ليس من قبيل الصدفة أن تحظى مصر، التى لطالما كانت مهداً للفنون منذ فجر التاريخ، بشرف استضافة الأوركسترا الملكى البريطانى العريق.

فى تلك البقعة الفريدة من العالم، حيث انصهرت على ترابها حضارات غيّرت شكل الحياة على الأرض، وامتزجت ثقافات كتبت سطور التاريخ، وها هى اليوم تفتح أبوابها من جديد ليتلاقى فيها سحر المكان مع عبق الزمان فى هذه البقعة الفريدة، وتتعانق الموسيقى العالمية مع تراث الأجداد، وتشرق شمس الإبداع فى ليلة ساحرة، تتألق فيها أرض الكنانة التى شهدت ميلاد أعظم الفنون، وتطل شمس الإبداع لتسجل لحظة تاريخية جديدة، هى بمثابة احتفاء بالعراقة الموسيقية والتراث الفنى الذى سطره أجدادنا المصريون عبر العصور.

أحسب أن استضافة هذا الحدث الفنى المهم فى رحاب المتحف المصرى الكبير هى أكثر من مجرد عرض موسيقى، يتزامن مع حدث سينمائى وفنى كبير، هو مهرجان القاهرة السينمائى الدولى، أهم مهرجان سينمائى فى أفريقيا والشرق الأوسط، إنها رسالة قوية عن قدرة الفن على تجاوز الحدود الزمانية، وتجسيد حى لروح الفن الذى تجاوز الحدود الجغرافية والمكانية، وأن مصر الخلود بكل ما تحمل من تاريخ ثقافى وفنى عظيم، ستظل دائماً فى قلب الإبداع الفنى العالمى.

إن ما يميز زيارة الأوركسترا الملكى البريطانى، التى تأتى لأول مرة، أنها تمثل نقطة التقاء بين موسيقى عالمية راقية، وتاريخ فنى ضارب فى القدم، وهى بمثابة فرصة ليجتمع العالم على أرض المحروسة فى توقيت شديد الخصوصية، ولحظات فريدة تجمع بين سحر الموسيقى الكلاسيكية والفن السينمائى فى قلب القاهرة، وتأكيد أن هذه الأرض، التى شهدت ميلاد الفنون، ما زالت قادرة على احتضان أرقى أنواع الإبداع الموسيقى العالمى.

الأوركسترا الملكى البريطانى هو -بلا شك- واحد من أعرق الأوركسترا فى العالم. تأسس فى عام 1946، ومنذ ذلك الحين أصبح رمزاً للموسيقى الكلاسيكية البريطانية، ويُعد بمثابة صوت إنجلترا الموسيقى، وهو واحد من أعظم السفراء الثقافيين لبريطانيا فى محافل الفن العالمية.

قدم الأوركسترا الملكى البريطانى لجمهور القاهرة مجموعة من أروع المقطوعات السيمفونية، من بينها أعمال موسيقية شهيرة مثل «كابريتشيو إسبانيول» لريمسكى كورساكوف و«قصيدة مصنف 25 للفيولينة والأوركسترا» لإرنست شوسون، وصولاً إلى أعمال سينمائية خالدة مثل موسيقى هانس زيمر من أفلام «قراصنة الكاريبى» و«بين النجوم». كما تضمن الحفل الموسيقى بعض الأعمال الملحمية مثل «سيد الخواتم» لهاورد شور و«صراع العروش» لرامين جوادى.

وفى تقديرى أن هذه المقطوعات ليست مجرد ألحان جميلة، بل هى سرد حى لتاريخ طويل من الإبداع الذى يتعدّى الحواجز الثقافية، حيث إن هذه المقطوعات تمثل أوج التلاقح الثقافى بين الشرق والغرب، مما يجعل من هذا الحدث تجربة لا تُنسى، تؤكد أن مصر ليست مجرد مكان جغرافى، بل هى قلب العالم الثقافى والفنى، من أهرامات الجيزة إلى معابد الأقصر، ومن فخامة قاعات القاهرة الثقافية إلى أضواء المسارح العالمية، مصر كانت وستظل ملتقى الحضارات ومنبعاً للإبداع.

