لماذا تقلصت فرص ترامب في إبرام صفقات جديدة في الشرق الأوسط؟
تاريخ النشر: 18th, November 2024 GMT
نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرًا يسلط الضوء على التحديات المعقدة التي تواجه الرئيس الأمريكي القادم دونالد ترامب في الشرق الأوسط، في ظل تغيّر التحالفات والأولويات مقارنة بولايته الأولى؛ إذ تعمقت العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإيران، وزاد التوتر مع إسرائيل، ما يجعل فرص نجاح سياسته في المنطقة أقل مما كانت عليه في السابق.
وقالت الصحيفة في تقرير ترجمته "عربي21"، إن "سياسة إدارة ترامب في الشرق الأوسط خلال ولايته الأولى اعتمدت على عنصرين رئيسيين: ضرب الاقتصاد الإيراني، ومحاولة عزل إيران من خلال بناء علاقات أوثق بين أبرز خصومها العرب وإسرائيل".
وحسب الصحيفة، حققت الإدارة الأمريكية إنجازًا كبيرًا في الشق الثاني خلال أشهرها الأخيرة عبر ما يسمى باتفاقات "إبراهيم" التي طبّعت العلاقات بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان والمغرب، وجاءت الاتفاقيات مع وعود أمريكية بصفقات أسلحة كبيرة لبعض الموقعين.
وقال المسؤولون حينها إنهم كانوا يأملون أن توقع السعودية، الدولة الأكثر تأثيرًا في العالم العربي من الناحية الجيوسياسية، وتعترف بإسرائيل، وهو هدف سعى إليه الرئيس بايدن أيضًا دون جدوى.
مشهد جيوسياسي مختلف
أكدت الصحيفة أن أجندة الرئيس المنتخب دونالد ترامب في الشرق الأوسط مازالت غير واضحة، لكن المؤكد أنه سيرث مشهدًا جيوسياسيًا يختلف اختلافًا كبيرًا عما كان عليه قبل أربع سنوات.
وتبدلت التحالفات وتغيرت الأولويات، وتعمّقت التوترات القديمة في بعض المناطق وذابت في أماكن أخرى، كما أن هجمات حماس في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، والحرب التي أعقبت ذلك في غزة، قد تعصف بالمنطقة لسنوات.
وأشارت الصحيفة إلى أن ترامب عيّن ستيف ويتكوف، وهو من أقطاب قطاع العقارات وأحد داعمي حملته الانتخابية، مبعوثًا خاصًا له في الشرق الأوسط. وقد حضر ويتكوف، وهو مؤيد قوي لإسرائيل، خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام الكونغرس في تموز/ يوليو الماضي.
كما أن اختيار السيناتور ماركو روبيو من فلوريدا لمنصب وزير الخارجية، ومايك هاكابي كسفير أمريكي في إسرائيل، قد أظهرا أيضًا دعمًا ثابتًا لحرب إسرائيل على غزة، وفقا للصحيفة.
ويرى كريستيان أولريتشسن، خبير شؤون الشرق الأوسط في معهد بيكر للسياسة العامة بجامعة رايس، فإن أولئك الذين يعتقدون أن بإمكان ترامب استئناف العمل من حيث توقف في 2020، يسيئون قراءة الوضع تمامًا.
لا يمكن تهميش الفلسطينيين
اعتبرت الصحيفة أنه تم تهميش الفلسطينيين عندما قاد جاريد كوشنر، صهر ترامب، جهود البيت الأبيض لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية خلال ولاية ترامب الأولى.
ولم تطالب الدول العربية باتخاذ خطوات ملموسة نحو إقامة دولة فلسطينية كشرط مسبق للتوصل إلى اتفاقيات دبلوماسية مع إسرائيل، ونتيجة لذلك لم يقدم نتنياهو أي تنازلات تقريبًا مقابل اعتراف الدول المطبعة بحق إسرائيل في الوجود.
وأضافت الصحيفة أن إدارة بايدن اتبعت استراتيجية مماثلة في سنة 2023 خلال محاولة التوصل إلى اتفاق دبلوماسي بين إسرائيل والسعودية، لكن هجمات 7 تشرين الأول/ أكتوبر الأول والحرب في غزة أطاحت بأي احتمالات للتوصل إلى اتفاق، إذ ارتفع الثمن الذي تطلبه السعودية للتوصل إلى اتفاق، نظرًا للغضب الداخلي في المملكة وفي دول عربية أخرى بسبب إراقة الدماء في غزة.
