هل يدفع ترامب أوروبا للتخلي عن أوكرانيا؟
تاريخ النشر: 18th, November 2024 GMT
باريس – بعد انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة، أصبح حجم المساعدات العسكرية الأميركية المخصصة لأوكرانيا موضع تساؤل بمجرد وصوله إلى السلطة في يناير/كانون الثاني المقبل، خاصة بعد توعد الرئيس الأميركي المستقبلي بإنهاء الحرب "خلال 24 ساعة".
ويأتي هذا التساؤل في ظل أهداف الاجتماع الذي قام به وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في بروكسل، الأربعاء الماضي، مع مسؤولي حلف شمال الأطلسي (ناتو) والاتحاد الأوروبي من أجل تسريع المساعدات لأوكرانيا.
وبالنسبة للموقف الأميركي في الصراع، لا يعتقد خبراء في الشأن الأوروبي أن يتخلى ترامب عن الأوكرانيين، لأن ذلك سيؤدي إلى أكبر ضم للأراضي في تاريخ الغرب الحديث، وسيكرس قانون الأقوى ويعجل بالفوضى في النظام الدولي، إلا أنهم يؤكدون أن الرئيس الأميركي سيلجأ إلى شروط معينة لاستمرار تقديم الدعم لكييف.
شروط ترامبوفي هذا السياق، يعتبر المسؤول السابق في الناتو والمحلل الأمني والإستراتيجي إدوارد هانتر كريستي أن ترامب سيستخدم سلطته بحرية تامة، لكنه "ليس بحاجة إلى الظهور وكأنه موالٍ لروسيا لتجنب الانتقادات التي ستُوجه إليه إذا أوقف الدعم الأميركي لأوكرانيا".
ومع وجود فرص ضئيلة للغاية لاقتراح روسيا شروطا لوقف إطلاق النار، أوضح كريستي -في حديثه للجزيرة نت- أن ترامب قد يحاول الضغط على كل من موسكو وكييف لتوقيع صفقة، "ورغم أنه لا يستطيع السيطرة على الحرب، فإنه لا يزال بإمكانه وضع ثقل لجعل أوكرانيا تفوز، أو لتُقتل تدريجيا وكأنها لقمة سائغة في فم الدب الروسي".
وذكّر المتحدث ذاته بسياسة رئيس الوزراء السلوفاكي روبرت فيتسو، معتبرا أن سياسة وعقلية ترامب لا تختلف كثيرا، فعندما فاز فيتسو في الانتخابات كان قد وعد شعبه بالتخلي عن مساعدة أوكرانيا، لكن ما فعله في الواقع هو إيقاف التحويلات الحكومية السلوفاكية دون أن يوقف التحويلات من القطاع الخاص إلى أوكرانيا.
وبالتالي، من المحتمل أن يجد ترامب بدائل معينة من خلال بيع الأسلحة لكييف بدل منحها من دون مقابل، أو منحها على شكل قروض تسددها لاحقا، أو اللجوء إلى القطاع الخاص بحيث لا تكون الأموال حكومية، ليتم في الأخير الاتساق المطلوب بين رسائله الشعبوية التي قدمها أثناء حملته وبين تهديداته، وفق كريستي.
من جانبه، أشار أولريك بروكنر أستاذ العلوم السياسية بجامعة ستانفورد في برلين إلى بدائل أو شروط ترامب لتقديم الدعم لأوكرانيا، لأن "قراراته غير منتظمة وشخصيته لم تتغير في السنوات الأربع الماضية، لكنه يحيط نفسه الآن بأشخاص يعرفون كيفية إنجاز الأمور بعد أن كان منعزلا وغريب الأطوار، ولا يحترم ولا يهتم بكيفية عمل المؤسسات التي يعتمد عليها الواقع السياسي".