ولا شك أن جمهور القاهرة يستحق أن يعيش تلك التجربة الموسيقية الفريدة من نوعها فى أجواء مليئة بالسحر، حيث يلتقى الماضى والحاضر فى تناغم تام، ومن وجهة نظر أخرى، فإن هذه الفعالية تمثل فرصة عظيمة لتجربة فنية يتم فيها الجمع بين روعة الفن الغربى من جهة وعبق التاريخ المصرى من جهة أخرى، فى تزاوج رائع بين المكان والزمان، ولحظات تاريخية تُسجل فى ذاكرة الفن والثقافة، وتظل شاهدة على قدرة الفن على توحيد العالم فى قلب القاهرة.

أما أكثر المفاجآت التى أسعدتنى حقاً، فهى تلك اللمسة المصرية التى صاحبت الفرقة السيمفونية العالمية، وهى وجود عازفة الكمان المصرية الموهوبة أميرة أبوزهرة، وشقيقتها مريم، مما أضفى بُعداً خاصاً على الحدث، فرغم أن الأوركسترا الملكى البريطانى يضم أشهر العازفين من جميع أنحاء العالم، فإن وجود مواهب مصرية مثل أميرة ومريم يعكس بشكل واضح تطور المشهد الموسيقى فى مصر، ويبرز كيف يمكن للموهبة المصرية أن تتناغم مع أرقى المدارس الموسيقية العالمية.

ولا شك أن هذا التعاون بين الموسيقى العالمية والعزف المصرى سيكون له أثر كبير فى تحفيز الشباب المصرى على تطوير مهاراتهم الفنية، كما سيكون دافعاً قوياً لفتح أفق جديد للثقافة الموسيقية فى مصر، والتى لطالما كانت موطناً للمبدعين فى مختلف المجالات.

وفى هذا السياق، أشكر الشركات المصرية التى استقدمت الأوركسترا الملكى البريطانى، لقناعتها بأن هذا الحدث ليس مجرد حدث فنى بحد ذاته، بل هو أيضاً تجسيد حى للروابط الثقافية والإنسانية التى جمعت مصر بالعالم على مر العصور، ورسالة تقول إن الفن لا يعرف الحدود، وإن كل شعوب العالم يمكن أن تتلاقى على أرض واحدة، رغم اختلافاتها الثقافية.

إننى على يقين من أن هذه اللحظات التى تعانقت فيها الموسيقى العالمية مع تراث الأجداد، ستكون بلا شك لحظة تاريخية تُسجّل فى ذاكرة الفن والثقافة، وشاهداً على قدرة الفن على توحيد العالم فى قلب القاهرة، وستظل تلك الليلة الساحرة محفورة فى ذاكرة جمهورها، ليس فقط بسبب الألحان الساحرة التى سمعوها، بل أيضاً لأنهم شهدوا لحظة تاريخية تُرسّخ لفكرة أن الفنون هى اللغة التى توحّد العالم، وتربط بين أجياله المختلفة، بغض النظر عن المكان والزمان.. وأن مصر الخلود بكل ما تحمله من تاريخ ثقافى وفنى عظيم، ستظل دائماً فى قلب الإبداع الفنى العالمى.

إن استضافة الأوركسترا الملكى البريطانى ومهرجان القاهرة السينمائى الدولى، بالإضافة إلى الكثير من الفعاليات الثقافية الأخرى، تؤكد أن مصر ليست فقط بلداً للحضارات القديمة، بل هى أيضاً مركز حيوى للفنون والثقافة فى العصر الحديث.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: مهرجان القاهرة السينمائي مهرجان القاهرة فى قلب أن مصر

إقرأ أيضاً:

ختام رائع لمسابقة ملكات جمال العالم «ميس إنتركونتيننتال» بفنادق «صن رايز»