وقال ولي العهد محمد بن سلمان في خطاب أمام مستشاريه في أيلول/ سبتمبر: "لن تتوقف المملكة عن جهودها الدؤوبة لإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، ونؤكد أن المملكة لن تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل دونها".
ولكن هناك -حسب الصحيفة- احتمال أن يخفف الأمير محمد من مطالبه أو يتنازل عنها مقابل الثمن المناسب، حيث أخبر المسؤولين الأمريكيين خلال المفاوضات التي سبقت هجمات 7 تشرين الأول/ أكتوبر أن إقامة دولة للفلسطينيين ليست أولوية قصوى بالنسبة له، وليس هناك شك كبير بين الخبراء بشؤون الشرق الأوسط أنه يرى أن الاستثمار الغربي في المملكة هو أهم أولوياته من أجل تحقيق هدفه المتمثل في تحديث الاقتصاد السعودي.
إسرائيل لن تقدم تنازلات
قالت الصحيفة إنه بالتوازي مع رغبة السعوديين حاليا في الحصول على المزيد من التنازلات مقابل صفقة السلام مع إسرائيل، فإن حكومة نتنياهو ليست مستعدة لتقديم الكثير.
فمنذ أن كان ترامب في منصب الرئاسة، عاد نتنياهو إلى السلطة ويقود حاليا الحكومة الأكثر يمينية في تاريخ البلاد، وقد أمضى الوزراء القوميون المتطرفون في الائتلاف الحاكم السنتين الماضيتين في الدعوة إلى المزيد من إقامة المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية وتأجيج عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين.
واعتبرت الصحيفة أن نتنياهو مدين لليمين الإسرائيلي المتطرف في الحفاظ على تماسك حكومته الائتلافية وتأجيل الانتخابات التي قد تُخرجه من المشهد السياسي، لذلك فإنه ليس في وضع يسمح له بتقديم أي تنازلات ذات مغزى للفلسطينيين كجزء من أي صفقة كبرى في الشرق الأوسط.
حسابات دول الخليج
أكدت الصحيفة أن إدارة ترامب السابقة نظرت إلى الصفقات بين إسرائيل والدول العربية كجزء من استراتيجية طويلة الأمد ضد إيران، التي شنت لسنوات حروبًا بالوكالة من أجل التفوق الإقليمي على دول الخليج العربي.
لكن العلاقات بين إيران ودول الخليج بدأت تتحسن الآن، فقد التقى دبلوماسيون إيرانيون مباشرة مع مسؤولين من السعودية والإمارات ودول خليجية أخرى خلال الفترة الماضية.
ورغم أنه قد يكون انفراجًا هشًا في العلاقات -وفقا للصحيفة-، إلا أنه بالنسبة لهذه الدول العربية نابع جزئيًا من قناعتها بأن الولايات المتحدة تحاول منذ سنوات فك ارتباطها بالشرق الأوسط، على الأقل عسكريًا.
من جانبها، قد تدفع السعودية إدارة ترامب المقبلة إلى إبرام اتفاقية دفاع مشترك جديدة، من شأنها أن يلزم الولايات المتحدة بالدفاع عن المملكة إذا تعرضت لهجوم.
وحسب تشيب أوشر، الخبير بشؤون الشرق الأوسط، فإن السعوديين سيكونون سعداء بأن يكون لهم "قدم في كلا المعسكرين"؛ حيث يمكن أن يحافظوا على تقاربهم مع إيران، مع السعي إلى تحقيق معاهدات أمنية مع الولايات المتحدة.