وفي حديثه للجزيرة نت، قال بروكنر إن ترامب يريد أن يتذكره الناس في كتب التاريخ بمثابة الرئيس الذي لم يبدأ حربا، "وهذه إحدى الحقائق القليلة التي تصح مقارنته برؤساء آخرين، كانت لهم سمعة مختلفة وانتهى بهم المطاف إلى بدء الحروب، أو على الأقل لم يتمكنوا من الوفاء بوعودهم مثل باراك أوباما وقضية سجن غوانتانامو أو حرب العراق المجنونة التي شنها جورج دبليو بوش".
يُعرف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأنه المدافع الأكثر شراسة في أوروبا عن ضرورة استقلال التكتل الأوروبي عن المنافسين التجاريين مثل الصين والولايات المتحدة في كل المجالات، وعلى رأسها الدفاع والأمن.
وفي تصريحات سابقة خلال اجتماع للقادة الأوروبيين في بودابست، شدد ماكرون على أن أوروبا بحاجة إلى أن تصبح "آكلة للحوم" بدلا من أن تكون "آكلة للنبات" بعد يوم واحد من فوز ترامب بالانتخابات الرئاسية الأميركية، في ظل المخاوف المتزايدة من خفض مشاركة الولايات المتحدة في حلف الناتو وإجبار الدول الأوروبية على زيادة الإنفاق الدفاعي.
وتعليقا على ذلك، اعتبر بروكنر أن ماكرون يستمر في تكرار نفسه، حيث سبق أن ناقش أفكاره مع عدة رؤساء مختلفين ولم يطرأ أي تغيير، لأنه "لا يمكن إعلان استقلال الدول الأوروبية عن الولايات المتحدة بين عشية وضحاها".
وتابع "قبل بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا، كنا نعتقد -في صمت- أننا لا نعتمد على روسيا، وأن علاقتنا مع الصين والعولمة جيدة، واليوم إذا تعين علينا تحديد الأولويات وإعلان الاستقلال في مجال الطاقة عن روسيا والاستقلال الإستراتيجي عن الولايات المتحدة وإعلان المرونة عن الصين في آن واحد، فسيكون أمرا مبالغا فيه ومكلفا للغاية بالنسبة للقارة الأوروبية".
ويذكر أن لحلف الناتو 3.4 ملايين جندي ولروسيا 1.9 مليون جندي، ويمتلك الحلف 2200 سفينة مقابل 781 لروسيا، وتبلغ ميزانيته 1321 مليار دولار في حين تبلغ ميزانية موسكو 86 مليار دولار. وبالتالي، قد يخلص خبير اقتصادي عسكري إلى تمكّن أوروبا من إعلان استقلالها، إلا أن هذه الأرقام هي أرقام الناتو فقط.
سياسة الاكتنازوعلى الرغم من تراجع أداء الاقتصاد الأوروبي والاضطرابات السياسية مع صعود الأحزاب الشعبوية، فإن أستاذ العلوم السياسية بروكنر يعتقد أن الأوروبيين سيتبرعون بالمال للسماح لأوكرانيا بشراء نظام دفاع جديد كما فعلوا في ليتوانيا.
أما بالنسبة للباحث في المعهد الفنلندي للشؤون الدولية إدوارد هانتر كريستي، فيجد أن مساعدة أوكرانيا لا يجب أن تأتي على حساب قدرة الدول على الدفاع عن نفسها، "وهي طريقة تتبعها كل دولة أوروبية مع بعض الاستثناءات"، ذاكرا الدانمارك مثالا على ذلك التي استنفدت الكثير من مخزوناتها لمساعدة أوكرانيا، في وقت احتفظت فيه الدول الكبرى بالكثير لأنفسها في حالة حدوث سيناريو سلبي.
بدوره، يتوقع المسؤول السابق في الناتو كريستي أن المساعدات الأوروبية ستبقى كما هي وقد تزيد، لكن بحدود معينة بحسب كل دولة في الاتحاد الأوروبي، شرط الاحتفاظ بالأسلحة والذخائر لنفسها لأن كل دولة تتحلى بالأنانية "بشكل عقلاني"، وهي ظاهرة أطلق عليها اسم "الاكتناز"، أي الاحتفاظ بما يكفي من المخزون لنفسها.
