبعدوه لأكثر من ٣٠ عاما من الشعب، وأدخلوه في حروب الريف، ومع ذلك فإن العلاقة ملتبسة ومعقدة بين الطرفين فالجيش مؤسسة والمؤتمر الوطني تيار سياسي اختطف الدولة بأساليب مجرمة، وهذه الحرب مهما كانت مآلاتها ستؤدي إلى هزيمة مشروعه والوعي الذي أنتجته ثورة ديسمبر غير قابل للهزيمة والحل يكمن في بناء قوات مسلحة واحدة ومهنية والقضاء على التمكين السياسي.
أهمية ما جرى:استيلاء مطلوبي الجنائية على قيادة المؤتمر الوطني سيقضي على الدعوات عند بعض الأطراف الخارجية التي كانت تدعو إلى استيعاب المؤتمر الوطني وواجهاته في العملية السياسية، وحاولت طرح العملية السياسية بعيدا عن حق المدنيين في الحماية ومخاطبة الكارثة الإنسانية أولا بوقف الحرب ووقف الانتهاكات وحق المواطنين في العودة إلى قراهم ومدنهم وبيوتهم. إن استيعاب المؤتمر الوطني الآن يمكن أن يتم في لاهاي، وليس في العملية السياسية، فكيف يتم استيعاب أناس في طريقهم إلى لاهاي؟! وما حدث في مؤتمر الشورى هي أمطار خير أزاحت عن المؤتمر الوطني رواية طلاء حائطه بطلاء جديد فهي زبالة لم تكن جيدة السبك، وفي أثناء الخريف والحرب، وقد تصدرها من ادعي رئاسة المؤتمر الوطني من بلدان الجوار وهو متمرس في خلع أسنان الحركة الجماهيرية وبعض المثقفين الذين حاولوا إعادة المؤتمر الوطني إلى الحياة بتطليس مقيت في بعض البودكاست، ولكن كيف أعاهدك وهذا أثر فأسك.
طريقنا نحو المستقبل:طريقنا نحو المستقبل لا يمر بوضع أدينا مع مطلوبي الجنائية، ولن ننتج مستقبلا مشرقا مع المؤتمر الوطني سوي كان موحدا أو منقسما، بل يجب محاسبته على حروبه الطويلة وإجرامه وتدميره لمؤسسات الدولة وحياة الناس.
الوسومياسر عرمانالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: ياسر عرمان المؤتمر الوطنی
إقرأ أيضاً:
مكاسب الجيش في العاصمة… هل تُنهي حرب السودان؟ توقعات بأن تنتقل المعارك منها إلى غرب البلاد
كمبالا: أحمد يونس: الشرق الأوسط: قبل معارك منطقة «جبل موية» بولاية سنار جنوب شرقي السودان خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لم تكن «قوات الدعم السريع» قد خسرت معركة كبيرة منذ بداية الحرب في أبريل (نيسان) 2023.
لكن خسائرها توالت بعد استعادة الجيش تلك المنطقة الاستراتيجية، وتراجعت مناطق سيطرتها تدريجياً في وسط وشرق البلاد، كما أصبح وجودها في العاصمة الخرطوم مهدداً. فهل تعني انتصارات الجيش بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان، وتراجعات «الدعم السريع» بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، أن حرب «الجنرالَين» على وشك الانتهاء؟
يؤكد الجيش أنه حقق انتصارات كبيرة وألحق هزائم فادحة بـ«قوات الدعم السريع»، متوعداً باستمرار الحرب حتى القضاء عليها تماماً. من جانبها، تنفي «قوات الدعم السريع» تعرضها لهزائم، وتؤكد أنها انسحبت من المناطق التي دخلها الجيش من دون معارك، وذلك بسبب «تكتيكات قتالية جديدة»، مشيرة إلى عدم استطاعة الجيش توثيق الخسائر الكبيرة في الأرواح والعتاد التي يتحدث عنها.
ولُحظ أن «قوات الدعم السريع» المنسحبة تتوجه إلى إقليمي دارفور وكردفان حيث الحاضنة الاجتماعية لتلك القوات، فيما يقول متحدثون باسمها إن «المناطق التي انسحبنا منها، انتزعناها من الجيش انتزاعاً في الأشهر الأولى من الحرب. احتفظنا بها لأكثر من عام ونصف العام، ثم تركناها برغبتنا، ونستطيع انتزاعها مرة أخرى متى ما أردنا ذلك». لكن مؤيدي الجيش يرون أن المعركة أوشكت على النهاية، بينما يؤكد مراقبون مستقلون أن «نهاية الحرب لا تزال بعيدة».
استراتيجية جديدة
ويقول المحلل السياسي، الجميل الفاضل، إن تقدم الجيش ليس سوى «جولة من جولات الحرب التي لا تبدو لها نهاية قريبة»، موضحاً أنه «من المتوقع أن تتخذ الحرب طابعاً أكثر عنفاً ودموية، لكن ليس في المناطق التي استردها الجيش، بل في مناطق رخوة في خاصرة الحاضنة الشعبية للجيش».