وختمت الصحيفة بأن مثل هذه الاتفاقية الدفاعية تتطلب مصادقة ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي، وهو أمر صعب التحقيق إذا لم يوافق السعوديون على الاعتراف رسميًا بإسرائيل كطرف فيها، لذلك من المرجح أن يستمر السعوديون ودول الخليج الأخرى في سياستهم الحذرة، وأن يضعوا في حساباتهم احتمالات تغير ميزان القوى في الولايات المتحدة خلال السنوات القادمة.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية ترامب الشرق الأوسط الفلسطينيين الصفقات الشرق الأوسط فلسطين الاحتلال صفقات ترامب صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة فی الشرق الأوسط العلاقات بین بین إسرائیل الصحیفة أن مع إسرائیل ترامب فی
إقرأ أيضاً:
«الفوضى الخلاقة».. إسرائيل ومحاولة فرض نظام إقليمي جديد في الشرق الأوسط
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
منذ عام 1982، كان الإسرائيليون والأمريكيون يحلمون بـ«إعادة بناء» المنطقة. لكن كل محاولة حتى الآن أنتجت نتائج معاكسة لتلك المطلوبة.
وفي الوقت الذي تواصل فيه القوات البرية الإسرائيلية دخول الأراضي اللبنانية، منذ الثلاثاء 1 أكتوبر، لتنفيذ «غارات محلية»، كما يعرّفها الجيش، تواصل العمليات الإسرائيلية ضرباتها على نطاق جغرافي أوسع بلا حدود فى غزة وغيرها.
يوم الأحد الأخير من سبتمبر، بث رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو رسالة ذات مغزى، قال فيها: «نحن في منتصف الأيام التاريخية»، قبل أن يتعهد: «نحن نغير الواقع الاستراتيجي للشرق الأوسط.. إسرائيل تنتصر».. ما هذا «الواقع الاستراتيجي» الذي يتغير مع هذه الهجمات على حزب الله ومقتل زعيمه حسن نصر الله وخليفته الذى كان مرجحاً هاشم صفى الدين وغيره من قيادات حزب الله، فيما يشكل الحزب بترسانته من الصواريخ والقذائف ركيزة الردع الإيراني؟.
«هيكو ويمين»، مدير المشروع المعني بالعراق وسوريا ولبنان في مركز أبحاث مجموعة الأزمات الدولية، يرى، فيما كتبه، أنه ليس هناك شك في أن الدمار الذي لحق بحلفاء إيران، وعلى رأسهم حزب الله، هو بالفعل علامة على تغيير في «الواقع الاستراتيجي». ويمكن فهم الوضع على أنه: «من الآن فصاعداً، يمكن لإسرائيل أن تفكر في ضرب المصالح الإيرانية، واستهداف حلفاء طهران كما تشاء، ويتم القيام بذلك مراراً وتكراراً».
ويبدو أن تضاعف العمليات الإسرائيلية وتكثيفها يندرج أيضًا في تعريف «الجبهات السبع» التي تقودها إيران ضد إسرائيل، وفقًا لبنيامين نتنياهو، وهى صيغة تشمل الدول التي يتواجد فيها حلفاء طهران، وأيضا الجماعات المسلحة في الضفة الغربية المحتلة.
لنذهب أبعد من ذلك، هل يميل رئيس الوزراء الإسرائيلي، في المناخ الذي يصاحب هذه الضربات بالطائرات والطائرات بدون طيار في جميع أنحاء المنطقة، إلى تغيير النظام الإقليمي بشكل أكثر عمقا؟.
يوم الإثنين، 30 سبتمبر، أثناء حديثه، مرة أخرى عبر الفيديو، ولكن هذه المرة للشعب الإيراني، أشار بنيامين نتنياهو إلى اقتراب حدوث تغييرات كبيرة في طهران: «في كل يوم، ترون أنكم تحت سيطرة نظام يسحقكم، ويلقي خطابات نارية حول الدفاع عن غزة والدفاع عن لبنان». وحذر قائلاً: «لا يوجد مكان واحد في الشرق الأوسط لا تستطيع إسرائيل الوصول إليه»، ثم شنت إسرائيل ضربات على العاصمة الإيرانية طهران، في 26 أكتوبر الماضى، وهكذا فإن إعادة رسم المشهد الاستراتيجي في الشرق الأوسط بالقوة هي فكرة إسرائيلية أمريكية قديمة. وعلى الرغم من ميلها إلى الخمود لفترة، فقد عاودت الظهور، على فترات منتظمة، لمدة نصف قرن على الأقل. عندما أمر أرييل شارون، وزير دفاع الدولة اليهودية آنذاك قواته بغزو لبنان عام 1982، لم يكن يسعى فقط إلى سحق فدائيي ياسر عرفات. بل كان يهدف أيضاً إلى طرد القوات السورية من الأراضي اللبنانية التى كانت موجودة وفق قرار لبنانى منذ عام 1976.