ومع وجود عدد كبير من المستفيدين من الحرب الأوكرانية في الولايات المتحدة، بما في ذلك الشركات وأشخاص من معسكر ترامب، أكد كريستي أن "إعلان الولايات المتحدة مغادرتها الناتو كما لو كان ناديا رياضيا وإلغاء العضوية فيه لن يحدث بسهولة".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الولایات المتحدة
إقرأ أيضاً:
لن تعجب ترامب.. سيناريوهات محتملة لضم كندا إلى الولايات المتحدة
يريد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ضم كندا وجعلها الولاية الأمريكية الرقم 51، وإذا ما مضى في سبيل هذه الغاية، فثمة "عواقب غير مقصودة" ستحدث.
ضم كندا يدفع أيضاً إلى واجهة الاهتمام مسألة "الطب الاشتراكي"
وكتبت كاري أكويلا في مجلة ذا هيل الأمريكية، أن الولايات المتحدة تتألف الآن من 50 ولاية مقسمة على 435 نائباً في الكونغرس. وكاليفورنيا التي هي أكبر ولاية تعد 39 مليون شخص ويمثلها 52 عضواً في مجلس النواب. ويبلغ عدد سكان كندا 41 مليون نسمة. وإذا ما صارت كندا ولاية، فيتعين على الكونغرس إضافة 54 عضواً جديداً إلى مجلس النواب كي يمثلوا الأمريكيين الجدد. وستصير كندا ولاية قوية جداً.
وفي حال لم يرد الكونغرس توسيع حجم مجلس النواب، سيتعين عليه الاقتطاع من تمثيل الولايات الأخرى لمنح كندا ما تستحقه. ومن دون الدخول في حسابات رياضية معقدة، فإنه باستثناء الولايات السبع التي تتمثل بعضو واحد في مجلس النواب، فإن بقية الولايات ستخسر نائباً واحداً على الأقل، مما يحد من تأثير قوة هذه الولايات في الكونغرس. ومرة أخرى، ستغلب القوة السياسية لكندا على تمثيل بقية الولايات.
نواب كندا في الكونغرسيمكن الكونغرس أن يؤسس ولايات جديدة من أراضي كندا ومقاطعاتها التي تبلغ 13 مقاطعة في الوقت الحاضر. وحتى مع هذا الإجراء ستحظى كندا بنواب كثيرين، علاوة على 26 سيناتوراً في مجلس الشيوخ.
ثم هناك مسألة الأمنفكندا هي الآن ثاني أكبر بلد من حيث المساحة في البر، لكنها ليست بهذا الكبر كهدف للإرهابيين. ربما، بسبب عدم وجود الكثير من الناس هناك أو ربما لأن الكنديين يتقبلون المهاجرين عادة بسرور. ومهما كان السبب، فإن كندا لا تعتبر حالياً هدفاً مفضلاً على لائحة الإرهابيين.
"Trump won’t like what happens if Canada becomes our 51st state" (@TheHillOpinion) https://t.co/6TOktDSmyM
— The Hill (@thehill) March 23, 2025ومع ذلك، إذا باتت كندا جزءاً من الأراضي الأمريكية، فإنها ستصير هدفاً مغرياً للإرهاب. ومن السهولة بمكان معرفة لماذا هي كندا أكثر أماناً في وضعها الحالي.