وأشار الفاضل إلى التصريح الأخير من قائد «قوات الدعم السريع»، محمد حمدان دقلو، الذي طالب فيه قواته بعدم التأثر بفقدان بعض المناطق مؤخراً، وأنه ينبغي عليهم التركيز على مناطق جديدة سيسيطرون عليها. وأضاف الفاضل: «يبدو أن (قوات الدعم السريع) ستتبع استراتيجية جديدة، تتخلى فيها عن تكتيك الانتشار الواسع في البلاد. كما أن هجمات المسيّرات خلال الفترة السابقة تشير إلى مناطق المعارك المرتقبة، فبينما تتراجع في الخرطوم، نشهد تقدمها في مناطق أخرى غرب البلاد بالاشتراك مع (قوات عبد العزيز الحلو)».
وتوقع عدد من المحللين أن تنتقل الحرب من العاصمة إلى أقاليم غرب البلاد، وأن «تتخذ شكلاً أعنف إذا تم تشكيل حكومة موازية في تلك المناطق، وإدخال أسلحة نوعية وإضافة إمكانات حربية جديدة، مما سيغير من خريطة الحرب على الأرض».
معارك العاصمة
ميدانياً، تدور معارك «كسر عظم» في مدن العاصمة المثلثة - الخرطوم وأم درمان وبحري - حيث يحقق الجيش تقدماً لافتاً، ففي منطقة شرق النيل بمدينة بحري، يقترب الجيش وحلفاؤه من جسر «المنشية» الرابط بين شرق النيل ووسط مدينة الخرطوم، بعد أن استعاد معظم منطقة «الحاج يوسف»؛ وهي من أهم معاقل «قوات الدعم السريع» منذ بداية الحرب.
غير أن حدة المواجهات انخفضت في الخرطوم وأم درمان مع بداية شهر رمضان المبارك، فقد تراجعت العمليات في معظم خطوط التماس بين الطرفين المتحاربين، وبقيت مناطق السيطرة كما هي دون تغيرات كبيرة. ويقول شهود إن الجيش ما زال يسيطر على أحياء في جنوب غربي الخرطوم حتى جسر «الحرية» والمنطقة الصناعية، بينما لا تزال «قوات الدعم السريع» تسيطر على أحياء أخرى في جنوب الخرطوم؛ بما فيها القصر الرئاسي ومنطقة «جنوب الحزام»، ومقر القيادة الاستراتيجية التابعة للجيش و«مطار الخرطوم»، والجزء الشرقي من مقر القيادة العامة للجيش.
وفي أم درمان، وسع الجيش من مناطق سيطرته لتشمل بعض الأحياء الجنوبية والغربية من المدينة، خصوصاً منطقتَي أم بدة والفتيحاب، لكن المعارك على حدود المنطقتين تحوّلت إلى كر وفر، من دون تقدم لمصلحة أحدهما.
معارك الغرب
أما في شمال إقليم كردفان بوسط غربي البلاد، فقد حقق الجيش انتصارات باستعادة السيطرة على مدينتَي أم روابة والرهد، وتمكن من الوصول إلى أطراف مدينة الأُبيّض؛ كبرى مدن الإقليم، وفتح الطريق البرية الرابطة بينها وبين وسط البلاد. إلا إن الجيش مُني بهزيمة كبيرة حين حاول التقدم شرقاً باتجاه مدينة بارا، وأعلنت «قوات الدعم السريع» أنها «دحرت القوات المهاجمة وألحقت بها هزائم كبيرة في الأرواح والعتاد»، ولم يصدر تعليق من جانب الجيش.
وتأثرت العمليات العسكرية في ولاية النيل الأزرق بالتحالف الذي نشأ بين «قوات الدعم السريع» وقوات «الحركة الشعبية لتحرير السودان - تيار عبد العزيز الحلو»، فقد استطاعت القوتان معاً السيطرة على عدد من مناطق الولاية المتاخمة لجمهورية جنوب السودان، وأصبحت القوات المشتركة بينهما تهدد حاضرة الولاية؛ مدينة الدمازين.
ووقّعت قوى سياسية وحركات مسلحة، على رأسها «حركة عبد العزيز الحلو»، مع «قوات الدعم السريع» في 22 فبراير (شباط) بالعاصمة الكينية نيروبي، ميثاقاً سياسياً يهدف إلى توحيد العمل السياسي والعسكري ضد الجيش وحلفائه من أنصار النظام السابق، بالإضافة إلى تشكيل حكومة في مناطق سيطرة «قوات الدعم السريع»؛ لمنافسة الحكومة التي يقودها الجيش وتتخذ من مدينة بورتسودان مقراً لها.