وسرعان ما تم إجهاض هذا المخطط الكبير، الذي كان بمثابة عودة للحلم الإسرائيلي القديم، الذي تم استحضاره في الخمسينيات، والذي يتألف من تقطيع أوصال لبنان وإنشاء دويلة مسيحية صغيرة تابعة للدولة اليهودية. وإذا كان مقاتلو منظمة التحرير الفلسطينية قد اضطروا إلى الإخلاء من لبنان تحت ضغط إسرائيل، فإن رحيلهم مهد الطريق لظهور ميليشيا جديدة أيضاً معادية لإسرائيل وأكثر قتالية، وهى حزب الله.
عادت خيالات إعادة تشكيل بلاد الشام إلى الظهور من جديد عام 2003، في أعقاب الغزو الأمريكي للعراق. وبعد الإطاحة بصدّام حسين، تحول الرئيس جورج دبليو بوش وصقور المحافظين الجدد الذين أحاطوا به إلى «رسل الديمقراطية المفروضة من أعلى» تحت ستار حملة تهدف إلى خلق «شرق أوسط أكبر» وأكثر تصالحية مع إسرائيل والولايات المتحدة.
وبعد ثلاث سنوات، في صيف عام 2006، وفي خضم الحرب بين حزب الله والدولة اليهودية، أرادت كوندوليزا رايس، وزيرة الخارجية آنذاك في إدارة جورج دبليو بوش، أن تضع المسمار في رأس لبنان والمنطقة. ووسط وابل القنابل التي هطلت على بلاد الأرز وحوّلت بنيتها التحتية إلى أشلاء، زعمت أنها تكتشف «مخاض شرق أوسط جديد».
وفي الحالتين جاءت النتيجة عكس ما كان مستهدفاً. أدى سقوط نظام صدام حسين إلى دفع العديد من فصائل العراق إلى فلك إيران، وانتهى الهجوم الإسرائيلي على لبنان بشبه فشل، وهو ما اعتبر انتصاراً لحزب الله.
وانتهزت الحركة الشيعية الفرصة لتعزيز قبضتها على المشهد السياسي اللبناني، وحصلت على أقلية معطلة فعلياً فى البرلمان وداخل الحكومات المتعاقبة. وهكذا فإن «الفوضى الخلاقة» التي نظرت لها كوندوليزا رايس سهّلت ظهور «محور المقاومة».
ويعتقد السياسي اللبناني كريم إميل بيطار أن «الإسرائيليين متغطرسون». ويتصرفون على أساس أنهم «يتمتعون بتفوق عسكري ساحق، مما يسمح لهم بفعل ما يريدون». ولكن ينبغي لهم أن يتأملوا في مقولة الفرنسي شارل موريس تاليران الشهيرة: «يمكنك أن تفعل أي شيء باستخدام الحراب، باستثناء الجلوس عليها». ماذا يمكننا أن نبني على الفوضى التي يزرعونها؟.
وبالنسبة لأولئك الذين يميلون إلى نسيان ذلك، فقد نبهت الأحداث إلى أن تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط لا يمكن أن يتم دون تسوية القضية الفلسطينية.
وبعد عام من التفجيرات التي حولت قطاع غزة إلى ساحة هائلة من الخراب وخلفت أكثر من 40 ألف قتيل، تغير المشهد وأصبح يسير على شكل تروس عكسية، حتى يمكن القول أن جيلاً كاملاً من العرب يكبر ويواجه صور الدمار الذي سببته إسرائيل. إن الرغبة في إعادة تشكيل الشرق الأوسط هي بمثابة فتح صندوق باندورا.
*نقلاً عن صحيفة "لوموند" الفرنسية
الكاتبان صحفيان بالصحيفة.. بنيامين بارت نشر كتاباً بعنوان "حلم رام الله.. رحلة في قلب السراب الفلسطيني"، وجان فيليب ريمى متخصص فى قضايا الشرق الأوسط وأفريقيا
بنيامين بارتجان فيليب ريمي