إن ضم كندا سيكون مكلفاً جداً. وإذا ما صارت كندا الولاية الأمريكية الـ51، فإنه يتعين على الولايات المتحدة تمويل أمن ثاني أكبر بلد من حيث المساحة. وحتى أن 41 مليون شخص من دافعي الضرائب الجدد الذين يعيشون في كندا، لن يكونوا قادرين على دفع تكاليف الأمن الضروري لحماية هدف مغرٍ وبهذا الحجم. وعوض ذلك، سيتعين على دافعي الضرائب الأمريكيين المساهمة بنسبة كبيرة في توفير الضرورات الدفاعية والأمنية للولاية الجديدة. وأخذاً في الاعتبار كل الجزر والسواحل الأطلسية وتلك المطلة على المحيط الهادئ، فإن تلك الحماية ستكون مكلفة.
وتضيف الكاتبة أن ضم كندا يدفع أيضاً إلى واجهة الاهتمام مسألة "الطب الاشتراكي". ويندد العديد من المواطنين الأمريكيين بالرعاية الصحية الوطنية الناجحة في كندا، باعتبارها رعاية صحية اشتراكية. ويعتقدون أنها ليست أفضل حالاً من البرامج التي دأب الكثير من الجمهوريين المؤيدين لـ"جعل أمريكا عظيمة مجدداً" (ماغا) على إدانتها لسنوات، مثل برنامجي "ميديكير" و"ميديكيد" وقانون الرعاية الصحية بأسعار معقولة (المعروف أيضاً باسم "أوباما كير")، والتي يصفونها أيضاً بأنها رعاية صحية "اشتراكية".
BREAKING: Trump tells Canada if they were to become the 51st state, “their taxes would be cut by more than 60%, their businesses would immediately double in size, and they would be militarily protected like no other country anywhere in the world.” pic.twitter.com/5yoLsnEpio
— Leading Report (@LeadingReport) December 25, 2024ومن المحتمل جداً، أن يدعم جميع نواب الكونغرس وأعضاء مجلس الشيوخ عن الولاية الأمريكية الـ51 الجديدة، ممن يتمتعون بصحة جيدة وينعمون بالرفاهية في ظل نظام الرعاية الصحية الكندي، استمرار شبكة الأمان الطبي الأمريكية، بل وربما توسيعها. وقد يُلحق الأمريكيون الذين يرغبون في الحد من أو إنهاء برنامجي ميديكير وميديكيد وقانون الرعاية الصحية الميسرة، ضرراً بالغاً بقضيتهم، من طريق زيادة عدد الكنديين إلى عدد الناخبين في البلاد وفي الكونغرس.
ويتحول ضم كندا إلى إشكالية، عند أخذ آراء الكنديين في الاعتبار. ببساطة، الغالبية العظمى منهم لا ترغب في الانضمام إلى الولايات المتحدة الأمريكية. واستناداً إلى استطلاع للرأي أجراه مؤخراً معهد يوغوف، فإن 73 في المائة أو أكثر من الكنديين، من جميع الفئات، يعارضون الانضمام إلى الولايات المتحدة.
كما أن القيادة السياسية الكندية تعارض ذلك أيضاً. وصرّح رئيس الوزراء السابق ستيفن هاربر، بأنه سيقبل "بأي مستوى من الضرر" يلحق باقتصاد كندا من أجل الحفاظ على استقلالها. وقال: "سأكون مستعداً لإفقار البلاد وعدم ضمها، إذا كان هذا هو الخيار الذي نواجهه". وردّ رئيس وزراء كندا للسنوات العشر الماضية جاستن ترودو، على اقتراح ترامب قائلاً: "لا أمل يذكر في أن تصير كندا الولاية الـ51". وقال رئيس الوزراء الكندي المنتخب حديثاً مارك كارني: "لن نكون أبداً، بأي شكل من الأشكال، جزءاً من الولايات المتحدة".
وفي الخلاصة، إذا صارت كندا ولاية، فإنها ستصير ولاية تتمتع بكل الحقوق والاحتياجات التي تتمتع بها كل الولايات الأخرى، بدءاً من النفوذ الكبير في الكونغرس، إلى المحتجين ذوي الخلفيات الموجهة، إلى المخاوف الأمنية والكوارث الطبيعية الباهظة الثمن.