بعد 15 يومًا من التنافس والبروفات التى بذلت فيها المتسابقات أقصى جهودهن، وصلنا إلى ختام الفعالية التى أقيمت على مسرح «إيزويا» فى «تال أفينيو»، حيث تم تتويج «أجمل عارضة أزياء فى القارات»، وكان اللقب من نصيب المتسابقة «ماريا سيبرو» من بورتو ريكو، ومن البلدان الأخرى التى فاز ممثليها بألقاب مختلفة، كانت روسيا وماليزيا وسريلانكا، حيث تألقت كل واحدة من هؤلاء المتسابقات بأدائها المتميز، أما من بين الدول التى حصلت على جوائز مقدمة من مجموعة «صن رايز»، فقد كانت إنجلترا صاحبة جائزة «أكثر شهرة»، بينما فازت مولدوفا بلقب «ميس صن رايز»، وأخيرًا، وليس آخرًا، كان لقب «أجمل زى وطني» من نصيب المتسابقة الممثلة لماليزيا، التى تألقت بإطلالة فريدة من نوعها، تجسد كل جمال معالم بلادها وتاريخها العريق، مما جعلها تبرز بين المتسابقات وتلفت الأنظار إلى التراث الثقافى الغنى الذى تمثله، هؤلاء المتسابقات وغيرهن أضفن لمسة خاصة للفعالية، مما جعلها أكثر تميزًا ومتعة.

بدأت الفعالية بقوة حيث تجولنا بين فنادق «صن رايز» لاكتشاف تجربة شرم الشيخ الكاملة، فلا يُعقل أن يتواجد جميع هؤلاء المشاركين فى شرم الشيخ دون الاستمتاع بأفخم فنادقها، «وايت هيلز ريزورت» و«ميراكى ريزورت»، وكانت المتسابقات محظوظات بفرصة فريدة لزيارة «صن رايز رمال بيتش ريزورت»، المترقب افتتاحه قريبًا، ليكن أول من استمتع بجمال أجوائه العربية الممزوجة بالفخامة، ولإكمال التجربة، كانت زيارة مطعم «أوسبري» فى رأس محمد خطوة ضرورية، حيث يتميز بأجوائه الفريدة التى تجمع بين هدوء الصحراء وسحرها.

ولم يقتصر الاستمتاع على ترقب الفائزين فى المسابقة فقط، بل أضافت العروض المميزة التى قدمتها مجموعة «صن رايز» على مسرح «إيزويا» تجربة استثنائية لجميع الحاضرين، حيث تنوعت العروض بين فقرات فنية رائعة استعرضت مهارات استثنائية أدهشت الجميع، مما جعل الأجواء أكثر تألقًا وإثارة، هذه العروض المبهرة لم تقتصر على المشاركين فقط، بل جذبت أيضًا العديد من السياح والمقيمين فى شرم الشيخ، الذين لم يترددوا فى حضور هذه الفعالية المميزة والاستمتاع بمشاهدتها عن كثب، لتكون لحظة لا تُنسى.

مقالات مشابهة

  • اتحقق..قبل ما تصدق حملة إعلامية جديدة تنطلق بدمياط
  • تراثنا.. منتجات يدوية محلية تغزو العالم
  • للنساء فقط.. تجهيز فني أثار الجدل ينتصر لتجارب النساء عبر التاريخ
  • "إعلام دمياط" ينظم ندوة تثقيفية حول مواجهة الشائعات
  • عاطف عبداللطيف بندوة عن الفن والسياحة بمهرجان القاهرة الدولي للفيلم القصير.. صور
  • نشرة الفن| بوسترات مسلسل «موضوع عائلي3» .. وهذه تفاصيل حفل نوال الكويتية في موسم الرياض
  • خالد النبوي يكشف عن أولى خطواته الفنية وكواليس أول عرض مسرحي له
  • إيمانًا بدور الفن.. "الوثائقية" تعرض رسالة يومية من مهرجان القاهرة الدولي للفيلم القصير
  • ختام رائع لمسابقة ملكات جمال العالم «ميس إنتركونتيننتال» بفنادق «صن رايز»
  • ابنة المختطف قسريًا هاشم الهمداني تكتب: سنة في ظلام الزنزانة